ادعاء وحشية التشريع الجنائي في الإسلام
وجوه إبطال الشبهة:
1) الإسلام منظومة متكاملة للإصلاح، والحدود[1] إحدى أركان هذه المنظومة، وليست الحدود المقدمة ولا الغالبة على الرؤية الإسلامية للإصلاح.
2) العقوبات المقررة شرعا على الجرائم فيها رحمة بالإنسانية، وخالية من الهمجية والتعسف، وقد اشترطت الشريعة لإقامتها شروطا يصعب توافرها.
3) إهمال إقامة الحدود جلب على المجتمع مفاسد جسيمة، منها: فقدان الأمن والأمان.
4) تطبيق الحدود في التشريع الإسلامي ليس فيه مساس بحقوق الإنسان ولا كرامته.
5) لتشريع العقوبات في الإسلام مقاصد أهمها: تقويم السلوك الإنساني، وحماية المجتمع من الجرائم.
التفصيل:
أولا. الإسلام منظومة متكاملة للإصلاح، وليس مبنيا على إقامة الحدود فحسب:
إن الشرع الإسلامي ليس متلهفا على إقامة الحدود من: رجم، وجلد، وقطع، وليست هذه غايته، ولا وكده الأساسي، وإنما هي وسيلة ولبنة في رؤيته المتكاملة للإصلاح، وبرنامجه الرباني لإدارة الحياة، وتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.
أفاض في تبيين حقيقة هذه الرؤية وتجليتها الأستاذ محمد فريد وجدي، حيث يذكر: أن في الكتاب الكريم جرائم معينة حددت لها عقوبات مقررة كالزنا، والقذف، والسكر، والسرقة، والفساد في الأرض؛ فالكتاب والسنة الصحيحة يقرران على مرتكب الجريمة الأولى – الزنا – إن كان محصنا الرجم، وإلا فمائة جلدة، وعلى مقترف الثانية – القذف – ثمانين جلدة، وعلى مقترف الثالثة – السكر – ثمانين أو أربعين جلدة، وعلى جاني الرابعة – السرقة – قطع اليد، وعلى فاعل الخامسة – الإفساد في الأرض – أن تقطع يده ورجله من خلاف، أو يقتل، أو ينفى من الأرض.
فهذه العقوبات تصادف اليوم اعتراضات من جانب المشرعين، وهم الذين أباحوا الزنا والسكر، وقرروا على القذف والسرقة والإفساد في الأرض عقوبات تناسب خطرها، ويفوت هؤلاء النقاد أمر خطير، هو أن الإسلام دين إصلاح اجتماعي وله برنامج معين فيه. وهو يهدف إلى تأليف مجتمع خال من الشرور ما أمكن، ويسود فيه التكامل في الحياة، والترافد[2] حيال صعوباتها إلى أقصى حد تطيقه الفطرة البشرية.
وفي الأرض مذاهب إصلاحية تكاد لا تحصى؛ فما الأديان، وما جمهورية أفلاطون، وما كتاب السياسة لأرسطو، ومعارضة أبيقور وزينون وغيرهم من الأقدمين، وما نشر كارل ماركس، ومن أتى بعده إلى لينين… إلخ – إلا مذاهب اجتماعية قصد ذووها إحداث إصلاح عمراني على موجبها، فمنها ما طبق على بعض الشعوب، وعاش دهرا ثم اضمحل وزال، ومنها ما حبط تاركا وراءه دخانا وحمما، وبعضها لم يطبق إلى اليوم على أمة من الأمم.
فإذا كانت قيمة الشيء تعرف بأثره، فانظر إلى المذاهب الاجتماعية، هل يقرب من الإسلام مذهب منها في سمو أغراضه وبعد غاياته، واستقامة مسالكه وصحة أصوله، وفي تأديته للجماعات التي أخذت به إلى زعامة العالم في زمن لا يكاد يكفي لتطور فرد؟ فما ظنك بأمة؟!
فالإسلام كما ترى جاء بمذهب في الإصلاح الاجتماعي، ونجح في تطبيقه، وكان من أثره ما رأيت، على حين ما تزال الأمم الآخذة به تعمل فيه – جاهلة بقيمته – معاول[3] الهدم والتحطيم، وتكاد لا تسقط منه ركنا إلا وتستشعر ضرورة العودة إليه بعد أن تصح من داء هذه الفتنة، أو تصحو من خدر الجهل الذي هي فيه.
فهل تعدى هذا الدين – فيما قرره من استفظاع الجرائم التي ذكرناها، وترتيبه عليها العقوبات الرادعةـ الحق الطبيعي الذي للأفراد والجماعات؟! وهل قصر في اتخاذ الاحتياطات لها من جميع الأنواع؟!
أي مشرع أو فيلسوف – في الأرض – لا يرى في الزنا جريمة من أبشع الجرائم؛ لعدوانها على الشرف والكرامة والأخلاق أكبر عدوان؟! فالإسلام قرر أن يجلد مرتكبها إن لم يكن محصنا مائة جلدة، وأن يرجم إن كان من أهل الإحصان[4].
نحن لا ننكر أن هذه العقوبة من الشدة بمكان، لكن أرأيت كيف أحاطها الشرع الإسلامي بما يجعلها وقائية ردعية أكثر منها عقوبة حقيقية؟ فقد تطلب لإثبات الزنا أربعة شهود عدول[5]، يقرون أنهم رأوا الفعل رأي العين في تفصيل لا نستطيع الخوض فيه، مما يجعل إثباته أمرا صعبا، بل شبه مستحيل، وزاد على هذا بأن أحدا لو اتهم اثنين بوقوع هذه الجريمة منهما، طالبته الحكومة بإحضار أربعة شهود عدول، فإن عجز عن إحضارهم؛ عد قاذفا وجلد ثمانين جلدة، وقد أوصى الشارع الرحيم بقبول أوهى المعاذير في دفع هذه التهمة؛ ميلا منه – سبحانه وتعالى – للعفو عنا لا تعذيبها!!
فقد حدث أن جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال:«يا رسول الله، إني زنيت«، فوقع اعترافه وقعا شديدا من النبي – صلى الله عليه وسلم – فأخذ يستوثق منه ويعرض عليه الشبهات التي تدفع عنه الحد؛ فيقول له: «لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت»، فلم يزدد الرجل إلا إصرارا، فلم يسع النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أن أمر بإقامة الحد عليه وهو كاره لذلك صلى الله عليه وسلم[6].
ينضاف إلى هذا بعض الآثار التي جاءت عن الصحابة في هذا الشأن، منها ما ورد عن عمر بن الخطاب في أيام خلافته أنه رأى رجلا وامرأة على فاحشة، فلم يستطع – على شدته وحرصه على حدود الله – أن يبت في هذا الأمر بنفسه، فجمع الناس وقام فيهم خطيبا وقال: ما قولكم أيها الناس لو رأى أمير المؤمنين رجلا وامرأة على فاحشة؟ فقام علي بن أبي طالب وأجابه بقوله: يأتي أمير المؤمنين بأربعة شهود، أو يجلد حد القذف – ثمانين جلدة ـ؛ فسكت عمر، ولم يعمل شيئا[7]. فلو علمت إلى أي مدى بلغ نظر المسلمين إلى هذه العقوبة لأيقنت أنها وقائية ردعية – كما قلنا – أكثر منها حقيقة واقعة بالفعل.
وأما قطع اليد على السرقة، فإن الإصلاح الاجتماعي الذي أوجده النبي – صلى الله عليه وسلم – كان من أصوله أن يقوم المسلمون على مبدأ تعاوني محكم البناء يحول دون لجوء الجناة للسرقة، وليس في إحدى نواحيه ضعف؛ وقد سلك لذلك مسلكين:
- الإنفاق: أن يؤخذ من رؤوس الأموال نحو اثنين ونصف في المائة للفقراء، ومن في حكمهم، وللأعمال العامة التي تعود عليهم بالخير واليسر، فكان في بيت مال المسلمين رصيد خاص بذوي الحاجة، ومن تدفع بهم الضرورة إلى الحدود القصوى، وكانت الحكومة مسئولة عن وصول الحاجة ببعض الناس إلى هذه الحدود.
- التكافل: كان على كل فرد من أفراد المسلمين واجب حتمي، وهو العيش مع الجيران على حالة تكافل وتعاضد؛ بحيث يرفد[8] غنيهم فقيرهم، وإلا كان عليه وزر المقصر المستأثر، ولقد أكثر النبي – صلى الله عليه وسلم – من التوصية بالجار؛ حتى قال: «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه»[9].
وقد جرى المسلمون على هذا المبدأ، وضربوا أروع الأمثلة في التعاون والتكافل بين الفقراء والأغنياء حتى امتلأت بها تواريخهم؛ وقد ذكر حجة الإسلام الغزالي: «أن رجلا كان عند عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – وغلامه يذبح شاة، فقال عبد الله بن عمرو: يا غلام لا تنس جارنا اليهودي، ثم عاد فكررها ثانية وثالثة: فقال له الرجل: لم تقول ذلك يا عبد الله؟ فقال: والله إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما زال يوصينا بالجار حتى ظننا أنه سيورثه»[10].
