ادعاء أن نشأته – صلى الله عليه وسلم – الاجتماعية المتواضعة دفعته لرسم خطة للإصلاح الاجتماعي
وجوه إبطال الشبهة:
1) من الثابت تاريخيا أن نسبه – صلى الله عليه وسلم – قد انحدر من أصل عريق، وأن نشأته المباركة كانت في بيئة طيبة؛ فقد كان – صلى الله عليه وسلم – من بني هاشم، وهم من أشراف العرب.
2) كونه – صلى الله عليه وسلم – يتيما أو فقيرا لا يعني تدني مستواه الاجتماعي، لا سيما في عرف العرب الذين نشأ فيهم صلى الله عليه وسلم.
3) لم يكن – صلى الله عليه وسلم – حريصا على التجارة في مال السيدة خديجة – رضي الله عنها – بل هي التي طلبت منه أن يرعى لها تجارتها؛ لما كان عليه – صلى الله عليه وسلم – من صدق وأمانة، ثم هي أيضا التي رغبت في الزواج منه صلى الله عليه وسلم.
4) كانت دعوته – صلى الله عليه وسلم – لتوحيد الدين وحيا من الله – عز وجل – لإخراج قومه والبشرية جمعاء من ظلمات الشرك والضلال إلى نور الإسلام والتوحيد، ولم تكن حرصا منه – صلى الله عليه وسلم – على وضع خطة للإصلاح الاجتماعي كما يزعمون.
التفصيل:
أولا. من الثابت تاريخيا أن نسبه – صلى الله عليه وسلم – انحدر من أصل عريق، ونشأته – صلى الله عليه وسلم – كانت في بيئة طيبة؛ فهو من أشراف العرب من بني هاشم:
مما لا شك فيه أن الأنبياء الكرام هم أشرف الناس نسبا، كما أنهم أكملهم خلقا وخلقا، ويدل على ذلك – على سبيل المثال – موقف هرقل (عظيم الروم) عندما سأل أبا سفيان بن حرب عن نسب النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال:«كيف نسبه فيكم؟ فقال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب. ثم قال: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها» [1].
ومن شواهد ذلك في قصص الأنبياء قول قوم شعيب لشعيب كما حكى القرآن: ولولا رهطك لرجمناك (هود: ٩١)، وقول قوم صالح لما أجمعوا على قتله – عليه السلام -: )قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون (49)( (النمل).
ذكر ابن خلدون – في حديثه عن علامات نبوة الأنبياء – أن يكونوا ذوي أحساب في قومهم.
وأولى الأنبياء الكرام بكل فضيلة خاتمهم وسيدهم محمد – صلى الله عليه وسلم – وقد ورد في شرف نسبه أحاديث صحاح، منها ما روي عن واثلة بن الأسقع أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» [2].
وليس أدل على هذا مما ورد في فضل قريش؛ فعن أم هانئ مرفوعا: «فضل الله قريشا بسبع خصال: فضلهم بأن عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قرشي، وفضلهم بأن نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأن نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيهم غيرهم “لإيلاف قريش”، وفضلهم بأن فيهم النبوة، والخلافة، والحجابة[3]، والسقاية» [4] [5].
وليس أدل على هذا – كذلك – من أن جده عبد المطلب كان سيد قريش وشريفهم، وكان جماع أمرهم إليه، وهو الذي جدد حفر زمزم بعدما كانت مطمورة[6] من عهد جرهم، وهو أول من طلى الكعبة بالذهب في أبوابها من غزالتين كانتا من ذهب وجدهما في زمزم أثناء حفره لها[7].
وفي فضله – صلى الله عليه وسلم – يقول عمه أبو طالب:
إذا اجتمعت يوما قريش لـمـفخر
فعبد مناف سرها[8] وصميمها[9]
فإن حصلت أشراف عبد منافها
ففي هاشم أشرافها وقديمها
فـإن فخـرت يومـا فـإن محمـدا
هو المصطفى من سرها وكريمها[10]
ويؤكد هذا بعض القساوسة الغربيين قائلين: “هاشم هذا هو الجد الأعلى لمحمد، وكان أكثر الرجال تميزا في سلسلة نسب محمد – صلى الله عليه وسلم – فإليه ينسب محمد ورهطه، فيقال لهم بنو هشام أو الهاشميون، وكان اسم أم محمد آمنة، التي يمكن تتبع سلسلة نسبها في أسرة مميزة في القبيلة نفسها” [11].
