ادعاء أن الآيات التي تحكي مجيء إبراهيم – عليه السلام – إلى مكة مفتعلة
وجوه إبطال الشبهة:
1) القرآن الكريم نزل بعقيدة واضحة، لا مداهنة فيها لأحد من أول يوم، وهي تخالف العقائد المحرفة لدى اليهود والنصارى وغيرهم.
2) الحديث عن إبراهيم – عليه السلام – وزيارته مكة واتصاله بالعرب لم يبدأ في المدينة، وإنما في مكة حيث لا يهود هناك.
3) العهد القديم الذي يؤمنون به أثبت قدوم إبراهيم – عليه السلام – فلم يقرونها فيه وينكرونها في القرآن؟!
4) القرآن يؤكد أن إبراهيم – عليه السلام – ما كان يهوديا ولا نصرانيا، بل كان حنيفا مسلما، وهكذا كانت وصيته لبنيه، فهل يعقل أن يتودد النبي لليهود بإبراهيم وهو على الحالة تلك؟ ألم يكن من الأولى أن يخفي النبي – صلى الله عليه وسلم – حقيقة أنه كان حنيفا مسلما؟!
التفصيل:
أولا. نزل القرآن الكريم بعقيدة واضحة تخالف العقائد المحرفة لدى اليهود والنصارى وغيرهم:
نزل القرآن الكريم بعقيدة التوحيد الخالص، ونفي الشرك، وقصد الله وحده بالعبادة والعمل، وهذا يخالف عقائد التثليث عند النصارى، والشرك عند اليهود، وعبادة ما دون الله عند غيرهم، ولو كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يود تأليف قلوب أقوام كاليهود، لما صرح من أول الأمر بما يخالف عقيدتهم، وإنما كان من الممكن أن ينتظر حتى يرى هل ينصره هؤلاء أم يخذلونه؟ وإلا كيف يعلن أن التوحيد الذي يخالف عقائد اليهود والنصارى – المحرفة – جوهر رسالته، ثم بعد ذلك يمالئهم ويداهنهم، أو يتألف قلوبهم بافتعال قصة إبراهيم كي يستميلهم إليه، أو يرضوا عنه، وهذا شيء ثانوي في رسالته، وأيضا رسائلهم، وليس من صلب العقيدة لا عنده ولا عندهم. أفيخالفهم في الأصل والجوهر، ويتألفهم في الفرع والعرض؟! أي عقل يقول بهذا إلا عقل لا يعتمد منطقا سليما أو منهجا رشيدا؟!
ثانيا. الحديث عن إبراهيم – عليه السلام – وزيارته مكة، واتصاله بالعرب لم يبدأ في المدينة، بل كان ذلك في مكة:
ففي سورة إبراهيم – عليه السلام – وهي من القرآن المكي: )وإذقال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (35)( (إبراهيم)، والبلد المقصود في الآية وأيضا كما في سورة البقرة هي مكة، فكيف يقال: إن هذه الآية التي استدل بها هؤلاء المدعون – مدنية؟! أو لا يعلمون أن هذا الكلام نزل في مكة قبل ذلك في سياق آخر؟ وكيف يقال: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – افتعلها بالمدينة ليمالئ بها اليهود أو يتألفهم بها؟ ألا يدل ذلك على اضطراب في الفهم وعشوائية في التفكير، وجهل بالقرآن الكريم وآياته.
ثالثا. العهد القديم – الذي يؤمنون به – أثبت قدوم إبراهيم إلى مكة، فلم يكذبون القرآن؟
إن أمر قدوم إبراهيم إلى مكة ليست أمارات ثبوته الآيات القرآنية فحسب، وإن كان هذا وحده كافيا للإيمان به عندنا نحن المسلمين، بل هو أمر قد جاء ذكره في كتب غير المسلمين التي يعظمونها كالعهد القديم، أفلا يؤمن هؤلاء بما ورد عندهم؟ وإذا كانوا يؤمنون أيرتضي أن تكذب حادثة لأنها جاءت في كتاب يريدون أن يكذبوه؟
وثابت أن إسماعيل ولد لإبراهيم، سواء تنازع هؤلاء في كونه هو أو إسحاق الذبيح، فنسبته لإبراهيم ثابتة عندنا وعندهم، وإذا كان هذا ثابتا، أفلا يجيبون كيف ذهب إلى هناك؟ وهل كان إبراهيم هو الذي ذهب به كما يحكي القرآن؟ أم أن إبراهيم كان يكره له هذا؟
رابعا. القرآن يؤكد أن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما:
أكد القرآن الكريم على كون إبراهيم حنيفا مسلما،وذلك حين حاور القرآن أهل الكتاب وجادلهم عقليا في موضوع إبراهيم وديانته، فنفي أن يكون يهوديا أو نصرانيا؛ لأن كتابي الديانتين نزلا بعده، ولو كان القرآن حريصا على تألفهم لسكت عن ذلك، قال سبحانه وتعالى: )ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67)( (آل عمران)، وفيه: )يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (65)( (آل عمران)، وفيه )أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون (133)( (البقرة)، وغير ذلك من الآيات التي أثبتت أن ملة إبراهيم – عليه السلام – الإسلام وأثبتت مكافأته به، ففي القرآن: )إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131)( (البقرة)، وفيه: )يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132)( (البقرة). وفيه: )قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (135)( (البقرة).
فهل يعقل أن يتودد النبي – صلى الله عليه وسلم – لليهود بإثبات أنه زار مكة، وثابت في القرآن أنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما، ألم يكن من الأولى – إن كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يداهنهم كما يقولون – أن يخفي حقيقة أنه حنيفي مسلم؟! وكيف يذكر القرآن أنه لا علاقة بين إبراهيم واليهود، ثم يدعون في الوقت نفسه أنه يؤلف قلوبهم بذكره؟!!
الخلاصة:
- القرآن الكريم نزل من أول يوم بعقيدة واضحة لا مداهنة فيها لأحد، وهي تخالف العقائد الفاسدة والمحرفة، عند اليهود وغيرهم، فكيف يمالئ اليهود ويتألفهم بشيء فرعي وهو يخالفهم ويناقضهم في جوهر عقيدتهم وأساسها.
- الحديث عن إبراهيم وزيارته لمكة واتصاله بالعرب لم يبدأ في المدينة، حتى يقال: إنه أراد أن يتألفهم ويداهنهم، وإنما بدأ في مكة حيث لا يهود هناك.
- العهد القديم أثبت قدوم إبراهيم إلى مكة وهم يؤمنون به، فلماذا ينكرونها في القرآن، أم إنهم – لمجرد رفضهم للقرآن باعتباره رسالة – راحوا يطعنون في قصصه التي احتواها حتى لو كانت حقائق ثابتة عندهم.
- القرآن أكد أن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما، وهكذا كانت وصيته لبنيه من بعده، فكيف يتألفهم بذكر زيارته مكة واتصاله بالعرب وهو ينفي علاقته بهم ويبرئه منهم؟!
(*) قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1985م.