إنكار الإعجاز العلمي في قوله تعالى: (والسماء ذات الرجع)
وجه إبطال الشبهة:
إن لفظة )الرجع(الواردة في قوله عز وجل: )والسماء ذات الرجع(، لها من الدلالات ما يفوق مجرد نزول المطر؛ إذ لو كان المعنى مقتصرًا على المطر لجاء الوصف للسماء بصيغة “ذات المطر”، لكن اللفظ جاء على العموم والشمول، فهو يشمل كل معنى يتنزل عليه اللفظ، ولذلك فوصفها بذات الرجع يفيد أنها ترد إلى الأرض كل نافع، وترد عنها كل ضار، وهذا ما يميز الغلاف الجوي المحيط بالأرض؛ إذ أثبت العلماء أن له سبعة أنواع من أنواع الرجع، وهي:
o الرجع الاهتزازي للهواء “الأصوات وصداها”.
o الرجع المائي.
o الرجع الحراري إلى الأرض وعنها إلى الفضاء بواسطة السحب.
o رجع الغازات والأبخرة والغبار المرتفع من سطح الأرض.
o الرجع الخارجي للأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون.
o رجوع الموجات الراديوية بواسطة النطاق المتأين.
o رجع الأشعة الكونية بواسطة كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
- صور رجع السماء:
قبل الحديث عن صور رجع الغلاف الجوي للأرض (سماء الأرض)([1])، يجدر بنا أن نشير إلى مكونات الغلاف الجوي؛ فهو ينقسم إلى قسمين رئيسين هما:
o القسم الأول: الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض(the lower atmosphere):
ويتكون أساسًا من خليط من جزيئات النيتروجين والأكسجين وعدد من الغازات الأخرى، ويعرف باسم “النطاق المتجانس” (the homosphere)،وينقسم إلى ثلاثة نطق متميزة، وهي من أسفل إلى أعلى:
نطاق التغيرات الجوية أو نطاق الطقس أو الرجع(the troposphere)،ونطاق التطبق (the stratosphere)،والنطاق المتوسط (the mesosphere).
o القسم الثاني: الجزء العلوي من الغلاف الغازي للأرض (the upperatmosphere):
وهذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض يختلف اختلافًا كليًّا عن الجزء السفلي؛ ولذا يعرف باسم “نطاق التباين” (the heterosphere)، ويحتوي على نطاقين متميزين، وهما أيضًا من أسفل إلى أعلى:
النطاق الحراري (the thermosphere)، والنطاق الخارجي (the exosphere).
رسم يبين النطق التي يتألف منها الغلاف الغازي
المحيط بالأرض
أما عن صور رجع السماء من الغلاف الجوي فهي الآتي:
- الرجع الاهتزازي للهواء (الأصوات وصداها):
تحتوي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض -نطاق التغيرات الجوية([2])- على 75% من كتلة ذلك الغلاف الذي يتكون أساسًا من غاز النيتروجين 78%، والأكسجين 21,95%، وآثار خفيفة من بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والأوزون، وبعض هباءات الغبار، وآثار أقل تركيزًا من الأيدروجين، والأرجون، والهيليوم، وبعض مركبات الكبريت.
وكل من التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية لهذا النطاق يعتبر من الضرورات الأساسية للحياة الأرضية، ومنها القدرة على السمع، فلو لم يكن لنطاق الرجع هذه الكثافة الغازية المحددة ما أمكن للاهتزازات المحدثة للأصوات وصداها أن تسمع، فعندما تهتز أحبالنا الصوتية تحدث اهتزازاتها ضغوطًا في الهواء تنتشر على هيئة أمواج تتحرك في الهواء في كل الاتجاهات من حولنا، فتصطدم بالجوامد وترتد على هيئة صدى الصوت، أو تتلقاها طبلة الأذن لأفراد آخرين فتحدث بها من الاهتزازات والارتدادات ما يمكنهم من سماعها بوضوح، ولولا التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية المحددة لذلك النطاق ما سمع بعضنا بعضًا ولاستحالت الحياة؛ وذلك لأن الصوت لا ينتقل في الفراغ لعدم وجود جزيئات الهواء القادرة على نقل الموجات الصوتية.