انظر إلى هذا الأثر، من ناحية أنه تشديد في مراعاة حقوق الجوار، ولا تنس أن تنظر إليه من ناحية دلالته على مبلغ تسامح المسلمين مع الأجانب بغض النظر عن ملتهم؛ حتى إنهم لم يفرقوا بين الناس كافة في حقوق الجوار.
وفي ظل نظام اجتماعي تعاوني من هذا الطراز، يسوده التكافل والترافد، ويمكن استصراخ الحكومة المكلفة بدفع الحاجات عن المعوزين؛ كيف لا يعامل العابث بأموال الناس أقسى معاملة، بل كيف لا تقطع يده؛ حتى يكف سواه عن مثل عمله الذي لا يقصد به إلا محض الإيذاء، وإزعاج الأمن؟
وكيف لا يساوي الشرع في إقامة هذا الحد على مرتكبه – ضعيفا كان أو شريفا – وقد قال صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”[11].
وكيف لا يجلد رجل تسمح له نفسه الشريرة أن يشرب الخمر حتى يفقد الرشد، وقد يؤذي نفسه، أو يعتدي على غيره؟
وكيف لا يجلد – كذلك – رجل يتهم أهل الإحصان بالفسق – غير حاسب لما ينتج عن عمله هذا من حل روابط الأسر، وهدم أركان البيوت – ثم يعجز عن الإتيان بأربعة شهود عدول، يعززون بشهادتهم ما يقول؟
والذين يفسدون في الأرض بإضرام[12] نيران الفتن، وقلب النظم، وإزعاج الأمن، كيف لا تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؟! أو لا ينفون من الأرض؟! وانظر لرحمة الشارع، فقد قدم قطع اليد والرجل استفظاعا لهذه الجرائم، ثم فتح للحكومة باب الرحمة بين هذه العقوبة وبين النفي.
نعود إلى الجلد فنقول: ليس في هذه العقوبة ما يؤخذ على الشرع؛ فقد كان معمولا بها في إنجلترا وغيرها، بل وفي السجون المصرية أيضا.
ولا بد لنا من التنويه هنا بحال الشهود؛ فإن القضاء الإسلامي لا يقبل – وبخاصة في الحدود – شهادة شهود يجمعهم المتقاضون من هنا وهناك؛ بل يشترط فيهم أن يكونوا من أهل العدالة[13]، وأن يشهد شهود آخرون بأنهم أهل للشهادة، وفي حادثة الشهادة الآتية بيان لما يجب أن يكون عليه الشاهد في الإسلام من الصفات، وبما كان عليه هذا الأمر عند أسلافنا الأولين من الخطورة.
فقد ذكر أن رجلا أدخل على عمر بن الخطاب في عهد خلافته في قضية، فطلب منه أن يحضر له من يشهد بأنه عدل؛ ففعل. فلما مثل شاهده بين يديه، قال له الخليفة: أتعرف فلانا حق المعرفة؟ فقال الرجل: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال له: أأنت جاره صباح مساء، لتعرف مدخله ومخرجه؟ فقال الشاهد: لا. فسأله عمر: أعاملته بالدرهم والدينار الذي يستبين به ورع الرجل؟ فقال المزكي: لا فقال له الفاروق: أصاحبته في السفر الذي يتضح فيه ما هو عليه من مكارم الأخلاق؟ فقال الرجل: لا.
فقال له عمر: لعلك رأيته قائما يصلي في المسجد يهمهم بالقرآن؟ فقال الشاهد: إي والله يا أمير المؤمنين؛ فقال له عمر: اذهب فلست تعرفه!!
فالمسلمون الذين قاموا على هذه النظم المحكمة؛ جدير بهم أن يظفروا – في سنوات معدودة – بزعامة العالم كافة في العلوم والفنون والسياسة، ويمدوا ملكهم إلى بقاع لم يظلها علم غير علمهم إلى اليوم، فاختر لنفسك الآن ما يحلو لك، أتود أن يكون لأمتك ملك لم يتحقق لأمة قبلها، وزعامة العالم والسياسة، وفيها هذه الحدود؟ أم تؤثر ألا يكون لأمتك شأن يذكر بين الأمم، ولا تكون في قوانينها مثل هذه العقوبات[14]؟
ثانيا. العقوبات المقررة شرعا على الجرائم فيها رحمة بالإنسانية، وليست همجية أو تعسفية:
الإسلام ليس دينا يرغب في القسوة، ويشتهي العنف؛ بل دين يدعو إلى الرحمة والتراحم والتسامح. فالتشريع الإسلامي رحيم[15].
والأدلة على ذلك واضحة في القرآن الكريم والسنة المطهرة:
- القرآن الكريم:
- فقوله سبحانه وتعالى: )وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين( (الإسراء: ٨٢).
- قوله سبحانه وتعالى: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89)( (النحل).
- قوله عز وجل: )طه (1) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2)( (طه).
- السنة المطهرة:
- فقد ورد عن أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:«يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا»[16].
- وعن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض؛ فلا تضيعوها ونهى عن أشياء؛ فلا تنتهكوها، وحد حدودا؛ فلا تعتدوها، وغفل عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها»[17].
وجميع تشريعات الإسلام مبنية على الرحمة والتخفيف؛ فقد شرع الحدود والقصاص[18]؛ رحمة بالمجتمع، وصيانة له من العابثين والمفسدين، ففي حفظ الأعراض قال سبحانه وتعالى: )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر( (النور: ٢). وشدد الله تعالى الجزاء على من يعتدي على أموال المسلمين بطريق السرقة، قال سبحانه وتعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (38)( (المائدة).
فليس الإسلام دين قسوة أو عنف بل دين يسر ومحبة، ووحدة لا تفريق. فهو لا يقرر العقوبات جزافا، ولا ينفذها – كذلك – بلا حساب، بل له في ذلك نظرة ينفرد بها بين كل نظم الأرض، نظرة تلتقي حينا برأي الأفراد، وحينا برأي الجماعات والنظم. “وهو يقرر أيضا عقوبات رادعة قد تبدو قاسية فظة لمن يأخذها أخذا سطحيا بلا تمعن، ولا تفكير، ولكنه لا يطبقها أبدا حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مبرر، ولا شبهة اضطرار، فهو يقرر قطع يد السارق، ولكنه لا يقطعها أبدا، وهناك شبهة بأن السرقة نشأت من الجوع.
وهو يقرر رجم الزاني والزانية، ولكنه لا يرجمهما؛ إلا أن يكونا محصنين، وإلا أن يشهد عليهما أربعة شهود بالرؤية القاطعة، أي وكيف لا يساوي الشرع في إقامة هذا الحد على مرتكبه ضعيفا كان أو شريفا حين يتبجحان بالدعارة حتى ليراهما كل هؤلاء الشهود، وهما متزوجان”[19].
والمعروف أن عمر – رضي الله عنه – لم ينفذ حد السرقة في عام الرمادة؛ حيث كانت الشبهة قائمة في اضطرار الناس للسرقة بسبب الجوع؛ فقيام ظروف تدفع إلى الجريمة؛ يمنع تطبيق الحدود.
بل إن مثل هذا التعبير – أن عمر – رضي الله عنه – لم ينفذ حد السرقة عام الرمادة – ما كان يمكن أن يطلق على عواهنه دون تدقيق؛ لأنه يتخذ ذريعة لتعطيل الأحكام، بل ربما لإسقاط الأدلة من آيات الأحكام في أبواب الحدود والعقوبات.
والحق أن السرقة بالمعنى الحقيقي لها لم تتحقق في عام الرمادة حتى يمكن القول بتعطيل عمر لحدها، ومن أخذ من مال غيره وهو جائع ليس سارقا، بل ربما كان حائز المال هو السارق من المحتاج حقه في الشبع؛ ولذا قال عمر لمن ذهب بعبده وقد أكل من طعامه: “لو جئتني شاكيا له مرة أخرى لقطعت يدك أنت”؛ وذلك لأنه يشبع وعبده جائع.
وإذا كانت العقوبة تتسم – أحيانا – بالشدة والقسوة التي تمس أهم حقوق الإنسان؛ فإن ذلك يقتضي ضرورة إحاطة تطبيقها بمجموعة من الضمانات التي تحمي أهم الحقوق الأساسية للمحكوم عليه بها، وأهم هذه الضمانات شرعية العقوبات والمساواة والشخصية والتدخل القضائي والقابلية للرجوع فيها واحترام كرامة المحكوم عليه[20].
