ادعاء أن الشافعي كان شيعيا منجما يضع الأحاديث
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد اشتهر عن الشافعي أنه كان يقول بأفضلية الخلفاء كترتيبهم في الخلافة، وأنه كان كثير الطعن في الروافض، كما أن حبه لآل البيت لا يدل على التشيع، فحبهم واجب على المسلمين أجمعين، وأما عن رأي يحيى بن معين فقد رجع عنه عندما حاجه الإمام أحمد بن حنبل فأقنعه بسنية الشافعي وعدم تشيعه، ودفاع الشافعي عن نفسه يثبت ذلك.
2) إن اتهام الشافعي بالتنجيم اتهام باطل؛ إذ إن أدلة المشتبهين كلها ضعيفة لا تصح سندا ولا متنا، وهذا ما أثبته ابن القيم، والصحيح أن الشافعي كان من أفرس الناس، عالما بما كانت العرب تعرفه من علم المنازل والاهتداء بالنجوم في الطرقات وغير ذلك.
3) إن القول بأن الشافعي كان يجتهد وينسب اجتهاداته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – قول لا دليل عليه، ولو صح ذلك ما سكت تلامذته عليه، فقد كانوا يراجعونه كثيرا في آرائه، فكيف يسكتون على وضعه الأحاديث؟! وقد شهد نقاد الحديث كلهم له بالصدق والورع حتى لقب بناصر الحديث النبوي.
أولا. الإمام الشافعي ليس شيعيا ولكنه من أئمة أهل السنة الذين يحبون آل البيت:
لم يكن الشافعي شيعيا رافضيا وإنما كان إماما من أئمة أهل السنة والجماعة، يعمل بالسنة الصحيحة، ويترك ما لم يصح منها، “قال علي بن أحمد الدخمسيني: سمعت علي بن أحمد بن النضر الأزدي، سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن الشافعي، فقال: لقد من الله علينا به، لقد كنا تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا، فلما سمعنا كلامه، علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كل خير، فقيل له: يا أبا عبد الله، كان يحيى وأبو عبيد لا يرضيانه – يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك – فقال أحمد بن حنبل: ما ندري ما يقولان، والله ما رأينا منه إلا خيرا…، ثم قال أحمد لمن حوله: اعلموا رحمكم الله تعالى أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم، وحرمه قرناؤه وأشكاله، حسدوه فرموه بما ليس فيه، وبئست الخصلة من أهل العلم”[2].
لذا قال الذهبي: “من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر، لا يدري ما يقول”[3]. فإن كان يحب آل البيت ويمدحهم بشعره، فهذا لا يوجب القدح فيه بل يوجب أعظم أنواع المدح؛ لأن حب آل البيت واجب على كل مسلم، وهذه وصية النبي – صلى الله عليه وسلم – للمسلمين أجمعين، وهذا بعض ما نظمه الشافعي في مدح آل البيت – رضي الله عنهم – إذ يقول:
يا راكبا قف بالمحصب من منى
واهتف بقاعد خيفنا والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى
فيضا، كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد
فليشهد الثقلان أني رافضي
وقد عقب الذهبي على هذه الأبيات بقوله: “لو كان شيعيا – وحاشاه من ذلك – لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة، بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبد العزيز”[4].
وقال أيضا:
آل بيت النبي ذريعتي
وهم إليك وسيلتي
أرجو بأن أعطى غدا
بيد اليمين: صحيفتي
فهذه هي الأبيات التي استدلوا بها على تشيعه ورفضه إمامة أبي بكر وعمرـ رضي الله عنهما – ليس فيها شيء من ذلك، وإنما هي تعبير عن حبه الصادق لآل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – كحب غيره من المسلمين لهم.
وأما قولهم: إن يحيى بن معين رماه بالرفض واتهمه بالتشيع، فالجواب عنه: ما روى البيهقي عن أبي داود السجستاني أنه قيل لأحمد بن حنبل: إن يحيى بن معين ينسب الشافعي ابن إدريس إلى التشيع.
فقال أحمد ليحيى بن معين: كيف عرفت ذلك؟
فقال يحيى: إني نظرت في تصنيفه في قتال أهل البغي، فرأيته قد احتج من أوله إلي آخره بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقال أحمد: يا عجبا لك، فبمن كان يحتج الشافعي في قتال أهل البغي؟ فإن أول من ابتلى من هذه الأمة بقتال أهل البغي هو علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: فخلى يحيى من كلامه[5].