وعليه فإن الزعم بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان من أسرة اجتماعية متواضعة زعم باطل؛ لأن هذا الزعم الباطل يتعارض مع حقائق التاريخ، ويفقد النقد العلمي مصداقيته، وعلى كل حال فإن الشرف الحقيقي يكون في النبوة والرسالة؛ لأنها مبنية على اختيار الله واصطفائه لمن يشاء من عباده لهذه المهمة السامية.
ثانيا. كونه – صلى الله عليه وسلم – يتيما فقيرا لا يعني تدني مستواه الاجتماعي:
إن الفقر واليتم لا يتنافيان مع الشرف، فلا ينبغي لعاقل أن يقول بالتلازم بين اليتم والفقر وبين تدني المستوي الاجتماعي، لا سيما عند العرب الذين كان شرفهم في شجاعتهم، وكرمهم، ومروءتهم، وترفعهم عن الدنايا، لا في كثرة أموالهم، ثم كم من اليتامى من هم أغنياء، بدليل ورود التوجيهات في القرآن والسنة إلى وجوب إحسان الوصي التصرف في مال اليتيم الذي يلـي أمره.
ويدل على ذلك أن عم خديجة (عمرو بن أسد) قد رحب بزواجها من محمد – صلى الله عليه وسلم – قائلا: “هذا الفحل لا يجدع أنفه”، أي أنه كفء كريم الأصل؛ فبنو هاشم – ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم – في الذروة من قريش نسبا وشرفا.
وقد صدع[12] بعلو نسبه – صلى الله عليه وسلم – عمه أبو طالب في مجمع حافل بالسادات، فما نازعه فيه منازع؛ إذ إن أبا طالب في خطبته التي خطبها في يوم زواجه – صلى الله عليه وسلم – من السيدة خديجة – رضي الله عنها – قال: “الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ[13] معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفا ونبلا وفضلا إلا رجح به، وهو وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة، ومحمد من عرفتم قرابته، وهو – والله – بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل جسيم، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي” [14].
هكذا يعلن أبو طالب شرف النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصالة نسبه ومكانته في قومه دون أن يكذبه أحد أو أن يرد عليه قوله.
ثالثا. لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – حريصا على التجارة في مال السيدة خديجة – رضي الله عنها – بل هي التي طلبت منه ذلك، ثم هي التي رغبت في الزواج منه:
كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم عليه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوما تجارا، وكان الطالبون يتهافتون للعمل في مال خديجة، ويظهر أنها كانت تبحث عمن تراه كفئا لحمل العبء، فأشار أبو طالب على محمد – صلى الله عليه وسلم – القوي الأمين، بأن يعرض نفسه مسارعا إلى ذلك خشية أن يسبقه غيره، ولكن محمدا – صلى الله عليه وسلم – يرى في العرض ذلة لا يرضاها الكريم، ومثار اتهام لا يرضاه الأمين، فهو يريد عزة المطلوب، لا ذلة الطالب، ولننقل هذه المجاوبة التي كانت بين العم وابن الأخ:
قال أبو طالب: يا ابن أخي، أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة، وليس لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك يتجرون في مالها، ويصيبون منافع، فلو جئتها لفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك، وإن كنت أكره أن تأتي إلى الشام، وأخاف عليك من يهود، ولكن لا نجد بدا من ذلك. فيقول محمد الأمين صلى الله عليه وسلم: “لعلها ترسل إلي في ذلك”. فقال أبو طالب: أخاف أن تولي غيرك.
ونرى من تلك المناقشة كيف لا يعرض شرفه وأمانته، وتكونان محل قبول أو رفض؛ لأن الأمين حقا وصدقا، لا يجعل الأمانة ولا الشرف متجرا يتجر به، ولا يتخذهما سبيلا يتكسب منه.
