ادعاء أن القرآن أخطأ في إخباره أن من عثر على موسى- عليه السلام – هي امرأة فرعون
وجها إبطال الشبهة:
1) لم ينص القرآن الكريم على أن من عثر على موسى – عليه السلام – هي امرأة فرعون، ولكنه نص على أن من التقطه هم آل فرعون بصفة عامة.
2) نحن لا نحتكم إلى ما ورد في الكتاب المقدس للحكم بصدق ما جاء به القرآن، فالكتاب المقدس تناولته الأيدي البشرية وهو بصورته الحالية محل لانتقادات وتناقضات كثيرة.
التفصيل:
أولا. لم ينص القرآن الكريم على أن من عثر على موسى – عليه السلام – هي امرأة فرعون، ولكنه نص على أن من التقطه آل فرعون بصفة عامة:
اختلف المفسرون في أول من عثر على التابوت الذي وضع فيه موسى – عليه السلام – صغيرا، فمنهم من ذهب إلى “أن الجواري التقطته من البحر في تابوت مغلق عليه، فلم يتجاسرن[1]على فتحه، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديدا، فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه وقالت: )قرت عين لي ولك( (القصص: 9) [2]، فقال لها: أمالك فنعم، وأما لي فلا”[3].
“ويروى أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في البحر، فأمرت بسوقه إليها وفتحه، فرأت فيه صبيا صغيرا فرحمته وأحبته، فقالت لفرعون: )قرت عين لي ولك( [4] وذهب فريق ثالث إلى أن حرس القصر الفرعوني رأوا صندوقا يمر على سطح النيل من جهة القصر، فحملوه إلى فرعون، ولما فتح الصندوق رأى فرعون بداخله غلاما فأمر بقتله، واعترضت امرأة، عندما رأت وجهه يتلألأ نورا، وألقى الله عليه محبة منه”[5].
وكل هذه آراء اجتهادية لا تستند إلى دليل واضح، أما الحقيقة الواضحة فإن القرآن لم يذكر اسم أول من عثر على تابوت موسى عليه السلام، حيث إن قوله:)آل فرعون( قابل لأن يفسر بامرأة فرعون، أو ابنة فرعون أو جواريه أو غيرهن من “آل فرعون” أو اشترك في التقاطه وتداوله أكثر من واحد، فهذا يأخذه من “اليم” وآخر يحمله منه، وثالث يتلهف على هذه المفاجأة فيحمله ناظرا إليه، وهذا ما يفهم من الآية الكريمة، ويصور هذا الحدث المفاجئ أصدق تصوير)فالتقطه آل فرعون( (القصص:8)وليس واحدا منهم بعينه.
ثانيا. نحن لا نحتكم إلى ما ورد في الكتاب المقدس للحكم بصدق ما جاء به القرآن، فالكتاب المقدس بصورته الحالية محل لانتقادات وتناقضات كثيرة:
لقد صدق القرآن الكريم في كل ما أخبر به؛ لأنه تنزيل رب العالمين، ومن الأمثلة الدالة على صدق القرآن فيما يخبر، إخباره بغلبة الروم على الفرس يقول: )الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهـم مـن بعـد غلبهـم سيغلبــون (3) فـي بضـع سنيـن( (الروم) يقول القرطبي: “وكان في هذا الإخبار دليل على نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – لأن الروم غلبتها فارس، فأخبر الله – عز وجل – نبيه محمدا – صلى الله عليه وسلم – أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين… فكان هذا من علم الغيب الذي أخبر الله – عز وجل – مما لم يكن علموه”[6].
والأمثلة على ذلك كثيرة مما أخبر به القرآن ووقع بالفعل كإخباره بحفظ القرآن من التحريف وظهور الإسلام على سائر الأديان، وموت أبي لهب والوليد بن المغيرة على الكفر، وغيرها مما حدث بالفعل.
