ادعاء أن مؤتمر السقيفة ضم أربعة أحزاب سياسية تصارعت على خلافة المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
وجها إبطال الشبهة:
1) أسس النبي – صلى الله عليه وسلم – الدولة الإسلامية، وأقام لها كيانا مستقلا، بيد أنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينص على خليفة بعده؛ ليفتح المجال أمام المسلمين جميعهم في الاجتهاد، ويرسي مبدأ الشورى في اختيار من يتولى أمرهم، خصوصا وأن المسلمين يدركون أهمية الخلافة ووجوب إقامة خليفة للمسلمين.
2) مؤتمر السقيفة من أهم المؤتمرات في تاريخ الإسلام كله؛ ففيه تم وضع دستور الخلافة الذي ينظم حياة المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا غرو[1] أن تعرض فيه وجهات النظر بحرية وشفافية طالما أنها تمس حياة المسلمين، ولا صحة لما يدعيه المتوهمون من أن المؤتمر ضم أربعة أحزاب سياسية تناحرت[2] على خلافة المسلمين.
التفصيل:
أولا. لماذا لم ينص النبي – صلى الله عليه وسلم – على خليفة المسلمين بعده؟
الإسلام خلق الدولة الإسلامية:
تلك حقيقة لا يجادل فيها أحد، فالإسلام هو الذي خلق الدولة الإسلامية من العدم، ومد أطرافها في كل الاتجاهات، وجعل منها دولة مرهوبة الجانب تدور في فلكها الدول وتتقرب إليها الممالك.
والقرآن هو الذي وجه المسلمين لتكوين هذه الدولة، حيث بشرهم بها، ووعدهم بقيامها، ودفعهم لأن يعملوا لقيام الدولة، وأن يقيموها عندما تيسرت لهم سبل إقامتها[3].
وكان محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – أول رئيس لهذه الدولة الناشئة، فجمع برئاسته للدولة بين صفتين: أولاهما: صفة الرسول، فهو يبلغ عن ربه ما أوحي إليه من الدين والتشريع ويبينه للناس، والثانية: صفة الحاكم، فهو يرأس الدولة ويديرها، فيجيش الجيوش ويسيرها ويعلن الحرب، ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات، ويعين القواد، والحكام، والقضاة، ويقبلهم، ويصرف الشئون المالية، والقضائية، والسياسية، والإدارية.
وكان – صلى الله عليه وسلم – يؤدي وظيفته كحاكم في حدود الإسلام، فما جاءت فيه نصوص صريحة طبق عليه تلك النصوص، وما لم يرد فيه نص طبق عليه ما يوحى به إليه إن نزل فيه الوحي بشيء، فإن لم ينزل فيه وحي اجتهد في الحكم، ولم يخرج بالأمر عما يقتضيه روح التشريع الإسلامي واتجاهاته العليا[4].
وبعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – انقطع الوحي، وتحدد الإسلام فلا زيادة، ولا نقصان، ولا تبديل، ولا تعديل، وأصبح السلطان الروحي ممثلا فيما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو الإسلام، كما أصبح الإسلام محددا بالقرآن والسنة.
وكل من يخلف الرسول – صلى الله عليه وسلم – على رئاسة الدولة ليس له من سلطان إلا السلطان المادي الذي كان يباشره الرسول – صلى الله عليه وسلم – باعتباره رئيسا للدولة، أما السلطان الروحي فهو للقرآن والسنة أي لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، على أنه لما كان السلطان المادي في الإسلام يقوم على السلطان الروحي ويندمج فيه، فإن رئيس الدولة الإسلامية حين يباشر وظيفته إنما يباشر سلطانا ماديا وسلطانا روحيا اندمج كلاهما في الآخر وامتزج به[5].
وعن النظام السياسي الذي أقره النبي – صلى الله عليه وسلم – لدولة الإسلام يحدثنا د. ضياء الدين الريس قائلا: وجد المسلمون أنهم ورثوا دولة: أي نظاما سياسيا، وأقر لكل فرد منهم بحق التفكير والبحث في شئون هذه الدولة، ولم تفرض عليهم قيود تمنعهم من استعمال هذا الحق والبلوغ به إلى غايته، فمنذ الساعة الأولى التي بدأوا فيها يتداولون ويعملون الفكر أخذت الآراء تظهر، وتتشعب وجهات النظر، وكان مظهر ذلك لأول مرة في التاريخ في “اجتماع السقيفة”.