وبالفعل أرسلت السيدة خديجة إليه – صلى الله عليه وسلم – تطلبه قائلة له: “دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك” [15]، فقبل – صلى الله عليه وسلم – وخرج في مالها ذلك وخرج معه غلامها “ميسرة” حتى قدم الشام.
ولما رجع النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى مكة ورأت خديجة – رضي الله عنها – في مالها من البركة ما لم تر قبل هذا وأخبرت بشمائله الكريمة، وجدت ضالتها المنشودة فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها “نفيسة بنت منية”، وقد ذهبت هذه المرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – تفاتحه أن يتزوج خديجة فرضي بذلك، وكلم أعمامه فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وكان سنها إذ ذاك أربــعين سنة، وكـانت يـومــئذ أفضل نساء قومها نسبا وثروة وعقلا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت[16].
ومما يدفع فرية هؤلاء المشككين أن مجرد زواج النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن ليرفع من شأنه لو لم يكن مرفوع الشأن أصالة؛ فقد تزوجت خديجة من قبله برجلين، وما ارتفع أحدهما عن الآخر بسبب الارتباط بها، أضف إلى هذا ما ذكرناه من قبل من أن السيدة خديجة هي التي سعت إلى الزواج منه، فقد بان لها من صدقه وأمانته في تجارتها ما حملها على التصريح برغبتها، فلو قلنا إن أحد الزوجين رغب أن ينال ارتفاعا بالآخر لكانت خديجة – رضي الله عنها – هي التي رغبت في ذلك[17]. ولم لا؛ وقد كان – صلى الله عليه وسلم – سببا في رفعة شأن أهله قاطبة لا زوجته فحسب، وصدق ابن الرومي حين قال:
وكم أب قد علا بابن ذرا شرف
كما علت برسول الله عدنان
رابعا. لم يضع النبي – صلى الله عليه وسلم – خطة للإصلاح الاجتماعي، بل كانت دعوة التوحيد التي كلف بها وحيا من الله – عز وجل – لهداية البشرية جمعاء:
إن القول بأن محمدا – صلى الله عليه وسلم – قبل أن يبلغ التاسعة والثلاثين من العمر قد رسم خطة لإصلاح التنظيم الاجتماعي العربي عن طريق توحيد الدين، ما هو إلا ادعاء عار من الصحة، كما أن معتقده يتسم بقدر كبير من السذاجة والغفلة؛ لأنه لو صح ذلك لكان العرب مهيئين لما جاءهم به ولما حدث منهم استغراب لرسالته، بل ولما ناصبوه العداء الذي وصل إلى الحرب الشرسة معه صلى الله عليه وسلم.
ودعما لهذا الحق يقول د. محمد أبو شهبة: “لقد أتى على العالم حين من الدهر فسدت فيه العقائد وانتشرت الوثنية، وانتكست فيه الأخلاق، وسادت فيه الجهالات والخرافات، وعم التقليد حتى كادت تتعطل فيه ملكة العقل والتفكير، وتغيرت فيه القيم الخلقية والمعاني الإنسانية، وأهدر فيه الكثير من حقوق الإنسان، وتغلبت فيه قوى الشر والبغي والضلال على دعاة الحق والخير والهدى، سواء في ذلك البيئات المتحضرة أم البدوية، ذلكم الحين هو الفترة التي سبقت ميلاد نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وبعثته.
فقد كانت أحوال العالم الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية، على أسوأ ما تكون، حتى إن أعظم المتفائلين كان يشك في أن يكون بعد هذا الفساد إصلاح.