من مظاهر الرحمة والإنسانية في تطبيق الحدود في الإسلام ما يلي:
من يطالع تاريخ الخلفاء الراشدين وسيرهم وصحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من بعده، بل أحكام قضاة المسلمين؛ يجد أن الإسلام حفظ على الإنسان كرامته، بل اتسمت أحكام تنفيذ العقوبة بالرحمة ومراعاة آدمية الإنسان[21]مما نشير إليه فيما يأتي:
- من حيث الوقت الذي تنفذ فيه العقوبة:
تقام العقوبات البدنية في أوقات معينة من اليوم كوقت اعتدال الهواء، فلا تقام في الحر الشديد، والبرد المفرط؛ لأنه يخشى هلاكه.
وتطبيقا لذلك لا يكون في إقامة حد الجلد خوف الهلاك؛ لأن هذا الحد شرع زاجرا لا مهلكا؛ فلا يجوز الإقامة في الحر الشديد والبرد الشديد، لما في الإقامة فيهما من خوف الهلاك. ففي الشتاء لا تقام بالغدوات، وإنما تقام بعد الظهر ليلحق المحدود دفء الفراش، ولا تقام في الصيف في الهاجرة، وتقام إذا برد النهار.
فقد جاء أن أحد الفقهاء كان جالسا في المسجد، فسمع صوت رجل يضرب في ساعة باردة، فقال: ما هذا؟ قيل له: رجل يضرب؛ فقال: سبحان الله، أفي مثل هذه الساعة يضرب؟ فسأله أحد الأشخاص: جعلت فداءك، أللضرب حد؟! فقال: نعم، إنه لا يضرب أحد في شيء من الحدود في الشتاء إلا في حر النهار، وإذا كان في الصيف ضرب في أبرد ما يكون من النهار.
- من حيث مراعاة الحالة الصحية للمحكوم عليه عند استيفاء العقوبة:
تتجسد الرحمة في مراعاة الإسلام، لصحة المحكوم عليه عند تنفيذ العقوبة عليه، وهذا هو ما راعاه الشارع والقضاء الإسلامي بالنسبة للمريض، وصاحب القروح والحائض والنفساء والحامل، فمثلا:
- المريض: لا يقام حد على مريض حتى يبرأ؛ لأنه يجتمع عليه وجع المرض، وألم الضرب، فيخاف الهلاك؛ وتطبيقا لذلك:
o فقد جاء عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي فقال: «إن أمة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أحسنت»[22].
ويحمل ذلك على المصلحة في التأخير، وعلى تخيير الإمام، فهو يقيمها على حسب ما يراه، وإذا كانت المصلحة تقتضي إقامتها في الحال، أقامها على وجه لا يؤدي إلى تلف النفس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن اقتضت المصلحة تأخيرها أخرها إلى أن يبرأ المحكوم عليه، ثم يقيم الحد إلى الكمال.
o وعن سعيد بن سعد بن عبادة – رضي الله عنهما – قال: «كان بين أبياتنا رويجل مخدج[23] ضعيف، فلم يرع إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، فرفع شأنه سعد بن عبادة – رضي الله عنه – إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “اجلدوه ضرب مائة سوط”، قالوا: يا نبي الله، هو أضعف من ذلك، لو ضربناه مائة سوط مات، فقال صلى الله عليه وسلم: «فخذوا له عثكالا[24] فيه مائة شمراخ[25]، فاضربوه ضربة واحدة»[26].
ويفسر ذلك بقول الله سبحانه وتعالى: )وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث( (ص: ٤٤)[27]، كما يفسره حرص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على توقيع العقوبة على من حكم عليه بها؛ حتى لا يقول أحد بعدم إقامة الحدود.
وفيه أيضا التفرقة بين المريض الذي به مرض لا يرجى زواله، إذا وجب عليه حد الجلد؛ بأن زنى مثلا – وهو بكر – يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، بحيث تمسه الشماريخ كلها؛ فيسقط الحد عنه، وإن كان به مرض يرجى زواله يؤخر حتى يبرأ.
- صاحب القروح: جاء أن عليا – رضي الله عنه – قال: “ليس على صاحب القروح الكثيرة حد حتى يبرأ، أخاف أن أنكأ [28] عليه قروحه فيموت؛ وهذا هو علة تأجيل الحد، ولكن إذا برأ حددناه”. كما جاء أن عليا – رضي الله عنه – قال: “ليس على المجذوم، ولا على صاحب الحصبة، حد حتى يبرأ”. وقال أيضا: ليس على المجدور[29]، ولا صاحب الحصبة حد حتى يبرأ؛ إني أخاف أن أقيم عليه الحد فتنكأ جروحه؛ فيموت، ولكن إذا برأ حددناه. والحال بالنسبة لهذا المريض أن يحبس حتى يبرأ.
- النفساء: يفرق بعض الفقهاء بين النفساء، والحائض في إقامة الحد عليها عند وجوبه: فالحنفية يرون عدم إقامة الحد على النفساء حتى ينقضي النفاس؛ لأن النفاس[30] نوع من المرض، وإذا أقيم الحد على المريض ربما ينضم ألم الجلد إلى ألم المرض، فيفضي إلى الهلاك في حين يقام على الحائض؛ لأن الحائض بمنزلة الصحيحة في إقامة الحد عليها.
ويرى فقهاء الحنابلة أن المحدودة إذا كانت في نفاسها، أو ضعيفة يخاف عليها، لم يقم عليها حتى تطهر، وهذا هو ما تقتضيه السنة الصحيحة.
وفي هذا الشأن ورد عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال: «إن أمة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أحسنت»[31].
وهكذا يعتبر كل من الحيض والنفاس حالة مرضية، والمرض يجعل صحة المريضة معتلة، وتنفيذ العقوبة عليها يمكن أن يودي بحياتها، بالإضافة إلى أن ذلك يعد تجاوزا لحدود الحد، ولذلك كان من اللازم تأجيل توقيع الحد حتى ينصلح حالها وتسترد عافيتها، وهو ما يتحقق بانقطاع الدم عنها، أو بتطهرها.
- الحامل: حرصت الشريعة الإسلامية عند استيفاء العقاب ألا يتعدى أثرها إلى غير مستحقيه؛ ولذلك قررت تأجيل تنفيذ عقوبات الحد – أو القصاص في نفس أو طرف – على الحامل حتى تضع حملها، سواء كان الحد رجما، أو قطعا، أو جلدا على زنا، أو قذفا، أو شرب خمر أو سرقة، وسواء أكان الحمل من زنا أم من غيره، بل وسواء وجبت العقوبة قبل الحمل أو بعده.
وترجع علة هذا الحكم إلى أمرين:
- تطبيق فكرة شخصية العقوبة، ويعني ذلك ألا تصيب العقوبة سوى شخص من ارتكب الجريمة، أو أسهم فيها، وتوفرت في حقه شروط المسئولية الجنائية عنها؛ فلا توقع العقوبة على غير الجاني مهما كانت درجة قرابته أو صلته به. “والجرائم لا تأخذ بجريرتها غير جناتها، والعقوبات شخصية محضة لا تنفذ إلا في نفس من أوقعها القضاء عليه. والمرء إذا توفاه الله ومحا شخصه من الوجود، وانقطع عمله من هذه الدنيا سقطت كل تكاليفه، فإن كان قبل الوفاة جانيا، لم يحاكم ومحيت جريمته، وإن كان محكوما عليه؛ سقطت عقوبته، ولا يرثه في هذه التكاليف أحد: من أم، أو أب، أو صاحبة، أو ولد.
- تلافي الإسراف في القتل؛ تطبيقا لقوله سبحانه وتعالى: )ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (33)( (الإسراء).
وفي تنفيذ الحد على الحامل سواء برجم أو بجلد أو بقصاص إسراف؛ لأن العقوبة التي تصيب الحامل تتعداها إلى حملها، كما لا يؤمن تلف الولد من سراية الجلد[32]، وربما صار الجلد إلى نفس الأم؛ فيفوت الولد بفواتها. ويمنع – أيضا – الرجم، والقصاص؛ خشية السراية إلى غير الجاني، وتفويت نفس معصومة أولى، وأحرى.
سند التأجيل:
الأصل في تقرير هذه المبادئ في الإسلام آيات القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وما سار عليه صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك.
- القرآن الكريم:
أرسى القرآن الكريم دعائم مبدأ شخصية العقوبات في الكثير من الآيات، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: )ولا تزر وازرة وزر أخرى( (الزمر: ٧)، وقوله سبحانه وتعالى: )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39) وأن سعيه سوف يرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41)( (النجم)، وقوله سبحانه وتعالى: )تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون (141)( (البقرة)، وقوله سبحانه وتعالى: )قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون (25)( (سبأ).
- السنة النبوية الشريفة:
طبقت السنة النبوية هذا المبدأ في أوضح صوره؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه»[33]. ويقول لأبي رمثة وابنه: «لا يجني عليك ولا تجني عليه»[34].
