إنكار ما أرسله النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الملوك من رسائل
وجه إبطال الشبهة:
إن إنكار رسائل النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الملوك والرؤساء زعم لا يسنده دليل، خاصة وأن بعض هذه الرسائل محفوظ إلى يومنا هذا في إستامبول، وإذا لم تصح مراسلات النبي – صلى الله عليه وسلم – فلماذا أسلم النجاشي؟ ولماذا رفض هرقل القتال في تبوك؟ ولماذا أرسل المقوقس الهدايا إليه – صلى الله عليه وسلم – ومن بينها مارية القبطية؟!
التفصيل:
زعم بلا دليل ويتنافى مع حقائق الواقع والتاريخ:
الإسلام دين عالمي لم ينزل إلى قوم بعينهم دون آخرين، ولم ينزل لزمان معين دون زمان، ولا لمكان دون مكان، ورسالة الإسلام هي المهيمنة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة لها؛ فقد بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الناس كافة، وبعث رحمة للعالمين، فهو – صلى الله عليه وسلم – نذير للعالمين جميعا.
يقول الأستاذ سيد قطب: لقد أرسل الله – عز وجل – رسوله – صلى الله عليه وسلم – رحمة للناس كافة ليأخذ بأيديهم إلى الهدى، وما يهتدي إلا أولئك المتهيئون المستعدون. وإن كانت الرحمة تتحقق للمؤمنين ولغير المؤمنين…
لقد جاء الإسلام لينادي بإنسانية واحدة تذوب فيها الفوارق الجنسية والجغرافية، لتلتقي في عقيدة واحدة ونظام اجتماعي واحد…
ولقد جاء الإسلام ليسوي بين جميع الناس أمام القضاء والقانون. في الوقت الذي كانت البشرية تفرق الناس طبقات، وتجعل لكل طبقة قانونا.
وإن البشرية اليوم لفي أشد الحاجة إلى حس هذه الرحمة ونداها. وهي قلقة حائرة، شاردة في متاهات المادية، وجحيم الحروب، وجفاف الأرواح والقلوب[1].
ولما كان الأمر كذلك، كان على النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يبلغ رسالته إلى جميع الناس، ويوصلها إلى الأفراد، ولما كان بعض هؤلاء الأفراد تحت سلطان الملوك والأمراء، كان لا بد من إرسال الرسائل إليهم لدعوتهم إلى التوحيد والإسلام، هذا ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو ثابت تاريخيا، وواقع قد لمس، ثم إن بعض الرسائل مازالت محفوظة بنصها، والواقع لا يكذب.
إن إنكار رسائل النبي – صلى الله عليه وسلم – زعم لا ينهض دليل على تأكيد صحته، خصوصا وأن بعض الكتب محفوظ إلى يومنا هذا في إستامبول، والمتاحف العالمية.
يقول د. شوقي أبو خليل في كتابه “الإسلام في قفص الاتهام” [2]: لا ينهض دليل على صحة زعمهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يرسل رسائل إلى الملوك خارج شبه الجزيرة العربية، خصوصا وأن بعض الكتب محفوظ إلى يومنا هذا في استامبول، وقد تكون الكتب الأخرى فقدت لسبب من الأسباب، وخاصة أن كتاب كسرى مثلا قد تمزق، وكيف لم يعثر هؤلاء على أثر لهذه الكتب في تاريخ هؤلاء الملوك والأمراء وقد قامت حروب من أجلها؟!
وتاريخنا العربي الإسلامي لا يؤخذ من فم المستشرقين ولا من تحقيقاتهم؛ إذ أكثرهم درسوا الإسلام من غير موضوعية ومن غير تجرد، بل ابتغى مع أقرانه التخريب والدس والتشكيك.
وعلماؤنا العرب مصدر تراثنا وهم على كثرتهم لم يتطرق إليهم الشك في إرسال هذه الكتب، ولم يخطر ببالهم مطلقا شك أو تردد، فمن نصدق؟ أنصدق علماءنا العرب أم مستشرقا أجنبيا؟
وقد ذكر الطبري نص رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى هرقل وهي: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل قيصر الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن تتول فإن إثم الأكارين[3] عليك”.