من تلك الأحوال الدينية:
انتشرت الوثنية في شبه الجزيرة العربية وغيرها، وعبادة الشمس والكواكب في بلاد سبأ، وبابل، وكلدانيا وغيرها، والمجوسية في بلاد فارس وما جاورها، ووجدت ثنوية تقول بإله النور وإله الظلمة، وصابئة ليس لهم دين، وبرهمية وعباد للحيوان ولا سيما البقر في بلاد الهند وما جاورها، إلى بوذية تقوم على تأليه بوذا وعبادته في بلاد الصين وما جاورها، ويهودية محرفة مبدلة يزعم أهلها أن عزيرا ابن الله، ونصرانية مثلثة[18] في بلاد الروم وغيرها حتى بلاد اليونان، وهكذا نرى أن توحيد الله وعبادته وحده أمر كان حينئذ يكاد يكون معدوما في الأرض…
وبكلمة مختصرة، فإن النصرانية – وهي آخر ديانات العالم المنزلة آنذاك – كانت في ذلك الحين في حكم المفقودة، وكانت قد فقدت كل قدرتها الدافعة التي تمكنها من إحداث إصلاح أخلاقي، وإلى هذا فإن الدرك الذي تردى فيه المجتمع الإنساني كله في طول العالم وعرضه ليؤكد حاجة البشرية إلى من يخرجها من الظلمات إلى النور.
حاجة العالم إلى مخلص ومنقذ:
ترى هل يترك الله عز وجل – وهو الرحمن الرحيم – العالم يتخبط في هذه الدياجير المظلمة وسط تلك الأمواج التي تتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال.
لا، ما كان الله ليدع العالم هكذا، فيا ترى من ذا الذي اختارته العناية الإلهية والرحمة الربانية ليخلص هذا العالم الحائر المضطرب المظلم الخائف، الذي أمسى على شفا جرف هار؟ إنه نبي التوحيد، والبر، والرحمة، والعدل، ونبي الملحمة، إنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
لهذا – ولغيره – اختار الله خاتم أنبيائه ورسله من العرب برسالة عامة خالدة، واستأهل العرب أن يكونوا أحق الشعوب بحمل هذه الرسالة، وتبليغها إلى الناس جميعا، ولم يمض قرن من الزمان حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار، وامتدت دولته من المحيط إلى المحيط” [19].
يقول الشيخ محمد الغزالي: لقد عمت الدنيا قبل بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم – حيرة وبؤس، ناءت بهما الكواهل، يقول الشاعر:
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم
إلا على صنم قد هام في صنم
مسيطر الفرس يبغي في رعيته
وقيصر الروم من كبر أصم عم[20]
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نسوق بعض كلام المستشرقين الغربيين الذين أنصفوا محمدا – صلى الله عليه وسلم – وشهدوا بعظمته في كل شيء، وأنه مرسل من ربه لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، والفضل ما شهدت به الأعداء.
وإليكم بعض هذه الشهادات المنصفة:
يقول مارسيل بوازار: لقد كان محمد – صلى الله عليه وسلم – نبيا لا مصلحا اجتماعيا، وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات أساسية لا تزال آثارها ماثلة في المجتمع الإسلامي المعاصر.
ويقول هنري سيروي: ومحمد – صلى الله عليه وسلم – لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضا المدنية والأدب.
ويقول لورافيشيا فاغليري: دعا الرسول العربي – صلى الله عليه وسلم – بصوت ملهم باتصال عميق بربه، دعا عبدة أوثان وأتباع نصرانية ويهودية محرفتين، إلى أصفى عقيدة توحيدية، وارتضى أن يخوض صراعا مكشوفا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى.
ويقول تولوستوي: أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه وقلبه وعقله.. فقد جاء محمد ليستكمل بالإسلام البناء الاجتماعي للإنسان في كل مكان، ولم يضغط النبي محمد بأي طريقة على أصحاب الديانات الأخرى، ليدخلوا في دينه.
ويقول جاك بيرك: لا شك أن الإسلام الذي اختار الخالق له محمدا كان جديرا بمحمد[21].
وهكذا يتبين لنا أن بعثة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – كانت ضرورة لانقاذ العالم مما تردى فيه من مهاوي الضلال، والمفاسد، والآثام. ولم تكن بعثته خطة مرسومة كما يزعم هؤلاء، وقد صدق الله – عز وجل – الذي قال عن نبيه: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء).