وقد اختلف المسلمون في الإمامة؛ لأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهذا هو الثابت تاريخيا – لم يبين هذا الأمر بوضوح، فلم يعين من يخلفه، ولم يبين الطريقة التي ينتقل بها الاستخلاف، ولم يحدد الشروط التي يجب أن تتوفر في الحاكم، وما إلى ذلك من التفصيلات، وإنما وضح القواعد العامة، وبين المثل الأخلاقية التي تصنع الخليفة وتقومه وترشده.
افتراءات حول ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – تحديد من يخلفه في قيادة المسلمين:
يحاول بعض المستشرقين أن يجد تعليلا لترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذا الأمر، فيقول بعضهم: لعل مرضه في أيامه الأخيرة هو الذي منعه من ذلك، ولكن ينبغي أن يسأل: وماذا كان المانع طوال السنين العديدة قبل تلك الأيام الأخيرة؟ وهل كان المرض هكذا من الشدة، بحيث جعله غير قادر على التحدث لمن حوله؟ ويرى الأستاذ أرنولد أن السبب: هو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يشأ أن يخالف التقاليد العربية التي كانت متبعة في عصره، ومن تلك التقاليد – كما زعم – أن القبيلة كانت تترك حرة لتختار من يحكمها! وهذا رأي ظاهر البطلان؛ لأنه لم يكن هناك تقليد معين واحد بين العرب، بل كانت هناك تقاليد عديدة، وقد وجدت بينهم الحكومات الوراثية، كما عرفوا الفوضى وترك الأمور على فطرتها؛ ولأن المجتمع الإسلامي قد قام على أساس الرابطة الدينية لا القبلية، والشيء الذي عني به الإسلام تماما هو محو التنظيم القبلي، وتنشئة مجتمع سياسي على نسق جديد.
وإنما السبب الذي نراه حقيقيا – لأنه من الممكن أن يقام عليه الدليل العقلي، ولأنه قياس على ما ثبت تاريخيا عن الإسلام، واتجاهه في تشريعاته وأنظمته – هو أنه كانت هناك حكمة تشريعية مقصودة من عدم تحديد هذا الأمر، وتلك هي عدم تقييد الجماعة بقوانين جامدة، قد تثبت الأيام أنها لا تتفق مع التطورات التي تحدث، ولا تلائم الظروف والأحوال، فإن من الصفات الظاهرة التي حرص عليها المشرع أن تظل القوانين الإسلامية مرنة، حتى تعطي مرونتها الفرصة للعقل للتفكير، وللجماعة أن تشكل أوضاعها حسب مصالحها المتجددة.
وهذه إحدي الخصائص التي يعرف بها التشريع الإسلامي، فالتشريع السياسي فيه لم يخرج عن هذه القاعدة، والذي يرجحه الذهن، بل يكاد يقطع به، أن هذه الحكمة كانت مراعاة ومتعمدا تحقيقها، وأن هذا وحده هو التفسير الذي ينبغي أن يقبل، لا أن ينسب ذلك إلى عدم القدرة للمرض، أو لمجرد الترك، أو لمتابعة التقاليد العربية، إلى غير ذلك مما يزعم المستشرقون.
والخلاصة أن ترك هذا الأمر بدون تحديد هو في ذاته اعتراف بالرأي العام للجماعة، أو كما نقول في تعبيرنا الحديث “إرادة الأمة”[6].
فرضية الخلافة الإسلامية وحرص الصحابة – رضي الله عنهم – على إقامة خليفة:
الخلافة أو الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعن فرضيتها ووجوبها شرعا وعقلا يحدثنا الفقيه عبد القادر عودة، فيذكر أن الخلافة أو الإمامة فريضة شرعية يوجبها الشرع على كل مسلم ومسلمة، ويخاطب الجميع بها، وعليهم أن يعملوا حتى تؤدى هذه الفريضة، فإذا أديت سقطت عنهم حتى تتجدد بعزل الخليفة أو موته[7].
هذا ما وعاه الصحابة وأدركوه من أن الخلافة موضوعة لخلافة النبوة وحراسة الدين والدنيا؛ لذا تحركوا سريعا نحو تنصيب خليفة للمسلمين حتى وإن كان رسولهم لم يدفن بعد! وربما يطعن بعض الجاهلين قائلا: فعل الصحابة ذلك حرصا منهم على الخلافة، وكأن نفوسهم قد تاقت إلى ذلك ورغبت فيه، حتى أطلقوا لها العنان فور وفاته صلى الله عنهم.