ثم نص رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – للمقوقس: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين: )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)( (آل عمران)”.
ونص رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – للنجاشي: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم[4] ملك الحبشة، أسلم أنت فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ونفرا معه من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله، فقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي. والسلام على من اتبع الهدى”.
وكتب إلى كسرى أبرويز ملك الفرس: «من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوك بدعاية الله – عز وجل – فإني رسول الله إلى الناس كافة ولأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، وأسلم تسلم، فإن توليت فإن إثم المجوس عليك» [5].
ودليل صحة هذه الكتب ووصولها لأصحابها ما يأتي:
- حديث هرقل مع أبي سفيان واستفساره عن خروج نبي آخر الزمان:
فقد ورد فيه ما يأتي: عن عبد الله بن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ماد[6] فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا، فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله، لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال هرقل: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسى بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا. قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون. وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت[7] لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه، ثم دعا بكتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي بعث به دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين[8])قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)( (آل عمران)”, قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة[9]، إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا أنه سيظهر[10] حتى أدخل الله علي الإسلام.
وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل أسقفا على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: «وكان هرقل حزاء[11] ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة، قالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟! فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص فلم يرم[12] حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة[13] له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي، فحاصوا حيصة[14] حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل»[15].
هذا، وذكر الطبري عن هرقل: أنه قد أجاز دحية الكلبي – سفير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليه – بمال وكساه كسى، وأن أناسا من جذام بأرض حسمى[16] قطعوا عليه الطريق، ولم يتركوا معه شيئا، فجاء إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – قبل أن يدخل بيته، فبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زيد بن حارثة في سرية إلى أرض حسمى.
ويحدثنا الطبري أيضا: أن هرقل لما وصل إليه كتاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو بالشام يريد العودة إلى القسطنطينية جمع الروم فقال لهم: يا معشر الروم! إني عارض عليكم أمورا فانظروا فيما قد أردتها، قالوا: ما هي؟ قال: تعلمون والله أن هذا الرجل نبي مرسل، إنا نجده في كتابنا نعرفه بصفته التي وصف لنا، فهلم فلنتبعه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا. قالوا: نحن نكون تحت يدي العرب، ونحن أعظم الناس ملكا وأكثرهم رجالا وأفضلهم بلدا؟! قال: فهلم فأعطيه الجزية في كل سنة، أكسر عني شوكته وأستريح من حربه بمال أعطيه إياه. قالوا: نحن نعطي العرب الذل والصغار بخراج يأخذونه منا، ونحن أكثر الناس عددا وأعظمهم ملكا وأمنعهم بلدا؟! لا والله لا نفعل هذا أبدا. قال: فهلم فلأصالحه على أن أعطيه أرض سورية ويدعني وأرض الشام. فقالوا: نحن نعطيه أرض سورية وقد عرفت أنها سرة الشام؟! والله لا نفعل هذا أبدا. فلما أبوا عليه قال: أما والله لترون أنكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم، ثم جلس على بغل فانطلق، حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام، ثم قال: السلام عليكم أرض سورية تسليم الوداع، ثم غادر سورية إلى عاصمة ملكه القسطنطينية.
- قصة إسلام باذان:
ونحن إذا تأملنا قصة إسلام باذان عامل كسرى في اليمن نجدها خير دليل على صحة هذه الرسائل، ومؤدى القصة أن كسرى أرسل إلى عامله في اليمن واسمه “باذان” أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين[17] فليأتياني به، فبعث باذان رسولين يحملان كتابا إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم -، يأمره فيه أن ينصرف معهما إليه، فخرجا حتى قدما الطائف، فوجدا رجالا من قريش، فسألاهم عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: هو بالمدينة. واستبشروا بها وفرحوا، قال بعضهم: أبشروا؛ فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل.
