ادعاء أن نظام الحكم في الإسلام نظام ثيوقراطي، وحكومته من رجال الدين ([1])
وجوه إبطال الشبهة:
1) لا كهنوت ولا ثيوقراطية في الإسلام؛ بل اختيار وبيعة وشورى.
2) فكرة “الحاكمية لله” لا صلة لها بالدولة الدينية الكهنوتية، وإنما تعني أن السلطة للأمة والتشريع لله.
3) الأمة في الإسلام هي مصدر السلطات في إطار الأصول الشرعية العامة، والحاكم مسئول أمامها، وهي رقيبة على تصرفاته.
التفصيل:
أولا. لا كهنوت ولا ثيوقراطية في الإسلام؛ بل اختيار وبيعة وشورى:
الثيوقراطية أوحكومة رجال الدين:
مصطلح يطلق على ذلك الشكل من الحكومة التي يكون أعضاؤها من الكهنة ورجال الدين، الذين لهم حق وضع الشرائع الدينية وتفسيرها، ويمارسون من خلال مناصبهم السلطة الزمنية والدينية جميعا، ويتمتعون بحق إلهي في الحكم، وبذلك فهم معصومون عن الخطأ في نظر أتباعهم الذين ينتمون إلى ملتهم ويطيعونهم كطاعة الله.
ولقد عرف هذا الشكل من الحكومات في كثير من الشعوب البدائية التي كانت تمنح زعماءها وحكامها منزلة الأنبياء والآلهة، فلهم حق الحكم بدون مناقشة أو معارضة؛ لأنهم معصومون، وتعود أقدم أشكال هذا الحكم وتلك الحكومات إلى اليهود بعد أن حرفوا التوراة وخالفوا أنبياءهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.. وبدأ الكهنة فيهم يحللون ويحرمون ويغيرون في شرع الله كما يصور لهم الهوى والحاجة، وعرف هذا الحكم أيضا في أوربا في العصور الوسطى؛ عندما كانت سلطة الكنيسة تسيطر على الملوك والأمراء، وتفرض عليهم الإتاوات، وتمنحهم البركة وصكوك الغفران، وزعمت أن لرجال الدين صلاحية إلهية في منح البركة، وشفاء المرضى، وعقد الزواج، وقبول الاعتراف، ومنح المغفرة، وسلطة التحليل والتحريم.
ولقد مارست هذه السلطة أشد أنواع التسلط في فرض الحروب الصليبية والدعوة إليها، وفي محاربة العلم والمنطق، وفي إنزال أشد العقوبة بالمخالفين كما في محاكم التفتيش والحروب الدينية القائمة في أوربا. ومن هنا يتضح أن “الثيوقراطية” أو ما يسمى بحكومة رجال الدين ليست من الإسلام ولا علاقة لها بها.
طبيعة الحكم الإسلامي:
تشريع الإسلام من عند الله، وهو تشريع قد اكتمل في القرآن والسنة النبوية، فلا يملك حاكم ولا محكوم أن يضع تشريعا من عند نفسه، والحاكم يختاره الشعب، ومهمته: تنفيذ شرع الله، وليست له حقوق وسلطات الحاكم في النظام الديمقراطي، فلا يوجد في النظام الإسلامي ما عرف باسم “سلطات رئيس الدولة”، بل يوجد واجبات الخليفة، وطاعة الحاكم في الإسلام مقيدة ومشروطة بالتزامه بالقرآن والسنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف»([3]).
قال الماوردي في كتابه “الأحكام السلطانية”: “إذا تكاملت فيه شروط العدالة تجوز شهادته وتصح ولايته، فإن انخرم منها وصف منع هذه الشهادة والولاية، فلم يسمع له قول ولم ينفذ له حكم”([4]).
