إنكار نسخ حديث فطر من أصبح جنبا ً
وجها إبطال الشبهة:
1) إن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حديث صحيح على شرط الشيخين – البخاري ومسلم، والقول بضعفه حجة لا دليل عليها، وإن المقصد من كلام الإمام البخاري ليس ضعف الحديث، وإنما ترجيح حديث أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – لتواتر حديثهما، وكثرة روايته، وما دام الحديثان صحيحين، فلا مانع من وقوع النسخ بينهما.
2) لقد اتفق جمهور علماء المسلمين على نسخ حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وذكروا الأدلة على ذلك، وانعقد إجماعهم على هذا، وكذلك أجمع الفقهاء وأهل العلم على العمل بالحكم الوارد في حديث أمي المؤمنين – رضي الله عنهما، وهو صحة صوم من أصبح جنبا، واعتبروا الحكم الأول منسوخا.
التفصيل:
أولا. النسخ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – جائز؛ لأنه حديث صحيح على شرط الشيخين، وما دام أنه صحيح فقد شارك حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – في درجة الصحة، وهنا انتفى مانع النسخ بينهما:
إن هذا الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة – رضي الله عنه – حديث صحيح، أخرجه الإمام ابن حبان في صحيحه فقال: “أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نودي بالصلاة – صلاة الصبح – وأحدكم جنب، فلا يصم يومئذ»[1]. وقد أخرجه أيضا الإمام أحمد في مسنده[2].
إذا فالحديث صحيح، جاء على شرط البخاري ومسلم، ولم يقل أحد من الأئمة بضعفه.
أما حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم…» الحديث[3]. وقد زاد مسلم في رواية أخرى عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: «… ثم لا يفطر ولا يقضي»[4].
أما قول الإمام البخاري بأن حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – أقوى إسنادا، فهذا ليس معناه أن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – ضعيف أو مردود، وإنما معناه أن الأول أظهر اتصالا، كما جاء في “فتح الباري”: “وأما قول المصنف: (والأول أسند) فاستشكله ابن التين، قال: لأن إسناد الخبر رفعه، فكأنه قال: إن الطريق الأولى أوضح رفعا، قال: لكن الشيخ أبو الحسن قال: معناه أن الأول أظهر اتصالا، قلت: والذي يظهر لي أن مراد البخاري أن الرواية الأولى أقوى إسنادا، وهي من حيث الرجحان كذلك؛ لأن حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – في ذلك جاءا عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد…”[5].
ولا يسعنا بعد هذا القول إلا أن نقطع بصحة الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وإنما كان قول البخاري في ذلك راجعا إلى أن حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – جاء من طرق كثيرة؛ أي أنه متواتر، وهذا ليس معناه أنه يضعف حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أو يشكك في صحته، وإنما هو لا يعدو أن يكون مرجحا لحديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – على حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ لتواتر الحديث الأول وكثرة طرقه وقوة اتصاله.
ومن هنا يثبت أن الحديثين صحيحان؛ إلا أن حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – متواتر، وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حديث آحاد، وفي هذه الحالة يجوز نسخ الحديث الأول للثاني؛ لأنهما صحيحان – أي: يجوز نسخ حديث عائشة وأم سلمة لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – والناسخ هنا أقوى من المنسوخ، فالمتواتر هو الناسخ، والآحاد هو المنسوخ، وهذا جائز باتفاق أهل الأصول جميعا.
وفي هذا يقول الشيخ ابن العثيمين: “واشترط الجمهور أن يكون الناسخ أقوى من المنسوخ، أو مماثلا له؛ فلا ينسخ المتواتر عندهم بالآحاد، وإن كان ثابتا، والأرجح أنه لا يشترط أن يكون الناسخ أقوى أو مماثلا؛ لأن محل النسخ الحكم، ولا يشترط في ثبوته التواتر”[6].
وعلى هذا، فإن الحديثين ثابتان وصحيحان، والناسخ جاء أقوى من المنسوخ، وبهذا فقد توافرت فيهما شروط النسخ، فأي حجة هنا تمنع من نسخ الأول بالثاني في حكمه، فكان حكم الأول هو الإفطار لمن أصبح جنبا دون غسل، ثم جاء الثاني ونسخ حكم الأول، وجاز للصائم أن يصبح جنبا، ثم يغتسل، ويتم صيامه دون إفطار، وعلى هذا فإن ادعاء ضعف حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – ادعاء لا أصل له؛ إذ إن الحديث صحيح، وحكمه الرفع، ويجوز نسخه، وهذا هو الثابت لدينا.