وتتحرك الموجات الصوتية في الهواء بسرعة 1200 كم/ س عند مستوى سطح البحر، وتزداد سرعة الصوت كلما ازدادت كثافة الوسط الذي يتحرك فيه، وتقل بقلة كثافته؛ ففي الماء تتضاعف سرعة الصوت أربع مرات تقريبًا عنها في الهواء، وفي النطق العليا يتخاطب رواد الفضاء مع بعضهم بعضًا بواسطة الموجات الراديوية التي يمكنها التحرك في الفراغ.
وعندما تصطدم الموجات الصوتية بأجسام أعلى كثافة من الهواء؛ فإنها ترتد على هيئة صدى للصوت الذي له عديد من التطبيقات العملية، والرجع الاهتزازي للهواء على هيئة الأصوات وصداها هو أول صورة من صور رجع السماء، ولولاه ما سمع بعضنا بعضًا وما استقامت الحياة على الأرض([3]).
- الرجع المائي:
يغطي الماء 70% من مساحة سطح الأرض على شكل محيطات وبحار، وتحتوي المحيطات والبحار على 97,50% من ماء كوكب الأرض، بينما لا تتجاوز حصة اليابس 2,4%، التي تكون عادة على شكل أنهار وبحيرات وبرك ومياه جوفية أو رطوبة تربة، والملوحة أساس ماء البحار والمحيطات، أما العذوبة فغالبًا لمياه اليابسة، ويمكن أن يوجد الماء على شكل سائل أو صلب أو غاز في الغلاف الجوي حيث تبلغ نسبته في الغلاف الجوي أقل من 0,001 %.
وتمر دورة الماء في الأرض (water cycle on the earth) بعدة مراحل وهي:
- التبخر:
عملية تحول الماء من حالة السيولة إلى الحالة الغازية، وهي العملية التي ترطب الغلاف الغازي؛ إذ تعمل حرارة الشمس والرياح على تحويل الماء من سائل إلى غاز “عملية التسامي”، والمصدر الرئيس لبخار الماء في الطبيعة يتمثل في المحيطات؛ إذ تبلغ نسبة البخار المتصاعد منها 80% من النسبة الكلية للبخار، ويوجد هذا البخار في الغلاف الجوي على هيئة غاز، وقليل منه على شكل غيوم.
وتعد عملية التبخر أساسية في نقل الماء من المسطحات المائية إلى مناطق أخرى على شكل أمطار، كما أنها تقوم بتوزيع الطاقة بين أركان الأرض الثلاثة: اليابسة والماء والهواء؛ حيث تخزن جزيئات الماء في أثناء عملية التبخر طاقة داخلية تسمى “الطاقة الكامنة”، التي تطلق على شكل طاقة محسوسة عند عملية التحول العكسي؛ أي من بخار إلى ماء (مطر).
- النقل:
تحول بخار الماء في الغلاف الجوي مؤثرا على رطوبة الكتل الهوائية، ويكون في خلال ذلك محكوما بحركة الرياح مثل التيارات النفاثة في أعلى الغلاف الغازي أو نسيم البحر والبر.
- التكاثف:
عملية تحول بخار الماء إلى سائل؛ إذ إن حركة الهواء لأعلى تعمل على تبريد الهواء ذاتيًّا الأمر الذي يجعله يفقد قدرته تدريجيًّا على حمل البخار؛ فيتكثف متحولاً إلى غيوم، ومن ثم إلى مطر.
- الهطول:
عملية انتقال الماء الناتج عن التكاثف في الغيوم من الهواء إلى أسفل (الماء واليابسة)، ويعتمد على حجم قطرة الماء الساقطة على تيارات الهواء الصاعدة، وتعمل قوى التصادم بين القطرات المائية في الغيوم على زيادة حجم القطرة حتى تصل إلى الحجم القادر على التغلب على التيارات الصاعدة، ومن ثم تسقط بالاتجاه الأسفل، وفي حال سقوطها على اليابسة، فإن طاقتها الحركية تعمل على تفتيت التربة عند الاصطدام بها.
- النتح:
تمتص النباتات الماء من التربة بواسطة جذورها حتى وإن كان في أعماق بعيدة، وتخزن بعضه في أجزائها وثمارها، وتطلق الباقي للغلاف الجوي.
- الجريان:
تتجمع مياه الأمطار والينابيع والثلوج لتشكل الجداول والأنهار والبحيرات والسدود الطبيعية والاصطناعية، وعادة ما يكون الجريان في أوجه بعد الأمطار الغزيرة، وفوق المناطق الرملية التي تصل إلى حالة الإشباع بسرعة؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث الفيضانات بمختلف أشكالها.
