إنكار صحة حديث “ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا…”
وجه إبطال الشبهة:
-
-
- إن حديث «ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا….» صحيح الإسناد على شرط الشيخين، كما ذكر الحاكم، والذهبي، وشعيب الأرنؤوط، وحسنه الألباني، وقد سمعه شريك من أبي هريرة دون إرسال، والرجل المبهم الذي في الإسناد قد صرح به في الروايات الأخرى، ومروان بن الحكم ليس من رجال الإسناد وإنما حضر المجلس الذي قيل فيه الحديث فقط.
-
التفصيل:
الحديث صحيح سندا ومتنا:
لقد حاول هؤلاء المغرضون إنكار حديث صحيح الإسناد بادعاءات باطلة لا تصح، وبذكر الحديث بسنده كما أورده الحاكم في المستدرك يتبين مدى تهافت هذه الدعاوى، وأنها لا تتعدى أن تكون مجرد حمل الكلام على غير محمله.
فقد روى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن دينار العدل، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا عاصم بن بهدلة، «عن يزيد بن شريك، أن الضحاك بن قيس بعث معه بكسوة إلى مروان بن الحكم، فقال مروان للبواب: انظر من بالباب؛ قال: أبو هريرة، فأذن له، فقال يا أبا هريرة: حدثنا شيئا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا، ولم يل من أمر الناس شيئا»[3].
وأول طعنهم أن فيه إرسالا؛ لأنه ليس ظاهرا أن شريك بن عامر كان حاضرا قول أبي هريرة، وهذا مردود لأن عاصم بن بهدلة رواه عن يزيد بن شريك: أن الضحاك بن قيس أرسل معه إلى مروان بكسوة، وواضح هنا أن يزيد كان عند مروان، فقال مروان: انظروا من ترون بالباب؟ قال: أبو هريرة، فأذن له، فقال: يا أبا هريرة حدثنا بشيء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر أبو هريرة الحديث، فإن لم يكن هذا صريحا في حضور يزيد، فلا ندري متى تكون الصراحة؟[4].
فقول يزيد بن شريك: “سمعت مروان يقول لأبي هريرة “نص صريح على شهود يزيد ذلك المجلس الذي قال فيه أبو هريرة ذلك الحديث، وفي سماعه له من أبي هريرة، وبهذا فالقول بأن يزيد لم يسمعه من أبي هريرة وأرسله؛ قول باطل تدحضه الرؤيا والتصريح بالسماع.
أما دعوى الإبهام، وهي أنهم يضعفون الحديث؛ لجهالة الرجل الغاضري، كما جاء في رواية الإمام أحمد في مسنده، «حدثنا أسود بن عامر أنبأنا أبو بكر عن عاصم، عن رجل من بني غاضرة، قال لمروان: هذا أبو هريرة على الباب، قال: ائذنوا له، قال: يا أبا هريرة حدثنا حديثا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أوشك الرجل أن يتمنى أنه خر من الثريا، وأنه لم يتول أو يل – شك أبو بكر – من أمر الناس شيئا»[5].
ترجع دعوى الإبهام هنا إلى أنهم تجاهلوا الروايات الأخرى بطرقها المختلفة، والتي بينت ذلك الرجل المبهم، وهو “يزيد بن شريك العامري”، وبذلك فلا إبهام في الإسناد، وإنما الرجل المبهم موضح في الروايات الأخرى، وقد أكد علماء الجرح والتعديل أن الراوي المبهم إذا صرح باسمه، وعرفناه، فإنه بذلك يزول الإبهام ويزول ضعف الإسناد معه، إذا لم يظهر فيه جرح[6].
أما ثالث ما يطعنون به في هذا الحديث أن في إسناده مروان بن الحكم، وهو لم يوثقه أحد، وحديثه مردود، وذلك في قول يزيد بن شريك قال: سمعت مروان… “.
وبالنظر إلى إسناد الحديث وطرقه المختلفة، نجد أن مروان بن الحكم ليس من رجال الإسناد إطلاقا؛ إذ إن الحديث رواه عاصم عن شريك عن أبي هريرة مباشرة، دون وجود مروان بن الحكم في السند، وإنما قول شريك: سمعت مروان؛ أي: سمعته يقول للبواب: من بالباب؟ فقال: أبو هريرة.
وبهذا فإنه لا يجوز الطعن في الحديث لهذا السبب الذي يدل على جهلهم بطرق نقل المرويات.