الخلاصة:
- تؤكد حقائق التاريخ أن نشأة النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت في أصل طيب ونسب عريق؛ إذ هو من أشراف العرب من بني هاشم الذين كانت لهم السيادة وأعمال الأشراف من قريش من سقاية ورفادة، وإن الشرف الحقيقي يكون في النبوة والرسالة؛ لأنها مبنية على اختيار الله واصطفائه لمن يشاء من عباده لهذه المهمة السامية.
- اليتم ليس عيبا، والفقر لا يتنافى مع الشرف، وقد كان نبينا – صلى الله عليه وسلم – يتيما فقيرا فرباه ربه – عز وجل – وأغناه.
- لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – حريصا على العمل في مال خديجة ولم يسع لذلك، بل هي التي أرسلت إليه وعرضت عليه الأمر، وكذلك لم يكن هدف النبي – صلى الله عليه وسلم – من زواجه بالسيدة خديجة – رضي الله عنها – رفعة شأنه، ولكنها هي التي عرضت عليه أن يتزوجها لما رأت فيه من حسن الخلق وعظيم الأمانة.
- لقد بدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – الدعوة أول ما بدأ بالتوحيد الذي يمثل لب دعوته، وكان ذلك بتكليف من الله له، ثم جاء الإصلاح الاجتماعي في مرحلة لاحقة لتوحيد الله عز وجل.
(*) الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، د. محمد ياسين مظهر صديقي، ترجمة: د. سمير عبد الحميد، رابطة الجامعات الإسلامية، بيروت، 1408هـ/ 1988م. بلاد العرب، ديفيد جورج هوجارث، ترجمة: صبري محمد حسن، دار الأهرام، مصر، د. ت.
[1]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (4707).
[2]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسليم الحجر عليه (6077).
[3]. الحجابة: القيام بخدمة الكعبة وحفظها وامتلاك مفاتيحها.
[4]. سقاية الحجاج: سقيهم الماء.
[5]. حسن: أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، الجزء التاسع، من اسمه مصعب (9173)، والحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر أم هانئ فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (6877)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1944).
[6]. المطمورة: المخبأة أو المدفونة.
[7]. وقفات تربوية مع السيرة النبوية، أحمد فريد، المكتبة التوفيقية، القاهرة، 1421هـ/ 2000م، ص21، 22. محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير البشر وأمته خير الأمم، عمر أحمد محمد، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1998م، ص19.
[8]. السر: الوسط.
[9]. الصميم: الأصل الخالص.
[10]. محمد المثل الكامل، أحمد جاد المولى، مكتبة دار المحبة، دمشق، ط1، 1412هـ/ 1991م، ص12، 13.
[11]. محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين، جورج بوش، ترجمة: د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ، دار المريخ، الرياض، ط2، 2004م، ص138 بتصرف.
[12]. صدع: جهر.
[13]. الضئضئ: الأصل.
[14]. السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، د. محمد محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص220: 223.
[15]. خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ج1، ص139، 140 بتصرف يسير.
[16]. وقفات تربوية مع السيرة النبوية، أحمد فريد، المكتبة التوفيقية، القاهرة، 1421هـ/ 2000م، ص58، 59.
[17]. الرد على القس بوش في كتابه “محمد مؤسس الدين الإسلامي”، د. عبد الرحمن جيرة، دار المحدثين، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص205، 206 بتصرف.
[18]. كان النصارى فرقا، ففرقة تقول: الله ثالث ثلاثة، قال سبحانه وتعالى: ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم (73) ( (المائدة)، وفرقة تقول: إن الله هو عيسى ابن مريم، قال سبحانه وتعالى: ) لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير (17) ( (المائدة)، وفرقة ثالثة تدعي ألوهية عيسى وأمه مريم، قال سبحانه وتعالى: ) وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب (116) ( (المائدة)، وتكاد تكون عقيدة التثليث اليوم هي السائدة بين المسيحيين.
[19]. السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، د. محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص241: 246 بتصرف يسير.
[20]. فقه السيرة، الشيخ محمد الغزالي، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، 1983م، ص20.
[21]. انظر: الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيون غربية منصفة، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي، دمشق، ط1، 2006م، ص115 وما بعدها.