وكذلك أخبر القرآن عن إثبات حركة الشمس بقوله تعالى: )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (38)( (يس) تدل الآية على أن الشمس متحركة وليست ثابتة، وهي تجري لمستقر لها وفق ناموس[7] إلهي ثابت، وهذا ما انتهى إليه البحث العلمي مؤخرا، مع العلم بأن العلماء إلى وقت قريب كانوا يعتقدون أنها ثابته[8].
وأمثلة الاكتشافات العلمية الحديثة التي أشار إليها القرآن الكريم كثيرة ومتعددة مثل حركة الشمس وشكلها، وعملية تكون السحب، وحفظ توازن الأرض بالجبال، وانتشار الزوجية من كل شيء.
أما إذا ذهبنا إلى التوراة فإننا نجد كلماتها مشكوكا فيها، والدليل على ذلك: أن اسم الرجل في موضع يأتي من موضع آخر باسم آخر، وكذلك المرأة وهذا يتكرر كثيرا، فإسماعيل – عليه السلام – كانت له ابنة اسمها محلث وتزوجت العيس بن إسحاق – عليه السلام – كما جاء في سفر التكوين: “فذهب عيسو إلى إسماعيل وأخذ محلة بنت إسماعيل بن إبراهيم، أخت نبايوت، زوجة له على نسائه”. (التكوين28: 9)، وفي ترجمة لبنان “محلة”، وفي ترجمة البروتستانت “بسمة” كما جاء في سفر التكوين أيضا: “وبسمة بنت إسماعيل أخت نبايوت”. (التكوين 3: 36)، والشيخ الكبير في أرض مدين مختلف في اسمه، ففي الخروج “رعوئيل”: “فلما أتين إلى رعوئيل أبيهن قال: ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم”. (الخروج2: 18)، وفي موضع آخر من سفر الخروج “يثرون”: “فمضى موسى ورجع إلى يثرون حميه وقال له: أنا أذهب وأرجع إلى إخوتي الذين في مصر لأرى هل هم بعد أحياء. فقال يثرون لموسى: اذهب بسلام”. (الخروج18: 4) [9]. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى مما تناقضت فيه التوراة.
وبناء على هذا فإن القرآن الكريم حجة فيما يذكر؛ لأنه كلام الله – عز وجل – الذي لم ولن تمتد إليه يد البشر، قديما ولا حديثا، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122)( (النساء)، )ومــن أصــدق مــن الله حديثــا (87)( (النساء).
أما ما ورد في الكتاب المقدس فهو محل انتقادات كثيرة لما فيه من تناقضات وأباطيل مخالفة للتاريخ والعلم والعقل، فلا يصح أن نحكم الكتاب المقدس الظني المحرف في القرآن الكريم القطعي المعصوم من التحريف.
الخلاصة:
- لم ينص القرآن الكريم على أن من عثر على موسى – عليه السلام – هي امرأة فرعون، ولكنه نص على أن من التقطه آل فرعون بصفة عامة، وهنا يمكن أن يفسر بامرأة فرعون، أو ابنته، أو جواريه، أو غيرهن.
- ما ورد في الكتاب المقدس محل انتقادات كثيرة، وذلك لما ورد فيه من أباطيل وتناقضات مع التاريخ والعقل والعلم، فلا يصح أن نحكم الظني – الكتاب المقدس – في القطعي – القرآن الكريم – الذي هو الصدق كل الصدق، فهو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
(*) موقع المتنصرين. www.mutenessrin.com
[1]. يتجاسرن: يتجرأن.
[2]. قرة عين: سببا للسرور والسعادة.
[3]. قصص الأنبياء، ابن كثير، تحقيق: محمد عبد الملك الزغبي، دار المنار، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م، ص224، 255 بتصرف يسير.
[4]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج9، ص253.
[5]. مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء، محمد بسام الزين، دار الفكر، بيروت، ط2، 1419هـ/ 1999م، ص185 بتصرف يسير.
[6]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج14، ص5.
[7]. الناموس: القانون الثابت.
[8]. الأدلة على صدق النبوة المحمدية ورد الشبهات عنها، هدى عبد الكريم مرعي، دار الفرقان، الأردن، 1411هـ/ 1991، ص216.
[9]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425/ 2004م، ص497 بتصرف.