والشورى مبدأ أصيل من أصول الإسلام، ويعني: مشاركة الأمة في صنع قرارات دولتها ومجتمعها، وإشراكها في حكم البلاد، فالأمة هي التي تملك حاكمها على شرط الأمانة والخضوع لقانونها الأساسي، وتتوجه على هذا وتعلنه له، فيبقى التاج على رأسه ما بقي هو محافظا أمينا على صون الدستور، أما إذا حنث وخان دستور الأمة، فإما أن يبقى رأسه بلا تاج، أو تاجه بلا رأس([5]).
وحقوق الشورى التي كفلتها الشريعة للمواطنين تهدف إلى استخلاص عصارة الفكر وتحصيل التجارب والخبرات التي أصقلتها السنون لصالح الأمة الإسلامية، وهي تعني الارتقاء بالإنسان إلى مستوى المسئولية في الوطن، مما يمكنه من المساهمة الإيجابية في التعبير عن الرأي تجاه أمته والمشاركة في معالجة مشكلات الوطن.
والشورى في الإسلام تعني تكوين رأي عام إيجابي يعكس نظاما متكاملا للحكم بين القائد والشعب لا يفقد فيه أي من الطرفين حريته أو يمكنه أن يتهرب من مسئوليته. وهي ليست معلمة؛ بل هي ملزمة؛([6]) لأنها ليست تفضلا من الحاكم على المحكوم، أو وليدة قوانين تدعي أنها حضارية؛ بل هي تشريع إيماني وحق وواجب ودستور لا محيد عن الالتزام به وتطبيقه بما ارتضاه تطبيق الشرع له وهو الإلزام وليس الإعلام فقط، وإلا ما كان للشورى معنى([7]).
ثانيا. فكرة “الحاكمية لله” لا صلة لها بالدولة الدينية الكهنوتية؛ وإنما تعني: السلطة للأمة والتشريع لله:
” لا خلاف بين المسلمين في أن مصدر جميع الأحكام الشرعية من أوامر ونواه هو الله سبحانه وتعالى، لا يشاركه فيه أحد من الناس فيما وضع من مبادئ وأصول وتشريعات مفصلة محددة؛ وطريق التعرف عليها ما أنزل الله في قرآنه أو أوحى به إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي ذلك ضمان وثيق لحرية الإنسان والحفاظ على كرامته ومصالحه، وعدم استبداد أحد به، أما إعطاء سلطة التشريع والأمر لأحد من الناس فهو إشراك في ربوبية الله، وطريق يؤدي إلى الاستبداد والطغيان والظلم والتعسف وإهدار حرية الإنسان والإضرار بمصالحه الخاصة.
وقد تضافرت النصوص القرآنية الدالة على استقلال الله بهذه السلطة فيما شرع من أحكام، مثل قوله تعالى: )إن الحكم إلا لله( (الأنعام:57)، )إن الأمر كله لله( (آل عمران: ١٥٤)، )فالحكم لله العلي الكبير (12)( (غافر)” ([8]). فالحاكمية في الإسلام تعني أن الله – عز وجل – هو المشرع لخلقه، وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحل لهم ويحرم عليهم، وهذا أمر مقرر عند المسلمين جميعا؛ لذلك لم يعترض الإمام علي على قول الخوارج: “لا حكم إلا لله”، وإنما اعترض على الباعث والمبتغى المقصود من ورائه؛ وهذا هو معنى قوله – رضي الله عنه -: “كلمة حق يراد بها باطل”.
والإمامان أبو الأعلى المودودي وسيد قطب هما أشهر من استخدم مصطلح “الحاكمية لله” ولكنهما لم يتركا المجال للربط بين هذا المصطلح وبين نظام الحكومة الدينية التي كانت في أوربا في عصور الظلام([9]).
