ادعاء أن الجهاد من أحكام الإمامة في كل الأحوال
وجها إبطال الشبهة:
1) الجهاد القتالي الكفائي “جهاد الطلب” من أحكام الإمامة، والإمام هو المسئول عن تنفيذ أحكام الإمامة، ورعايتها على الوجه الذي يوافق المصلحة.
2) جهاد الدفع نوع من الجهاد، شرعه الله – عز وجل – للمسلم دون الرجوع إلى الإمام وأخذ الإذن منه.
التفصيل:
أولا. الجهاد القتالي الكفائي (جهاد الطلب) من أحكام الإمامة:
الإمام هو المسئول عن تنفيذ أحكام الجهاد، و القائم على رعايتها على الوجه الذي يوافق المصلحة العامة، وهنا نجيب على سؤالين مؤداهما:
متى يكون الجهاد بأمر الإمام واجبا؟ وما الحكمة في كونه من أحكام الإمامة؟
إن أحكام الشريعة الإسلامية تنقسم قسمين: ما يسمى بأحكام التبليغ، ما يسمى بأحكام الإمامة.
أما أحكام التبليغ: فهي تلك التي خوطب بها كل فرد مباشرة، أي أنيط به مباشرة وجوب الانصياع لها بالتطبيق، دون وساطة عالم أو إمام، كسائر أنواع العبادات والمعاملات.
وأما أحكام الإمامة: فهي تلك التي خوطب بها أئمة المسلمين، بدءا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حيث هو الإمام الأعلى لسائر المسلمين، وانتقالا منه إلى من بعده من الأئمة والخلفاء، بحيث يكون إمام المسلمين هو المسئول عن تنفيذها ورعايتها على الوجه الذي يرى أن المصلحة تقتضيه.
وتمتاز أحكام الإمامة بقدر كبير من المرونة ضمن حدود معينة، أمكن الله – عز وجل – الأئمة من التحرك في نطاقها حسب ما تقتضيه المصلحة.
ويعد الجهاد القتالي في مقدمة أحكام الإمامة، هذا الجهاد الذي يكون عندما يتحول الأمر من دعوة باللسان إلى مقاومة مسلحة، وهو فرض كفاية على مجموع المسلمين لا على جميعهم، وقد يكون هذا الجهاد الكفائي بشحن الثغور وإحكام الحصون وحراسة الحدود، وقد يكون بمقاتلة من يصدون المسلمين عن إبلاغ الدعوة، ويمنعونهم من تعريف الناس بالإسلام، وإزالة الشبهات التي قد تتسرب إليه.
وقد يكون بمقاتلة المعتدين خارج البلد الإسلامي وبعيدا عن حدوده، كقتال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم أحد ويوم بدر ويوم ذات الرقاع، وقد يكون بمهاجمة المسلمين للأعداء واقتحامهم بلادهم، وذلك عندما يكتشف المسلمون كيدا يدبر لهم وخطة ترسم ضد أمنهم[1].
الحكمة من كون الجهاد القتالي الكفائي داخلا في أحكام الإمامة:
الحكمة من ذلك أن هذا الواجب الخطير (الجهاد) لا يمكن أن يحقق ثمرته المرجوة للمسلمين إلا إن كانت قيادته بيد جهة ذات شوكة، تتمتع بسلطة نافذة وسطوة مخيفة، بحيث تنقاد له الجموع، ويستجيب له العسكر والجيوش من جهة المسلمين، وبحيث تسري من سلطانه النافذ هذا هيبة في أفئدة الأعداء الطامعين.
كما أن هذا الواجب الخطير، إنما ينهض على اجتماع الكلمة، وصدق التلاقي والتعاون، واختفاء عوامل التفرقة، وغياب الآراء والزعامات المتناقضة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بقيادة دولة ذات سلطان ونفوذ، تأمر فتطاع، وتدعو فيجاب لها[2].
فمهما كان في فئات الناس وأفرادهم وعلمائهم من الورع والسلوك والعدالة في التعامل، فإن شيئا من ذلك لا يقوم مقام الشوكة التي هي المطلوبة في هذا المقام. إن مقومات السلطان من القوة الجامعة والشوكة النافذة – هي المطلوبة في الدرجة الأولى بعد الإسلام في هذا المقام.
وإن صفات الورع والاستقامة الشخصية على الدين – عارية عن هذا السلطان ومقوماته، ولن تقوم مقامه في جمع كلمة المسلمين وضفر جهودهم على صراط واحد، ومن ثم فلن تقوم مقامه في إدخال الرعب والرهبة في قلوب الطامعين من الأعداء[3].
