إنكار تخصيص يوم عرفة باجتماع الحجاج فيه
وجها إبطال الشبهة:
1) فرض الله الحج على المسلمين أياما معلومات، وخص منها يوم عرفة بيوم الحج الأكبر.
2) كل أمر توقيفي أوحى به الله – عز وجل – إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يشترط فيه أن يفعله النبي – صلى الله عليه وسلم – أكثر من مرة؛ حتى يتأكد أنه واجب الاتباع، بيد أن النبي أدى مناسك الحج كاملة، ولو مد الله في عمره لحج مرارا وتكرارا، ولكرر المناسك ذاتها في أزمانها وأماكنها.
التفصيل:
أولا. فرض الله الحج على المسلمين أياما معلومات، وخص يوم عرفة فيها بيوم الحج الأكبر:
يبين د. عبد المهدي عبد القادر أن في اقتراح هؤلاء أن يكون الحج خلال الأشهر الحرم عدة أخطاء هي:
- ادعاؤهم أن الله – عز وجل – قال في القرآن الكريم: )الحج أشهر معلومات( (البقرة: ١٩٧)، ولا يمكن أن يوحى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يكون “الحج أيام”، وهذا زعم خاطئ؛ حيث إن الله قال: )وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر( (التوبة: ٣)، فهناك يوم محدد للحج.
ذلك اليوم هو يوم النحر، وهو يوم واحد في السنة، يجتمع المسلمون فيه، ويؤدون شعائر هذا اليوم من: رمي جمرة العقبة، والطواف، والسعي، والذبح، والحلق أو التقصير.
يقول عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: «وقف النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج وقال: “هذا يوم الحج الأكبر»[1]. وعليه فيوم النحر هو يوم الحج الأكبر، ولا يصح أن يقال إن هناك يوما أكبر آخر للحج خلال العام غيره.
- يوهمنا المدعون أن الحج يمكن أن يكون في أي وقت من أشهر الحج ويقع من كل فرقة من المسلمين في أي وقت من هذه الأشهر، بينما يقول الله عز وجل: )فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي( (البقرة: ١٩٦)، وهذا يدل علي أن الحج له وقت محدد معلوم، فمن أحرم بالعمرة والحج ثم اعتمر وتمتع – بمعنى: أحل من إحرامه إلى وقت الحج – فعليه دم، وما دام التمتع إلى الحج، فهذا يدل على أن الحج له وقت محدد معلوم، ألا وهو يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق [2].
ولو قلنا بهذا القول وأن الحج في أي وقت من أشهر الحج ما أمكن فهم الآية: )فمن تمتع بالعمرة إلى الحج(.
- يريد الواهمون أن يوزع الحج على أيام أشهر الحج، والله – عز وجل – يقول: )وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (27) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (28)( (الحج).
وواضح من الآية أن ذبح الهدي له “أيام” لا “شهور”، وهذه الأيام معلومات يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمها الصحابة، وتناقلتها الأمة جيلا عن جيل.
إنه على قول الواهمين بتوزيع الحج، يصبح السياق: يذكروا الله في شهور!! بينما الآية )في أيام معلومات(، وبهذا يكون هذا القول مخالفا للقرآن الكريم، ومبتعدا عنه كثيرا.
)الحج أشهر معلومات( (البقرة: ١٩٧)، جزى الله خيرا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وهو يقول في تفسير هذه الآية: والمراد بكونها “معلومات” أنها مؤقتة بأوقات معينة، لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها عنها.
يقول الواهمون: إن الحج جائز خلال الأشهر الحرم!! وأتساءل: من أين جئتم بهذه الصفة للأشهر؟ فقد قال الله عز وجل: )الحج أشهر معلومات(، فمن أين جئتم بالأشهر الحرم؟!