- الترشيح:
عملية تصدير الماء إلى باطن الأرض، حيث تنتقل مياه الأمطار إلى باطن الأرض، ويعتمد معدل الترشيح على العوامل الآتية: معدل هطول الأمطار، كيفية الهطول، الغطاء النباتي، كيمياء التربة وتركيبها ورطوبتها، حيث إن التربة لا تمنع تسرب الماء إلا بعد أن تصل إلى حالة الإشباع، وهي كمية الماء التي لا تستطيع أن تحملها بين جزيئاتها، وتسمَّى هذه الكمية بالسعة الحقلية.
ولذا؛ فالتربة بها منطقتان رئيستان، هما: منطقة التروية، وهي التي تزود النبات بحاجته من الماء، ومنطقة الإشباع، وهي المنطقة التي تخزن المياه الجوفية، والتي يمكن استخراجها عن طريق الحفر إلى ما يسمى مستوى المائدة المائية (water table)([4]).
وعمومًا؛ فإن هذه المياه عندما تجد طريقها الطبيعي إلى سطح الأرض تكون قد اكتملت دورة المياه في الأرض. والشكل الآتي يوضح ذلك:
صورة توضيحية لدورة المياه في الأرض
هذه الدورة المعجزة للماء حول الأرض هي الصورة الثانية من صور رجع السماء، ولولاها لفسد كل ماء الأرض الذي يحيا ويموت فيه بلايين الكائنات في كل لحظة، ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة بالنهار، ولبرودة شديدة بالليل، ويعد نطاق التغيرات الجوية المسئول عن هذه الصورة من صور رجع السماء.
- الرجع الحراري إلى الأرض وعنها إلى الفضاء بواسطة السحب:
يصل إلى الأرض من الشمس في كل لحظة شروق كميات هائلة من طاقة الشمس، ويعمل الغلاف الغازي للأرض كدرع واقية لنا من حرارة الشمس في أثناء النهار، كما يعمل كغطاء بالليل يمسك بحرارة الأرض من التشتت.
فذرات وجزيئات الغلاف الغازي للأرض تمتص وتشتت وتعيد إشعاع أطوال موجات محددة من الأشعة الشمسية في كل الاتجاهات، ومن الأشعة القادمة إلى الأرض يمتص ويشتت ويعاد إشعاع 53% منها بواسطة الغلاف الغازي للأرض، وتمتص صخور الأرض 47% منها، ولولا هذا الرجع الحراري إلى الخارج لأحرقت أشعة الشمس كل صور الحياة على الأرض، ولبخرت الماء وخلخلت الهواء.
وعلى النقيض من ذلك؛ فإن السحب التي ترد عنا ويلات حرارة الشمس في نهار الصيف، هي التي ترد إلينا 98% من أشعة الدفء بمجرد غروب الشمس، فصخور الأرض تدفأ في أثناء النهار بحرارة الشمس بامتصاص نحو 47% من أشعتها، فتصل درجة حرارتها إلى نحو 15 درجة مئوية في المتوسط، وبمجرد غياب الشمس تبدأ صخور الأرض في إعادة إشعاع حرارتها على هيئة موجات من الأشعة تحت الحمراء، التي تمتصها جزيئات كل من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون فتدفئ الغلاف الغازي للأرض، كما تعمل السحب على إرجاع غالبية الموجات الطويلة التي ترتفع إليها من الأرض (98%) إلى سطح الأرض مرة أخرى، وبذلك تحفظ الحياة الأرضية من التجمد بعد غياب الشمس. ولو لم يكن للأرض غلاف غازي لتشتتت حرارة الشمس إلى فسحة الكون، وتجمدت الأرض وما عليها من صور الحياة في نصف الكرة المظلم بمجرد غياب الشمس.
وهذا الرجع الحراري بصورتيه إلى الخارج وإلى الداخل يحقق الصورة الثالثة لرجع السماء للأرض.