ثانيا. جهاد الدفع نوع من الجهاد الذي شرعه الله – عز وجل – دون الرجوع إلى الإمام وأخذ الإذن منه:
هناك حالات يجوز للمسلمين فيها قتال العدو دون الرجوع إلى الإمام وأخذ الإذن منه، ومنها:
- دفع الصائل: والصائل هو الإنسان أو الفئة الباغية التي يحصل منها هجوم على حياة الناس أو أموالهم أو أعراضهم، وقد شرع الله في هذه الحالة أن يدفع الإنسان عن حياته وعن ماله وعرضه، ضمن حدود وآداب معينة. ودفع الصائل داخل في أحكام التبليغ لا في أحكام الإمامة؛ إذ لا يلزم الرجوع إلى الإمام أو أخذ الإذن عنه للقيام بذلك، والأصل في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد»[4].
- حالة النفير العام: وهي أن يقتحم عدو – أيا كان – بلدا من بلاد المسلمين، قاصدا السطو على الحياة أو على الأعراض أو على الأموال، فيجب على المسلمين كلهم أن يهبوا هبة رجل واحد بدءا من إمام المسلمين إلى عامة أفرادهم، لدرء العدوان وردع المعتدين، ولا يتوقف وجوب ذلك على إذن الإمام أو على إعلانه الحرب على هؤلاء الصائلين، بل إن الإمام لا يسعه والحالة هذه، سوى أن يأمر الناس جميعا بالعمل ما وسعهم على درء العدوان[5].
نحن مسلمون أن أمر الحرب والقتال موكول إلى الأمير؛ لأنه الأعلم بكثرة العدو أو قلتهم ومكامن الخصوم وكيدهم، فينبغي أن يرجع إلى رأيه؛ لأنه أحوط، وذلك إلا أن يفجأ المسلمين عدو يخافون تمكنه، فلا يمكنهم الاستئذان، فيسقط الإذن باقتضاء قتالهم والخروج إليهم لحصول الفساد بتركهم انتظارا للإذن.
ودليل ذلك أنه لما أغار الكفار على لقاح النبي – صلى الله عليه وسلم – صادفهم سلمة بن الأكوع خارجا من المدينة فتبعهم وقاتلهم – من غير إذن – فمدحه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال: «خير رجالتنا سلمة بن الأكوع، وأعطاه سهم فارس وراجل»[6] [7].
فجهاد الدفع لا ينتظر المجاهد فيه إذن إمامه، فسيف العدو لن يمهله، ولن يهمله، وهو لا يترك العدو يعمل السلاح فيه وفي أولاده، وينتظر حينئذ إذن الإمام. وهذا ما حدث في حروب التتار، وفي عين جالوت، وفي حدث ابن الحضرمي، فهل تكون هذه الأحداث غير شرعية؛ لأنها لم تبرم بأمر الإمام؟!!
الخلاصة:
- الجهاد القتالي – جهاد الطلب – من أحكام الإمامة، والإمام هو المسئول عن أحكام الإمامة ورعايتها على الوجه الذي يوافق المصلحة، ومن هذا الاستعداد للجهاد بما يتضمنه من:
o شحن الثغور وإحكام الحصون وحراسة الحدود.
o مهاجمة المسلمين للأعداء واقتحام بلادهم؛ لرد كيد يدبر لهم، وخطة ترسم ضدهم.
o مقاتلة من يصدون عن إبلاغ دعوتهم ويمنعونهم تعريف الناس الإسلام.
o مقاتلة المعتدين خارج البلد الإسلامي وبعيدا عن حدوده.
- لقد شرع الله – عز وجل – جهاد الدفع للمسلم بغير إذن الإمام في الحالات الآتية:
o في مقاتلة الصائل: وهو هجوم إنسان أو فئة ما على حياة إنسان، أو على ماله أو عرضه، فإذا قاتل أحد عن حياته أو ماله أو عرضه ثم قتل – فهو شهيد، وإن قتل المعتدى عليه فالمعتدى عليه في النار.
o في حالة النفير العام، وهي حين يقتحم عدو بلدا من بلاد المسلمين قاصدا السطو على الحياة أو على الأعراض أو على الأموال؛ لأن العدو لا يتركه ولن يهمله، والعقل حاكم أن المرء لا يدع من يعمل فيه السلاح حتى يأخذ الإذن من الإمام.
(*) ردود على أباطيل وشبهات حول الجهاد، عبد الملك البراك، النور للإعلام الإسلامي، عمان، 1418هـ / 1997م.
[1]. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الإمام محمد الخطيب الشربيني، ج4، ص210.
[2]. حجة الله البالغة، الدهلوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م، ج2، ص128 بتصرف.
[3]. الجهاد في الإسلام: كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟ محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، سوريا، دار الفكر، لبنان، ط2، 1997م، ص116.
[4]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند سعيد بن زيد (1652)، والترمذي في سننه، كتاب الديات، باب فيمن قتل دون ماله فهو شهيد (1421)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1421).
[5]. الجهاد في الإسلام: كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟ محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، سوريا، دار الفكر، لبنان، ط2، 1997م، ص113،112.
[6]. المهذب، الشيرازي، دار الفكر، سوريا، ج2، ص229.
[7]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها (4779).