ومع ذلك فإن وجود مروان بن الحكم في إسناد الأحاديث لا يطعن في الحديث، فقد قال ابن حجر العسقلاني في التقريب: “قال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم في الحديث”[7]. وقال الذهبي في السير: “وقيل: له رؤية وذلك يحتمل”[8]؛ أي: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم.
فهو صدوق يصلح حديثه للاستشهاد والترجيح عند التعارض، ولا يعتمد عليه إذا انفرد.
كما أن صاحبي الصحيح قد أخرجا أحاديث لمروان بن الحكم ومن هو في صفته، وأن أحاديث مروان التي رووها عنه في الكتب الستة أحاديث مشهورة عن الثقات، فمنها حديث قصة الحديبية وحديث وفد هوازن وقصة سهيل بن عمرو التي رواها البخاري.
وبهذا التوضيح السابق نقول: إن عاصم لم يضطرب في هذا الحديث، وإن كان سيء الحفظ، فقد قال عنه النسائي: “ليس به بأس”[9]، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: “سألت أبي عنه فقال: صالح وهو أكثر حديثا من أبي قيس الأودي، وأشهر منه، وأحب إلي منه”، وقال: “وذكره أبي فقال: محله عندي محل الصدق، صالح الحديث”[10].
ونخلص من هذا كله أن هذا الحديث صحيح الإسناد، على شرط الشيخين، كما ذكر الحاكم في مستدركه، ودعوى إرسال شريك بن عامر دعوى باطلة لأنه سمعه من أبي هريرة دون واسطة، وحضر المجلس الذي قال فيه، وإبهام أحد رجال السند لا يقدح في صحته؛ إذ إنه قد صرح به في الراويات الأخرى، فلا يعد مجهولا بذلك، أما القول بوجود مروان بن الحكم في الإسناد فهو جهل واضح؛ لأن الحديث قيل في مجلسه، ولم يروه أحد عن مروان، ولذلك فلا اضطراب في حديث «ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئا».
الخلاصة:
- إن حديث «ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئا…» حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، صححه عدد كبير من علماء الحديث، فقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، وصححه أيضا الذهبي، وشعيب الأرنؤوط في تعليقهما عليه، وحسنه الألباني في أكثر من موضع.
- لم يضطرب راوي الحديث في رواياته، وما وجه إليه من طعون يرد عليها كالآتي:
o الحديث ليس فيه إرسال؛ فقد سمعه شريك بن عامر من أبي هريرة مباشرة؛ إذ كان حاضرا مجلس مروان بن الحكم الذي قال فيه أبو هريرة هذا الحديث، ولهذا فلا إرسال في الإسناد.
o إن كان الإسناد فيه رجل مبهم حيث ذكر الراوي “عن رجل من بني غاضرة” فإن هذا لا يطعن فيه، لأنه قد صرح به في روايات أخرى، فذكر أنه هو شريك بن عامر، لذلك فلا طعن فيه من هذه الزاوية.
o إن ذكر مروان بن الحكم في الإسناد لا يقدح في صحة الحديث، إذ إنه ليس من رجال الإسناد، فقد سمعه عاصم من شريك عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان الحديث قد قيل في مجلس مروان بن الحكم حين سأل أبا هريرة أن يحدثه حديثا سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو كان مروان من رجال الإسناد لم يرد الحديث بذلك أيضا؛ لأن مروان صدوق يصلح خبره للاستشهاد والترجيح، ولا يتهم في حديثه.
وبناء عليه نقول: إن الحديث حديث صحيح، لم يضطرب فيه عاصم، لا سيما وأن علماء الجرح والتعديل قالوا عن حديثه أن محله الصدق وهو صالح ليس به بأس.
(*) إتحاف النفوس المطمئنة بالذب عن السنة، أحمد بن إبراهيم أبو العينين، مكتبة ابن عباس، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م.
[1]. خر: سقط وهوى بسرعة.
[2]. الثريا: مجموعة من نجوم السماء.
[3]. صحيح الإسناد: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: الأحكام، باب: ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا، (4/ 102)، رقم (7115). وقال الذهبي في تعليقه على المستدرك: صحيح، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (361).
[4]. إتحاف النفوس المطمئنة بالذب عن السنة، أحمد بن إبراهيم أبو العينين، مكتبة ابن عباس، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص53 بتصرف.
[5]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (17/ 57، 58)، رقم (8888). وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند، والرجل المبهم من بني غاضرة هو يزيد بن شريك العامري.
[6]. تحرير علوم الحديث، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1428هـ/ 2007م، (1/ 494) بتصرف.
[7]. تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد الباكستاني، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ، ص913.
[8]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (3/ 476).
[9]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (13/ 478).
[10]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (3/ 447).