ويذهب د. يوسف القرضاوي إلى أن: “الحاكمية التي قال بها المودودي وقطب وجعلاها لله وحده، لا تعني أن الله تعالى هو الذي يولي العلماء والأمراء يحكمون باسمه؛ بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب، أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة، هي التي تختار حكامها، وهي التي تحاسبهم وتراقبهم، بل تعزلهم، والتفريق بين الأمرين مهم، والخلط بينهما موهم مضلل كما أشار إلى ذلك د. أحمد كمال أبو المجد بحق، فليس معنى ” الحاكمية لله”: الدعوة إلى دولة ثيوقراطية، بل هذا ما نفاه كل من سيد قطب والمودودي رحمهما الله.
أما سيد قطب فقال في معالمه: “ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم – هم رجال الدين – كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة، كما كان الحال فيما يعرف باسم “الثيوقراطية” أو ” الحكم الإلهي المقدس”؛ لكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة، وأن يكون الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة”.
وأما الشيخ المودودي فإنه وإن كان استعمل لفظ ” الحكومة الإلهية ” الموهم بالتشابه مع “الثيوقراطية الكنسية الأوربية”؛ فإنه فرق بين المصطلحين أو بين طبيعة الحكمين ونظامهما يقول: “ولكن الثيوقراطية الأوربية تختلف عنها الحكومة الإلهية – الثيوقراطية الإسلامية – اختلافا كليا؛ فإن أوربا لم تعرف منها إلا التي تقوم فيها طبقة من السدنة([10]) مخصوصة يشرعون للناس قانونا من عند أنفسهم حسب ما شاءت أهواؤهم وأغراضهم، ويسلطون ألوهيتهم على عامة أهل البلاد متسترين وراء القانون الإلهي، فما أجدر مثل هذه الحكومة أن تسمى ” بالحكومة الشيطانية ” منها ” بالحكومة الإلهية “.
وأما الثيوقراطية التي جاء بها الإسلام، فلا تستبد بأمرها طبقة من السدنة أو المشايخ، بل هي التي تكون في أيدي المسلمين عامة، وهم الذين يتولون أمرها والقيام بشئونها وفق ما ورد به كتاب الله وسنة رسوله([11]).
ثالثا. الأمة مصدر السلطات في الإسلام، والحاكم مسئول أمامها وهي رقيبة على تصرفاته:
الأمة هي الأصل الذي ينشئ عقد الإمامة أو البيعة في الإسلام، وهي التي تختار من يتولى أمرها، وذلك بواسطة البيعة الصحيحة الشرعية، فالأمة التي يجب عليها إقامة الإمامة، هي المسئولة أولا عن أداء هذا الفرض والمطالبة بتنفيذه حتى وإن أنابت عنها في إنجاز ذلك بعضا منها، فالمسئولية تبقى دائما مسئوليتها، والوجوب يظل واقعا عليها.
ومما يدل على ذلك أن العلماء حينما عرفوا “الإمامة” ذكروا أن الأمة هي صاحبة الرئاسة العامة، ومن حقها أن تعزل الإمام لفسقه، فقد ذكر البغدادي في كتابه “أصول الدين” أن: “الجمهور الأعظم من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والنجارية قالوا: إن طريق ثبوتها – أي الإمامة – الاختيار من الأمة”.
وإذا أردنا أن نعبر عن ذلك بلغة القوانين الدستورية الحديثة؛ فإن ذلك يعني أن الأمة من الوجهة السياسية العملية هي “مصدر السلطات”، وأن كل ما يصدر عن الإمام وهو رئيس الدولة من سلطات أو ولايات، فمرجعه الأول إرادتها، وإذا أنابت الأمة عنها هيئة أو مجموعة من الأفراد أصبحوا هم المسئولين عن تأدية الواجب، وهو اختيار الحاكم ومراقبته ونصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإذا قصروا في أداء هذا الحق وقع عليهم الإثم، وهذه الهيئة أو المجموعة من الناس أطلق عليهم علماء السياسة الشرعية اسم ” أهل الحل والعقد “([12]).
