إنكار الإعجاز العلمي في قوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون)
وجه إبطال الشبهة:
إن قوله تعالى: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة( ( النحل:88) ليس المراد منه بيان أن هذه الحيوانات تُتخذ للركوب والزينة فحسب، وإنما يُراد به معنى آخر، وهو السر وراء ذلك الترتيب المعجز: )والخيل والبغال والحمير( ( النحل:88)؛ حيث تشترك جميعًا في صفات واحدة وخصائص متشابهة، وهذا ما كشف عنه العلم الحديث.
ولما كان القرآن الكريم صالحًا لكل زمان ومكان جاء قوله تعالى: ) ويخلق ما لا تعلمون (8)( (النحل) في ختام تلك الآية إشارة تنـبئية إلى ما يستجد مستقبلاً من وسائل نقل أخرى؛ كالسيارات والطائرات والقطارات… إلخ، كما ذكر ذلك كثير من المفسرين والباحثين في العصر الحديث، فأي إعجاز علمي هذا؟!
التفصيل:
إن من نعم الله عز وجل على بني آدم تسخيره لهم جميع ما في الكون لصالحهم، من ذلك الخيل والبغال والحمير التي يركبونها، وهي زينة لهم، بالإضافة إلى وسائل نقل أخرى في كل زمان ومكان، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى:)والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون(8)( (النحل)، أفلا يُعد هذا إعجازًّا علميًّا رائعا؟!
لا شك أن هذه الآية تحوي إعجازًا علميًّا من ناحيتين:
الأولى: يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم: إن هذه الآية الكريمة جمعت الخيل والبغال والحمير على أساس علمي؛ فالثلاثة من عائلة واحدة، وهي “العائلة الخيلية”، وتشترك جميعًا في صفات واحدة وخصائص متشابهة، فهي تتحرك بقوائمها الأربعة حركات من شأنها أن يتوزع وزن الجسم بالتساوي على هذه القوائم، وأثناء وقوفها لا تبذل جهدًا عضليًّا يُذكر؛ لذلك تقضي الخيول فترة نومها واقفة على قوائمها الأربعة، وكذلك تفعل البغال والحمير.
ويقف الحصان وكل العائلة الخيلية على قوائمه، يقف على ثلاثة منها، ويريح الرابعة بالتبادل مع القوائم الأخرى؛ وذلك لأن في مفاصل أرجله أربطة حافظة تحول دون ثني المفصل أثناء الوقوف والسكون.
وهذه الدواب الثلاث تتناول العشب، ولا تتناول النباتات الشوكية كما يفعل الجمل، كما أنها تتحمل المشاق، وهي أيضًا تعتمد على حاستي السمع والشم أكثر من اعتمادها على الحواس الأخرى؛ لأنها ليست حادة البصر؛ لذلك ذكرت الآية الكريمة: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة((النحل:8)على أساس علمي: تشريحي وفسيولوجي، وهذا إعجاز علمي.
وليس هذا فحسب، بل إن ترتيب ذكر الدواب الثلاث في الآية- الخيل أولاً ثم البغال ثم الحمير- له أسباب علمية، وهي:
1.على أساس الحجم؛ فالخيل أكبر من البغال حجمًا، والبغال أكبر حجمًا من الحمير.
2.على أساس القوة البدنية؛ فالخيل أقوى من البغال، والبغال أقوى من الحمير.
3.على أساس تمييز الألوان؛ فالحصان يميز أربعة ألوان، والبغل يميز ثلاثة ألوان، والحمار يميز لونين فقط: الأصفر والأخضر، وبه عمى للألوان الأخرى([1]).
هذا بالإضافة إلى أن الخيل تمتلك 64 نوعًا من الكروموزومات، في حين تمتلك الحمير 62 كروموزومًا، أما البغال فتأتي في الوسط بـ 63 كروموزومًا([2]).
“وهكذا تظهر عظمة المولى في الترتيب من حيث المتعة بالركوب؛ فهي تكون في ركوب الخيل، ومتوسطة في ركوب البغال، وقليلة في ركوب الحمير، وهذا التوجيه نلمسه في حياتنا العلمية”([3]).