ثانيا. قول جمهور الأمة وفقهائها يرجح النسخ في هذا الحديث:
إذا طالعنا آراء أهل العلم في هذا الحديث وفي هذا الحكم الشرعي، نجد أن أغلبهم قال بنسخ حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وأن الثابت قطعا هو صحة صوم من أصبح جنبا دون غسل، وقد استقر الإجماع على هذا، فيقول صاحب “سبل السلام”: “وأجاب الجمهور بأنه منسوخ، وأن أبا هريرة – رضي الله عنه – رجع عنه لـما روي له حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – وأفتى بقولهما”[7].
وقد نقل الحافظ ابن حجر في “الفتح” عن ابن خزيمة قوله: إن الخبر منسوخ؛ لأن الله -عز وجل- عند ابتداء فرض الصيام كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم، قال: فيحتمل أن يكون خبر الفضل بن عباس الذي رواه أبوهريرة عنه بشأن فطر من أصبح جنبا – كان حينئذ، ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر، فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه، فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر، فدل على أن حديث عائشة – رضي الله عنها – ناسخ لحديث الفضل، ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة – رضي عنهما – الناسخ، فاستمر أبو هريرة – رضي الله عنه – على الفتيا به، ثم رجع عنه بعد ذلك لـما بلغه. قال ابن حجر معقبا: “… وإلى دعوى النسخ فيه ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد، وقرره ابن دقيق العيد بأن قوله عز وجل: )أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم( (البقرة: ١٨٧) يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر، فيلزم إباحة الجماع فيه، ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا، ولا يفسد صومه، فإن إباحة التسبب للشيء إباحة لذلك الشيء[8].
كما أن أبا هريرة – رضي الله عنه – نفسه عندما علم برواية أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – رجع عن فتواه، وأفتى بقولهما، وما كان هذا منه إلا لعلمه بأن روايتهما صادقة ثابتة ناسخة لروايته التي كان يفتي بها، وذلك كما يقول ابن حجر: “نعم قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك، إما لرجحان رواية أمي المؤمنين في جواز ذلك صريحا على رواية غيرهما، مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال؛ إذ يمكن أن يحمل الأمر بذلك على الاستحباب في غير الفرض، وكذا النهي عن صوم ذلك اليوم، وإما لاعتقاده أن يكون خبر أمي المؤمنين ناسخا لخبر غيرهما “[9].
ومن خلال ذلك يترجح لدينا أن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – منسوخ بحديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما، فقد ذهب الجمهور لهذا، وانعقد عليه الإجماع، ولا حجة لأحد في القول بغير هذا.
أما من ذهب إلى أن حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – من خصائص النبي – صلى الله عليه وسلم – وأن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – لجميع الناس، فهذا أيضا لا دليل عليه، كما جاء في “فتح الباري”، يقول الإمام ابن حجر: وحمـل القائلون بفساد صيام الجنب حديث عائشة – رضي الله عنها – على أنه من الخصائص النبوية، أشار إلى ذلك الطحاوي بقوله: وقال آخرون: يكون حكم النبي – صلى الله عليه وسلم – على ما ذكرت عائشة، وحكم الناس على ما حكى أبو هريرة، وأجاب الجمهور: بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وبأنه قد ورد صريحا ما يدل على عدمها، وترجم بذلك ابن حبان في صحيحه، حيث قال: “ذكر البيان بأن هذا الفعل لم يكن المصطفى مخصوصا به”، ثم أورد ما أخرجه هو ومسلم والنسائي وابن خزيمة، وغيرهم من طريق أبي يونس مولى عائشة «عن عائشة – رضي الله عنها أن رجلا جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يستفتيه – وهي تسمع من وراء الباب – فقال: يا رسول الله، تدركني الصلاة، وأنا جنب، أفأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا تدركني الصلاة، وأنا جنب، فأصوم، فقال: لست مثلنا يا رسول الله؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله، إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي»[10]، وذكر ابن خزيمة “أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث، ثم رد عليه بأنه لم يغلط، بل أحال على رواية صادق – يقصد هنا الفضل – إلا أن الخبر منسوخ…[11].