ويخضع الحاكم المسلم لرقابة الأمة التي ولته، فإن عدل ونفذ أحكام الشرع وجبت طاعته، وإن جار وانحرف خلعته وولت غيره، قال الإيجي: “وللأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه، كأن يوجد ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين”. وقال ابن حزم بعد أن ذكر واجبات الخليفة: ” فهو الإمام الواجب الطاعة، ما قادنا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن زاغ عن شيء منها؛ منع من ذلك، وأقيم عليه الحد الحق، فإن لم يؤمن أذاه إلا بخلعه خلع وولي غيره”.
وبهذا يظهر أن الحاكم مسئول عن تصرفاته أمام رعيته، كما أنه في ضميره وقلبه يشعر بخطورة المسئولية العظمى أمام الله في الدار الآخرة، قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (27)( (الأنفال)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته…»([13]). وقال: «ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم، إلا حرم الله عليه الجنة»([14]).
ويشعر الخليفة بثقل هذه المسئولية وفداحة تبعاتها كما يعبر عنه قول عمر رضي الله عنه: «لو ماتت سخلة([15]) على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها»([16]).
وإذا عجزت الأمة عن خلع الحاكم – كما حدث في الماضي – فلا يعني عجزها التسليم والإقرار بمشروعية حكمه، وإنما يكون السكوت إقرارا للأمر الواقع؛ عملا بمبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”([17]).
الحرية السياسية:
لقد صان الإسلام الحرية السياسية بأمور ثلاثة:
- أنه جعل أمر المسلمين شورى فيما بينهم، وهذا يجعلهم شركاء في الحكم، يتحملون مغبة اختيارهم، فيستمتعون بحسن الاختيار، ويذوقون سوءه إن كان، وعليهم حينئذ أن يعالجوا هذا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- أنه ليس في الإسلام من ذات مصونة لا تمس؛ بل الجميع أمام الشرع سواء، وكل يخطئ ويصيب، حتى رسول الله كان فيما يعمله برأيه من غير وحي به إليه يخطئ ويصيب، وينبه إلى خطئه إن كان الأمر يتعلق بمبدأ من مبادئ الإسلام.
وإن اضطهاد الآراء منشؤه أن يعتقد الحاكم في نفسه النزاهة عن الخطأ، أو يزين له من حوله من المنافقين ذلك، أو يجعلوا ذلك من أسس العلاقة بينه وبين الناس، وحينئذ يكون التضييق على الأفكار والآراء.
- ما أوجبه الإسلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن ذلك الواجب سهل على الناس إبداء آرائهم، ولقد “أباح الإسلام للناس أن يبدوا آراءهم في أعمال الحاكمين، من غير فتنة ولا تحريض على الفساد، ولقد كان بعض الناس يتطاولون على مقام النبي، ويعترضون على ما يقوم به من أعمال، ومع ما انطوت عليه نفوسهم من مرض النفاق، ما كان يلومهم على قولهم حتى لا يتخذه بعض الأمراء من بعده مسوغا لمنع الناس من إبداء آرائهم، فكان يتحمل ذلك مع مرارته، ويأخذ بالرفق خشية أن يفتح الباب لمن يجيء بعده” ([18]).
إن الحاكم في الإسلام مقيد غير مطلق؛ فهناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه ولا حاشيته، بل وضعها له ولغيره الله رضي الله عنه، ولا يستطيع هو ولا غيره أن يلغوا هذه الأحكام أو يغيروها، أو يجمدوها، فلا ملك ولا رئيس ولا حكومة ولا برلمان، ولا مجلس ثورة، ولا لجنة مركزية، ولا مؤتمر شعبي، ولاأي قوة تملك أن تغير من أحكام الله الثابتة شيئا.
ومن حق أي مسلم أو مسلمة إذا أمره الحاكم بما يخالف شريعة الله أن يرفض، بل واجبه أن يرفض؛ لأنه إذا تعارض حق الحاكم وحق الله، فحق الله مقدم ولا شك؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ففي الحديث الصحيح: «إنما الطاعة في المعروف»([19]).