والذي أدى بيحيى بن معين إلى هذا القول أنه كان متشددا جدا في قبول الرجال وتعديلهم، فلا يعدل الرجل إذا وجد فيه أي مظنة للطعن فيه، فلما رأى الشافعي يكثر من ذكر أقوال علي في باب قتال البغاة بالإضافة إلي أنه من آل البيت الذين أطراهم بشعره كثيرا – ظن أنه شيعي، لكنه رجع عن رأيه بعد أن حاجه الإمام أحمد بن حنبل.
ومما يؤيد ثقة ابن معين في الشافعي وأخذه بأقواله ما نقله أبو نعيم في “الحلية” عن هاشم بن مرثد قال: سمعت يحيى بن معين يقول: الشافعي صدوق ليس به بأس…، وقال الزعفراني: كنت مع يحيى بن معين في جنازة فقال له رجل: يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي، قال: دع هذا عنك، لو كان الكذب له مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب[6].
فهل يعقل أن يكون الشافعي عند يحيى بن معين شيعيا ثم يرى أنه ثقة صدوق مع ما عرف عن يحيى بن معين من تشدد في نقد الرجال؟!
“ومما يشهد ببطلان هذا الاتهام، أنه قد تكاثرت أقوال الشافعي – رحمه الله – التي تشهد بأنه كان إماما من أئمة أهل السنة في باب الصحابة، حيث أثنى عليهم جميعا، ورتبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة كما هو قول أهل السنة”[7].
فقد عقد البيهقي بابا في كتابه “مناقب الشافعي” ساق فيه بإسناده ما يؤثر عن الشافعي في الخلفاء الراشدين الأربعة، وإليك شيئا مما جاء فيه بعد حذف الأسانيد:
“قال الشافعي: وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهناهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ منازل الصديقين والشهداء والصالحين، هم أدوا إلينا سنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عاما وخاصا، وعزما وإرشادا، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم”.
وقال: “أفضل الناس بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم”.
وقال: “اضطر الناس بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلي أبي بكر، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر، من أجل ذلك استعملوه على رقاب الناس”.
وقال: “ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان: منهم من قدم عليا على عثمان، ومنهم من قدم عثمان على علي، ونحن لا نخطئ أحدا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما فعلوا”.
وقال الربيع بن سليمان: “سمعت الشافعي يقول في التفضيل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي”.
وقال: “سمعت الشافعي يقول في الخلافة: التفضيل يبدأ بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي”[8].
وقد ذكر ابن عبد البر في كتابه “الانتقاء” بعض ما قاله الشافعي في الخلفاء الراشدين، قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، الخلفاء الراشدون المهديون، وقد سأل حرملة بن يحيى الشافعي فقال: يا أبا عبد الله، من الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز[9].
وقال الشافعي:
شهدت بأن الله لا رب غيره
وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين
وفعل ذكي قد يزيد وينقص
وأن أبا بكر خليفة ربه
وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأشهد ربي أن عثمان فاضل
وأن عليا فضله متخصص
أئمة قوم يهتدي بهداهم
لحى الله من إياهم يتنقص[10]
ومن الأدلة على نفي نسبة الشافعي إلى التشيع أنه كان يترضى على معاوية – رضي الله عنه – في كتابه الأم، وكذا كان علماء الشافعية مثل الإمام النووي – رحمه الله – وغيره.
كما كان الشافعي كثير الاحتجاج بأفعال معاوية – رضي الله عنه – ورواياته، ويروي الشافعي عن ابن عباس قوله في مدح علم معاوية: “يا بني ليس أحد منا أعلم من معاوية “[11].
ومما يدعم الرد على هذه الشبهة أن الشافعي كان على علم بما حدث بين علي ومعاوية في معركة صفين، بل حكى تفاصيل المعركة، ورغم ذلك لم يطعن في معاوية.
ومما يدل على براءة الشافعي من هذا الاتهام أنه ذم الروافض والشيعة في كثير من أقواله التي اشتهرت عنه منها مار واه البيهقي عن الشافعي حيث يقول:
“أجيز شهادة أهل الأهواء كلهم إلا الرافضة، فإنهم يشهد بعضهم لبعض”[12].
ويقول: “لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة”[13].
ومما يشهد ببطلان هذا الاتهام – أيضا – أن الشافعي نفسه قد أنكر التشيع وتبرأ منه فقد أخرج ابن عبد البر في كتابه “الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء بسنده فقال: “قيل للشافعي: إن فيك بعض التشيع، قال: وكيف ذاك؟ قالوا: لأنك تظهر حب آل محمد، فقال: يا قوم، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»[14].
فإذا كان واجبا علي أن أحب قرابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا كانوا من المتقين ألا يكون هذا من الدين؛ لأنه كان يحب قرابته، وأنشد: يا راكبا قف بالمحصب من منى”[15].
