إنكار حقيقة قميص يوسف – عليه السلام – ومعجزة شفاء يعقوب عليه السلام
وجوه إبطال الشبهة:
1) معجزة الشفاء بالقميص تدل على قدرة الله الذي يقول للشيء “كن فيكون”، وتفسير بعض المفسرين لنصوص القرآن ليس حجة على القرآن، إذ المجتهد في الإسلام له أجران إن أصاب، وأجر واحد إن أخطأ.
2) اختلفت حادثة القميص في التوراة عنها في القرآن؛ لأن التوراة المحرفة تركز على الأشياء المادية المحسوسة، أما القرآن فيذكر أنها معجزة لنبي كسائر معجزات الأنبياء.
3) تناقض نصوص التوراة مع القرآن ليس حجة على القرآن، بل هو حجة للقرآن فالثابت أن التوراة محرفة؛ فلا يؤخذ منها إلا ما وافق القرآن المعصوم والمحفوظ من التحريف.
التفصيل:
أولا. معجزة الشفاء بالقميص تدل على قدرة الله الذي يقول للشيء كن فيكون، وتفسير بعض المفسرين لنصوص القرآن ليس حجة عليه؛ إذ المجتهد له أجر إن أخطأ، وأجران إن أصاب:
إن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، حين قص إلقاء القميص على وجه يعقوب – عليه السلام – فارتد بصيرا، لم يذكر لنا أن هذا القميص كان قميص إبراهيم – عليه السلام – الذي لبسه في النار فنجاه الله منها، أو غيره، وإنما الذي ذكره أنها معجزة حدثت مع نبي من أنبياء الله تعالى لتدل على صدق نبوته.
وانطلاقا من هذا فتفسير مجاهد لقميص يوسف – عليه السلام – على الوجه المذكور لم ينص عليه القرآن، وبالتالي فليس حجة على القرآن، ولا ملزما له، فقد يكون هذا الخبر صحيحا، وقد لا يكون صحيحا، والذي ذكره القرآن الكريم أن يوسف – عليه السلام – قال لإخوته: )اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا( (يوسف: 93)، فكانت هذه معجزة ليوسف – عليه السلام – والمعجزة فعل الله – سبحانه وتعالى – يظهره على يد نبي من أنبيائه تأييدا له وتصديقا لدعواه، وهذا في الغالب وحي إلهام من الله – سبحانه وتعالى – إلى نبيه يوسف بهذا الأمر، وإلى أبيه يعقوب قبل أن يصل إخوة يوسف ومعهم قميصه، ليزفوا إليه البشري فعبر عن هذا بقوله: )إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون (94)( (يوسف).
وتحقق ما أخبر به يوسف عليه السلام: )فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا( (يوسف: 96)، فالمعجزة في تحقق خبر يوسف – عليه السلام – والقميص ما هو إلا أداة لتحقق المعجزة، وليست المعجزة في القميص ذاته، ولو كان الأمر خاصية في القميص لما كان في ذلك معجزة، ولا تأييد من الله – سبحانه وتعالى – وإنما يعود إلى هذه الخاصية، كالحديد الممغنط مثلا.
وهذا يشبه عصا موسى – عليه السلام – التي كان يستخدمها موسى – عليه السلام – قبل نبوته في الحاجات المعتادة، فأظهر الله المعجزات عليها.
وشفاء سيدنا يعقوب – عليه السلام – بوضع القميص على وجهه معجزة من المعجزات الخارجة عن قدرة الإنسان، وليس المهم هو القميص أو وضعه على وجهه، فقد كان ذلك لتسهيل وقع المعجزة على الحاضرين فحسب، ولكن المهم هو طريقة الشفاء، وهي إرادة الله المنحصرة في “كن فيكون”، وهي خارجة عن كل السنن الطبيعية التي أمر الإنسان أن يتعلمها، فعظمة المعجزة ليست في النتيجة فحسب، ولكن في طريقة الشفاء.
وكما أن رد بصر يعقوب – عليه السلام – بالقميص معجزة، كان شمه لريح يوسف – عليه السلام – على بعد أيضا معجزة يجب التصديق بها من غير بحث عن العلة والكيفية.