هذا هو ما قررته الشريعة الإسلامية في مبدأ شخصية العقوبات، أما في شأن تأجيل تنفيذ الحد على الحامل، فقد تأيد بما فعله الرسول الكريم مع المرأة الغامدية:
“فقد جاء سليمان بن بريدة عن أبيه: «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله، طهرني، وفي رواية: إني زنيت فطهرني، فقال: “ويحك! ارجعي فاستغفري الله، وتوبي إليه”، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، وفي رواية: فلما كان الغد، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: “وما ذلك”، قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال: “أأنت”؟! قالت: نعم، فقال لها: “حتى تضعي ما في بطنك”، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: “إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه”، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله، قال: فرجمها».
وفي رواية: «فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال صلى الله عليه وسلم: “اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه”، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام؛ فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها»[35].
- من حياة الصحابة الكرام:
- ورد«أن امرأة زنت في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فهم عمر برجمها وهي حامل، فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: إذا تظلمها، أرأيت الذي في بطنها ما ذنبه؟ علام تقتل نفسين بنفس واحدة؟ فتركها حتى وضعت حملها، ثم رجمها»[36].
- فعل ذلك الإمام علي – كرم الله وجهه – بالنسبة لشراحة الهمذانية حين اعترفت بالزنا، فقد جاء أنه ردها حتى ولدت، فلما ولدت قال: «ائتوني بأقرب النساء منها، فأعطاها ولدها ثم جلدها ورجمها»[37].
ثالثا. إهمال إقامة الحدود جلب على المجتمع مفاسد جسيمة:
لتأكيد هذه الرؤية نبدأ بإثارة هذه التساؤلات:
هل حبس السارق، أو المحارب، أو قاطع الطريق المعمول به في القوانين الوضعية، جعل المجرم يعدل عن السرقة، ومعاودتها؟!
أم أنه تعلم في السجن من زملائه من وسائل العدوان وأساليب السرقة ما لم يكن يتيسر له تعلمه خارج السجن؟
هل حبس السكير، أو تاجر المخدرات – مثلاـ قوم خلقه، وأصلح شأنه، وأوقفه عند حده؟!
إن الشواهد تدل على أن المسجون يخرج من سجنه مزودا بخبرة في مجال الإجرام والتفنن فيه، وإذا ضيعت حدود الله، أو أسقطت، أو فرق فيها بين الشريف والوضيع؛ فإنه يترتب على ذلك أضرار عظيمة، ومفاسد خطيرة من أهمها:
- عصيان الله، والاجتراء على محارمه، وانتهاك حقوق عباده، ومن سنة الله تعالى أنه ربط المعصية والمصيبة برباط السببية، كما ربط – عز وجل – بين الطاعة والنعمة، ولا شك أن تعطيل حدود الله من المعاصي المؤدية إلى الفساد في الدنيا، والهلاك في الآخرة.
- امتناع الأمة عن إقامة حدود الله، واجتراؤها على محارمه، وتعطيلها فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كانت نتيجته أن لحقتها اللعنة، كما لحقت بني إسرائيل.
- المجتمع الذي لا تطبق فيه الحدود الشرعية مجتمع محكوم عليه بالضياع، وأفراده: إما عصاة متمردون على أوامر ربهم، أو خائنون لا يأمرون بخير، ولا ينهون عن منكر؛ ومجتمع من هذين العنصرين لا يرجى له فلاح، ولا يتحقق له احترام.
- وقوع الأزمات الطاحنة، والكوارث الاجتماعية المدمرة، والصراع الرهيب، بل المميت بين الجماعات والطوائف، ولذلك – لا شك – آثار خطيرة من ضيق العيش ونقص الحياة وسوء العاقبة، وهذه نتيجة حتمية لتعطيل حدود الله.
ولإبراز الحقيقة نقارن بين دولة تقيم الحدود، وأخرى لا تقيمها:
ففي الدولة التي تطبق الحدود الشرعية: يشعر الإنسان بطمأنينة نفسية وسكينة قلبية، وأمن سائد؛ فيترك متجره مفتوحا، وبضاعته وماله مكشوفين، ويتجه لقضاء مصالحه أو صلاته، فلا تمتد إليه يد خائنة، ولا عين زائغة، ويسير لبلاد في صحراء شاسعة حاملا الأموال معه فلا يخاف إلا الله.
وعلى العكس تماما في الدول التي لا تقيم حدود الله؛ فإن الإنسان لا يشعر بطمأنينة نفسية، وسكينة قلبية، ولا يستطيع أن يترك بابه مفتوحا ولا ماله مكشوفا، وليس من الغريب في الدول التي لا تقيم الحدود رؤية المجرم يتعدى على ضحيته في وضح النهار، وفي أكثر الشوارع ازدحاما، ولا أحد يردعه؛ الأمر الذي يجعل الإنسان غير آمن على دينه ونفسه وعرضه وماله وعقله.
يتصف المجتمع الذي تقام فيه الحدود بالعفة في القول، والأمانة في المعاملة، واستنكار الفاحشة، والبعد عنها، والرغبة في الاستمتاع بما أحل الله، واجتناب ما حرم الله. المجتمع الذي تقام به الحدود الشرعية بمثابة واحة وارفة الظلال، آمنة الحياة، رغيدة العيش، متآلفة، متآخية، بينما نجد البلد الذي لا تقام فيه الحدود على عكس هذا المجتمع تماما.
العقوبات الشرعية والتجارب:
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد وضعت عقوبات لمحاربة الجريمة والإجرام؛ فإن هذا وحده لا يكفي لإثبات صلاحية الشريعة، وتفوقها على القوانين الوضعية، وإنما يجب أن يثبت بعد ذلك أن هذه العقوبات كافية للقضاء على الإجرام؛ إذ العبرة في هذا الأمر ليست بالوسائل أو الغايات، وإنما العبرة بكفاية الوسائل؛ لإدراك ما وضعت له من غايات.
والقوانين الوضعية نفسها قد قصدت محاربة الإجرام، ولكنها فشلت في القضاء على الإجرام، والتجربة وحدها هي التي تبين قيمة الأنظمة الجنائية، ولا عبرة بالمنطق المزوق الذي يصلح مرة، ويخيب أخرى، ولم نأت بجديد حين نقول هذا وإنما نكرر ما قاله علماء القوانين الوضعية مجتمعين في اتحاد القانون الدولي؛ حيث قرروا أن أحسن نظام جنائي هو الذي يؤدي عمله إلى نتائج أكيدة في كفاح الجريمة، وأن التجارب وحدها هي الكفيلة بإبراز هذا النظام المنشود.
ولقد أبرزت التجارب الحديثة أحسن الأنظمة الجنائية، وبينت أن هذا النظام المنشود هو الشريعة الإسلامية، وكانت التجارب التي امتحنت فيها عقوبات الشريعة على نوعين: كلية، وجزئية.
النموذج المتكامل لإقامة الحدود الشرعية:
وقد بدئ به في مملكة الحجاز منذ عشرات السنين؛ حيث طبقت الحدود الشرعية تطبيقا تاما، ونجحت نجاحا منقطع النظير في القضاء على الإجرام، وحفظ الأمن والنظام، ولا يزال الناس يذكرون كيف كان الأمن مختلا في الحجاز، بل كيف كان الحجاز مضرب المقال في كثرة الجرائم وشناعة الإجرام.
فقد كان المقيم فيه كالمسافر لا يأمن على ماله ولا نفسه في بدو ولا حضر ليلا ولا نهارا، وكانت الدول ترسل مع رعاياها الحجاج قوات مسلحة؛ لتأمين سلامتهم ورد الاعتداء عنهم، وما كانت هذه القوات الخاصة، ولا القوات الحجازية بقادرة على إعادة الأمن، وكبح جماح العصابات، ومنعها من سلب الحجاج، أو الرعايا الحجازيين، وخطفهم والتمثيل بهم.
وظل حماة الأمن في الحجاز عاجزين عن حماية الجمهور، حتى طبقت الشريعة الإسلامية؛ فانقلب الحال بين يوم وليلة، وساد الأمن بلاد الحجاز، وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين، وانتهى عصر الخطف والنهب وقطع الطريق والسرقة وأصبحت الجرائم القديمة أخبارا تروى فلا يكاد يصدقها من لم يعاصرها أو يشهدها.
وبعد أن كان الناس يسمعون أشنع أخبار الإجرام في الحجاز، أصبحوا يسمعون أعجب الأخبار عن استتباب الأمن والنظام، فهذا يفقد كيس نقوده في الطريق العام، فلا يكاد يذهب إلى دار الشرطة ليبلغ حتى يجد كيسه كما فقد منه معروضا للتعرف عليه، وهذا يترك عصاه في الطريق؛ فتنقطع حركة المرور حتى تأتي الشرطة؛ لرفع العصا من مكانها.