إن الأشهر الحرم هي ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب، فكيف فسرتم: )الحج أشهر معلومات( بأنها الأشهر الحرم؟ ترى هل “معلومات” تساوي “حرم” عندكم؟
أما نحن فنقرأ: )الحج أشهر معلومات(، وقد بينها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبينها الصحابة بأنها: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وهذا البيان له فائدة عظيمة في معرفة كثير من الأحكام، وقد ببينها الفقهاء في كتبهم [3].
ثانيا. كل أمر توقيفي لا يشترط فيه أن يفعله النبي أكثر من مرة، حتى يتأكد لنا أنه واجب الاتباع، ولو مد الله في عمره – صلى الله عليه وسلم – لحج مرارا، ولكرر المناسك ذاتها:
يقول المدعون: إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يحج مرة ثانية في نفس التوقيت، حتى نتأكد أنه أمر توقيفي موحى به.
وفي الرد على هؤلاء يواصل د. عبد المهدي تفنيده لهذه الادعاءات قائلا: هذا خطأ من عدة أوجه:
- فقد قال صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفات، الحج عرفات، الحج عرفات، أيام منى ثلاث، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه، ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج»[4].
فلو كان الحج في كل أيام الأشهر الحرم – كما يدعي الواهمون لما قال صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفات”، ولما قال: “من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج”، فإن الواهم يريد أن يجعل الوقوف في أي يوم من الأشهر الحرم فلم يفت الحج من لم يقف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة؟
وهذا الحديث الصحيح يبين أن أفعال الحج لها أيام معينة، فالوقوف بعرفة لا بد أن يكون يوم عرفة، ومن لم يتواجد على عرفات في هذا اليوم فلا حج له، وأيام منى ثلاثة يمكن أن يتعجل ويجعلها يومين، ويمكن أن يتم، ويجعلها ثلاثة بعد يوم النحر.
فإن كان رسول الله لم يحج مرة ثانية، فإنه قد بين مواقيت الحج بكل دقة.
- قال الله عز وجل: )واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى( (البقرة: ٢٠٣)، في هذه الآية بيان أن مناسك الحج لها أوقاتها المحددة، وأن أيام منى يومان لمن تعجل، وثلاثة لمن تأخر؛ كما في الحديث المتقدم. فإذا كان القرآن يحدد، فكيف بهؤلاء يريدون ألا يحددوا؟
- يوم عرفة يوم محدد من أيام العام، معلوم للأمة كلها، يقف فيه الحجاج بعرفات، فهل يريد هؤلاء أن يقف الناس في رجب وفي ذي القعدة وذي الحجة والمحرم؟
لقد حدد النبي – صلى الله عليه وسلم – أيام الحج، والحج أهم شعائره الوقوف بعرفة، وعرفة يوم واحد في السنة، ومعلوم أنه يوم التاسع من ذي الحجة.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» [5].
وهذا الحديث يستدل به على أن يوم عرفة يوم معلوم، وهو التاسع من ذي الحجة، كما أن يوم عاشوراء يوم معلوم، وهو العاشر من المحرم، ولما كان الحج عرفة، فمعناه أن الحج مرة واحدة في العام لكل من أراد أن يحج، وعلى كل حاج أن يتواجد بأرض عرفة يوم التاسع من ذي الحجة، فمن أنكر ذلك فقد أنكر البدهيات.
- نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، ويوم الفطر هو أول شهر شوال بعد صيام رمضان، ويوم الأضحى العاشر من ذي الحجة بعد الوقوف بعرفة، فحدد هذا أن الحج إنما يكون في التاسع من ذي الحجة والعاشر، ولا يصح أن يقال: إن الحج لم يحدد.
كما لا يصح أن يقال إنه في الأشهر الحرم عموما، وإلا لكان يوم عرفة متعددا، وهذا لا يصح، فإن النصوص تقيده بصراحة، وأنه التاسع من ذي الحجة لجميع المسلمين.
- اعتمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاث عمرات في ذي القعدة؛ واحدة في زمن الحديبية سنة ست من الهجرة، وصدوا فيها، فتحللوا وحسبت لهم عمرة. والثانية في ذي القعدة وهي سنة سبع، وهي عمرة القضاء، والثالثة في ذي العقدة سنة ثمان، وهي عام الفتح.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه:«أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته، عمرة زمن الحديبية، أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته» [6].