فخرج الرجلان حتى قدما على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالا: إن كسرى قد بعثنا إليك لتنطلق معنا، فصرفهما الرسول – صلى الله عليه وسلم – على أن يعودا إليه في الغد، فأتى رسول الله الخبر من السماء: “أن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله”، فلما قدم الرسولان أخبرهما الرسول – صلى الله عليه وسلم – هذ الخبر، فقالا له: إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، أفنكتب هذا عنك ونخبره الملك؟ قال: “نعم، أخبراه ذلك عني، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى”.
فعاد الرسولان إلى باذان فقصا عليه ما تنبأ به النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول، ولننظرن ما قد قال، فلئن كان هذا حقا فإنه لنبي مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا. فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه: “أما بعد، فإني قد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا غضبا لفارس لما استحل من قتل أشرافهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك، وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه”. فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلم من كان معه من الفرس ببلاد اليمن.
- معركة مؤتة:
يعترف المستشرقون أن معركة مؤتة سنة 8 هـ كانت ثأرا من الحارث بن أبي شمر الغساني الذي قتل رسول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليه، وهو شجاع بن وهب الأسدي. فكيف تكون مؤتة وسببها قتل الحارث لحامل رسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى ملك غسان، ثم ينكر هؤلاء وجود الرسائل؟!
- وصية النبي – صلى الله عليه وسلم – بأهل مصر:
اعترف بروكلمان أيضا بوصية النبي – صلى الله عليه وسلم – بأهل مصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلي أهلها فإن لهم ذمة ورحما» [18].
ووجود مارية القبطية نفسها زوجة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – دليل على الرسائل. فلولا رسالة النبي إلى المقوقس والتي حملها حاطب بن أبي بلتعة لما وصلت مارية إلى جزيرة العرب! والمقوقس ما أرسل هداياه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا بعد مناقشة طويلة مع حاطب حامل الرسالة، ولا طائل من إيرادها هنا.
- الآيات الدالة على عالمية الإسلام:
هناك الكثير من الآيات القرآنية التي توضح دون ريب عالمية الدعوة الإسلامية، وعموم الرسالة، مع الآيات الأخرى التي تحض على الدعوة إلى الله بإقناع ومباحثة، ونشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ومنها: )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (125)( (النحل)، )ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين (33) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (34)( (فصلت)، )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا( (آل عمران: ٦٤). هذه الآيات تؤيد تأييدا عظيما إرسال النبي – صلى الله عليه وسلم – الرسائل لتبليغ الدعوة التي أمر بها الله – عز وجل – فآيات توضح عموم الرسالة، ثم آيات تحض على التبليغ بالحكمة والموعظة الحسنة للناس كافة.
- حديث ابن حميد:
قال الطبري: “وحدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثني ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب المصري أنه وجد كتابا فيه تسمية من بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى ملوك الخائبين،[19] وما قال لأصحابه حين بعثهم، فبعث به إلى ابن شهاب الزهري مع ثقة من أهل بلده، فعرفه؛ أي الكتاب”.
إذا قيل: إن نابليون وزع منشورا عند وصوله إلى مصر عام 1798م على السكان، وكان أثره كذا وكذا، وفي مضمونه كذا وكذا، وأثره وما فيه جلي في روايات عدة وحوادث صحيحة، ولسبب نجهله فقدت النسخة الأصلية للمنشور، فهل يكفي عدم العثور عليه لأن ننكر وجوده؟!
هذا.. وهل اطلع هؤلاء على كل كتب ومخطوطات الفرس والروم ولم يجدوا لرسالة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أثرا؟ إذن فبماذا يفسرون رسالة شيرويه إلى باذان؟!
ونضيف أن من مصلحة الكهان وبعض المؤرخين المحترفين في الدس والتخريب طمس مثل هذه الرسائل؛ لطمس عالمية الإسلام وعموم الرسالة، وليست أخبار المؤرخ ابن العبري – كمثل – ببعيدة عن المؤرخين المحققين الموضوعيين، فقد عرف بتزويره للوثائق وطمسه روح الفتوحات الإسلامية المثالية، ويمكن إيراد مثال واحد لنرى معا الروح التي عمل بها هو وأمثاله في تزويره تاريخنا الإسلامي:
كتاب الرشيد الذي رد على كتاب نقفور أوردته المصادر العربية كما يلي: “بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه. والسلام”.