فهل يعقل بعد كل هذه الأدلة على اعترافه بفضل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وإنكاره الشديد على الشيعة أن يكون الشافعي متشيعا؟!
ثانيا. اتهام الشافعي بالتنجيم اتهام باطل، وأدلته كلها ضعيفة لا تصح:
إن اتهام الشافعي بالتنجيم اتهام باطل، أدلته واهية لا تثبت أمام النقد، وقد أجاب العلامة ابن القيم – رحمه الله – عن هذا الاتهام في كتابه “مفتاح دار السعادة”؛ إذ يقول:
“وأما ما نسب إلى الشافعي من حكمه بالنجوم فلقد نسب الشافعي إلي هذا العلم وحكمه فيه بأحكام ليعجز عن مثلها أئمة المنجمين، واستدل القوم على شبهتهم هذه بما جاء في كتاب ” مناقب الشافعي ” للرازي من حكايات، ونحن نبين حالها ليتبين أن نسبة ذلك إلى الشافعي كذب عليه، وأن الصحيح عنه من ذلك ما كانت العرب تعرفه من علم المنازل والاهتداء بالنجوم في الطرقات، وهذا هو الثابت الصحيح عنه بأصح إسناد إليه.
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: قال الله عز وجل: )وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر( (الأنعام: ٩٧)، وقال: )وعلامات وبالنجم هم يهتدون (16)( (النحل) كانت العلامات جبالا يعرفون مواضعها من الأرض وشمسا وقمرا ونجما مما يعرفون من الفلك ورياحا يعرفون صفاتها في الهواء تدل على قصد البيت الحرام.
وأما الحكايات التي ذكرت عنه في أحكام النجوم فثلاث حكايات:
إحداها: قال الحاكم: “قرئ على أبي يعلى حمزة بن محمد العلوي وأكثر ظني أني حضرته، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العباس الأزدي في آخرين، قالوا: حدثنا محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري، حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، حدثني خالي عمارة بن زيد قال: كنت صديقا لمحمد بن الحسن، فدخلت معه يوما على هارون الرشيد فساءله، ثم إني سمعت محمد بن الحسن، وهو يقول: إن محمد بن إدريس – أي: الشافعي – يزعم أن للخلافة أهلا، قال: فاستشاط هارون من قوله غضبا ثم قال: علي به! فلما مثل بين يديه أطرق ساعة ثم رفع رأسه إليه فقال: إيها.
قال الشافعي: ما إيها يا أمير المؤمنين؟ أنت الداعي وأنا المدعو، وأنت السائل وأنا المجيب، فذكر حكاية طويلة، سأله فيها عن العلوم ومعرفته بها إلى أن قال: كيف علمك بالنجوم؟
قال: أعرف الفلك الدائر، والنجم السائر، والقطب الثابت، والمائي، والناري، وما كانت العرب تسميه الأنوار، ومنازل النيران والشمس والقمر والاستقامة والرجوع والنحوس والسعود، وهيئاتها وطبائعها وما استدل به من بري وبحري، وأستدل في أوقات صلاتي، وأعرف ما مضى من أوقات في كل ممسي ومصبح، وطعني في أسفاري.
قال: كيف علمك بالطب؟
قال: أعرف ما قالت الروم مثل أرسطاطاليس ومهراريس وخرفوريس وجالينوس وبقراط واسدفليس بلغاتهم، وما نقل من أطباء العرب وفلاسفة الهند ونمقته علماء الفرس، مثل حاماسن وشاهمرو وبهم ردويوز جمهر…، ثم ساق العلوم على هذا النحو في حكاية طويلة يعلم ما له علم بالمنقولات أنها كذب مختلق وإفك مفترى على الشافعي، والبلاء فيها من عند محمد بن عبد الله البلوي هذا فإنه كذاب وضاع، وهو الذي وضع رحلة الشافعي وذكر فيها مناظرته لأبي يوسف بحضرة الرشيد، ولم ير الشافعي أبا يوسف ولا اجتمع به قط، وإنما دخل بغداد بعد موته!
ثم إن في سياق الحكاية ما يدل – لمن له عقل – على أنها كذب مفترى، فإن الشافعي لم يعرف لغة اليونان ألبتة حتى يقول: إني أعرف ما قالوه بلغتهم.
وأيضا فإن في الحكاية أن محمد بن الحسن وشى بالشافعي إلى الرشيد وأراد قتله، وتعظيم محمد الشافعي ومحبته له وتعظيم الشافعي له وثناؤه عليه هو المعروف بدفع هذا الكذب.
وأيضا فإن الشافعي – رحمه الله – لم يكن يعرف علم الطب اليوناني، بل عنده من طب العرب طرف حفظ عنه في المنثور من كلامه، كنهيه عن أكل الباذنجان والبيض المسلوق بالليل وغير ذلك.