وفي الحديث أيضا: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»([20]).
وقد قال أول خليفة في الإسلام – أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – في أول خطبة له: “وأطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”([21]).
فالحاكم أو الإمام أو الخليفة في الإسلام ليس وكيل الله، بل هو وكيل الأمة، هي التي تختاره، وهي التي تراقبه، وهي التي تعزله، وقد قال عمر رضي الله عنه: “من رأى منكم في اعوجاجا فليقومني”([22]).
وخلاصة القول أنه إذا كانت الدولة الكهنوتية قد عرفت الحكم بالحق الإلهي، فكانت الدولة فيها نائبة عن السماء ولا وجود للأمة؛ وإذا كانت الدولة العلمانية تحكم باسم الشعب، ولا وجود فيها لشريعة السماء، فإن الدولة الإسلامية فيها حاكمية الشريعة، والأمة مستخلفة لتحقيق حاكمية الشريعة، وليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر، وهي سلطة خولها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم، كما خولها لأعلاهم يتناول بها من أدناهم، ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط بين الخلافة عند المسلمين وما يسميه الفرنج ” ثيوكراتيك “أي سلطان إلهي؛ فأصل من أصول الإسلام قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها([23]).
الخلاصة:
- سيطرة رجال الدين على مجريات الأمور في أوربا في المدة التي عرفت في التاريخ بـ ” العصور الوسطى “، وكانت سلطة هؤلاء سلطة زمنية دينية، وهذا مخالف لأصول المسيحية الصحيحة التي لا علاقة لها بأمور الحكم، فيمكن من خلال هذا أن نطلق على هذا الحكم مصطلح ” حكم ثيوقراطي “، أو ” حكم رجال الدين “، ولكن هذا لا يصح في حق الحكم في المجتمع المسلم؛ لأن نظام الحكم الإسلامي يقوم على الاختيار والبيعة والشورى دون أي تسلط من قبل الحاكم على المحكومين.
- مصطلح ” الحاكمية لله ” لا علاقة له بنظام الحكم الثيوقراطي الغربي؛ لأنه نظام إسلامي يعني أن السلطة الفعلية تكون للأمة، ولكنها تشريع من الله عز وجل، فهو الذي يأمرهم وينهاهم، وهو الذي يحل ويحرم، ولا توجد أي سلطة دينية تستقل بالحكم دون غيرها.
- الأمة في الإسلام هي مصدر السلطات في ظل الأحكام الشرعية التي وضعها الله – عز وجل – ولها سلطة مباشرة على الحاكم، فهي التي تراقبه وترصد كل تصرفاته، فإن أصلح أقرته وأعانته على القيام بأمر الله في الرعية، وإن أفسد فإن لها السلطة في أن تعزله وتولي مكانه من يصلح، وهذا ما أقره الخلفاء الراشدون في بداية خلافة كل واحد منهم.
(*) تهافت العلمانية في الصحافة العربية، سالم علي البهنساوي، دار الوفاء، القاهرة، ط2، 1413هـ/1992م. التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، دار النهضة، مكتبة الأسرة، مصر، 2005م. الإسلام بين الحقيقة والادعاء، مجموعة علماء، الشركة المتحدة للطباعة والنشر، مصر، 1996م. الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، محمد ياسين مظهر صديقي، ترجمة: سمير عبد الحميد إبراهيم، هجر للطباعة، القاهرة، ط1، 1988م. أوهام العلمانية حول الرسالة والمنهج، توفيق يوسف الواعي، دار الوفاء، المنصورة، 1992م. الأقليات الدينية والحل الإسلامي، يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1996م. افتراءات المستشرقين على الإسلام، عبد العظيم المطعني ، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1413هـ/ 1992م. العالم الإسلامي والمكائد الدولية، فتحي يكن. الشوري والديمقراطية، مقال د. صوفي حسن أبو طالب، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر العاشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان “الإسلام والقرن الحادي والعشرون”، القاهرة، 1420هـ/ 1999م. مناقشات وردود، محمد فريد وجدي ، دار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1415هـ/ 1995م.