ولكننا بدورنا نجلي خبث أفكارهم، بأن ما فعله الصحابة لم يتعد أن يكون تنفيذا لسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى في أصعب الظروف والأوقات، وحرصا منهم على ألا ينفرط عقد المسلمين. وهم يعلمون وجود المتربصين بالإسلام ودولته، والذين ينتظرون مثل هذه الفرص؛ لبث نار العداوة، والشقاق، والخلاف بين المسلمين. أضف إلى ذلك أن الأمر لم يستغرق إلا وقتا قصيرا حسمت فيه الأمور، وعاد المسلمون إلى فجيعتهم في موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بعد أن أغلقوا أبواب الفتنة، وفوتوا الفرصة على أعدائهم لاستغلال هذه الفرصة.
ثانيا. الأهمية التاريخية لمؤتمر السقيفة، والرد على فرية “الأحزاب السياسية الأربعة المتصارعة”:
مؤتمر السقيفة من أهم وأخطر المؤتمرات في تاريخ الإسلام، ففيه دستور الخلافة الذي ينظم حياة المسلمين، فلا عجب أن تعرض فيه وجهات النظر بحرية وشفافية ما دامت تمس حياة المسلمين ومستقبلهم.
عن حيثيات هذا المؤتمر ووقائعه والنظريات السياسية التي برزت فيه ووجهة نظر أصحابها، يسطر لنا العلامة المؤرخ الدكتور ضياء الدين الريس ذلك قائلا:
تم عقد اجتماع “السقيفة” وحين بلغ نبؤه أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – وبعض المهاجرين أسرعوا إلى حضوره، وغاب عنهم بعض كبار الشخصيات، وما درى الحاضرون في هذا الاجتماع أنهم كانوا يعقدون أهم اجتماع أو مؤتمر في تاريخ الإسلام كله، وما أشبهه بجمعية وطنية أو تأسيسية تبحث في مصير أمة لأجيال عديدة لاحقة، وتضع لها دستورا، يكون أساسا لحياتها في المستقبل. وإن أكبر نتيجة لهذا الاجتماع أنه على أساسه قام “نظام الخلافة” الذي بقي منذ ذلك الوقت، في شكل أو آخر، إلى القرن العشرين.
وتضمن قيامها على الصورة التي أقرها المجتمعون معاني كانت لها نتائج دستورية خطيرة، ونحن لا نريد أن نذكر الآن – أيضا – ما جرى من مناقشات في هذا الاجتماع بالتفصيل، وإنما يكفي أن نقرر أن مساجلات الرأي دارت في هذا الاجتماع بحرية وفي صراحة، بحيث مثلت وجهات النظر المختلفة، حتى إنها دعت كاتبا غربيا هو الأستاذ ماكدونالد أن يشهد: “بأن هذا الاجتماع يذكر إلى حد بعيد بمؤتمر سياسي دارت فيه المناقشات وفق الأساليب الحديثة”.
ونستطيع أن نلخص أهم النظريات التي عرضت في هذا الاجتماع على النحو الآتي:
- نظرية الدفاع عن حق المهاجرين في الخلافة: قامت هذه النظرية على الدفاع عن حق المهاجرين، وإثبات أولويتهم في استحقاق الخلافة على غيرهم، على اعتبار أنهم – على حد ما عبر أبو بكر – رضي الله عنه – في خطابه: “أول من عبد الله في الأرض، وهم أولياء الرسول وعشيرته، والذين صبروا معه على شدة أذى قومهم وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف زار، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وإجماع قومهم عليهم”، وجاء في ثنايا هذا الدفاع لأول مرة فكرة التنويه بفضل قريش: «الأئمة من قريش»[8]، وستكون أساسا لنظرية أحقية القرشيين للخلافة أو انحصار هذا الحق فيهم.
- نظرية الدفاع عن حق الأنصار في الخلافة: قامت هذه النظرية على دعوى استحقاق الأنصار للخلافة على أساس أنهم هم الذين دافعوا عن الإسلام، وحموه بأنفسهم وأموالهم، وهم الذين آووا ونصروا وأنهم أصحاب الدار.
- نظرية تعدد الإمارة والسيادة: هذه النظرية دعا إليها الحباب بن المنذر بن الجموح، وهي إمكان اقتسام السيادة أو تعدد الإمارة، أي بأن يكون هناك خليفتان، وذلك حين قال«منا أمير ومنكم أمير»، ولكن المجتمعين على اختلاف وجهات نظرهم، قد أقروا مبدأ خطيرا هو: أن اختيار رئيس الجماعة أو الدولة إنما هو بالبيعة، أي الانتخاب، ونبذوا جميعا بسلوكهم الفعلي مبدأ الوراثة.