فأما أنه كان يعلم طب اليونان والروم والهند والفرس بلغاتهم – كما زعمت الرواية – فهذا بهت وكذب عليه، فقد أعاذه الله من هذه الدعوى، وبالجملة فمن له علم بالمنقولات لا يشك في كذب هذه الحكاية عليه، ولولا طولها لسقناها؛ ليتبين أثر الصنعة والوضع عليها.
هذا عن الحكاية الأولى، وأما الثانية: فقال الحاكم: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا الحسن بن سفيان عن حرملة قال: “كان الشافعي يديم النظر في كتب النجوم وكان له صديق وعنده جارية قد حبلت، فقال: إنها تلد على سبعة وعشرين يوما ويكون في فخذ الولد الأيسر خال أسود، ويعيش أربعة وعشرين يوما ثم يموت، فجاءت به على النعت الذي وصف، وانقضت مدته فمات، فأحرق الشافعي بعد ذلك تلك الكتب، وما عاود النظر في شيء منها”.
وهذا الإسناد رجاله ثقات، لكن الشأن فيمن حدث أبا الوليد بهذه الحكاية عن الحسن بن سفيان، أو فيمن حدث بها الحسن عن حرملة، وهذه الحكاية لو صحت لوجب أن تثني الخناصر على هذا العلم وتشد به الأيدي، لا أن تحرق كتبه ويهان غاية الإهانة ويجعل طعمة للنار، وهذا لا يفعل إلا بكتب المحال والباطل.
ثم إنه ليس في العالم طالع للولادة يقتضي هذا كله؛ لأن الطالع عند المنجمين طالعان: طالع مسقط النطفة، وهو الطالع الأصلي، وهذا لا سبيل إلى العلم به إلا في أندر النادر الذي لا يقتضيه الوجود، وطالع الولادة، وهم معترفون أنه لا يدل على أحوال الولد وجزئيات أمره؛ لأنه انتقال الولد من مكان إلى مكان، وإنما أخذوه بدلا من الطالع الأصلي لما تعذر عليهم اعتباره، وهذه الحكاية ليس فيها واحد من الطالعين؛ لأن فيها الحكم على المولود قبل خروجه من غير اعتبار طالعه الأصلي، والمنجم يقطع بأن الحكم على هذا الولد لا سبيل إليه، وليس في صناعة النجوم ما يوجب الحكم عليه والحالة هذه، وهذا يدل على أن هذه الحكاية كذب مختلق على الشافعي على هذا الوجه.
الحكاية الثالثة، وهي ما رواه الحاكم أيضا: أنبأني عبد الرحمن بن الحسن القاضي أن زكريا بن يحيى الساجي حدثهم: أخبرني أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي يقول: “كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم، وما نظر في شيء إلا فاق فيه، فجلس يوما وامرأة تلد، فحسب فقال: تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود، وتموت إلى كذا وكذا، فولدت فكان كما قال، فجعل على نفسه ألا ينظر فيه أبدا”، وأمر هذه الحكاية كالتي قبلها، فإن ابن بنت الشافعي لم يلق الشافعي ولا رآه، والشأن فيمن حدثه بهذا عنه، والذي عندي في هذا أن الناقل إن أحسن به الظن فإنه غلط على الشافعي.
والصحيح أن الشافعي كان من أفرس الناس وكان قد قرأ كتب الفراسة، وكانت له فيها اليد الطولى، فعلى فرض صحة هذه الحوادث سندا فإن حكمه فيها وأمثالها كان بالفراسة فأصاب الحكم، فظن الناقل أن الحكم كان يسند إلى قضايا النجوم وأحكامها، وقد برأ الله من هو دون الشافعي من ذلك الهذيان، فكيف بمثل الشافعي – رحمه الله – في عقله وعلمه ومعرفته حتى يروج عليه هذيان المنجمين الذي لا يروج إلا على جاهل ضعيف العقل” [16].
ولقد صدرت القصة بالفعل (يقال) المبني للمجهول، وهو مثل الفعل(روي) الذي يشير به المحدثون إلى ضعف الحديث وتوهينه، فالقصة إذا ضعيفة، فإن أبينا قبول ضعفها وتوهينها اصطدمنا بمسألة أخرى تنسف حجة من أراد أن يجعل فيها حجة له رجما بالغيب، وهي كون هذه القصة وقعت والشافعي حدث، ثم تاب وأقلع عنها لما علم من عظم الذنب الذي يقترفه من أراد منازعة الله في غيبه، والخوض فيما نهى عنه وحذر منه، يقول السبكي في الطبقات: “واعلم أنه قد يعترض معترض على نظر هذا الإمام في النجوم، فيجيب مجيب أن ذلك كان في حداثة سنه، وليس هذا بجواب، والخطب في مسألة النظر في النجوم جليل عسير، وجماع القول فيه: أن النظر فيه لمن يحب إحاطة بما عليه أهله غير منكر، أما اعتقاد تأثيره، وما يقوله أهله فهذا هو المنكر، ولم يقل بحله لا الشافعي ولا غيره”[17].