الثانية: قوله تعالى: )ويخلق ما لا تعلمون(8) ( (النحل):
يأتي هذا القول المعجز في ذيل الآية إشارة إلى ما سيصل إليه مآل الإنسان في الحصول على الوسائط النقلية المدنية من غير الحيوانات، من المراكب ووسائل النقل التي وهب الله تعالى الإنسان القدرة على اختراعها، وهذا ما ذكره كثير من المفسرين والباحثين في العصر الحديث.
يقول الشيخ المراغي: “)ويخلق ما لا تعلمون(8)((النحل) غير هذه الدواب مما يهدي إليه العلم وتستنبطه العقول؛ كالقُطُر البرية والبحرية، والطائرات التي تحمل أمتعتكم وتركبونها من بلد إلى آخر، ومن قطر إلى قطر، والمناطيد الهوائية التي تسير في الجو، والغواصات التي تجري تحت الماء إلى نحو أولئك مما تعجبون منه، ويقوم مقام الخيل والبغال والحمير في الركوب والزينة”([4]).
وقال الشيخ السعدي: “)ويخلق ما لا تعلمون(8)((النحل) مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء، التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، فإنه لم يذكرها بأعيانها؛ لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره، وأما ما ليس له نظير في زمانهم فإنه لو ذكر لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه، فيذكر أصلاً جامعًا يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون، كما ذكر نعيم الجنة وسمَّى منه ما نعلم ونشاهد نظيره، كالنخل والأعناب والرمان، وأجمل ما لا نعرف له نظيرًا في قوله: )فيهما من كل فاكهة زوجان(52)( (الرحمن(، فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب؛ كالخيل والبغال والحمير والإبل والسفن، وأجمل الباقي في قوله: ) ويخلق ما لا تعلمون(8)( “([5](النحل).
ويقول صاحب الظلال: “)ويخلق ما لا تعلمون (8) ( (النحل).. يعقب بها على خلق الأنعام للأكل والحمل والجمال، وخلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة؛ ليظل المجال مفتوحًا في التصور البشري لتقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة، فلا يغلق تصورهم خارج حدود البيئة، وخارج حدود الزمان الذي يظلهم.
فوراء الموجود في كل مكان وزمان صور أخرى، يريد الله للناس أن يتوقعوها فيتسع تصورهم وإدراكهم، ويريد لهم أن يأنسوا بها حين توجد أو حين تُكشف فلا يعادوها ولا يجمدوا دون استخدامها والانتفاع بها.
ولا يقولوا: إنما استخدم آباؤنا الأنعام والخيل والبغال والحمير فلا نستخدم سواها، وإنما نص القرآن على هذه الأصناف فلا نستخدم ما عداها!
إن الإسلام عقيدة مفتوحة مرنة قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلها، ومقدرات الحياة كلها؛ ومن ثم يهيئ القرآن الأذهان والقلوب لاستقبال كل ما تتمخض عنه القدرة، ويتمخض عنه العلم، ويتمخض عنه المستقبل، استقباله بالوجدان الديني المتفتح المستعد لتلقي كل جديد في عجائب الخلق والعلم والحياة.
ولقد جدَّت وسائل للحمل والنقل والركوب والزينة لم يكن يعلمها أهل ذلك الزمان، وستجدُّ وسائل أخرى لا يعلمها أهل هذا الزمان، والقرآن يهيئ لها القلوب والأذهان، بلا جمود ولا تحجر)ويخلق ما لا تعلمون (8)( (النحل) “([6]).