ويقول الإمام الشوكاني مؤكدا نسخ هذا الحديث: “وبالنسخ قال الخطابي، وقواه ابن دقيق العيد بأن قوله -عز وجل-: )أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم(يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر، فيلزم إباحة الجماع فيه، ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ولا يفسد صومه، ويقوي ذلك أن قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: «قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر» يدل على أن ذلك كان بعد نزول الآية، وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية، ويؤيد دعوى النسخ رجوع أبي هريرة – رضي الله عنه – عن الفتوى بذلك، كما في رواية للبخاري: “أنه لما أخبر بما قالت أم سلمة وعائشة – رضي الله عنهما – فقال: هما أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم “[12].
فدل ذلك على أن الإمام الشوكاني يؤيد نسخ هذا الحديث أيضا.
وبهذا فإن جميع الآراء والأقوال ترجح أن النسخ هو المعتبر بين هاتين الروايتين، بل تؤكد هذا؛ حتى لا يجد من يقول غير هذا قولا يستند إليه، ولا حجة يقوم بها، كما أن الإمام ابن حجر قد ذهب إلى القول بالنسخ، ورجح قول الإمام ابن خزيمة الذي سبق تفصيله في النسخ، ثم عقب عليه بقوله: ويقويه أن في حديث عائشة – رضي الله عنها – هذا الأخير – أي: الذي سمعت فيه قول السائل من خلف الباب – ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية؛ لقوله فيه: «قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر»، وأشار إلى آية الفتح، وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية، وإلى دعوى النسخ فيه ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد…[13].
هذا ما ذهب إليه كافة العلماء حول النسخ في هذين الحديثين، وهذا هو الصواب، والحق الذي لا غبار عليه، ولا شائبة فيه؛ فكل شروط النسخ متوفرة فيه، فإن المنسوخ هو المتقدم، والناسخ هو المتأخر، وأن كلا الحديثين صحيح، والمتواتر هو الناسخ؛ فهو أقوى من المنسوخ، وإن كان هذا الشرط فيه نظر عند أهل العلم؛ لأن الآحاد قد ينسخ المتواتر، كما أنه لا يمكن الجمع بينهما؛ لأن أبا هريرة – رضي الله عنه – كان يفتي بالفطر لمن أصبح جنبا في رمضان وغيره، والآخر يصحح الصيام لمن أصبح جنبا دون اغتسال.
أما عن قولهم: إن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عبارة عن فتيا كان يفتي بها، وأن الرفع فيها أقل، وأن الكثرة في روايتها على أنها فتوى، وبهذا تقف على الصحابي الجليل وترد من هذا الوجه، ويكفينا الحديث الذي ثبت رفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فالجواب عليه هو أن هذا الحديث كان يفتي به فعلا أبو هريرة رضي الله عنه؛ وذلك لثقته الكبرى في صحة حديثه هذا، وذلك مسوغ كبير له في الفتوى به، لكن ذلك لا يعني أنه كان مجرد فتوى كما يقولون، فقد اعتمد أبو هريرة -رضي الله عنه- على الرواية التي كان يرويها عن الصحابي الجليل الفضل بن عباس وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهم-، فهما صحابيان جليلان صادقان ثقتان، ولا شك أنهما رفعاه للنبي – صلى الله عليه وسلم – وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يروي عنهما لمدى ثقته المطلقة في صحة حديثهما، كما أن الرفع في الحديث موجود عند الإمام أحمد، وابن حبان برواية صحيحة على شرط البخاري ومسلم، فكون أبي هريرة – رضي الله عنه – يفتي في هذه المسألة بهذه الرواية فهذا لا غبار عليه؛ فالرواية صحيحة – على كل حال – ومرفوعة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فلا يمكن ردها، ومع ذلك قد رجع عنها أبو هريرة – رضي الله عنه – عندما سمع حديث أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – لثقته فيهما، ولعلمه أن حديثهما يصح أن يكون ناسخا لحديثه، فرجع – بفطنته وفقهه – إلى روايتهما؛ لإيمانه بالنسخ لحديثه، وهذا هو الأرجح في هذه المسألة، وهو ما عليه قول أهل العلم جميعا.
كما أن الإمام ابن حجر يعلق في نهاية كلامه وكلام العلماء – عن أدلة نسخ حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في الفتح – على قول الإمام البخاري، فيقول: “قلت: وهذا أولى من سلوك الترجيح بين الخبرين، كما تقدم من قول البخاري، والأول أسند…”[14].
أما عن الحكم الفقهي للحديث الأول – أي: عدم صحة صيام من أصبح جنبا ولما يغتسل بعد – والحكم الفقهي للحديث الثاني، وهو صحة صوم من أصبح جنبا – فإن العمل عند جميع الفقهاء على حكم الحديث الثاني، وقد انعقد الإجماع عليه، وجزم بهذا الإمام النووي، وارتفع الخلاف في هذا الحكم كما يقول الإمام ابن حجر في “الفتح”: ” ثم ارتفع ذلك الخلاف، واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به النووي”[15].