- رجع الغازات والأبخرة والغبار المرتفع من سطح الأرض:
عندما تثور البراكين تدفع بملايين الأطنان من الغازات والأبخرة والأتربة إلى جو الأرض، الذي سرعان ما يرجع ذلك إلى الأرض، كذلك يؤدي تكون المنخفضات والمرتفعات الجوية إلى دفع الهواء في حركة أفقية تنشأ عنها الرياح التي يتحكم في هبوبها -بعد إرادة الله عز وجل- عدة عوامل، منها: مقدار الفرق بين الضغط الجوي في منطقتين متجاورتين، ودوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق، وتنوع تضاريس الأرض، والموقع الجغرافي للمنطقة.
والغالبية العظمى من المنخفضات الجوية تتحرك مع حركة الأرض (أي من الغرب إلى الشرق) بسرعات تتراوح بين 20 و30 كم/ س، وعندما تمر المنخفضات الجوية فوق اليابسة تحتك بها، فتبطئ حركتها قليلاً، وتحمل بشيء من الغبار الذي تأخذه من سطح الأرض، وإذا صادف المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبلية معترضة، فإنه يصطدم بها الأمر الذي يزيد من إبطاء سرعتها ويقوي من حركة صعود الهواء إلى أعلى، ولما كان ضغط الهواء يتناقص بالارتفاع إلى واحد من ألف من الضغط الجوي العادي (أي عند سطح البحر) إذا وصلنا إلى ارتفاع 48 كم فوق ذلك السطح، وإلى واحد من مئة ألف من الضغط الجوي إذا وصلنا إلى ارتفاع ألف كيلو متر فوق سطح البحر؛ فإن قدرة الهواء على الاحتفاظ بالغبار المحمول من سطح الأرض تضعف باستمرار الأمر الذي يؤدي إلى رجوعه إلى الأرض، وإعادة توزيعه على سطحها بحكمة بالغة، وتعين على ذلك الجاذبية الأرضية.
- الرجع الخارجي للأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون:
تقوم طبقة الأوزون في قمة نطاق التطبق([5])بامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس بواسطة جزيئات الأوزون (o3)، وترد نسبًا كبيرة منها إلى خارج ذلك النطاق، وبذلك تحمي الحياة على الأرض من أخطار تلك الأشعة المهلكة التي تحرق كلا من النبات والحيوان والإنسان، وتتسبب في عديد من الأمراض، من مثل سرطانات الجلد، وإصابات العيون وغيرها، ويمكن أن تؤدي إلى تبخر ماء الأرض بالكامل.
- رجع الموجات الراديوية بواسطة النطاق المتأين:
في النطاق المتأين([6]) (بين 100 و 400 كم فوق مستوى سطح البحر) تمتص الفوتونات النشيطة القادمة مع أشعة الشمس، من مثل الأشعة السينية، فتؤدي إلى رفع درجة الحرارة وزيادة التأين، ونظرًا لانتشار الإلكترونات الطليقة في هذا النطاق؛ فإنها تعكس الإشارات الراديوية القادمة من أشعة الشمس إلى خارج نطاق الأرض، كما تعكس موجات الراديو المبثوثة من فوق سطح الأرض وتردها إليها، فتيسر عملية البث الإذاعي والاتصالات الراديوية، وكلها تمثل صورًا من الرجع إلى الأرض([7]).
- رجع الأشعة الكونية بواسطة كل من أحزمة الإشعاع([8])والنطاق المغناطيسي للأرض:
يمطر الغلاف الغازي للأرض بوابل من الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الكون فتردها إلى الخارج كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض، فلا يصل إلى سطح الأرض منها شيء، ولكنها تؤدي إلى تكون أشعة ثانوية قد يصل بعضها إلى سطح الأرض، فتؤدي إلى عدد من ظواهر التوهج والإضاءة في ظلمة الليل من مثل ظاهرة الفجر القطبي.
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة، تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض، التي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين، وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي، ويؤدي ذلك إلى رد غالبية الأشعة الكونية القادمة إلى خارج نطاق الغلاف الغازي للأرض، وهي صورة من صور الرجع([9]).