وأتساءل: لماذا اعتمر في ذي القعدة، ولم يحج، مع أن الحج أفضل من العمرة؟ إن ذا القعدة من الأشهر الحرم التي يدعي المتوهمون أنها كلها أشهر حج، فلم لم يحج، والحج أفضل من العمرة؟ بدهى؛ لأن الوقت ليس وقت حج، فالحج لا بد فيه من الوقوف بعرفة.
- قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مكة حاجا مع أصحابه، وذلك في شهر ذي الحجة، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ويتحللوا من إحرامهم، فلما كان يوم التروية الثامن من ذي الحجة أمرهم بالإحرام بالحج والبدء في شعائره.
فعن أبي سعيد الخدري قال: «خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نصرخ بالحج صراخا، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي، فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج»[7].
فلو كان الحج جائزا في أي وقت من ذي الحجة لأتموا حجهم، لكنهم جعلوها عمرة، وخرجوا من الإحرام، فلما كان يوم التروية الثامن من ذي الحجة أحرموا بالحج، وحجوا؛ مما يدل على أن الحج له أيامه المعينة، وليس في أي وقت من الأشهر الحرم أو غيرها.
- لم يغب عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حجته أن يضع الأمور في نصابها، وأن يوسع على الأمة، فبين أنه لا يصح أن يتمسك الناس بالمكان الذي وقف فيه في عرفات، بل كل عرفات موقف، وبين أنه لا يصح أن يتمسك الناس بالمكان الذي نحر فيه من منى، وأن منى كلها منحر، فلو كان الزمان كذلك لبينه ونص على أنه يمكن أن يحرم الإنسان بالحج في أي وقت، ويمكن أن يقف بعرفات في أي يوم، لكنه لم يبين ذلك، وإنما نص على عكسه، وبين أن الحج عرفة، وأنه لا يصح الحج لمن لم يقف بعرفة؛ كما في الحديث الذي سبق أن ذكرته: “الحج عرفات”.
فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “نحرت ههنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا، وجمع كلها موقف” [8] [9].
إن المكان الذي وقف فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعرفات معلوم، إلا أنه وسع على الأمة، وبين أن نقف في أي مكان من عرفات، وكذلك الذبح في منى، وكذلك مكان مبيته في مزدلفة معلوم، لكنه وسع على الأمة، وبين أن مزدلفة كلها مبيت، فلو كان الحج بحيث يمكن التوسع في وقته لبين لنا – صلى الله عليه وسلم – ذلك كما بين في توسعة أماكن الشعائر.
لكنا وجدنا عكس ذلك، فلم يبين توسعة الزمان، وإنما بين أن أزمنة الحج محددة.
- في حجة الوداع كان الزحام شديدا، ومع ذلك كان التوقيت للشعائر دقيقا وحازما، فوقف – صلى الله عليه وسلم – بعرفة يوم تاسع ذي الحجة، وأفاض بعد المغرب بفترة، ولم يفض أحد قبل ذلك، ولم يقف أحد في يوم آخر، وأفاض الحجيج كلهم من عرفات إلى مزدلفة، ولم يتحرك أحد من عرفات إلا بعد غروب الشمس، مما يدل على أن التوقيت محدد، ولازم.
وفي كثير من الروايات أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان ينادي الناس: «السكينة أيها الناس، السكينة أيها الناس». [10] وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – «أنه دفع مع النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم عرفة فسمع النبي – صلى الله عليه وسلم – وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع»[11]، وفسر البخاري الإيضاع بالإسراع، والمعنى: إن العبادة ليست بالإسراع.
والنصوص في هذه كثيرة، وكلها تفيد كثرة الناس وازدحامهم؛ مما يدل على أن شعائر الحج موقتة بأوقات معينة، لا يحل فيها التقدم أو التأخر.