وبعد أن كان يصعب حفظ الأمن على قوات عسكرية عظيمة من الداخل، وقوات عسكرية من الخارج، أصبح الأمن محفوظا بحفنة من الشرطة المحليين؛ تلك هي التجربة الكلية دليل على أن النظام الجنائي في الشريعة الإسلامية يؤدي عمليا إلى قطع دابرالجريمة، وأنه النظام الذي يبحث عنه، ويتمناه القانون الدولي.
التجربة الجزئية:
فقد قامت بها أولا إنجلترا وأمريكا، وبعض الدول الأخرى، ثم قامت بها أخيرا كل الدول تقريبا، وقد نجحت هذه التجربة نجاحا منقطع النظير وقد سمينا هذه التجربة بالجزئية؛ لأنها جاءت قاصرة على عقوبة الجلد، وهي عقوبة واحدة من عقوبات الشريعة الإسلامية. فانجلترا تعترف بالجلد عقوبة رسمية في قوانينها الجنائية، والعسكرية، ومصر تعترف بها في القوانين العسكرية، وأمريكا وبعض الدول تجعل الجلد عقوبة أساسية في الجرائم التي يرتكبها المسجون.
ثم جاءت الحرب العالمية الأخيرة فقررت كل الدول تقريبا عقوبة الجلد على جرائم التسعير والتموين وهذا اعتراف عالمي بأن عقوبة الجلد أفضل من أي عقوبة أخرى، وأنها الوحيدة التي تكفل حمل الجماهير على طاعة القانون وحفظ النظام، وأن كل عقوبات القوانين الوضعية لا تغني عن عقوبة الجلد شيئا في هذا الباب، وهذا الاعتراف العالمي يؤكد نجاح الشريعة الإسلامية في محاربة الجريمة؛ لأن عقوبة الجلد إحدى العقوبات الأساسية في الشريعة.
الإحصائيات التي أجرتها وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية:
ونظرة إلى الإحصاءات التي أجرتها وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية تظهر بجلاء وتبين بوضوح مدى ما في تطبيق الشريعة الإسلامية وتنفيذ عقوباتها الجزئية من مكاسب دينية ودنيوية؛ حيث بلغ مجموع الحوادث في عام 1408هـ: (21513) حادثة على مستوى المملكة عامة، وبلغ مرتكبو هذه الحوادث: (2236) شخصا، ويمثل الأجانب منهم: (38%) وهذا التقارب بين عدد الحوادث وعدد مرتكبيها يدل على أن الجرائم التي وقعت كانت على مستوى الأفراد، وليست على مستوى تنظيمات أو عصابات.
إضافة إلى أن الحوادث الجنائية المتسمة بالخطورة كالقتل بأنواعه أو محاولة القتل أو التهديد به، وحوداث الخطف لا يتجاوز مجموعها نسبة:(2%) من إجمالي الحوادث، وهذه الجرائم التي تقلق المواطن، وأجهزة المملكة العربية على المستوى العام لها – لا تمثل إلا النزر اليسير إذا قورنت بما يجري في دول وبقاع أخرى من المعمورة؛ لأن هذه البلاد ألفت الأمن والاستقرار التام.
وليست هذه الجرائم آتية من خلل في الشريعة الإسلامية المطبقة في هذه البلاد؛ بل من ضعف إيمان مرتكبيها وخلقهم، وبعدهم عن ذكر الله، وعن تعاليم الدين الإسلامي.
ونسبة حدوث الجريمة في السعودية تصل إلى: (3.2%)، بينما في بعض دول العالم تصل إلى نسبة أعلى بكثير لكل ألف من السكان؛ على سبيل المثال: في أسبانيا: (77.26%)، وفي ألمانيا: (41.71%)، وفي إيطاليا (20.08%)، وفي فرنسا (32.27%)، وفي إستراليا: (75.00%)، وفي كندا: (75.00%) وفي كوريا: (12.42%)، وفي غانا (10.72%).
فالمملكة بهذا نموذج مثالي بين الأمم عامة، والأمم الإسلامية خاصة في قلة حدوث الجرائم، واستقرار الأمن في ربوعها؛ فضربت بذلك أروع تجربة لنجاح الشريعة الإسلامية في القضاء على الجريمة، وتحقيق الأمن الوافر الذي تنعم به المدن والقرى، واستقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وأسباب ازدياد الجرائم في الدول التي لا تطبق العقوبات الإسلامية هي:
- الأثر الهين الناتج عن العقوبات المقررة للجرائم.
- اقتناع الفرد بظلم هذه العقوبات من حيث إنها عقوبة – بشكل من الأشكال – ولكنها لا تطهره من الإثم الذي لحقه كما أن إثبات التهمة أمر ميسور في القانون الوضعي مما قد ييسر إدانة البرئ، بينما إثباتها في التشريع الإسلامي بالغ الدقة بحيث لا يدع مجالا واسعا للاتهام الخاطئ.
هذا ولا يزال لدينا مجتمعات تطبق الشريعة الإسلامية في شتى المجالات، ومنها المجال العقابي؛ لذا نجد نسبة الجريمة فيها أقل نسبة في العالم؛ والسبب احترام الناس للقانون السماوي ويمكن إرجاع ذلك إلى قوة الردع في العقوبات الإسلامية؛ فاعتقاد الإنسان أنه يطبق أوامر الله إذا انتهى عن ارتكاب الجرائم، ويتعرض للعقاب إذا اقترفها؛ أقوى رادع له عن الجريمة.
رابعا. تطبيق الحدود في التشريع الإسلامي ليس فيه مساس بحقوق الإنسان:
العقوبات الشرعية والتذرع بحقوق الإنسان:
ترى بعض الجهات العلمية والاجتماعية في أوساط الغرب أن الحدود الشرعية تتنافى مع حقوق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية، وتطالب منظمة العفو الدولية بإلغاء عقوبة الإعدام من قوانين العقوبات في الدول المعاصرة، وقد استجابت بعض الدول الغربية لذلك مثل: فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وألغت بعض الولايات المتحدة الأمريكية هذه العقوبة، وأكثرها لم تلغها، ويردد بعض رجال القانون الوضعي في البلاد العربية هذه الأفكار واصفين العقوبات الشرعية بأوصاف غير لائقة ربما أدت إلى الكفر، وتروج بعض أجهزة الإعلام لذلك.
ويتهمون كل من يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية بأنهم متشددون متعصبون، مع أنهم هم المتعصبون ضد الإسلام، ومصدر جميع هذه الاتجاهات المشبوهة شيء واحد هو التعصب ضد الإسلام، ومقاومة الاتجاه الإسلامي.
والواقع أن الادعاء بوجود التعارض والمنافاة بين حقوق الإنسان وبين الحدود الشرعية، أمر باطل للأسباب الآتية:
- إن الله – سبحانه وتعالى – الذي شرع الحدود في الشريعة الإلهية أرحم بعباده، وبالناس جميعا من أنفسهم، وهو أدرى وأعلم بما يصلحهم، وينفعهم، ويحقق الأمن والخير لهم.
- إن العقوبات البديلة عن الحدود الشرعية في القوانين الوضعية لم تحقق الهدف المطلوب، فانتشرت ظاهرة الجريمة، وكثر المجرمون، وتفننوا في ابتكار عجائب الإجرام وألوانه بما لا يكاد يصدق به عقل.
- إن الجاني الذي يرتكب جريمة موجبة للحد الشرعي قد خرج عن الحدود الإنسانية الصحيحة، وشذ شذوذا واضحا عن معايير الحياة السوية، وطعن المجتمع في أقدس مقدساته – وإن شوهت معالم التقديس في الأوساط الغربية؛ فأصبح ما يسمى لدينا بالعرض – مثلاـ مفقودا في المفاهيم الأخلاقية العامة والخاصة عند الغربيين، ومثل هذا المعتدي على حرمات المجتمع الجوهرية – بمقتضى النظرة الصحيحة – لم يعد يردعه إلا مثل هذه العقوبة الشرعية الزاجرة في شرع الله ودينه.
- والقرآن الكريم واضح الدلالة في الإعلان عن حقوق الإنسان؛ قال سبحانه وتعالى: )ولقد كرمنا بني آدم( (الإسراء: ٧٠)، والفقهاء المسلمون أشد العلماء حرصا على كرامة الإنسان فيما استنبطوا من أحكام شرعية؛ فقرروا ضوابط كثيرة، وشرطوا شرائط عدة لتطبيق الحدود، وقد عرفنا أنه لا سحل[38]، ولا تجريد، ولا تمثيل ولا وحشية في العقاب في الإسلام، وغير ذلك من أصول الحفاظ على كرامة الإنسان.