[1]. الثيوقراطية: هي مذهب يقوم على تعليل السلطة السياسية لدى الجماعة على أساس الاعتقاد الديني، منها نظرية (الحق الإلهي في الحكم)، التي تعتبر أن الله ـ رضي الله عنه ـ مصدر للسلطة، وأن الحاكم بمثابة ظل الله على الأرض، وتقوم الثيوقراطية على أساس العنصرية.
[2]. الدكتاتورية: هي حكم الفرد المستبد الذي لا يلتزم بموافقة المحكومين، أو هو حكم الفرد أو الجماعة دون الالتزام بموافقة الآخرين.
[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التمني ، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم (6830)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4871) واللفظ له.
[4]. تهافت العلمانية في الصحافة العربية، سالم علي البهنساوي، دار الوفاء، القاهرة، ط2، 1413هـ/1992م، ص269: 271 بتصرف.
[5]. مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، مقال د. محمد عمارة، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الثالث عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان “التجديد في الفكر الإسلامي”، القاهرة، 1423هـ/ 2002م، ص77.
[6]. الشورى ملزمة لا معلمة: بمعنى أن الحاكم ملزم بالأخذ بها وليست مجرد الإعلام.
[7]. موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام، خديجة النبراوي، دار السلام، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص419 بتصرف.
[8]. نظام الإسلام، د. وهبة الزحيلي ، دار قتيبة، دمشق، ط2، 1413هـ/ 1993م، ص159.
[9]. بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1424هـ/ 2003م، ص164 وما بعدها.
[10]. تهافت العلمانية في الصحافة العربية، سالم علي البهنساوي، دار الوفاء، القاهرة، ط2، 1413هـ/1992م، ص273 وما بعدها.
[11]. سدنة المكان: من يقومون بخدمته والوقوف عليه، كسدنة الكعبة، وسدنة بيت الأصنام.
[12]. النظريات السياسية الإسلامية، د. ضياء الدين الريس، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط7، 1976م، ص216 وما بعدها.
[13]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن (853)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية (4828) بنحوه.
[14]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب من استرعى رعية فلم ينصح (6732)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار (380) بلفظ: ما من عبد يسترعه الله رعية.
[15]. السخلة: ولد الشاة من المعز والضأن ذكرا أو أنثى ساعة تضعه أمه، والجمع سخل وسخال.
[16]. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، أبو عمر والأوزاعي (6/ 137)، والبيهقي في شعب الإيمان، باب في طاعة أولي الأمر، فصل في نصيحة الولاة ووعظمهم (7415).
[17]. نظام الإسلام، د. وهبة الزحيلي، دار قتيبة، بيروت، ط2، 1413هـ/ 1993م، ص227، 228.
[18]. دراسات إسلامية في الأسرة والمجتمع، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي ، القاهرة، قسم: المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، ص201، 202.
[19]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التمني ، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم (6830)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4871) واللفظ له.
[20]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (6725)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4869) بنحوه.
[21]. أخرجه معمر بن راشد في جامعه، باب لا طاعة في معصية، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن ضعفت فقوموني (1311)، وعبد الرزاق في المصنف، كتاب الجامع للإمام معمر بن راشد الأزدي رواية الإمام عبد الرزاق، باب لا طاعة في عصية (20702).
[22]. بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1424هـ/2003م، ص157 وما بعدها.
[23]. مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، مقال د. محمد عمارة، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الثالث عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان “التجديد في الفكر الإسلامي”، القاهرة، 1423هـ/ 2002م، ص77، 76 بتصرف يسير.