وهكذا تفيد النصوص من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية أن الحج عبادة لها مواقيتها الزمانية والمكانية، فوقت الحج شوال وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، يجوز أن يحرم المسلم بالحج في أي وقت من هذه الأوقات على أن يكون من الميقات، ولا بد من الوقوف بعرفة يوم عرفة التاسع من ذي الحجة، ومن المبيت بمزدلفة ليلة النحر، ويرمي جمرة العقبة صبح يوم النحر، ويبيت بمنى أيام التشريق (11، 12) من ذي الحجة يرمي الجمرات نهارا، ويبيت بها ليلا، ويجوز أن يبقى اليوم الثالث عشر يبيت ليلته، ويرمي الجمرات بعد الظهر ثم ينصرف. أما الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فهما من الشعائر واسعة الوقت، فيطوف طواف الركن بدءا من صبح يوم النحر – يوم العيد – إلى آخر ذي الحجة.
على أننا نؤكد أن النصوص الصحيحة دلت على أن من لم يدرك يوم عرفة فلا حج له؛ فعن عبد الرحمن بن يعمر الديلمي قال: «أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد، فأمروا رجلا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رجلا فنادى: الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع – مزدلفة – فتم حجه» [12].
قال الترمذي: والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وغيرهم – أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر – فجر يوم العيد – فقد فاته الحج، ولا يجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر، وعليه الحج من قابل.
وعن عروة بن مضرس قال: «أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه – بمزدلفة – ووقف معنا حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا، قد تم حجه، وقضى تفثه»[13].
ومن هذين الحديثين يتضح أن الوقوف بعرفة إنما هو يوم عرفة وليلة مزدلفة، ومن جاء متأخرا عن هذا فلا حج له، مما يدل على أن الحج ليس على إطلاقه، يقع في أي وقت من أشهر الحج.
إن بعض شعائر الحج مؤقتة بزمن معين، لا بد أن تقع فيه ليصح الحج.
ولقد ادعى هؤلاء المشككون أن وقت الحج مختلف عليه!! وهذا محض ادعاء لا دليل عليه، وحينما ساق هؤلاء كلام بعض المفسرين مستدلين به لم يخرجوا عن أحد احتمالين: إما أنهم لم يتعودوا أسلوب الأئمة، وإما أنهم يهزءون بعقلية القارئ.
فقد نقلوا عن كتاب “المنتخب” من التفاسير للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية: )فمن فرض فيهن الحج فلا رفث( (البقرة: ١٩٧)، أي: فرض على نفسه الحج في هذه الأشهر ودخل فيه فليراع آدابه.
أي اختلاف هنا؟ هل هذا الكلام يفيد أن وقت الحج مختلف فيه؟ بدهي لا، لكني لا أعرف كيف يفهم أن هذا يفيد الاختلاف في وقت الحج.
وينقل هؤلاء عن ابن كثير في تفسير: )فمن فرض فيهن الحج( قوله: فيه دلالة على لزوم الإحرام بالحج والمضي فيه. ثم يقولون: لاحظ “والمضي فيه”.
وأتساءل: هل كلام ابن كثير هذا يفيد أن وقت الحج مختلف فيه؟ مع أنك أيها الطاعن حذفت من كلامه.
ونص كلامه: )فمن فرض فيهن الحج( أي: أوجب بإحرامه حجا، فيه دلالة على لزوم الإحرام بالحج والمضي فيه.
إن ابن كثير يفسر الآية، وأن فرض بمعنى أوجب، فمن أحرم بالحج فقد وجب عليه، وعليه أن يتمه، وهذا شأن العبادات، من بدأ في شيء منها فقد لزمه، فأين الاختلاف؟
وينقلون عن البيضاوي قوله: إن ثمة خلافا على أن الأشهر هي وقت للإحرام، أو وقت لأعمال الحج ومناسكه.