- ولقد أخطأ دعاة حقوق الإنسان حينما رأوا أن تطبيق العقوبة الشرعية بشروطها وضوابطها وموازينها العادلة يتنافى مع حقوق الإنسان، كما أخطأوا في محاولة الرأفة بشخص معين لذاته، وليس هو في الواقع أهلا للرأفة، وأي نفع في مراعاة المصلحة الشخصية، وإهدار مصلحة الجماعة، والاعتداء على المصلحة العامة، وما يؤدي إليه من فقدان الأمن والاستقرار، وانتشار ظاهرة القلق، والخوف، وعدم الاطمئنان على الحياة، وحق الجماعة المقدس في حفظ العقائد، والأعراض والأنفس، والعقول والأموال من أي اعتداء عليها؟
ومن ثم فالعقوبات الشرعية أدوات فعالة للقضاء على الجريمة، والمجرمين، ونشر الأمن، والاستقرار في المجتمع، والواقع الأليم مر في أرقى دول العالم تحضرا كأمريكا وبريطانيا؛ حيث تزداد نسبة الإجرام. وقد قال سبحانه وتعالى: )وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (155)( (الأنعام).
فمثلا جريمة كالسرقة، وحدها في الإسلام القطع، يعترضون عليها؛ لمنافاتها لحقوق الإنسان، وإهدارها لكرامته. وردا على مثل هذه المغالطات الباطلة نقول:
من حيث القسوة: القول بأن عقوبة القطع تتسم بالقسوة فرية داحضة؛ إذ إن ما يصفه المعارضون بقسوة العقوبات أمر لازم فيها، ويظهر ذلك من ناحيتين:
- الناحية الأولى: أن الإيلام أحد خصائص العقوبة كما سبق أن بينا ذلك، وهذا في حد ذاته يتجسد في أذى ينزل بالجاني على حسب نوع العقوبة؛ زجرا له. وقد يتساوى مقدار العقوبة مع مقدار الضرر الناجم عن الجريمة، كما في القصاص في النفس والأطراف، وقد يفوقه، أو يكون أغلظ أو أشد منه، بمقدار ما تحدثه الجريمة من ترويع وفزع بالمجني عليه أو بجماعة المسلمين، كما هو الحال بالنسبة لحد الحرابة؛ فهي من الجرائم الخطيرة التي تهدد الناس ليس في أموالهم فحسب، بل في أرواحهم وأمنهم واطمئنانهم، بحيث لا يستطيع المظلوم دفع هذه الأخطار عن نفسه وماله؛ ولذلك لم يكن يكفي فيها الترهيب بعذاب الآخرة؛ بل لا بد من توقيع عقوبة مؤلمة والتشديد عليها[39].
- الناحية الثانية: إن اسم العقوبة مشتق من العقاب، ولا يكون العقاب عقابا إذا كان موسوما بالرخاوة والضعف، بل يكون لعبا أو عبثا أو شيئا قريبا من هذا[40]، فالقسوة لا بد أن تتمثل في العقوبة، حتى يصح تسميتها بهذا الاسم.
كما أن “الشريعة حين قررت عقوبة القطع لم تكن قاسية، كيف وهي الشريعة الوحيدة في العالم التي ترفض القسوة! وما يراه بعضهم قسوة، إنما هو القوة والحسم اللذان تمتاز بهما الشريعة، وقد تجسدا في العقوبة كما تمثلا – من قبل – في العقيدة و العبادات و الحقوق والواجبات”[41].
ومما يؤكد معنى القوة والحسم لا القسوة المطلقة في العقوبة الشرعية أن لفظة الرحمة ومشتقاتها أكثر الألفاظ ورودا في القرآن، والشريعة تلزم المسلم ألا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك ولا يسكن ولا يعمل ولا يتعبد ولا ينام، ولا يستيقظ حتى يذكر اسم الرحمن الرحيم. فإذا ذكره ذكر الرحمة، وتأثر بها في قوله، وفعله. والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء»[42].
فالرحمة أساس من أسس الشريعة الأولية، وشريعة هذا شأنها لا يمكن أن تعرف للقسوة سبيلا” [43].
ولا ينافى مقصد الرحمة في العقوبة الشرعية ورود لفظة العذاب في بعض الآيات المقررة للحدود؛ إذ إن العذاب فيها هو العقاب، ولا يعني القسوة بحرفيتها كما توصف بها العقوبة في الشريعة الإسلامية في نظر المغالطين؛ فالعذاب الوارد في الآيات هو الحد المقرر للمعصية أو الفاحشة، وهو ما يطلق بدوره على حد الجلد في آية الزنا.
ولنا هنا سؤال ينطوي على كثير من العجب: “أيهما أقسى: قطع يد السارق، وتركه بعد ذلك يتمتع بحريته، ويعيش بين أهله وولده، أم حبسه على هذا الوجه الذي يسلبه حريته وكرامته وإنسانيته”؟! فضلا عن أن وضعه في السجن تنفيذا للعقوبة السالبة للحرية طوال المدة المحكوم بها محروما من حريته بعيدا عن أهله وذويه “يكون كالحيوان الذي يوضع في قفص، أو كالميت في قبره”[44].
ويضاف إلى هذا أن الفقهاء قد أجازوا استعمال البنج، أو التخدير عند قطع اليد أو الرجل، فقد صدر تعميم الإدارة العامة للسجون في المملكة العربية السعودية، والمتضمن أنه “لم يظهر ما يمنع من استعمال البنج عند قطع اليد أو الرجل في الحدود”. فهل بعد هذا نستشعر في قطع اليد تعذيبا، وقسوة وتنكيلا؟
إن في تطبيق عقوبة القطع زجرا مناسبا للمجرم، ولأمثاله في المجتمع، فهو رحمة بالناس عامة.
ويحلو لبعض المرتابين والمتشككين أن يصفوا عقوبة القطع – في حدي السرقة والحرابة – بأنها لا تتفق مع المدنية والتقدم، ويرمونها بالعنف والغلظة.
وقد تصدى الكثيرون من العلماء للرد على هذا الزعم؛ إذ يرون أن هؤلاء يركزون النظر على شدة العقوبة، ويتناسون فظاعة الجريمة، وآثارها الخطيرة على المجتمع. إنهم يتباكون على يد سارق أثيم تقطع، ولا تهمهم جريمة السرقة، ومضاعفاتها الخطيرة. فكم من جرائم ارتكبت في سبيل السرقة! وكم من جرائم اعتداء على الأشخاص! وإحداث عاهات جسام وقعت على الأبرياء بسبب السرقة، وكم من أموال اغتصبت، وثروات سلبت، وناس تشردوا بسبب السطو على أموالهم، ومصدر رزقهم، كل ذلك لم يخطر ببال المشفقين على أيد قليلة تقطع في سبيل أمن المجموع واستقراره.
ألم يخطر ببال أصحاب هذا الزعم أيهما أهون على المجتمع: أن تقطع يد أو يدان في كل عام، وتختفي السرقة، ولا تكاد تقطع يد بعد ذلك، ويعيش الناس مطمئنين على أموالهم وأنفسهم؟! أم يحبس، ويسجن، ويحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة في جريمة السرقة وحدها على آلآف المجرمين، ويخرج المجرمون وهم أشد إجراما، وأكثر حقدا على المجتمع، ويزين لهم الشيطان سوء عملهم، وترتكب في أغلب الدول عشرات الآلاف كل عام من جرائم السرقات، ثم لا تتضاءل جرائم السرقة، بل تزداد وتتنوع وتستفحل، فما زلنا نسمع عن مصارف تسرق بأسرها، وقطارات تنهب في وضح النهار، وخزائن تسلب، وجرائم على الأموال تصحبها جرائم على الأشخاص والأعراض لا تقع تحت حصر، ولا يكاد يلاحقها علم ولا فن ولا سلطة.
كما أن الجرائم الخطيرة لا يفلح في صدها ومقاومة أخطارها إلا عقوبات شديدة فعالة. والعقاب الناجع هو الذي ينتصر على الجريمة، وليس ذلك الذي تنتصر عليه الجريمة.
ثم إن علماء القانون الوضعي لم يستغلظوا عقوبة الإعدام بالنسبة لبعض الجرائم الخطيرة، وما من شك في أن هذه العقوبة أشد من عقوبة القطع في السرقة والحرابة؛ فالعبرة إذا بالعقوبة المناسبة، والفعالة في مقاومة الجريمة.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن قطع يد سارق، أو عدد معدود من السراق أهون بكثير من ترك المجرمين في المجتمع يروعون الآمنين بما يفضي إليه ذلك من الجرائم والمنكرات.
ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع الإسلامي عندما طبق الحدود عاش آمنا مطمئنا على أمواله، وأعراضه، ونظامه، حتى إن المجرم كان يعترف على نفسه أو يسعى لإقامة الحد عليه؛ رغبة منه في تطهير نفسه، والتكفير عن ذنبه.
كما أن البلاد التي طبقت أحكام الشرع الإسلامي – كالمملكة العربية السعودية وغيرها، والتي كانت مرتعا خصبا لأشنع جرائم السرقة، وقطع الطريق – استتب فيها الأمن وانقطعت السرقات، وانهارت عصابات قطع الطريق، حتى أصبحت تلك البلاد مضرب الأمثال في انقطاع دابر جرائم السرقة وقطع الطريق، على الرغم من أن ما قطع من الأيادي منذ تطبيق الحدود لا يمثل إلا عددا ضئيلا جدا، لا يوازي ما كان يقطعه قطاع الطريق من رقاب الأبرياء في هجمة واحدة[45].