استقر الرأي على انتخاب أبي بكر، وليس انتخابه – كما يقول الأستاذ أرنولد جريا مع فكرته الخاطئة التي سبق أن أبنا زيفها من تشبيهه هذا المجتمع الجديد بالتنظيم القبلي – متابعة للتقاليد المألوفة عند العرب منذ القدم، من النظر إلى السن والنفوذ، ولكن لما كان يتمتع به أبو بكر – رضي الله عنه – بين الصحابة من مكانة دينية عالية يقر له بها الجميع، راجعة إلى سبقه في الإسلام، وحسن بلائه في سبيله، وطول صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه ورسوخ إيمانه، ثم إلى صفاته العقلية والخلقية النادرة التي جعلت من شخصيته المثل الكامل للمسلم، والتي عبر عنها عمر – رضي الله عنه – في قول موجز: «ليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر».
ولو جرت الأمور وفق تقاليد العرب لآثروا انتخاب ابن عبادة زعيم الخزرج، أو أبي سفيان (رأس شيوخ بني أمية)، أو العباس (عميد الهاشميين)، وقد كان فيهم من هو أسن من أبي بكر، ولما عدل المنتخبون عن هذه الأسر القوية إلى فرع تيم البعيد الذي كان أقل نفوذا[9].
وأيا ما كان الأمر، فقد اختار المسلمون الصديق أبا بكر خليفة للمسلمين، ورضيت به نفوسهم وعقولهم إماما وقائدا لهم، وكيف لا ترضى هذه النفوس الذكية والعقول الطاهرة برجل له من الفضائل الكثير والكثير، فهو صديق هذه الأمة، وهو ثاني اثنين في الشجاعة والرجولة، وهو من الدين ملء السمع والبصر، وهو إمام المسلمين في الصلاة وقت مرض المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكأني بهؤلاء الصحابة العظام يقولون: لقد اختاره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لإمامتنا في الصلاة، فكيف لا نختاره لإمامتنا في الحياة!!. بيد أن هذه الهامات الشامخات لا بد وأن ينظر إليها من قبل أعداء الإسلام بعين الحقد والحسد، فذهب بعض الحاقدين مذاهب شتى يخلطون الحق بالباطل، ويقلبون الأمور، ويغيرون الحقائق فأخذوا يفترون على أبي بكر افتراءات هو منها براء. ومن ذلك: أن بيعة الصديق كانت فلتة وقى الله الأمة شرها، ويقولون: إذا كانت كذلك فهل هي بيعة شرعية؟! لكن التساؤل الذي يطرح نفسه: من قائل هذه العبارة؟ وما الظروف التي قيلت فيها العبارة؟ وما معنى العبارة؟ حتى نصل إلى كلمة سواء في هذا الزعم.
في البدء نذكر أن الفاروق عمر هو صاحب المقولة، ولكن هل الفاروق عمر يقصد من مقولته الطعن في خلافة الصديق والذهاب إلى عدم شرعيتها؟!!
لندع المجال لشيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة الله – ليوضح القول، ويزيل اللبس، ويكشف الإبهام، يقول: “كان ظهور فضيلة أبي بكر – رضي الله عنه – على من سواه، وتقديم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له على سائر الصحابة أمرا ظاهرا معلوما. فكانت دلالة النصوص على تعيينه تغني عن مشاورة وانتظار وتريث، بخلاف غيره، فإنه لا تجوز مبايعته إلا بعد المشاورة والانتظار والتريث. فمن بايع غير أبي بكر عن غير انتظار وتشاور لم يكن له ذلك، وهذا المعنى قد جاء مفسرا في حديث عمر رضي الله عنه، في خطبته المشهورة الثابتة في الصحيح، التي خطب بها بعد مرجعه من الحج في آخر عمره، وهذه الخطبة معروفة عند أهل العلم، وقد رواها البخاري في صحيحه عن ابن عباس، قال: «كنت أقرئ رجالا من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن بن عوف، فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت؟
فغضب عمر ثم قال: إنى إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، فقال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل؛ فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حتى تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير[10]، وألا يعوها، وألا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول مقالتك متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها.
فقال عمر: والله – إن شاء الله – لأقومن بذلك في أول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر على، وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟
فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي، إن الله بعث محمدا – صلى الله عليه وسلم – بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورجمنا بعده.
فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل[11] أو الاعتراف. ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: ألا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “لا تطروني[12] كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله”[13].
ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر لبايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة[14]. فتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقي شرها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر[15]. من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا[16]، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم، اقضوا أمركم[17]، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم[18]، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك[19].
فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد؛ فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة[20] من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا[21] من أصلنا وأن يحضنونا[22] من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت[23] مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدة، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك[24]، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر. والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن.
فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك[25] وعذيقها المرجب[26]. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط[27]، وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونزونا[28] على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم، ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة[29] أن يقتلا»[30] [31].
زعم تآمر الصديق مع الفاروق عمر وأبي عبيدة بن الجراح على الاستئثار بالأمر – الخلافة – بين ثلاثتهم:
من الأشياء التي رددها بعض المستشرقين أيضا: أن مبايعة أبي بكر بالخلافة كانت نتيجة اتفاق سابق بين أبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة على الاستئثار بالأمر، ويستدلون على ذلك بولاية عمر بعد أبي بكر، وبقول عمر عند وفاته: لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته.
وهذا زعم غير مقبول؛ وذلك لأن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة – رضي الله عنهم – لم يعقدوا مؤتمر السقيفة ولا أعدوا له، وإنما عقده الأنصار ووصلت أخباره إلى بعض المهاجرين، فأسرع أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة إلى هناك دون اتفاق على ما يقال لإخوانهم الأنصار، ودون اتفاق على من يبدأ الحديث، فلقد أراد عمر أن يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: «والله ما أردت بذلك إلى أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت ألا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فما ترك شيئا كنت قد زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت، إلا جاء به أو بأحسن منه».
إن هؤلاء الثلاثة كانوا يعرفون قيمة الشورى في الإسلام؛ فلا ينبغي أبدا أن يتهمهم أحد بالتآمر علي أمر كهذا، ولقد ورد عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: «فلا يغترن امرؤ أن يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، وليس فيكم من تنقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع هو ولا الذي بايعه بعد»[32].
فمعنى كلمة فلتة، أي: وقعت على غير تدبير ولا إحكام، ولكن الأمة رضيتها وقبلتها وبايعت لأبي بكر عن اقتناع كامل كما رأينا من قبل؛ استنادا إلى مناقب أبي بكر وشمائله، ولقد قبل أبو بكر الخلافة في السقيفة حسما للنزاع وللخروج بنتيجة واضحة كما ذكرنا من قبل، وتحملا للمسئولية، ولقد قال – رضي الله عنه – في خطبته بعد اختياره للخلافة: وايم الله ما حرصت عليها ليلا ولا نهارا، ولا سألتها قط في سر ولا علانية.
وترشيح أبي بكر عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – للخلافة من بعده لم يكن جانبا من جوانب تنفيذ المؤامرة المزعومة؛ فأبو بكر اجتهد واختار، وعرض الأمر على الأمة واستقصى الجهد في الشورى، حتى اطمأن إلى ارتياح الناس لخلافة عمر بن الخطاب، والاستدلال بقول عمر بن الخطاب: “لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته” على المؤامرة المزعومة – باطل ومبتور؛ لأن عمر بين العلة في استخلاف أبي عبيدة فقال: لو كان حيا لاستخلفته، فإن سألني ربى قلت: سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه أمين هذه الأمة، فهل كان أبو عبيدة – رضي الله عنه – داخلا في هذه المؤامرة[33]؟
أما القول بوجود حزب للشيعة في مؤتمر السقيفة فقول عجيب؛ إذ إن هذا المؤتمر على ما دار فيه من مناقشات وآراء لم يرد فيه ذكر لترشيح الإمام علي للخلافة، ولم يدر بخلد أحد من المجتمعين في السقيفة أن تكون وراثية في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كان هناك من بين الصحابة من رأى عقب وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن عليا – رضي الله عنه – أولى بالخلافة من غيره، فهو إلى جانب فضله وسبقه يمتاز بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من هؤلاء: جابر بن عبد الله، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، ولكن هؤلاء لم يكونوا حزبا، ولم يطلق عليهم مصطلح الشيعة، ولم يطالب علي – رضي الله عنه – بالخلافة حتى يظهر مدى تأييدهم له، ولم يروا الخلافة حقا مقدسا لعلي أو لغيره، وكانوا يدركون مكانة الشورى في الإسلام؛ ولذلك لم يصروا على رأيهم وبايعوا أبا بكر – رضي الله عنه – كما بايعه الإمام علي رضي الله عنه، وصار الجميع يؤيد أبا بكر في حروبه ويعملون إلى جانبه، فالقول بوجود حزب للشيعة ظهر في مؤتمر السقيفة قول غير صحيح، وكذلك القول بوجود حزب للشيعة بالمعنى الفني لكلمة “حزب” في أيام أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – قول غير صحيح؛ إذ إن الحزب الشيعي بدأ في التكوين بوصفه حزبا سياسيا منذ أيام علي – رضي الله عنه – أو في أواخر عهد عثمان[34].