أحزمة الإشعاع التي ترجع عنا الأشعة الكونية
2) التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما جاءت به الآية الكريمة:
تشير الآية الكريمة )والسماء ذات الرجع(11)((الطارق)، إلى أن أهم صفة للسماء المحيطة بالأرض هي أنها ذات رجع، والرجع في هذه الآية الكريمة لفظ عام، يعني كل رجع من السماء إلى الأرض، ولهذه اللفظة )الرجع (في هذه الآية من الدلالات ما يفوق مجرد نزول المطر -على أهميته القصوى لاستمرارية الحياة على الأرض- إذ أثبت العلم الحديث عدة ظواهر طبيعية تنطوي تحت لفظة “الرجع” تحدث في الغلاف الغازي للأرض (سماء الأرض)، فدراسة ذلك الغلاف قد أكدت لنا أن كثيرًا مما يرتفع إليه من الأرض من مختلف صور المادة والطاقة من مثل: “هباءات الغبار المتناهية الدقة في الصغر، بخار الماء، وكثير من غازات أول وثاني أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، والنوشادر، والميثان، وغيرها” كل ذلك يرتد ثانية إلى الأرض راجعًا إليها.
كذلك؛ فإن كثيرًا مما يسقط على الغلاف الغازي للأرض من مختلف صور المادة والطاقة يرتد راجعًا عنه بواسطة عدد من نطق الحماية المختلفة التي أعدها ربنا عز وجل لحمايتنا وحماية مختلف صور الحياة الأرضية من حولنا، كل هذه الصور المتعددة لرجع السماء التي لم تعرف إلا في العقود المتأخرة في القرن العشرين قد أشار إليها القرآن، حينما وصف السماء بأنها (ذات الرجع).
- المدلول اللغوي للآية الكريمة:
يقال في اللغة العربية: رجع، يرجِع، رجوعًا، بمعنى: عاد، يعود، عودًا، ورجعه أو أرجعه بمعنى أعاده ورده، والرجوع: هو العود إلى ما كان منه البدء، ويقال: رجعه، يرجِعه، رجعًا، كما يقال: رجع يرجِّع ترجيعًا بمعنى رد يرد ردًّا، فالرجع لغة: هو العود والارتداد، والرد، والانصراف، والإعادة.
فهم المفسرين:
أورد ابن كثير عن ابن عباس قوله: الرجع: المطر، وعنه: هو السحاب فيه المطر، وعنه: “والسماء ذات الرجع” تمطر ثم تمطر. وقال قتادة: ترجع رزق العباد كل عام، ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم. وقال ابن زيد: ترجع نجومها وشمسها وقمرها يأتين من ههنا([10]).
وقد ذكر صاحب اللباب في علوم القرآن هذا المعنى الأخير فقال: الرجع: مصدر، بمعنى رجوع الشمس والقمر إليها، والنجوم تطلع من ناحية، وتغيب في أخرى.
وقد ذكر الماوردي في تفسيره أن “السماء ذات الرجع” فيها أربعة أقاويل:
أحدها: ذات المطر؛ لأنه يرجع في كل عام، قاله ابن عباس.
الثاني: ذات السحاب؛ لأنه يرجع بالمطر.
الثالث: ذات الرجوع إلى ما كانت.
الرابع: ذات النجوم الراجعة، قاله ابن زيد.
كما أضاف قولاً خامسًا: ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد([11])، وأورد المعنى نفسه صاحب اللباب أيضًا فقال: “ذات الرجع”؛ أي: ذات النفع، وقيل: ذات الملائكة، لرجوعهم فيها بأعمال العباد، وهذا قسم.
ومن ثم؛ فإن المفسرين لم يقصروا لفظة الرجع على المطر فحسب كما ظن هؤلاء الطاعنون، بل أطلقوا الرجع على كل ما يمكن أن ترجعه السماء، وعليه فلا مانع أن يطلق على كل ما اكتشفه العلماء حديثًا من صور رجع الغلاف الجوي
3) وجه الإعجاز:
تشير الآية القرآنية )والسماء ذات الرجع (11) ((الطارق) إلى أن أهم صفة للسماء هي أنها ذات رجع، بيد أن القدماء فهموا أنها تشير إلى المطر فحسب، وجاء العلم الحديث ليعمِّق معنى الإرجاع أو الإعادة إلى ما كان منه البدء؛ فمعناها رد الشيء وإرجاعه في اتجاه مصدره مثل صدى الصوت وغيره. ومن ثم؛ فلفظة الرجع لها من الدلالات ما يفوق مجرد نزول المطر، وأنه بغير تلك الصفة للجو ما استقامت على الأرض حياة، وقد أجمل القرآن الكريم في لفظة واحدة كل هذه الصور التي نعرفها اليوم، وربما العديد من الصور التي نعرفها بعد، مما يتوصل إليها العلم من خصائص هذه السماء؛ ليعد هذا الإجمال إعجازًا علميًّا للقرآن أثبته العلم الحديث، وليقطع الطريق على أولئك الذين ينكرون ويشككون في هذا الكتاب القويم وإعجازه المبين.