وخلاصة القول فيما تقدم: أن عقوبة القطع في السرقة والحرابة – على الرغم مما يتقول به بعض المغالطين – هي في الواقع رحمة عامة بالمجتمع في مجموعه؛ حتى يتخلص من شرور هاتين الجريمتين، وأخطارهما الوبيلة؛ فإن أخطار التضحية بعدد محدود جدا من الأيدي والأرجل بالنسبة لأناس آثمين خارجين على حكم الله أهون كثيرا من ترك جريمة تفتك بأرواح وأبدان وثروات آلاف الأبرياء، بل إن شدة العقوبة ذاتها رحمة بمن توسوس لهم أنفسهم بالإجرام حيث تمنعهم تلك الشدة من الإقدام على الجريمة، فتحول بينهم وبين التردي في مهاوي الإجرام.
وشدة هذه العقوبة، محدودة النطاق، تفضي إلى رحمة واسعة شاملة بالنسبة للمجتمع الواسع العريض، وكيف لا؟!! وشريعة الإسلام هي شريعة الرحمة، بعث بها من كتب على نفسه الرحمة وهو الرحمن الرحيم.
والنظر لأثر الحدود على القلة التي تتعرض لها دون نظر إلى أثرها في المجتمع ككل هو نظر مقلوب معكوس، إن لم يكن مغرضا مريبا، إن العبرة بمصلحة الناس في مجموعهم، وليست بمصلحة مجرمين ثبت جرمهم، ولم يدرأ عنهم الحد شبهة.
ومع ذلك فلا يغيب عن البال أن الإسلام حريص كل الحرص على ألا يقام الحد، إلا حيث يتبين على وجه اليقين ثبوت ارتكاب الجرم، وذلك بتشدده في وسائل الإثبات.
ثم إنه بعد ذلك يدرأ الحد بالشبهات، كل هذا تفاديا لتوقيع الحدود إلا في حالات استثنائية محضة، ويكفي توقيعها في هذه الحالات حتى يتحقق أثرها الفعال في منع الجريمة، وتضييق الخناق عليها إلى أقصى حد ممكن، بل إن تطبيق بعض الحدود – كالجلد بأصوله الشرعية – أحب إلى كثير من العصاة من الحبس في غياهب السجون مدة من الزمن، قلت أو كثرت.
هكذا كانت عقوبة القطع مقابلة لجنس العمل؛ لأن السارق الذي حرم ضحيته من رزقه، واستلب ما نتج عن كد عمل هذه الضحية لا بد أن يذوق من العقاب قدرا يساوي هذه الفعلة، فكان الجزاء منصبا على الأداة التي سرق بها من هذا، ونهب بها من ذاك، وأضاع كد عمل الكثيرين من الضحايا.
وإذا كان هذا السارق قد أضاع حقوق كثير من الناس، فلا يجب أن نبكي أو نتباكى على العقوبة التي قررها الشرع الإسلامي – الذي أحسن صنعا – لمثل هذا المفتري الأثيم؛ لأن الهدف منها تحقيق العدالة، واستتباب الأمن.
وأخيرا، فإن عقوبة القطع لا تطبق إلا إذا توافرت شروطها، وأركان الجريمة التي تقررت لها، وإذا ما اشترطنا ضرورة توافر هذه الشروط وهي متعددة: منها مجموعة تتعلق بالفعل، وأخرى تتعلق بالمال، وثالثة تتعلق بالسارق فسوف يكون من نتيجة ذلك ندرة حالات قطع اليد، كما أننا إذا وضعنا في الاعتبار حالات الاضطرار والضرورة؛ فلن يقام الحد على المضطر وصاحب الحاجة[46].
وهذا هو الشأن في باقي الجرائم التي حرمها الإسلام وحد لها حدودا؛ إذن ليس في هذا تجن على حقوق الإنسان، ولا إهدار لكرامته.
والحديث عن قسوة العقوبات في الشرع الإسلامي، وغلظة الحدود الشرعية، والطنطنة بأن هذا يتنافى مع حقوق الإنسان في العالم المعاصر، كل هذا كلام قديم متجدد تلوكه ألسنة المغالطين من الغربيين، وتتلقفه وتردده كالببغاوات أفواه وأقلام أذنابهم من المتغربين من أهل الشرق؛ وذلك لأسباب كامنة في نفوس هؤلاء وأولئك ليس من بينها – بالضرورة – العطف والحدب على الإنسانية، مطلق الإنسانية، في كل زمان ومكان.
ولمزيد من التنقيب عن جذور هذه الشبهة، وتبيان تلك الدوافع الكامنة وراء إثارتها بين الفينة والفينة؛ نتجول مع مجموعة من الآراء لباحثين موضوعيين جادين غيورين من ذوي الأصالة الشرعية الأصولية المتينة، والمعاصرة المتابعة للمستجدات بوعي، ويقظة، وهمة.
ولنبدأ بمدخل ساخر للقضية مع الأستاذ محمد قطب، حيث يتساءل ساخرا: “هل يمكن أن تطبق اليوم تلك العقوبات الهمجية التي كانت تطبق في الصحراء؟! هل يجوز أن تقطع يد في ربع دينار؟! اليوم في القرن العشرين الذي يعتبر المجرم فيه ضحية من ضحايا المجتمع، ينبغي علاجه، ولا يجوز أن تمتد إليه يد العقاب.
إن القرن العشرين يجيز لك مثلا أن تقتل أربعين ألفا في الشمال الأفريقي في مجزرة واحدة؛ لأنهم أبرياء، لكن كيف يجيز لك أن تعاقب فردا واحدا؛ لأنه مجرم أثيم؟! ويل للناس من الألفاظ، كم تخدعهم عن الحقيقة”[47].
ويستقصي د. بلتاجي جذور هذه الظاهرة في الغرب – ظاهرة الصدود عن كل ما هو إسلامي – والعوامل التي تحول بينهم وبين فهم حقيقة تشريعات هذا الدين وتعاليمه، والشبهات المثارة حولها، وجهود جماعات التغريب في هذا الشأن، في تجلياتها المعاصرة، فيقول:
“… وحصيلة هذا كله أن التكوين العقلي والنفسي والتاريخي لشعوب كثيرة من غير المسلمين يحول بينهم وبين فهم حقيقة التشريع الإسلامي في شتى جوانبه وأقطاره؛ لأنهم يبدأون وينتهون في النظرة إليه من مسلمات تمثل أوهاما وأكاذيب وجهالات توارثتها أجيالهم في صورة حقائق قاطعة جيلا بعد جيل، وغذتها كراهيتهم المتوارثة للإسلام لأسباب تاريخية وعقدية – من أهمها الحروب الصليبية، وصراع الحضارات، وعداء اليهود الدائم وكيدهم المتواصل للإسلام – وهذا كله يمثل موانع حقيقية تحول بينهم وبين فهم حقيقة الإسلام ويتمثل في روح جمعية من العداء المطلق للإسلام.
والأكثر إيلاما من ذلك: هو أن أفرادا من أبناء المسلمين أتيح لهم أن يتتلمذوا على أيدي هؤلاء حضاريا وعلميا، فإذا بهم صورة منهم في الجهل بالإسلام، والعداء له، والتسابق في الهجوم عليه، وتشويه صورته بين الناس، ومن هؤلاء من عقد صفقة عمره وهو يتلقى العلم والحضارة على يد قسيس، أو شيخ يهودي لئيم، ليرجع إلى بلاد المسلمين، وجهه منهم، ولسانه منهم، وقلبه عليهم، لا هم له إلا محاولة هدم الإسلام، والطعن في القرآن بكل سبيل.
وقد تتضمن الصفقة زوجة حسناء تقوم بدورها – من وراء الستار – وهي لا تقر مع زوجها إلا وهو يبذل غاية الجهد في الكيد للإسلام والقرآن، ومحاولة تشويههما بكل سبل الخبث التي تلقاها عن شيوخه الأوربيين أو الأمريكيين في فترة الإعداد.
وهؤلاء لا يتركون صنيعتهم يعمل وحده في بلاد المسلمين؛ إنما يهيئون له المجال والظروف، بكل ما أوتوا من سلطان في هذه البلاد عن طريق المعونات المالية والمراكز العلمية والعمالات المتعددة التي تصل إلى كل مستوى حتى المستويات الحاكمة في بعض بلاد المسلمين.
وحين تتيح الظروف كشف النقاب – أحيانا – عن بعض هذه الأدوات؛ يصاب الناس في بلاد المسلمين بالذهول، حينما يتاح لهم أن يعرفوا حقيقة بعض من كانوا في نظرهم – بسبب الدعايات، والإعداد الجيد المدروس – قادة للفكر، وزعماء للثقافة والتنوير والتقدم في بلاد المسلمين.