كما أن دفن كتب النجوم أو إحراقها دليل على خشية الشافعي من اعتقاد تأثيرها ورجوعه عن قراءتها والعمل بما فيها.
فراسة الشافعي وشدة ذكائه:
لقد كان الشافعي من أذكى الرجال في زمانه، وقد وردت عنه روايات تدل على مدى فراسته وذكائه، من ذلك ما ذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم والحاكم وغيرهما عن الحميدي قال: قال الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما كان انصرافي مررت في طريقي برجل وهو محتب بفناء داره أزرق العين ناتئ الجبهة سفاط، فقلت له: هل من منزل؟ قال: نعم، قال الشافعي: وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة، فأنزلني فرأيت أكرم رجل بعث إلي بعشاء وطيب وعلف لدوابي وفراش ولحاف، وجعلت أتقلب الليل أجمع ما أصنع بهذه الكتب، فلما أصبحت قلت للغلام أسرج فأسرج فركبت ومررت عليه وقلت له: إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى، فاسأل عن منزل محمد بن إدريس الشافعي.
فقال لي الرجل: أمولى لأبيك أنا؟ قلت: لا.
قال: فهل كان لك عندي نعمة؟ قلت: لا.
قال: فأين ما تكلفت لك البارحة؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعاما بدرهمين، وأدما بكذا، وعطرا بثلاثة دراهم، وعلفا لدوابك بدرهمين، وكرى الفراش واللحاف درهمان!
قال: قلت: يا غلام فهل بقي شيء؟
قال: كرى المنزل فإني وسعت عليك وضيقت على نفسي.
فغبطت نفسي بتلك الكتب، فقلت له بعد ذلك: هل بقي شيء؟ قال: امض أخزاك الله فما رأيت شرا منك!
وقال الربيع: مر أخي في صحن الجامع فدعاني الشافعي فقال لي: يا ربيع انظر إلى الذي يمشي، هذا أخوك؟ قلت: نعم أصلحك الله.
قال: اذهب، ولم يكن رآه قبل ذلك.
قال قتيبة بن سعيد: رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة فمر رجل، فقال أحدهما لصاحبه: تعال نركز على هذا المار أي حرفة معه، فقال أحدهما: هذا خياط، وقال آخر: هذا نجار، فبعثا إليه فسألاه فقال: كنت خياطا واليوم أنجر، أو كنت نجارا واليوم أخيط!
وغير ذلك من الآثار التي تدل على فراسته الحقيقية، لا على علمه بالتنجيم المزعوم. وهذه الآثار وغيرها ذكرها ابن أبي حاتم والحاكم في مصنفيهما في مناقب الشافعي وهي اللائقة بجلالته ومنصبه، لا ما باعده الله منه من أكاذيب المنجمين وهذياناتهم، والله أعلم [18].
وبهذا نعلم أن فراسة الشافعي – رحمه الله – المعروفة عنه قد زاد البعض فيها وظنوها من مناقبه، حتى إنهم رووا عنه أشياء لم يتعرض لها، وتنزيه الشافعي عن هذا هو الذي ينبغي أن يكون من مناقبه، فأما أن يذكر في مناقبه أن يكون منجما يرى القول بأحكام النجوم وتصحيحها،فهذا فعل من يذم بما يظنه مدحا.
وعلى هذا فالأدلة التي احتجوا بها على كون الشافعي منجما باطلة، ظاهرها الوضع؛ لأن إسنادها فيه كثير من العلل، فضلا عن متنها الذي لا يقبله العقل، وتبقى لنا فراسته التي اشتهرت عنه وثبتت بالرواية الصحيحة التي ذكرنا أمثلة منها، ويظل هذا الإمام العظيم في علمه وتقواه وعمله كما هو لا تشوبه شائبة.
ثالثا. تمسك الشافعي بالسنة ينفي أن يكون وضاعا للحديث:
لقد كان الشافعي – رحمه الله – من أحرص الناس على اتباع السنة الصحيحة التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال أبو القاسم: “وأصل الشافعي – رحمه الله – أن الخبر إذا صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو قوله ومذهبه، ولا أعلم أحدا من أصحاب الشافعي يختلف في ذلك”[19].
وقال أيضا: “حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، يقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام”[20].
