اتهام سعيد بن زيد بغصب أرض أروى بنت أويس
وجها إبطال الشبهة:
1) كيف لا يكون سعيد بن زيد – رضي الله عنه – عدلا، وهو من كبار الصحابة؟! أسلم من قبل دخول النبي – صلى الله عليه وسلم – دار الأرقم، وشهد معه جميع المشاهد، وهو من العشرة الذين بشرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجنة.
2) كانت إجابة الله – عز وجل – دعاء سعيد بن زيد – رضي الله عنه – على أروى بنت أويس دليل براءته مما ادعته عليه ظلما، وقد اعترفت بذلك قبل موتها.
التفصيل:
أولا. إثبات عدالة سعيد بن زيد رضي الله عنه:
لقد ذكرت كتب تراجم الصحابة أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل – رضي الله عنه – صحابي جليل أسلم قبل دخول النبي – صلى الله عليه وسلم – دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها.
قال قيس بن أبي حازم: قال سعيد بن زيد: لقد رأيتني، وإن عمر لموبقي على الإسلام، وما كان أسلم بعد؛ فقد كان إسلامه قبل عمر، وكان إسلام عمر عنده في بيته؛ لأنه كان زوج أخته فاطمة.
وكان سعيد بن زيد – رضي الله عنه – من السابقين الأولين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فقد شهد مع رسول – صلى الله عليه وسلم – أحدا والمشاهد بعدها، ولم يكن بالمدينة زمان بدر؛ فلذلك لم يشهدها([1]).
وعده عروة في البدريين، فقال: قدم من الشام بعد بدر، فكلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فضرب له بسهمه وأجره، وقال الزبير بن بكار: سعيد بن زيد من المهاجرين الأولين، ضرب له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر بسهمه وأجره، وكان بعثه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وطلحة بن عبيد الله يتحسبان له أمر عير قريش قبل أن يخرج من المدينة، فلم يحضرا بدرا، وضرب لهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسهمهما وأجرهما([2]).
وعن سعيد بن جبير قال: كان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أمام الرسول – صلى الله عليه وسلم – في القتال، وراءه في الصلاة([3])، وليس أحد من المهاجرين والأنصار يقوم مقام أحد منهم غاب أو شهد.
ومعلوم أن سيدنا سعيد بن زيد من العشرة الذين نص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنهم في الجنة نصا خاصا، فضلا عن النصوص العامة التي وردت في شأنهم جميعا – رضي الله عنهم – وما ذلك إلا لسبقهم وتفضيلهم على جميع الصحابة([4]).
فعن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، و عبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»([5]).
وبالنظر في هذه الأخبار يتبين لنا فضل الصحابي الجليل سعيد بن زيد – رضي الله عنه – وأنه من السابقين الأولين الذين قال الله – عز وجل – فيهم: )والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)( (التوبة)، بل هو من خواص السابقين؛ لأنه من العشرة المفضلين على سائر الصحابة؛ ولم لا؟ وقد أسلم قبل دخول النبي – صلى الله عليه وسلم – دار الأرقم، وشهد مع النبي – صلى الله عليه وسلم – أحدا والمشاهد بعدها، إضافة إلى ذلك فهو عدل بتعديل القرآن الكريم والسنة النبوية للصحابة جميعا.
ثانيا. براءة سعيد من الظلم:
كانت إجابة الله – عز وجل – دعاء سعيد بن زيد – رضي الله عنه – على أروى بنت أويس دليل براءته مما ادعته عليه ظلما، وقد اعترفت بذلك قبل موتها.
إن قصة أروى بنت أويس مع سعيد بن زيد – رضي الله عنه – قد أخرجها مسلم في صحيحه من حديث عروة بن الزبير، وفيه«أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: وما سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين، فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت»([6]).
وفي رواية أخرى: «قال سعيد بن زيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكان قبرها»([7]).
وقال الزبير بن بكار: “إن أروى بنت أويس استعدت مروان بن الحكم – وهو والي المدينة – على سعيد بن زيد في أرضه في الشجرة، وقالت: إنه قد أخذ حقي، وأدخل ضفيرتي (القطعة المستطيلة من الأرض فيها خشب وحجارة) في أرضه بالشجرة. قال سعيد: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة، فترك لها سعيد ما ادعت، وقال: اللهم إن كانت أروى ظلمتني فاعم بصرها واجعل قبرها في بئرها، فعميت أروى، وجاء سيل فأبدى عن ضفيرتها وحقها خارجا عن حق سعيد، فجاء سعيد إلى مروان فقال له: أقسمت عليك لتركبن معي، ولتنظرن إلى ضفيرتها، فركب مروان معه، وركب بالناس معه حتى نظروا إليها، قالوا: ثم إن أروى خرجت إلى بعض حاجاتها بعدما عميت، فوقعت في البئر فماتت”([8]).
فكان أهل المدينة يدعو بعضهم على بعض، فيقول: أعماك الله عمى أروى، فهل بعد هذا يحق لمدع أن يدعي أن سعيد بن زيد – رضي الله عنه – اغتصب شيئا من أرض أروى بنت أويس؟!
وبهذا يتبين أن الله – سبحانه وتعالى – برأ سعيد بن زيد – رضي الله عنه – مما ادعته عليه أروى بنت أويس؛ حيث استجاب الله – عز وجل – منه دعوته عليها فأعمى بصرها، وجعل قبرها في دارها، وبهذا يثبت للبشرية كلها أن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عدول كلهم، ولا يحق لأحد أن يتعدى عليهم أو يرميهم بكذب أو غيره.
الخلاصة:
- كان سعيد بن زيد – رضي الله عنه – من السابقين الأولين، أسلم قبل دخول النبي – صلى الله عليه وسلم – دار الأرقم، وشهد مع النبي – صلى الله عليه وسلم – جميع غزواته بعد بدر، ولم يحضر بدرا لخروجه يترقب عير قريش خارج المدينة، فضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له بسهم فيها.
- كان سعيد بن زيد – رضي الله عنه – من العشرة المشهود لهم بالجنة، فكيف يشهد النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجنة لسارق؟!
- لقد صدق مروان بن الحكم سعيدا عندما سمع منه حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – واكتفى به بينة على صدقه.
- كانت إجابة الله – عز وجل – دعاء سعيد بن زيد – رضي الله عنه – على أروى بنت أويس دليل براءته مما ادعته عليه ظلما؛ إذ ماتت عمياء، وكان قبرها في دارها كما دعا – رضي الله عنه – ربه.
(*) إعلام الأجيال باعتقاد عدالة أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأخيار، أبو عبد الله إبراهيم سعيداي، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 1414هـ/ 1993م.
[1]. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، د. ت، (3/ 103، 104), بتصرف.
[2]. تهذيب الكمال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (10/ 448).
[3]. أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، عز الدين ابن الأثير، دار الفكر، بيروت، د. ت، (2/ 237).
[4]. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، د. ت، (3/ 104).
[5]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب: مناقب عبد الرحمن بن عوف، (10/ 170، 171)، رقم (3994). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3747).
[6]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، (6/ 2498)، رقم (4057).
[7]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، (6/ 2498)، رقم (4056).
[8]. تهذيب الكمال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (10/ 452).