فأورد ابن العبري الرسالة كما هي بتغيير كلمة واحدة هي كلمة “كلب” الروم، أوردها “ملك” الروم. فهذا التزوير ينطوي على خبث في النفس وطمس لشيء لا يريد أن يقر به. وما أكثر المستشرقين الذين هم بنفسية ابن العبري.
- وجود رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – للمقوقس:
وهي محفوظة في متحف “توب كابي Top Kapi” في إستامبول، وقد نشرت مجلة العربي في العدد 110، ص 49 صورة الرسالة، فيمكن الرجوع إلى هذا العدد. ووجود هذه الرسالة يثبت وجود الرسائل الأخرى.
الخلاصة:
- إن عالمية الإسلام بدهية لا ينكرها عاقل أو منصف، عالمية تعم المكان والزمان والأجناس، والإنس والجن، وقد جاء الإسلام بمنهج عام كامل كفيل باحتواء البشرية جميعا، وتوجيهها إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، وكفيل بقيادة الإنسانية جمعاء، وحل مشكلاتها وهدايتها إلى الحق والصواب في كل كبيرة وصغيرة، فليس في الإسلام تشريع خاص بالعرب، وإنما تشريعاته صالحة لكل العالمين، ورسوله مرسل رحمة للعالمين، فهل العرب وحدهم هم العالمون وغيرهم هوام؟!
- إن إنكار رسائل النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الملوك والرؤساء إنكار لا يستند إلى دليل، فبعض الكتب التي أرسلها النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الملوك محفوظة إلى يومنا هذا في المتاحف العالمية، كما أن الروايات التي جاءت في هذا الصدد موثقة في المصادر الإسلامية بأعلى درجات التوثيق، وإذا كان ذلك غير صحيح، فلماذا أسلم النجاشي بالحبشة وباذان ومن معه من الفرس ببلاد اليمن؟ ولماذا رفض هرقل القتال في تبوك؟ ولماذا أرسل المقوقس الهدايا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟!
- لقد اتبع النبي – صلى الله عليه وسلم – في إرساله للرسائل إلى كبار الملوك في عصره طرقا دبلوماسية حديثة، وقد كانت دعوته – صلى الله عليه وسلم – إلى الملوك دعوة إلى العالم كله – أو إلى غالبه – بوصفهم الممثلين للشعوب التي يحكمونها، والأجناس التي تعيش في ظلهم.
(*) محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد رضا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1395هـ/ 1975م. الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، القرافي, تحقيق: د. بكر زكي عوض, دار ابن الهيثم، مصر، 2004م.
[1]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج4، ص2401، 2402 بتصرف.
[2]. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط5، 1425هـ/ 2004م، ص61: 73 بتصرف.
[3]. الأكارون: جمع الأكار، وهو الفلاح.
[4]. الأصحم: كثير الخير والبركة.
[5]. حسن: ذكره الطبري في تاريخ الأمم والملوك (2/ 132)، وحسنه الألباني في فقه السيرة، ص356.
[6]. ماد: عاهد وهادن.
[7]. تجشم: قصد.
[8]. الأريسيون: جمع الإريسي، وهو الفلاح، وقيل: هم أتباع أريوس أحد المنشقين عن الكنيسة والرافضين للتثليث وألوهية المسيح.
[9]. يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كفار قريش يكنوه بأبيه من الرضاع استخفافا به صلى الله عليه وسلم، وأبو كبشة هذا هو زوج حليمة السعدية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم.
[10]. يظهر: يغلب.
[11]. الحزاء: الكاهن.
[12]. يروم: يريد.
[13]. الدسكرة: بناء كالقصر حوله بيوت.
[14]. حاصوا حيصة: جالوا جولة يريدون الهرب.
[15]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (4707).
[16]. حسمى: أرض ببادية الشام بينها وبين وادي القرى ليلتان.
[17]. الجلد: القوي.
[18]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب وصية النبي بأهل مصر (6658).
[19]. الخائبين: الكفار.