وقد روى الحسن بن محمد الزعفراني، قال: قال يحيى بن سعيد القطان: “إني لأدعو الله للشافعي في الصلاة وغيرها منذ أربع سنين، لما أظهر من القول بما صح عن رسول الله” صلى الله عليه وسلم [21].
وقال حرملة: قال الشافعي: “كل ما قلته فكان من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خلاف قولي بما صح، فهو أولى، ولا تقلدوني”.
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: “إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقولوا به، ودعوا ما قلته”، ثم يقول: وسمعته يقول، وقد قال له رجل: تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله؟ فقال: “متى رويت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حديثا صحيحا ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب…”.
وقال الربيع: وسمعته يقول: “أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا رويت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حديثا فلم أقل به”.
وقال أبو ثور: سمعته يقول: “كل حديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني”. ويروى أنه قال: “إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط”[22].
فهل بعد كل هذه الأقوال التي تدل على شدة تمسكه بالكتاب والسنة يزعمون أنه كان يضع الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهل مثل هذا الإمام العلم الذي أضاء علمه المشارق والمغارب يجوز في حقه أن يتهم بوضع الأحاديث نتيجة اجتهاده في بعض مسائل الدين؟!
إن الشافعي – رحمه الله – لم يكن يزور الأحاديث وينسب آراءه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – كما يزعم هؤلاء، وإنما كان من المتشددين في فحص الروايات وتصحيحها.
ومما يبطل هذه الدعوى وينفي عن الشافعي نسبة اجتهاداته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تلامذته كانوا لا يقلدونه في كل ما يذهب إليه، وثبتت مخالفتهم له في غير موضع مهما كان الأمر يسيرا، فكيف كانوا يواجهونه لو كان يزور الأحاديث وينسب آراءه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟! وإذا كان تلامذته لا يتهاونون في شيء، فماذا كان يفعل معارضوه؟!
فهذا “المـزني” تلميذه النجيب يورد فقه إمامه ثم يكثر أن يقول: “قلت أنا”، ثم يورد رأيه المخالف لرأي الإمام.
ففي حكم المسح على الجبيرة قال الشافعي: إن خاف الكسير غير متوضئ التلف، إذا ألقيت الجبائر، ففيها قولان: أحدهما: يمسح عليها، ويعيد ما صلى إذا قدر على الوضوء (يعني بعد الشفاء يتوضأ ويصلي ما صلاه بالمسح)، والآخر: لا يعيد، ورفض “المزني” القول الأول ورجح الآخر.
وفي مسألة التيمم: هل التعجيل بالصلاة في أول وقتها أفضل أم تأخيرها إلى آخر وقتها رجاء أن يجد المرء الماء؟ قال الشافعي بالتأخير، وخالفه المزني، وقال بالتعجيل[23].
وفي الوضوء بعد الاستيقاظ من النوم أورد الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا» [24]، لكن المزني شك في لفظ “ثلاثا”[25].
“هذه هي معالم البيئة العلمية التي عاش فيها الشافعي وغيره من الأئمة، بيئة لم تسمح للكذاب أن يزور حديثا إلا فضحته ونبذته، وبذلك حفظت السنة المشرفة ونقيت على نحو لا مثيل له في تراث البشرية الديني”[26].
وكان الإمام الشافعي ورعا تقيا يخاف الله عز وجل، وأحواله الظاهرة تنفي عنه أن يقوم بعمل يغضب الله عز وجل، ولا شك أن الكذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – من الأعمال التي تبوئ الإنسان مكانا في النار، ولقد كثرت الآثار الصحيحة في فضله؛ نذكر منها:
ما رواه الربيع بن سليمان قال: “كان الشافعي قد جزأ الليل؛ فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام”[27]، وعلق عليه الذهبي قائلا: “قلت: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية”[28].
وقال الربيع بن سليمان أيضا: “كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة”، ورواها ابن أبي حاتم عنه، فزاد: “كل ذلك في صلاته”[29].
وروي من وجهين عن أحمد بن الحسن الترمذي الحافظ قال: “رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فسألته عن الاختلاف، فقال: أما الشافعي فمني وإلي”، وفي الرواية الأخرى: “أحيا سنتي”[30].
وقد أثنى نقاد الحديث وصيارفته كثيرا عليه مما يثبت ثقتهم فيه، ومعرفتهم بقدره في السنة وعلومها، فها هو أحمد بن حنبل يقول: “ستة أدعو لهم سحرا، أحدهم الشافعي”[31].
وقال أحمد بن حنبل: “إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الكذب، قال: فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي” [32].