وقال الطاهر ابن عاشور: “فالذي يظهر لي أن هذه الآية من معجزات القرآن الغيبية العلمية، وأنها إيماء إلى أن الله سيلهم البشر اختراع مراكب هي أجدى عليهم من الخيل والبغال والحمير، وتلك العجلات التي يركبها الواحد ويحركها برجليه وتُسمى الدرّاجة الهوائية، وأرتال السكك الحديدية، والسيارات المسيرة بمصفَّى النفط وتُسمى أوتومبيل، ثم الطائرات التي تسير بالنفط المصفَّى في الهواء، فكل هذه مخلوقات نشأت في عصور متتابعة لم يكن يعلمها من كانوا قبل عصر وجود كل منها”([7]).
ويؤكد الدكتور إبراهيم بن صالح الحميضي ذلك التفسير فيقول: “هذه الآية من أوضح الآيات الدالة على الإعجاز العلمي المعروف؛ فالله عز وجل لما ذكر الخيل والبغال والحمير والفلك لم يكتفِ بذلك، بل قال: )ويخلق ما لا تعلمون (8) ( (النحل)للدلالة على أن هناك أولاً مخلوقات لا يعرفها العرب المخاطَبون بالقرآن في مكة وفي جزيرة العرب… وهناك مركوبات ستأتي في المستقبل مثل السيارات والطائرات والقطارات، فلا شك أن هذه الآية فيها دلالة واضحة على ما استُجِدَّ من المركوبات، وهذا من الإعجاز العلمي أو الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم”([8]).
وقد نص على ذلك الإعجاز العلمي في الآية كثير من الباحثين، يقول الدكتور مصطفى يعقوب في بحث له: “لقد ذكر الله تعالى حقيقة جديدة لم يكن أحد يدرك أبعادها زمن نزول الوحي، يقول تعالى: )ويخلق ما لا تعلمون (8)( (النحل) ، فماذا تعني هذه العبارة؟ لهذه العبارة دلالات متعددة، أهمها:
- أنها تشمل كلوسائلالنقلالتي اخترعها الإنسان حتى الآن، وكل ما سيخترعه مستقبلاً.
- أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي تضمن إشارة إلىوسائلالنقل، من خلال قولهتعالى: )ويخلق ما لا تعلمون(8)( (النحل) ، وهذا دليل على إعجاز القرآن في هذا المجال([9]).
وربما قال قائل هنا: إن وسائل النقل الحديثة من اختراع الإنسان، فكيف يقول القرآن:)ويخلق ما لا تعلمون(8) ( (النحل)”؟!
قال الطاهر ابن عاشور: “وإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله؛ فالله هو الذي ألهم المخترعين من البشر بما فطرهم عليه من الذكاء والعلم، وبما تدرجوا في سلم الحضارة، واقتباس بعضهم من بعض- إلى اختراعها، فهي بذلك مخلوقة لله تعالى؛ لأن الكل من نعمته”([10]).
ويقول الدكتور مصطفى يعقوب: “تشير العبارة القرآنية )ويخلق ما لا تعلمون(8)((النحل) إلى أن كل ما يصنعه الإنسان من وسائلللنقل- سواء كانت برية أو بحرية أو جوية- إنما خالقها هو الله تعالى؛ فالمواد التي يصنع منها الإنسان هذه الوسائل هيمن صنع الله تعالى، ومن المعلوم أن أهم عنصر يميز حضارة العصر الحديث هو الحديد، وهذا العنصر نزل من السماء، قال تعالى: )وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس( (الحديد/25).
إذًا فالوسائل التي أُتيحت للإنسان لصناعة هذه الوسائل هي من تسخير الله، فالله عز وجل سخَّر لهم الموادالأولية، وسخَّر لهم العلوم الكافية، وسخَّر لهم الحيوانات والطيور ليتعلموا منها”([11]).
ويؤكد هذا الدكتور النابلسي فيقول: إن إديسون- مخترع المصباح الكهربائي- يقول: العبقرية تسع وتسعون بالمئة، منها عرق- أي جهد- وواحد بالمئة إلهام، والله عز وجل حينما يجد عبدًا جادًّا في البحث عن شيء- فبعد تعب طويل وجهد جهيد- يلقي في ذهنه الكشف العلمي. فكأن الآية أشارت أيضًا إلى أن هذه المخترعات لولا أن أصحابها صدقوا في الوصول إليها لما وصلوا، إنما وصلوا بمعونة من الله عز وجل، فعزى صنع الطائرة كفكرة إلى الله، عزىتأمين وقودها أيضًا إلى فضل الله عز وجل ([12]).