فلما برئ يعقوب – عليه السلام – من مرضه، وكشف الله همه وحزنه وفك كربه، أجاب من لاموه بما كان عليه من علم قطعي من ربه بصدق ما قاله لهم حين فصلت العير، وهذا هو الوقت المناسب للجواب، فقد قال لهم مقررا صدق قوله: )فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون (96)( (يوسف)، أي: ألم أقل لكم يوم أرسلتكم إلى مصر، وأمرتكم بالتحسس ونهيتكم من اليأس من روح الله، وأقل لمن وراءكم في أثناء غيبتكم: إني لأجد ريح يوسف، وإني أعلم بوحي الله لا من خطرات الأوهام، ما لا تعلمون من حياة يوسف – عليه السلام – فكان عليكم جميعا أن تصدقوني في كل ما قلته؛ لأني نبي يوحى إلى، وما كان ينبغي أن تشكوا في شيء مما ذكرته لكم[1].
ثانيا. اختلفت حادثة القميص في التوراة عنها في القرآن؛ لأن التوراة المحرفة تركز على الماديات، والأشياء المحسوسة، أما القرآن فيذكر أنها معجزة لنبي كسائر معجزات الأنبياء:
تفرد القرآن الكريم بذكر إرسال قميص يوسف – عليه السلام – إلى أبيه، ولم يرد ذكره في التوراة، فقد جاءه البشير أولا حاملا الأخبار السارة بالعثور على يوسف – عليه السلام – وأخيه أحياء يرزقون، ومكانة يوسف – عليه السلام – العالية في مصر، ثم أثر يوسف الذي يحمل رائحته الطيبة، وهو قميص الشفاء الذي ألقي على وجه يعقوب – عليه السلام – فارتد بصيرا.
ومما تجدر الإشارة إليه اختلاف وجدان يعقوب – عليه السلام – في القرآن الكريم عما جاء في التوراة، فالقرآن الكريم أكد أن يعقوب – عليه السلام – شم رائحة يوسف – عليه السلام – التي لم تغيرها السنون فأحس بقرب وصدق حسه، وطلب منه الأبناء أن يستغفر لهم ربه الغفور الرحيم.
أما التوراة فقد صورت يعقوب – عليه السلام – بالمغشي عليه حين عرف أمر يوسف – عليه السلام – كما جاء في سفر التكوين: “فصعدوا من مصر وجاءوا إلى أرض كنعان، إلى يعقوب أبيهم. وأخبروه قائلين: يوسف حي بعد، وهو متسلط على كل أرض مصر. فجمد قلبه لأنه لم يصدقهم. ثم كلموه بكل كلام يوسف الذي كلمهم به، وأبصر العجلات التي أرسلها يوسف لتحمله. فعاشت روح يعقوب أبيهم. فقال إسرائيل: كفى! يوسف ابني حي بعد. أذهب وأراه قبل أن أموت”. (التكوين 45: 25ـ 28).
وهذه إشارة واضحة تؤكد أن التوراة من كلام بشر يركز على المادة ووسيلة النقل التي تنعش الروح.
فشتان ما بين هذا وأسلوب القرآن الكريم الذي صرح بأن يعقوب – عليه السلام – صار أقوى من ذي قبل، فلو تأملنا لفظ القرآن “بصيرا” هكذا بصيغة المبالغة، وليس بصيغة اسم الفاعل، لرأينا أنه قد تبدل الحزن، والوهن، والضعف إلى قوة واستبشار مع هذه المعجزة. ألا يدل هذا على أنها تأييد من الله ونصرة لعبديه الصابرين الكريمين[2]؟!
ثالثا. تناقض نصوص التوراة ليس حجة على القرآن؛ لأننا لا نأخذ بما جاء فيها إلا إذا اتفقت مع نصوص القرآن الكريم:
إن بعض نسخ التوراة تصرح بعمى يعقوب – عليه السلام ـوأنه سيبصر إذا وضع يوسف يده على عينيه، ومن ذلك: “أنا أنزل معك إلى مصر، وأنا أصعدك أيضا، ويضع يوسف يده على عينيك”. (التكوين 46: 4)، وفي نسخة ثانية تنفي التوراة عمى يعقوب – عليه السلام – وفي نسخة ثالثة تكتفي بالنص على ضعف بصر يعقوب: “وأما عينا إسرائيل فكانتا قد ثقلتا من الشيخوخة، لا يقدر أن يبصر، فقربهما إليه فقبلهما واحتضنهما”. (التكوين 48: 10).
واستبعاد شفاء يعقوب برؤية القميص، لا محل له؛ وذلك لأن في التوراة ما يشبه مثل هذه الحادثة. فنبي الله اليسع – عليه السلام – لما مات ودفنوه في قبره، دفنوا معه بعد فترة من الزمن ميتا، فلما مست عظامه عظام اليسع، ردت إليه روحه، وهذا أشد إعجازا من قميص يعقوب – عليه السلام – ففي سفر الملوك الثاني: “ومات أليشع فدفنوه. وكان غزاة موآب تدخل على الأرض عند دخول السنة. وفيما كانوا يدفنون رجلا إذا بهم قد رأوا الغزاة، فطرحوا الرجل في قبر أليشع، فلما نزل الرجل ومس عظام أليشع عاش وقام على رجليه”. (الملوك الثاني 13: 20، 21)[3].
