ادعاء أن موسى – عليه السلام – استهان بكلام الله واعتدى على نبي الله هارون عليه السلام
وجها إبطال الشبهة:
1) إلقاء الألواح لا يقتضي إهانتها، وليس في الأمر إلا العجلة في الوضع الناشئ عن الغيرة لله تعالى.
2) أخذ موسى – عليه السلام – بشعر رأس هارون – عليه السلام – ولحيته ليس ذنبا؛ لأنه لم يكن يجره إليه على سبيل الإيذاء، بل كان يدنيه إلى نفسه؛ ليتبين منه حقيقة الأمر في تلك الواقعة (عبادة العجل)، ويعرف منه كيف وقعت.
التفصيل:
أولا. إلقاء الألواح لا يقتضي إهانتها، وليس في الأمر إلا العجلة في الوضع الناشئ عن الغيرة لله تعالى:
فإلقاء الألواح لا يقتضي إهانتها، إذ كان السبب في إلقائها غضبه على قومه الذين عبدوا العجل، كما هو واضح من الآية الكريمة: )ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين (150)( (الأعراف). فإن العقل يقضي بأنه لا يستهين رسول بكلام ربه، وهو الذي يدعو إلى تعظيمه، والقيام بحقه.
و ينبغي فهم إلقاء موسى – عليه السلام – الألواح على أنه لما رأى قومه على ما رأى، غضب غضبا شديدا حمية للدين، وغيرة من الشرك برب العالمين، فعجل بوضع الألواح؛ لتفرغ يده، فيأخذ برأس أخيه، فعبر عن ذلك الوضع بالإلقاء؛ تفظيعا لفعل قومه الذي كان سببا له، وليس في وضع الألواح إهانة لكلام الله.
وعلى القول بأن بعض الألواح قد انكسرت، فلم يكن قصد موسى – عليه السلام – أن تنكسر، ولا ظن ترتبه على ما فعل، وليس ما في الأمر إلا العجلة في الوضع الناشئ عن الغيرة لله تعالى([1]).
ثانيا. أخذ موسى – عليه السلام – بشعر رأس هارون – عليه السلام – ولحيته ليس ذنبا؛ لأنه لم يكن يجره إليه على سبيل الإيذاء، بل كان يدنيه إلى نفسه؛ ليتبين منه حقيقة الأمر:
فقد كان خوف هارون – عليه السلام – أن يعتقد بنو إسرائيل أن موسى – عليه السلام – يؤذيه، ولهذا قال هارون إشفاقا على موسى: )لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي( (طه: ٩٤)، أي لئلا يظن القوم بك ما لا يليق، والأرجح أن أخذ موسى بلحية ورأس هارون – عليهما السلام – كان لشدة غضبه حين رأى قومه قد عبدوا العجل، ولظنه أن هارون ربما قصر في نهيهم عن ذلك، ولعدم لحاقه به حين رأى قومه قد ضلوا، ويكون إنكار موسى على هارون – عليهما السلام – لأن الواجب عليه – في نظر موسى – عليه السلام – أن يكف قومه عن عبادة العجل إن استطاع، أو يتبعه إلى جبل الطور إن لم يستطع كفهم عن عبادة العجل([2]).
والذي يقره العقل ويؤيده النقل أن هارون – عليه السلام – لم يقصر في نهي قومه عن اتخاذ العجل إلها وعبادة، وإنما بذل قصارى جهده للحيلولة دون ذلك؛ لأنه رسول مهمته الأولى الدعوة إلى عبادة الله وحده. فلا يعقل أن يسكت عن قومه، وهم ينكصون على أعقابهم – مرتدين بعد إيمانهم – والقرآن الكريم قد حكى عنه قوله لهم: )ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري (90)( (طه). ولكنهم لم يستجيبوا له، بل كادوا يقتلونه.
وأما أنه – عليه السلام – لم يتركهم بعد أن جاهد لردهم عن الضلال – ويتبع موسىعليه السلام؛ فلأنه لم يرد أن يخالف أمر موسى – عليه السلام – له في قوله: )اخلفني في قومي( (الأعراف)؛ ولأنه خشي – إن فارقهم – أن يلومه موسى – عليه السلام – على هذا؛ لأنه تفريق بين بني إسرائيل، ولهذا رد على موسى – عليه السلام – لما قال له: )قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا (92)( (طه) بقوله: )قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (94)( (طه).
أي الذي قلته لك حين استخلفتني فيهم، وعلى هذا فهارون – عليه السلام – لم يقصر في شيء مما كان عليه أن يفعله، وساحته بريئة من الذنب في هذا المقام كموسىعليه السلام.
واستغفار موسى عقيب ما تقدم لنفسه ولأخيه – عليهما السلام – لأن الأنبياء – عليهم السلام – يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم، ويندمون على مخالفة الأولى، ويستغفرون منه، حيث كان الأولى به رألا يروع أخاه هارون – عليه السلام – وألا يظن به التقصير، ولكن شدة الغضب، والغيرة لله على قومه في اتخاذهم العجل جعلته يفعل هذا وهارون – عليه السلام – خالف الأولى بتركه العجل، وكان الأولى أن يحرقه وينسفه([3]) في البحر، كما صنع موسىعليه السلام: )وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا (97)( (طه). ولكن مما يشفع لهارون – عليه السلام – أنه ليس بالقوة والشدة التي بهما موسىعليه السلام، فكان يخشى من القتل ما لايخشاه موسى([4]).
الخلاصة:
- إلقاء الألواح لا يقتضي إهانتها، ولا إهانة كلام الله تعالى، وحاشا لنبي من الأنبياء أن يستهين بكلام الله، وكيف يستهين به وهو الذي يبلغه ويدعو إلى تعظيمه فهو أولى بالتعظيم له من غيره؛ ولكنه عندما رأى قومه على ما رأى من عبادة العجل غضب غضبا شديدا، فعجل بوضع الألواح تفظيعا لفعل قومه. فليس في الأمر إلا العجلة في الوضع الناشئ من الغيرة لله تعالى.
- أخذ موسى برأس هارون – عليهما السلام – ولحيته ليس ذنبا؛ لأنه لم يكن يجره إليه على سبيل الإيذاء، بل كان يدنيه إلى نفسه؛ ليتبين منه حقيقة الأمر في تلك الواقعة، واستغفار موسى – عليه السلام – عقب ما تقدم لنفسه ولأخيه؛ لأن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم، ويندمون على مخالفة الأولى.
(*)عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م.
[1]. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص341، 342.
[2]. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص342.
[3]. ينسف: ينشر.
[4]. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص343، 344.