ادعاء أن الأصنام والأوثان آلهة تشفع عند الله – عز وجل – وتقرب إليه
وجوه إبطال الشبهة:
1) عبادة غير الله مخترعة، والشرك حادث في الناس.
2) هذه الآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئا.
3) المخلوقات جميعا خاضعة لله عز وجل.
4) لو كان مع الله آلهة – كما زعم المشركون – لتقربوا إليه وعبدوه.
5) الله – عز وجل – منزه عن الشرك.
التفصيل:
أولا. عبادة غير الله مخترعة، والشرك حادث في الناس:
إن الذي حمل المشركين على عبادة الأصنام هو عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله – عز وجل – في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا، أما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به، كما كانوا يعبدون هذه الأصنام أيضا لتقربهم إلى الله منزلة عنده، قال – سبحانه وتعالى – حاكيا عنهم هذا القول: )والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( (الزمر: 3)، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
وهذه الدعوى هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – بردها والنهي عنها، فكان من أهداف الرسل الدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وتوضيح أن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن به الله ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه، قال سبحانه وتعالى: )ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت( (النحل: ٣٦) وقال أيضا: )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25)( (الأنبياء).
ثم أخبر الله – عز وجل – أن هذا الشرك حادث في الناس بعد أن لم يكن، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد وهو الإسلام إلا أنهم تفرقوا واختلفوا، قال سبحانه وتعالى: )وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا( (يونس: ١٩).
ثانيا. هذه الآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئا.
لقد أنكر الله – عز وجل – على المشركين الذين عبدوا معه غيره ظانين أن شفاعة تلك الآلهة تنفعهم عند الله، وأخبر – عز وجل – أن هذه الآلهة المزعومة لا تضر ولا تنفع ولا تملك شيئا، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها، ولن يكون هذا أبدا، قال سبحانه وتعالى: )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض( (يونس: ١٨).
والمعنى: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض.
وقال – سبحانه وتعالى – أيضا: )قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار (16)( (الرعد).
فبين – عز وجل – أن هذه الآلهة التي اتخذوها من دونه أولياء يعبدونهم لا تملك لأنفسها – ولا لعابديها بطريق الأولى – نفعا ولا ضرا، ولا تحصل لهم منفعة ولا تدفع عنهم مضرة، فهل يستوي من عبد الله وحده لا شريك له؛ فهو على نور من ربه، ومن عبد هذه الآلهة مع الله فهو في الظلمات ليس بخارج منها؟!
وقوله سبحانه وتعالى: )أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم(، معناه: أجعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق؟! أخلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون أنها مخلوقة من الله أم من غيره؟! وليس الأمر كذلك؛ فإنه سبحانه لا يشابهه شيء ولا يماثله، ولا ند له ولا وزير ولا ولد، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم معترفون أنها مخلوقة من مخلوقاته وعبيد له، ولهذا نزه الله – عز وجل – نفسه الكريمة عن شركهم وكفرهم، فقال: )سبحانه وتعالى عما يشركون (18)( (يونس).
ثالثا. المخلوقات جميعا خاضعة لله عز وجل.
لقد أكد القرآن أن المخلوقات جميعها خاضعة لله لا يجرؤ أحد منها أن يشفع عنده إلا بإذنه، فالملائكة المقربون في السماوات وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلا أن يأذن لمن ارتضى، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم، يشفعون عندهم بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وكرهوه، قال سبحانه وتعالى: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( (البقرة: ٢٥٥)، وقال أيضا: )ولا يشفعون إلا لمن ارتضى( (الأنبياء: ٢٨)، وطلب هؤلاء المشركين الشفاعة منهم أمر في غاية الجهل حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضرر في الحال.
رابعا. لو كان مع الله آلهة – كما زعم المشركون – لتقربوا إليه وعبدوه:
ومن ردود القرآن أيضا على هؤلاء المشركين قوله سبحانه وتعالى: )قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا (42)( (الإسراء)، والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه، العابدين معه غيره ليقربهم إليه زلفى: لو كان الأمر كما يقولون وأن معه آلهة تعبد لتقرب إليه وتشفع لديه؛ أي: لكان أولئك المعبودون يعبدون الله ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربى، فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون وساطة بينكم وبينه، فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه، بل يكرهه ويأباه، وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه، ووجه الاستدلال أنكم جعلتموهم آلهة، وقلتم: ما نعبدهم إلا ليكونوا شفعاءنا عند الله، فلو كانوا آلهة كما وصفتم إلهيتهم، لكانوا لا غنى لهم عن الخضوع لله، وذلك كاف لكم بفساد قولكم؛ إذ الإلهية تقتضي عدم الاحتياج، فكان مآل قولكم أنهم عباد لله مكرمون عنده، وهذا كاف في تفطنكم لفساد القول بإلهيتهم. والابتغاء على هذا ابتغاء محبة ورغبة كقوله سبحانه وتعالى: )فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا (19)( (المزمل)؛ فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التوسل إليه والسعي إلى مرضاته.