إذن فلماذا العنت عندما تكون المعجزة من خلال القرآن، وهم يؤمنون بوجودها وواردة في كتبهم؟ فلم ينكرون هذا الحدث مع نبيين من أنبياء الله كريمين – يوسف ويعقوب عليه السلام – أليسا من أنبياء الله المؤيدين بالمعجزات؟!
مما سبق يتضح لنا أن قميص يوسف – عليه السلام – الذي ألقاه إخوته على وجه أبيهم فارتد بصيرا صحيح كما ورد ذكره في القرآن الكريم، وهذا إنما يدل على قدرة الله – سبحانه وتعالى – الذي يقول للشيء: “كن فيكون”، وعلى صدق نبوة يوسف وأبيه – عليهما السلام -، حيث أيدهما الله بالمعجزات كغيرهم من الأنبياء والرسل الكرام.
الخلاصة:
- معجزة الشفاء بالقميص التي أنكرها هؤلاء تدل على قدرة الله الذي يقول للشيء كن فيكون، أما تفسير “مجاهد” بأن هذا قميص النبوة المتوارث عن سيدنا إبراهيم – عليه السلام ـفهو اجتهاد بشر في نص من نصوص القرآن، فليس حجة على القرآن، ولا ملزما له، فالمجتهد في الإسلام له أجر واحد إن أخطأ، وأجران إن أصاب.
- شفاء سيدنا يعقوب – عليه السلام – بوضع القميص على وجهه معجزة من المعجزات الخارجة عن قدرة الإنسان، وليس المهم هو القميص، أو وضعه على وجهه، فقد كان ذلك لتسهيل وقع المعجزة على الحاضرين فحسب، ولكن المهم هو طريقة الشفاء، وهي إرادة الله المنحصرة في “كن فيكون”.. فعظمة المعجزة ليست في النتيجة فحسب، ولكن في طريقه الشفاء.
- اختلاف حادثة القميص في التوراة عنها في القرآن؛ لأن التوراة المحرفة تركز على الماديات والأشياء المحسوسة فتحكي أن يعقوب – عليه السلام – انتعشت روحه حينما رأى المركبات المحملة بالخيرات.
فأين هذا من أسلوب القرآن الحكيم الذي وصف يعقوب – عليه السلام – أنه ابيضت عيناه من الحزن لكثرة الألم، وشدة البكاء؟! وظل آملا في روح الله ونصرته، وقد صار أقوى من ذي قبل؛ بإلقاء القميص على وجهه، فالعينان الضعيفتان اللتان أنهكهما البكاء والشيخوخة قد صارتا مبصرتين وقويتين، كأنهما لم يصابا بعمى ولا ضعف من قبل، وهذا فضل الله ونعمته على عباده الصابرين.
- على أن ما رأينا من معجزات مع سيدنا يعقوب ويوسف – عليهما السلام – ليس بغريب، فالله – سبحانه وتعالى – يؤيد بنصره من يشاء من عباده، ومعجزات سائر الأنبياء لا تخفى على أحد؛ فلماذا ينكرونها على هذين النبيين الكريمين؟!!
- التوراة تتناقض في هذا الشأن فبعض النسخ تذكر أن يعقوب – عليه السلام – أصيب بالعمى، والأخرى لا تذكره، ومن أجل هذا التشويش والتحريف لا نصدق كل ما جاء بها إلا إذا اتفق مع نصوص القرآن الكريم. كما أن التوراة التي تنكر هذه المعجزة لنبي الله يعقوب – عليه السلام – تشتمل على معجزات مماثلة، كما جاء في سفر الملوك الثاني: “أن اليسع بعد موته وضعوا في قبره ميتا فردت إليه روحه بملامسته”. فأيهما أشد إعجازا إحياء الموتى، أو رد الإبصار بعد العمى؟!
(*) هل القرآن معصوم؟ موقع إسلاميات. www.Islameyat.com
[1]. قصص القرآن، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص143، 144.
[2]. انظر: جولة نقدية في نصوص الرواية التوراتية، محمد صالح توفيق، دار الهاني، القاهرة، 1426هـ/ 2005م.
[3]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425/ 2004م، ص495، 496.