وقال حرملة: “سمعت الشافعي يقول: سميت ببغداد ناصر الحديث”[33]، وقال إبراهيم الحربي: سئل أحمد بن حنبل عن الشافعي فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح”[34].
ويقول المزني: “رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام فسألته عن الشافعي، فقال: من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي فإنه مني وأنا منه”[35].
وقال يحيى بن معين: “ليس به بأس”[36]، وعن أبي زرعة قال: “ما عند الشافعي حديث فيه غلط”، وقال أبو داود السجستاني: “ما أعلم للشافعي حديثا خطأ”[37]، قلت – والكلام للإمام الذهبي بعد ذكره هذه الحجج -: “هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ، وناهيك تقول مثل هذين”[38].
وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه، وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده[39].
ولا أدل على ثقة علماء الحديث فيه واعتبار أحاديثه كلها مما ذكره الإمام المزي في تهذيبه حيث يقول: “ذكر البخاري في موضعين من “صحيحه” قال في “الزكاة” عقيب قوله: باب في الركاز الخمس: وقال مالك وابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره، وليس المعدن بركاز، وقال في باب تفسير العرايا من البيوع: وقال ابن إدريس: العرية لاتكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد لاتكون بالجراف، ومما يقويه قول سهل بن أبي خيثمة: بالأوسق الموسقة، وروى له الباقون سوى مسلم”[40].
وتأكيدا على ما سبق نقول: إن ادعاء وضع الشافعي للأحاديث وأنه كان يجتهد وينسب اجتهاداته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – قول لا معنى له، طالما أنه لا يستند إلى دليل يثبته، ولاسيما أن تلامذته كانوا ينتقدون رأيه بشدة، فكيف يسكتون على أحاديثه لو كانت موضوعة؟ هذا عن تلامذته ومريديه، فما بالك بأعدائه لو رأوا ذلك منه أيسكتون على ذلك؟!
ثم إن نقاد الحديث قد بينوا صحة أحاديثه وأعربوا عن ثقتهم في كل ما قاله؛ لذلك لقب في عهده بناصر الحديث.
الخلاصة:
- إن حب الشافعي لآل البيت ومدحه لهم في شعره لا يدل على تشيعه ولا يوجب القدح فيه، بل يوجب أعظم أنواع المدح؛ لأن حب آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – دليل على صدق الإيمان، وهو واجب على المسلمين جميعا.
- أما عن اتهام يحيى بن معين الشافعي بالرفض والتشيع فكان ذلك توهم من ابن معين، وقد رجع عنه عندما حاجه أحمد بن حنبل، واستطاع إقناعه بصحة اعتقاد الشافعي في الخلفاء الراشدين.
- وقد ثبت أن يحيى بن معين قال عنه: “صدوق ليس به بأس”، وقال أيضا: “لو كان الكذب له مطلقا لكانت مروءته تمنعه من أن يكذب”، فكيف بعد هذا يكون الشافعي عند يحيى بن معين شيعيا؟!
- إن أقوال الشافعي تنفي هذا الاتهام عنه، فإنه كان يثني على الصحابة جميعا، ويرى أن ترتيبهم في الفضل يبدأ بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ويرى أن أبا بكر وعمر هما خير البشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
- لقد كان الشافعي شديد الذم للروافض، مبغضا لهم، يقول عنهم: إنهم “شر عصابة”، وقال: “لم أر أحدا أشهد بالزور من الروافض”، بالإضافة إلى أن الشافعي دافع عن نفسه حين اتهم بأن فيه بعض التشيع، وبين أن ذلك حب لآل البيت وليس تشيعا، فهل يتهم بالتشيع بعد ذلك؟! لقد صدق الذهبي حين قال: “من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر لا يدري ما يقول”.
- أما عن اتهامه بالتنجيم فهو قول باطل، وكان سبب ذلك أن الرازي ذكر في كتابه “مناقب الشافعي” فصلا تحت عنوان ” في معرفة الشافعي بالنجوم” أورد فيه بعض الحكايات التي تؤيد رأيه، وقد أجاب ابن القيم عن هذا الاتهام، وبين أن هذه الحكايات كلها معلة الإسناد والمتن لا تصح، وأخبر أن الصحيح عنه من ذلك ما كانت العرب تعرفه من علم المنازل والاهتداء بالنجوم في الطرقات، وهذا هو الثابت الصحيح عنه، فقد كان – رحمه الله – من أفرس الناس في عصره، والفراسة بعيدة عن التنجيم الذي حرمه الإسلام.