ويحتمل أن يكون المعنى المراد بالسبيل سبيل السعي إلى الغلبة والقهر، أي: لطلبوا مغالبة ذي العرش وهو الله تعالى، وهذا كقوله سبحانه وتعالى: )وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض( (المؤمنون: ٩١)، أي: لتغالبوا وسعى بعضهم إلى بعض بالغزو؛ إذ العادة في أهل السلطان أنهم يطلبون توسعة سلطانهم ويتألبون على السلطان الأعظم ليسلبوه ملكه أو بعضه، وكثيرا ما ثارت الأمراء والسلاطين على ملك من الملوك وسلبوه ملكه، فلو كان معه آلهة لسلكوا عادة أمثالهم… وذلك يفضي إلى اختلال العالم لاشتغال مدبريه بالمقاتلة والمدافعة على نحو ما يوجد في ميثولوجيا اليونان[1] من تغالب الأرباب وكيد بعضهم لبعض؛ فيكون هذا في معنى قوله سبحانه وتعالى: )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا( (الأنبياء: ٢٢)، وهو الدليل المسمى بدليل التمانع في علم أصول الدين، فالسبيل على هذا المعنى مجاز على التمكن، والظفر بالمطلوب، والابتغاء على هذا ابتغاء للمكانة، فيكون عن عداوة وكراهة[2].
خامسا. الله – عز وجل – منزه عن الشرك:
وفي ختام تفنيده – سبحانه وتعالى – لمزاعم هؤلاء المشركين نزه الله – سبحانه وتعالى – نفسه عما يدعي هؤلاء فقال: )سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا (43)( (الإسراء)… ثم يرسم السياق للكون كله بما فيه ومن فيه مشهدا فريدا، تحت العرش، حيث يتوجه الكون كله إلى الله يسبح له ويجد إليه الوسيلة: )تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا (44)( (الإسراء) وهو تعبير تنبض به كل ذرة في هذا الكون الكبير وتنتفض روحا حية تسبح لله فإذا الكون كله حركة وحياة وإذا الوجود كله تسبيحة واحدة شجية رخية، ترتفع في جلال إلى الخالق الواحد الكبير المتعال..
وإنه لمشهد كوني فريد، حين يتصور القلب كل حصاة وكل حجر، كل حبة وكل ورقة، كل زهرة وكل ثمرة، كل نبتة وكل شجرة، كل حشرة وكل زاحفة، كل حيوان وكل إنسان، كل دابة على الأرض وكل سابحة في الماء والهواء.. ومعها كل سكان السماء.. كلها تسبح الله وتتوجه إليه في علاه: )وإن من شيء إلا يسبح بحمده( يسبح بطريقته ولغته )ولكن لا تفقهون تسبيحهم( لا تفقهونه لأنكم محجوبون بصفاقة الطين، ولأنكم لم تتسمعوا بقلوبكم، ولم توجهوها إلى أسرار الوجود الخفية، وإلى النواميس التي تنجذب إليها كل ذرة في هذا الكون الكبير، وتتوجه بها إلى خالق النواميس، ومدبر هذا الكون الكبير..
)إنه كان حليما غفورا( وذكر الحلم والغفران هنا بمناسبة ما يبدو من البشر من تقصير في ظل هذا الموكب الكوني المسبح بحمد الله، بينما البشر في جحود وفيهم من يشرك بالله، ومن ينسب له البنات، ومن يغفل حمده وتسبيحه، والبشر أولى من كل شيء في هذا الكون بالتسبيح والتحميد والمعرفة والتوحيد، ولولا حلم الله وغفرانه لأخذ البشر أخذ عزيز مقتدر ولكنه يمهلهم ويذكرهم ويعظهم ويزجرهم )إنه كان حليما غفورا( [3].
الخلاصة:
- الأصل أن الناس كانوا على الفطرة السليمة ثم حدث فيهم الشرك فبعث الله في كل أمة رسولا ليردهم إلى فطرتهم وهي الإيمان والتوحيد.
- الواقع يشهد بأن هذه الآلهة التي عبدها الناس لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا فضلا عن أن تملكه لعابديها.
- كل من في السماوات والأرض خاضع لله ولا يملك أحد لأحد ضرا ولا نفعا ولا يشفع أحد لأحد عند الله إلا بإذنه تعالى.
- الله تعالى منزه عن الشرك، ولو كانت هناك آلهة مع الله – كما يدعي هؤلاء – فليس لهم إلا أن يتقربوا إلى الله ولا يتخذوا عنده الشفعاء والوسطاء.
(*) الآيتان اللتان وردت فيهما الشبهة: (يونس/ 18، الزمر/ 3).
الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (يونس/ 18، الزمر/ 3، الرعد/ 16، الإسراء/ 42، 43).
[1]. الميثولوجيا: علم الأساطير والخرافات المتصلة بالآلهة وأنصاف الآلهة عند شعب من الشعوب.
[2]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت ، مج7، ج15، ص111، 112 بتصرف.
[3]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج4، ص2230، 2231.