حقيقة حزب الأرستقراطية الملكية:
ومن غرائب افتراءات المستشرقين ما يدعونه بحزب الأرستقراطية الملكية ويتساءل د. ضياء الدين الريس: ما هذا الحزب الذي يسمى حزب “الأرستقراطية الملكية”؟ إن الذي يبدو أنه يعني هذا النفر من كفار قريش الذين لم يسلموا إلا عند الفتح، وعلى رأسهم أبو سفيان. ولكن لماذا يقصر وصف “الأرستقراطية” عليهم؟ ألم يكن في المهاجرين أيضا من بني أمية، ومن بني مخزوم، وبني عدي، وبني أسد، ومن أشراف قريش والعرب وأثريائهم؟ وأليس بنو هاشم وبنو أمية فرعين من أصل واحد، من عبد مناف؟ وأين كان صوت هؤلاء الأرستقراطيين يوم اجتماع “السقيفة”؟ ومن نطق باسمهم؟ فهذا الحزب ليس له وجود حقيقي.
من هذا كله يتبين أن هذه الدعاوى ما هي إلا خلط وتشويش، وقلب لترتيب الحوادث، وأنها تعطي صورة مشوهة عن التاريخ، وعن الصحابة الكرام، وقصارى القول: أنه بعد أن اجتمعت كلمة المؤمنين على أبي بكر – رضي الله عنه – الخليفة الأول – عاد المجتمع إلى استئناف حياته على النحو الذي كانت تسير عليه في عهد الرسول – رضي الله عنه – نفسه، وقد أحس المسلمون أن مثلهم العليا متحققة، وأن الحياة السياسية تسير وفق المبادئ الخلقية التي يؤمنون بها، وانطلقوا إلى الجهاد والعمل لنشر دين الله، ولتحرير الإنسانية من الاستعباد، ومقاومة دول الكفر والطغيان، حتى فتح الله عليهم بهذه الفتوح التي دونها التاريخ، والتي لم يكن لها مثيل في تاريخ أية أمة من قبل، ولذا فقد شعروا أن حياتهم لم تكن إلا امتدادا لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقيت وحدتهم متينة سليمة، ولم يكن هناك دافع لأي خلاف.
وعلى هذه الوتيرة استمرت حياتهم طوال عهدي أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – ثم طوال النصف الأول من خلافة عثمان رضي الله عنه، وهي حقبة كانت كافية لنشأة جيل جديد. وإذا أضيفت إلى السنوات العشر الأولى من الهجرة في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فإنها تكون عهدا مستقلا قائما بذاته، كانت مميزات حياة المسلمين فيه: الاتحاد، والتكافل، والتعاون في الخير، وسيادة روح الأخوة والإيثار والحرص على تحقيق العدالة ومراعاة المصلحة العامة. ثم تتغير أمور ليبدأ عهد آخر: )سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (62)( (الأحزاب)[35].
الخلاصة:
- وجه القرآن الكريم أنظار المسلمين لتكوين دولة؛ حيث بشرهم بها، ووعدهم بقيامها، ودفعهم لأن يعملوا على قيامها، وقامت هذه الدولة وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أول رئيس لها، جمع برئاسته لها بين صفتين: صفة الرسول، وصفة الحاكم، فتحقق فيه – صلى الله عليه وسلم – السلطان الروحي والسلطان المادي.
- توفي – صلى الله عليه وسلم – ولم ينص على من يخلفه، ليس ذلك تقصيرا منه أو تشاغلا، بل لحكمة تشريعية بالغة مقصودة من عدم تحديد هذا الأمر، وهي عدم تقييد الجماعة بقوانين جامدة قد تثبت الأيام أنها لا تتفق مع التطورات التي تحدث، ولا تلائم الظروف والأحوال، فإن من أهم الصفات الظاهرة التي حرص عليها الشارع أن تظل القوانين الإسلامية مرنة حتى تعطي مرونتها الفرصة للعقل والتفكير، وللجماعة أن تشكل نظمها وأوضاعها بحسب المصالح المتجددة.