(*) موقع: الكلمة www.alkalema.net.
[1]. يقصد بالغلاف الغازي للأرض: الغازات والجزيئات الصلبة التي تحيط بالأرض، والتي تشكل طبقة غازية مثبتة حول الأرض بفعل الجاذبية، وسمكه دقيق جدًّا مقارنة بالأرض، فلا يكاد يوازي قشرة التفاحة مقارنة مع كتلتها. ومن ثم؛ فالغلاف الغازي يُرى من الفضاء، وكأنه طبقة دقيقة من الضوء الأزرق الغامق في الأفق.
[2]. نطاق التغيرات الجوية “طبقة التربوسفير” (the troposphere): هي الطبقة الملاصقة لسطح الأرض، ويبلغ متوسط ارتفاعها نحو 11 كم فوق سطح البحر، وتُسمَّى بالطبقة المناخية؛ لأنها الطبقة المؤثرة في تغيرات المناخ وكافة الظواهر الجوية، كالأمطار والسحب والرياح والضباب والعواصف الرعدية والترابية والاضطراب في الطقس والمناخ، وكتلة الهواء الموجودة في هذه الطبقة، وهي تعادل 80 % من كتلة الغلاف الجوي بأكمله، وتقل درجة حرارة الهواء وكثافته وضغطه والجزيئات الثقيلة كلما ارتفعنا إلى الأعلى في هذه الطبقة.
[3]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1428هـ/ 2007م، ص302، 303.
[4]. دورات من الحياة وإعجازها العلمي: دورة المياه في الأرض، د. نظمي خليل أبو العطا موسى، بحث منشور بموقع: www.met-jometeo-gov.jo.
[5]. نطاق التطبق (the stratosphere): يمتد من فوق نطاق التغيرات الجوية إلى ارتفاع نحو خمسين كيلو مترًا فوق مستوى سطح البحر، وترتفع فيه درجة الحرارة من ستين درجة مئوية تحت الصفر في قاعدته إلى الصفر المئوي في قمته، ويعود السبب في ارتفاع درجة الحرارة إلى امتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس بواسطة جزيئات الأوزون التي تتركز في قاعدة هذا النطاق (ارتفاع يتراوح بين 18: 30 كم) مكونة طبقة خاصة تُعرف باسم طبقة أو نطاق الأوزون (the ozonosphere).
[6]. النطاق المتأين (the ionosphere): هو جزء من النطاق الحراري (the thermosphere)، ويبدأ من ارتفاع مئة كيلو متر إلى أربع مئة كيلو متر فوق مستوى سطح البحر، الذي تتأين فيه جزيئات الغلاف الغازي بفعل كل من الأشعة فوق البنفسجية والسينية القادمتين من الشمس، وفوق هذا النطاق يعرف الجزء الخارجي من النطاق الحراري باسم “النطاق الخارجي” (the exosphere)، ويقل فيه الضغط ويزداد فيه التدخل مع دخان السماء، أو ما يعرف تجاوزًا باسم الفضاء الخارجي.
[7]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص306: 308.
[8]. أحزمة الإشعاع (the radiation belts): عبارة عن كرتين تحيطان بالأرض إحاطة كاملة، وتبدوان في القطاع على هيئة زوجين من الأحزمة الهلالية الشكل التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة، وتزداد في السمك حول خط الاستواء، وترق رقة شديدة عند القطبين، وتحتوي على أعداد كبيرة من البروتونات والإلكترونات التي اصطادها المجال المغناطيسي للأرض. ويتركز الزوج الداخلي من هذه الأحزمة حول ارتفاع 3200 ك. م فوق مستوى سطح البحر، بينما يتركز الزوج الخارجي من هذه الأحزمة حول ارتفاع 25000 ك. م فوق مستوى سطح البحر.
[9]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص308.
[10]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط.2، 1420هـ/1999م، ج4، ص498.
[11]. النكت والعيون، الماوردي، تحقيق: السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية، بيروت، عند تفسير قوله تعالى: )وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11) ((الطارق).