وعليه، فإن وسائل النقل الحديثة ومعظم الاختراعات هي في الأصل تقليد أو محاكاة للطبيعة، وأهم مثال على ذلك الطائرة، فلولا وجود الطيور ربما لم يفكر الإنسان في الطيران أصلاً، ولولا وجود قوانين سخَّرها الله لم يتمكن الإنسان من استغلال طاقة الهواء لحمل الطائرة، إذًا كل ما نراه من حولنا مسخَّر لخدمتنا؛ ولذلك يقول تعالى: )وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون(13)( (الجاثية)، فهل نتفكر في هذه المعجزات العظيمة؟!
ولو تأملنا الآية الكريمة: ) أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار(16)( (الرعد)، لرأينا فيها إشارة إلى أن كل ما نراه من حولنا هو مخلوق من مخلوقات الله، حتى الطائرة مثلاً هي مخلوق من مخلوقات الله، فالمادة الأولية التي صُنعت منها الطائرة خلقها الله بلا شك، والوقود الذي يسيِّر الطائرة هو من صنع الله، والهواء الذي يحمل الطائرة من صنع الله الذي أتقن كل شيء، حتى تصميم الطائرة أخذه الإنسان من الطيور، وهي مخلوقات في الطبيعة من صنع الله عز وجل، حتى الإنسان الذي يقود الطائرة هو من صنع الله، إذًا من الذي خلق الطائرة، الله أم الإنسان([13])؟!
- وجه الإعجاز:
أثبت العلم الحديث أن الخيل والبغال والحمير ينتمون إلى عائلة واحدة، وهي العائلة الخيلية؛ ومن ثم فهم يشتركون جميعًا في صفات واحدة وخصائص متشابهة؛ تشريحية وفسيولوجية، كما أن لترتيبها بهذا الشكل- الخيل، والبغال والحمير- أسبابًا علمية.
وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحقائق العلمية، فقال تعالى:)والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة((النحل:8)، ثم ختم هذه الآية بإشارة تنبئية فريدة إلى وسائل النقل التي استُجدت في العصر الحديث، والتي ستُستجدُّ مستقبلاً، فقال تعالى: )ويخلق ما لا تعلمون (8)( (النحل)، أفلا يُعد هذا إعجازًا علميًّا؟!
(*) أين الإعجاز في هذا؟ مقال منشور بمنتديات: الكنيسة www.arabchurch.com.
[1]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص76، 77 بتصرف.
[2]. موقع: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة www.ar.wikipedia.org.
[3]. الإشارات العلمية في القرآن الكريم بين العلم والكون والإيمان، د. أحمد عبده عوض، المكتبة القيمة، القاهرة، ص178.
[4]. تفسير المراغي، أحمد مصطفى المراغي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، ج14، ص57.
[5]. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ج1، ص436.
[6]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج4، ص2161، 2162.
[7]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج7، ج14، ص111.
[8]. التفسير المباشر، مقال منشور بموقع: إسلاميات www.islamiyyat.com.
[9]. الإعجاز العلمي في وسائل النقل، د. مصطفى يعقوب، بحث منشور بموقع: شبكة الإعجاز في القرآن والسنة www.miracweb.net.
[10]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج7، ج14، ص111.
[11]. الإعجاز العلمي في وسائل النقل، د. مصطفى يعقوب، بحث منشور بموقع: شبكة الإعجاز في القرآن والسنة www.miracweb.net.
[12]. الإعجاز العلمي في قوله تعالى: )وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) ( (النحل)، د. محمد راتب النابلسي، مقال منشور بموقع: www.nabulsi.com.
[13]. دراسة تؤكد أن معظم الاختراعات هي تقليد للطبيعة، بحث منشور بموقع: الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.hanialtanbour.com.