- حرص المسلمون على تولية خليفة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعلمهم اليقيني أن أمر الخلافة جد خطير، ويتطلب الحسم السريع في ظل الظروف المحيطة بالمدينة آنذاك، حروب خارجية، وردة داخلية، فضلا عن أهمية ووجوب هذا الأمر شرعا.
- كان مؤتمر السقيفة من أهم وأخطر المؤتمرات في تاريخ الإسلام، فعلى إثره وضع دستور الخلافة للمسلمين وذلك بعد مساجلات نقاشية – لا بعد صراعات كما يدعي المتوهمون – مثلت وجهات النظر المختلفة، وكانت هناك ثلاث نظريات: نظرية الدفاع عن حق المهاجرين في الخلافة، نظرية الدفاع عن حق الأنصار في الخلافة، نظرية تعدد الإمارة والسيادة، وانتهى الأمر – في مدة قليلة – إلى تولية الصديق أبي بكر الخلافة؛ لاجتماع الحاضرين عليه واتفاقهم على أحقيته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- لم يكن ثمة تآمر بين الصديق والفاروق وأبي عبيدة على الخلافة، وغاية ما هنالك أنهم تقابلوا على غير موعد، وذهبوا لسقيفة بني ساعدة؛ لعلمهم باجتماع الأنصار، وكان ما كان في السقيفة.
- أما مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه: «إن بيعة الصديق كان فلتة وقى الله الأمة شرها»، فكانت تعني أنها جاءت على غير ترتيب ومرت بسرعة، وحفظ الله الأمة بها من الانقسام والمخالفة.
- أثبتت المصادر التاريخية الموثوق بصحتها أن اجتماع السقيفة لم يكن فيه ترشيح للإمام علي – رضي الله عنه – من قبل الحاضرين، ولم يكن هناك ما يسمى بالشيعة؛ إذ إن الشيعة نشأت في أواخر عهد عثمان – رضي الله عنه – وأوائل عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أما ما يروجه المروجون من حرمان علي وشيعته من الخلافة فقول لا يقبله عقل ولا يقره تاريخ.
- أما القول بوجود حزب للأرستقراطية الملكية في مؤتمر السقيفة فلا ندري ما الذي يقصدونه بهذا الحزب؟ ثم كيف ظهر هذا الحزب في مؤتمر السقيفة؟ ومن الذي نطق بلسانه؟ وماذا كانت وجهة نظره؟
- وصفوة القول أن هذه الحقبة التاريخية شهدت أنقى وأصفى قلوب عرفتها البشرية، ويكفيهم شرفا أن قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في حقهم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم…» [36].
(*) الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، د. محمد ياسين مظهر صديقي، ترجمة: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م.
[1]. غرو: عجب.
[2]. تناحرت: تقاتلت.
[3]. الإسلام وأوضاعنا السياسية، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1418هـ/1997م، ص106.
[4]. الإسلام وأوضاعنا السياسية، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1418هـ / 1997م، ص109، 110.
[5]. الإسلام وأوضاعنا السياسية، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1418هـ / 1997م، ص120.
[6]. النظريات السياسية الإسلامية، د. محمد ضياء الدين الريس، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط6، 1976م، ص34 : 36 بتصرف يسير.
[7]. الإسلام وأوضاعنا السياسية، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1418هـ / 1997م، ص127.
[8]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثيرون من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (12923)، وأبو يعلي في مسنده، مسند سهل أبو الأسود عن أنس (4033)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (4524).
[9]. النظريات السياسية الإسلامية، د. محمد ضياء الدين الريس، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط7، 1976م، ص38: 40 بتصرف.
[10]. المطير: المقصود به هنا كل من ينشر الخبر ويذيعه بين الناس.
[11]. الحبل: الحمل.
[12]. الإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه.
[13]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب: ) واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها ( (مريم: ١٦) (3261)، وفي موضع آخر.
[14]. قوله: « كانت بيعة أبي بكر فلتة »: أراد بالفلتة الفجأة، ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة فعصم الله من ذلك ووقي. والفلتة: كل شيء فعل من غير روية، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر. وقيل: أراد الفلتة الخلسة: أي إن الإمامة يوم السقيفة مالت إلى توليها الأنفس، ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا، وقال الحافظ في “الفتح”: وقى الله المسلمين الشر، ولم ينشأ عن بيعة أبي بكر شر، بل أطاعه الناس كلهم، من حضر البيعة ومن غاب عنها، ووقاهم ما في العجلة غالبا من الشر؛ لأن من العادة أن من لم يطلع على الحكمة في الشيء الذي يفعل بغتة لا يرضاه، وقد بين عمر سبب إسراعهم ببيعة أبي بكر لما خشوا أن يبايع الأنصار سعد بن عبادة، قال أبو عبيدة: عاجلوا ببيعة أبي بكر خيفة انتشار الأمر وأن يتعلق به من لا يستحقه فيقع الشر.