ومما يؤكد ذلك قول الإمام التبريزي في “المشكاة” عند شرحه لحديث عائشة – رضي الله عنها – التي تقول فيه«كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم، فيغتسل ويصوم»[16].
“فيغتسل؛ أي: بعد طلوع الفجر، ويصوم؛ أي: يتم صومه، وفيه دليل على صحة صوم من دخل في الصباح وهو جنب من احتلام، أو من جماع أهله، وإلى هذا ذهب الجمهور، قال ابن عبد البر: عليه جماعة فقهاء الأمصار بالعراق، والحجاز، وأئمة الفتوى بالأمصار (مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأصحابهم، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن علية، وأبو عبيد، وداود، وابن جرير الطبري، وجماعة من أهل الحديث)، وقال ابن قدامة: هو قول عامة أهل العلم….”[17].
وبهذا فلا قول بعد قول أهل العلم، فقد استقر الإجماع في شتى البقاع والأمصار، على حكم صحة صوم من أصبح جنبا، وهذا من شأنه أن يثبت إجماعهم على نسخ حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ولا يسعنا في نهاية هذا القول إلا أن نقطع بنسخ حديث أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – فلا مانع من النسخ بينهما، بل الواضح للعيان، والبين لكل ذي بيان أن النسخ هو الراجح بينهما؛ فالأدلة كلها قائمة عليه، وقول أهل العلم والجمهور مؤيد له، ولا يوجد دليل قاطع لمن قال بعدم النسخ، ويبقى الحق ثابتا قاطعا، ويذهب ما دون ذلك سدى.
الخلاصة:
- إن الحديث الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – بشأن عدم صحة صيام من أصبح جنبا – حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الشيخ أحمد شاكر، والإمام ابن حبان في صحيحه، وعلق عليه الأرنؤوط بأن إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- إن قول الإمام البخاري: إن حديث عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – بشأن صحة صيام من أصبح جنبا – أقوى إسنادا من حديث أبي هريرة، ليس المقصد منه ضعف حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – كما أن الإمام البخاري لم يرد ذلك، وإنما أراد أن يثبت أن حديث أمي المؤمنين أكثر رواية وأكثر تواترا فحسب.
- إن الحديثين صحيحان، وقد جاء الناسخ أقوى من حيث التواتر، وتوافرت في كليهما شروط النسخ، وبهذا فإن القول بالنسخ قول معتبر مقبول، ولا مانع من وجوده بينهما، بل هو المقبول عند جمهور أهل العلم.
- لقد اتفق جمهور أهل العلم على أن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – منسوخ بحديث أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما، وذهب إلى ذلك الإمام ابن حجر في “فتح الباري”، وكذلك الإمام ابن المنذر والخطابي وغيرهم كثير.
- إن فتوى أبي هريرة راجعة إلى صحة حديثه، وثقته المطلقة في روايته عن الفضل بن عباس وأسامة -رضي الله عنهم- كما أن الحديث مرفوع عند ابن حبان وأحمد، وبهذا فإن الحديث صحيح، ولا مخرج لحكمه إلا بالنسخ.
- إن الحكم الفقهي الذي عليه عامة أهل العلم وفقهاء الأمصار، هو الحكم بصحة صوم من أصبح جنبا، وقد ارتفع الخلاف، وثبت الإجماع على العمل بهذا الحكم، واعتبار الحكم الأول منسوخا.
(*) لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1415هـ/ 1995م.
[1]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: صوم الجنب، (8/ 261)، رقم (3485). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[2]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (16/ 47)، رقم (8130). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: الصائم يصبح جنبا، (4/ 169، 170)، رقم (1925، 1926). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، (4/ 1754)، رقم (2548).
[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، (4/ 1754، 1755)، رقم (2550).
[5]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 173).
[6]. الأصول من علم الأصول، محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، القاهرة، 1426هـ، ص51.
[7]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (4/ 152، 151).
[8]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 175) بتصرف.
[9]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 174).
[10]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، (4/ 1755)، رقم (2552).
[11]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 174، 175) بتصرف.
[12]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفي الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هــ/ 2001م، (5/ 2310).
[13]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 175) بتصرف.
[14]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م،(4/ 175).
[15]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 17).
[16]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، (4/ 1754)، رقم (2549).
[17]. مشكاة المصابيح، الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1405هـ/ 1985م، (6/ 964).