- لم يكن الشافعي يجتهد وينسب اجتهاداته للنبي – صلى الله عليه وسلم – كما يزعمون، فهذه دعوى باطلة لا دليل عليها، وإنما كان تلامذته ينتقدون آراءه ولا يقلدونه تقليدا أعمى، فلو كان يضع الأحاديث ما سكتوا على ذلك وقد كان – رحمه الله – من أحرص الناس على اتباع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد روي عنه أنه قال: “إذا خالف كلامي حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاضربوا بحديثي عرض الحائط”، وعنه أنه قال: “إذا صح الحديث فهو مذهبي”، كذلك وصف بأنه ناصر السنة.
- إن ورع الشافعي وتقواه وخوفه الشديد من الله عز وجل – وقد اشتهر ذلك عنه – يمنعه من الوقوع في مثل ذلك الذنب العظيم، فقد كان يكتب ثلث الليل ويصلي ثلثه وينام الثلث الآخر، وكان يختم القرآن ستين مرة في رمضان وهو يصلي.
- لقد أجمع العلماء وخاصة نقاد الحديث وصيارفته على عدالة الشافعي وصدق روايته، ولم يطعن فيه أحد منهم، فهو صدوق لا بأس به عند ابن معين، وهو الذي عرف عنه التشدد في نقد الرجال، وابن حنبل يدعو له سحرا مع خمسة آخرين، وحديثه صحيح ورأيه صحيح عند الإمام أحمد، وذكره البخاري في موضعين، وروى له أصحاب السنن.
- إن علماء الجرح والتعديل الذين يعتد بهم عندنا، قد وثقوا الشافعي ووضعوه في أعلى مراتب الصدق والعدالة، ومن المعروف أنهم لا يجاملون أحدا على حساب دينهم وسنة نبيهم ولو كان أقرب الناس إليهم، فهل يوثقه مثل هؤلاء العلماء وهو يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
(*) كيف ولماذا التشكيك في السنة، د. أحمد عبد الرحمن، مكتبة وهبة، ط1، 1428هـ/ 2007م. اتهامات لا تثبت، سليمان بن صالح الخراشي، مكتبة الرشد، السعودية، ط1، 1425هـ/ 2004م.
[1]. الرافضة: سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر، وهم مجمعون على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوثيق. انظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، الأشعري، تحقيق: هلموت ريتر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، (1/61).
[2]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، هامش (10/58).
[3]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/58).
[4]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/59).
[5]. مناقب الشافعي، البيهقي،(1/450)، نقلا عن: اتهامات لا تثبت، سليمان بن صالح الخراشي، مكتبة الرشد، السعودية، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص 158، 159 بتصرف.
[6]. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405هـ، (9/97).
[7]. اتهامات لا تثبت، سليمان بن صالح الخراشي، مكتبة الرشد، السعودية، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص161.
[8]. مناقب الشافعي، البيهقي، ص432 وما بعدها، نقلا عن: اتهامات لا تثبت، سليمان بن صالح الخراشي، مكتبة الرشد، السعودية، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص161، 162.
[9]. الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، ابن عبد البر، مكتبة المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط1، 1417هـ/1997م، ص136، 137 بتصرف.
[10]. ديوان الإمام الشافعي، تحقيق: د. شتيوي، دار الغد الجديد، مصر، ط1، 1424هـ/2003م، ص105.
[11]. الأم، الشافعي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ، (1/474).
[12]. سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ/1994م، (10/208).
[13]. سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ/1994م، (10/208).
[14] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: حب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الإيمان، (1/74)، رقم (15) .
[15]. الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، ابن عبد البر، مكتبة المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط1، 1417هـ/1997م، ص 146، 147.
[16]. مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، ( 2/ 221:219).
[17]. طبقات الشافعية الكبرى، السبكي، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1383هـ، (2/78).
[18]. مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/219: 223).
[19] . الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، ابن عبد البر، مكتبة المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط1، 1417هـ/1997م، ص136.
[20] . الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، ابن عبد البر، مكتبة المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط1، 1417هـ/1997م، ص 133، 134 .
[21] . الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، ابن عبد البر، مكتبة المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط1، 1417هـ/1997م، ص 122.
[22]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/33: 35).
[23]. انظر: مختصر المزني، إسماعيل المزني، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (1/7).
[24]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا، (2/812)، رقم (631).
[25]. انظر: مختصر المزني، إسماعيل المزني، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (1/2).
[26]. كيف ولماذا التشكيك في السنة، د. أحمد عبد الرحمن، مكتبة وهبة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص81.
[27]. حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405هـ، (9/135).
[28]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/35).
[29]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (51/392).
[30]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/69).
[31]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/48).
[32]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/62).
[33]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (51/343).
[34]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (51/352).
[35]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/69).
[36]. حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405هـ، (9/97).
[37]. تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (51/361).
[38]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/48).
[39]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/48).
[40]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/381،380).