وأتساءل: أين الاختلاف على أوقات الحج في كلام البيضاوي؟
إن الإمام يفسر الآية فإذا قلنا: الحج أشهر معلومات أي الأشهر المعلومات للحج كله، فلا يصح أن يحرم أهل البلاد البعيدة قبل هذه الأشهر، فإذا خرجوا من بلادهم قبلها فلا يحرمون إلا فيها، ومن الميقات.
أما إذا قلنا الأشهر المعلومات لأعمال الحج، فيجوز الإحرام قبل هذه الأشهر، ولا اختلاف مطلقا على وقت الحج [14].
الخلاصة:
أمر الله – عز وجل – رسوله – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين أن يحجوا، وهذا الحج في أيام معلومات وخص منها يوم عرفة بيوم الحج الأكبر، ودعوى هؤلاء لا أساس لها من الصحة، فكيف نوزع الحج على الأشهر الحرم؟!
الأمر التوقيفي الموحى به من الله – عز وجل – لرسله لا يشترط أن يفعله النبي – صلى الله عليه وسلم – مرارا وتكرارا؛ حتى يتأكد لنا نحن المسلمين فرضية هذا الأمر، فيكفي في هذا الصدد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قاله أو فعله مرة واحدة، إذ لو مد الله – عز وجل – في حياته – صلى الله عليه وسلم – لحج أكثر من مرة، ولأدى المناسك ذاتها في أوقاتها وأماكنها.
هناك فرق بين أشهر الحج وبين الأشهر الحرم المذكورة في القرآن فأشهر الحج المقصود بها شوال وذو القعدة وذو الحجة أما الأشهر الحرم فهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ولم يرد في القرآن ولا في السنة أن الأشهر المعلومات هي شوال وذو القعدة وذو الحجة، وهي أشهر الحج ولم يسمها الله في كتابه لأنها كانت معلومة لديهم.
الحج جائز في أشهر الحج عموما يجوز للمسلم أن يحرم بالحج في أي وقت منها، ولكن هناك أركان وشعائر محدودة ومؤقتة بزمان ومكان معينين لا تصح إلا فيهما، بحيث إذا لم يوافق الزمان والمكان فلا حج له، ومن ذلك الوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة، فمن فاته الوقوف بعرفة يوم التاسع فقد فاته الحج.
ليس هناك خلاف بين العلماء في أشهر الحج أو أيامه ولا في أن بعض الشعائر مؤقتة بزمن معين لا بد أن تقع فيه ليصح الحج.
(*) الرد على د. مصطفى محمود في إنكار الشفاعة، واللواء محمد شبل في إنكار يوم عرفة، د. عبد المهدي عبد القادر، دار الاعتصام، القاهرة، 1999م.
[1]. أخرجه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى بعد حديث رقم (1655).
[2]. أيام التشريق: ثلاثة أيام بعد يوم النحر، سميت بذلك؛ لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها؛ أي تقدد في الشمس.
[3]. الرد على د. مصطفى محمود في إنكار الشفاعة، واللواء محمد شبل في إنكار يوم عرفة، د. عبد المهدي عبد القادر، دار الاعتصام، القاهرة، 1999م، ص53: 56.
[4]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه(18795)، والترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب سورة البقرة (2975)، وصححه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[5]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة (2803).
[6]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية (3917)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزمانهن (3092).
[7]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب التقصير في العمرة (3082).
[8]. جمع: هي مزدلفة، وهي أيضا المشعر الحرام.
[9]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف (3011).
[10]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم(1907)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ما يدل على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحرم إحراما مطلقا (8609)، وصححه الألباني في صحيح ابي داود (1676).
[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالسكينة عند الإفاضة (1587).
[12]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه (18796)، وأبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة (1951)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3172).
[13]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المدنيين، حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه (16253)، وأبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة (1952)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1066).
[14]. الرد على د. مصطفى محمود في إنكار الشفاعة، واللواء محمد شبل في إنكار يوم عرفة، د. عبد المهدي عبد القادر، دار الاعتصام، القاهرة، 1999م، ص56: 64.