[15]. قوله: « وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ». قال الخطابي: يريد أن السابق منكم الذي لا يلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر، فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولا في الملأ اليسير، ثم اجتماع الناس عليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه، فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة أخرى، وليس غيره في ذلك مثله.
[16]. قوله: « الذي بايعه تغرة أن يقتلا »: التغرة: مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر، هي من التغرير، كالتعلة من التعليل. وفي الكلام مضاف محذوف تقديره: خوف تغرة أن يقتلا: أي خوف وقوعهما في القتل فحذف المضاف الذي هو الخوف، وأقام المضاف إليه الذي هو تغرة مقامه، وانتصب على أنه مفعول له. ويجوز أن يكون قوله: “أن يقتلا” بدلا من “تغرة” ويكون المضاف إليه محذوفا كالأول. ومن أضاف “تغرة” إلى أن “يقتلا” فمعناه خوف تغرة قتلهما.
ومعنى الحديث: أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر، فذلك تظاهر منهما بشق العصا واطراح الجماعة، فإن عقد لأحد بيعة فلا يكون المعقود له واحدا منهما، وليكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإمام منها؛ لأنه لو عقد لواحد منهما، وقد ارتكبا تلك الفعلة الشنعية التي أحفظت الجماعة، من التهاون بهم والاستغناء عن رأيهم لم يؤمن أن يقتلا.
[17]. قوله: « اقضوا أمركم »: وقع في رواية سفيان: “أمهلوا حتى تقضوا أمركم” ويؤخذ من هذا أن الأنصار كلها لم تجتمع على سعد بن عبادة.
[18]. قوله: « مزمل بين ظهرانيهم »: مزمل أي ملفف ومغطى مدثر، يعني سعد بن عبادة. وبين ظهرانيهم: أي في وسطهم.
[19]. قوله: « يوعك »: بضم أوله وفتح المهملة أي يحصل له الوعك، ولذلك زمل.
[20]. قوله: “وقد دفت دافة من قومكم »: بالدال المهملة، والفاء، أي عدد قليل، وأصله من الدف وهو السير البطيء في جماعة.
[21]. قوله: « يختزلونا »: بخاء معجمة وزاي، أي يقتطعونا عن الأمر وينفردوا به دوننا. وقال أبو زيد: خزلته عن حاجته عوقته عنها، والمراد هنا بالأصل ما يستحقونه من الأمر.
[22]. قوله: « وأن يحضنونا »: بحاء مهملة وضاد معجمة أي يخرجونا قاله أبو عبيدة، وهو كما يقال حضنه واحتضنه عن الأمر: أخرجه في ناحية واستبد به أو حبسه عنه.
[23]. زورت: هيأت وأعددت.
[24]. قوله: « على رسلك »: بكسر الراء وسكون المهملة ويجوز الفتح أي على مهلك بفتحتين.
[25]. الجذيل المحكك: الجذيل هو تصغير للجذل، وهو أصل الشجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع، وهو أيضا عود ينصب للإبل الجربي لتحتك به، والمقصود بعبارة “جذيلها المحكك”: أي من يستشفى برأيه.
[26]. العذيق المرجب”: الرجبة: هو أن تعمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها ـ لطولها وكثرة حملها ـ أن تقع. والعذيق: تصغير العذق، وهي النخلة، وهو تصغير تعظيم، والمراد أنه شديد البأس، والذي قالها هو الحباب بن المنذر.
[27]. اللغط: علو الصوت واضطرابه.
[28]. نزونا: أي وثبنا.
[29]. التغرة: أي خوف وقوعه في القتل.
[30]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت (6442).
[31]. منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد أيمن الشبراوي، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ج5، ص246: 250.
[32]. أخرجه البخاري في صحيح، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت (6442).
[33]. دولة الخلفاء الراشدين، د. أحمد كامل، دار الهاني، طبعة خاصة، ص65، 66.
[34]. دولة الخلفاء الراشدين، د. أحمد كامل، دار الهاني، طبعة خاصة، ص67.
[35]. النظريات السياسية الإسلامية، د. محمد ضياء الدين الريس، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط7، 1976م، ص43، 44 بتصرف يسير.
[36]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2509)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (6635).