وليس في هذا التقرير أدنى مبالغة؛ بل إن الحقيقة الكاملة تجاوزه، وتزيد عليه فهم يدسون الطعن تلو الطعن بغاية الخبث ومنتهى الكيد للقرآن الكريم وكافة قيم الإسلام الصحيح، وقد باعوا أرواحهم لأعداء الإسلام التاريخيين منذ زمن، فأنى لهؤلاء وأولئك أن ينظروا نظرة موضوعية محايدة تتفهم حقيقة التشريعات القرآنية بكل ما يحوطها من اعتبارات؟!
وما الميراث – يقصد أحكام الميراث – في الإسلام، وما أثاروه حوله من دعاوى باطلة مغرضة – إلا واحد من موضوعات عديدة يتخذها هؤلاء مجالا مختارا للطعن في القرآن والإسلام، وقد رأينا ما يحوطه من اعتبارات يجهلها هؤلاء، أو يتجاهلونها، وكذلك التشريعات المتصلة بمكانة المرأة في الإسلام، وكذلك موضوع الجنايات وعقوباتها في الإسلام، وتلك موضوعاتهم المختارة للطعن الظاهر، والخفي في القرآن والإسلام، تحت شعار: المدنية والمساواة والتقدم والحضارة وحقوق الإنسان، والتنوير[48]… إلخ!!
وهم جميعا يكرهون الإسلام كراهية تعميهم، وتصمهم عن إدراك حقائقه وتفهمها، وقد قال الله تعالى لرسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – فيهم – وفي أمثالهم -: )إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (80) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (81)( (النمل).
ومع هذا أمرنا الله – عز وجل – بأن نقرر لهم حقائق ديننا، وأن نكشف لهم عن أباطيل أعدائه، إعذارا إلى الله تعالى بأننا بلغنا الحق الذي أنزله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – ليكون عليهم حجة في الدنيا والآخرة؛ لعلهم يراجعون مواقفهم فتبدو لهم الحقيقة القرآنية الناصعة، أو جانب منها، كما قال سبحانه وتعالى: )وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون (164)( (الأعراف).
والمعنى – كما يقول المفسرون – نفعل هذا الوعظ بهؤلاء معذرة إلى ربكم فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولعلهم بهذا الإنكار عليهم يعودون إلى تقوى الله، ويتركون ما هم فيه ويرجعون إلى الله تائبين، فإن تابوا تاب الله عليهم ورحمهم.
وقد قدمنا الصفحات السابقة بين يدي ما سنعرض له من شبهات المخالفين وطعونهم في العقوبات الإسلامية تحت شعار التباكي على حقوق الإنسان، وما وصلت إليه البشرية من تقدم ومدنية، فما الذي يمثل حجر الأساس في هذه الشبهات والطعون؟
تعتبر العقوبات البدنية التي أقرتها الشريعة الإسلامية مجالا مختارا للطعن فيها من مخالفيها الذين يرون أن إيقاع العقوبة بجسد الجاني نوع من الاستجابة لغرائز الانتقام والبربرية والوحشية التي تجاوزتها البشرية المتحضرة في مسيرتها نحو تحقيق أكبر قدر من حقوق الإنسان؛ فالإعدام والرجم والجلد والصلب وقطع اليد والعين بالعين والسن بالسن، كل ذلك – كما يرى هؤلاء الطاعنون – أمور لم تعد تليق بالإنسان المعاصر، ولا تتوافق مع ما وصلت إليه المجتمعات المتحضرة في مجال حقوق الإنسان.
وهناك أسباب تاريخية تدعم هذا الاتجاه عند الأوربي المعاصر، وقد أشرنا إلى الميراث التاريخي الذي يرثه الأوربي من العداء المطلق للإسلام بكافة قيمه وتشريعاته، ومعلوم أن الشريعة الإسلامية قد أقرت هذه العقوبات البدنية كلها، وأقامت نظامها العقابي عليها، فكانت مجالا أساسيا لرميها من هؤلاء بالوحشية، والبربرية، وإلصاق تهمة التخلف بها. وبقدر التزام الدول الإسلامية بتطبيق النظام الجنائي الإسلامي يكون مقدار الهجوم عليها، ونقدها في الأوساط الدولية، وأجهزة الإعلام المختلفة والمطبوعات والمؤلفات. ومن هنا اختصت المملكة العربية السعودية في هذا المجال بأكبر قدر من الطعن فيها والتشنيع بها، تحت عباءة ما يطلقون عليه “حقوق الإنسان”، لما هو معلوم للكافة.. من أنها تطبق التشريع الجنائي الإسلامي تطبيقا كاملا بالنسبة لجرائم الحدود والقصاص والجرائم التعزيرية، ويضاف إلى ذلك من التاريخ الأوربي أمران:
الأمر الأول: أن هذا التاريخ شهد في القرون السابقة مغالاة وإسرافا في إيقاع العقوبات البدنية على جرائم لم تكن تستحقها إطلاقا؛ ويكفي أن نعرف في هذا المجال أن القانون الإنجليزي في سنة (1810م) كان يعاقب بالإعدام على 220 جريمة، وفي فرنسا عام (1791م) كان يقضي بهذه العقوبة في اثنتين وثلاثين حالة، وفي عام (1810م)أصبحت ستا وثلاثين حالة في الوقت الذي يوقع فيه التشريع الإسلامي هذه العقوبة في الحالات الآتية – فقط: القصاص في القتل العمد، رجم الزاني المحصن، المرتد الذي يسعى لهدم نظام الأمة، الحرابة، البغي، والتعزير[49] بالقتل في حالات خاصة بشروط معينة، ففي التشريع الإسلامي المستند إلى القرآن والسنة – منذ أربعة عشر قرنا – ست حالات فقط يمكن أن يكون فيها الإعدام بشروط عديدة في كل منها.
أما التشريعات الأوربية فقد عرفت الإسراف الشنيع في إيقاع هذه العقوبة في مخالفات لم تكن تستحقها إطلاقا، كذلك كانت طريقة تنفيذ الأحكام غاية في الشناعة والقسوة، وكانت جثث المشنوقين تبقى عادة يوما على المشنقة ثم تلقى في موضع الأقذار، وأحيانا كانت الجثة تحرق بعد إعدامها؛ فأين هذا التراث الشنيع من نهى الإسلام عن التمثيل – ولو بالكلب العقور -، وأمره بإحسان القتلة حين يكون لها موجب قوي ملائم لها؟!
ومن المتوقع أن رد الفعل لهذا التطرف في العقاب سيكون تطرفا في الجانب الآخر، جانب العفو والتسامح. وهذا هو الذي حدث بالفعل للتشريعات الأوربية التي اقترنت عقوبة الإعدام في العقل الجمعي لها بأقصى درجات القسوة والوحشية والبربرية والظلم الاجتماعي، فأصبحت تسقط هذه الصفات على كل نظام يتمسك بهذه العقوبة، غافلة عن نوع الجريمة التي استوجبتها في هذه النظم وعددها، والشروط الإنسانية العديدة لتطبيقها، وكيفية هذا التطبيق.
الأمر الثاني: أن أوربا حينما تخلصت من سيطرة الكنيسة التي كانت تفرض مسلمات تبين بالدليل العلمي القاطع بطلانها – اعتبرت أن من شروط التقدم والحضارة: أن تلقي وراء ظهرها بالتراث الديني المتمثل في معطيات الكتاب المقدس، وعقائد الكنيسة، ومن هذا ما ورد في التوراة من مبدأ القصاص، وما تمسكت به الكنيسة الرومانية الكاثوليكية[50] من التفتيش عن عقائد الناس بأبشع الوسائل التي ارتبطت في العقل الجمعي الأوربي بأقصى درجات الظلم والوحشية، – أعني محاكم التفتيش – ففي أوائل القرن الرابع عشر الميلادي: نظمت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية محاكم للتفتيش؛ للنظر في الجرائم الدينية، حيث كان يعرض عليها كل من حامت الشبهات حول عقيدته الكاثوليكية، وكان المتهمون يعذبون بوسائل قاسية تحملهم على الرجوع إلى الكاثوليكية، أو يعذبون حتى الموت في غرف زودت جدرانها بالمسامير، وفي أرضها سلاسل شدت إلى حلقات في الأرض؛ لربط المتهمين عند تعذيبهم.
كما كان في الغرف آلات خاصة للجلد مصنوعة من الجلد المعقود على رصاص ودواليب وأدوات جهنمية ذات مسامير حادة؛ لتمزيق الأجساد، وكلابات للضغط بها على اللحم وأطواق حديدية ذات مسامير حادة من الداخل تطوق بها جبهة المتهم، وتضيق شيئا فشيئا، بواسطة مفتاح حتى تنغرز المسامير في الرأس، وكان في الغرف كلاليب لها رؤوس حادة لسحب أثداء النساء من الصدر، وأدوات لنزع اللسان، وأخرى لتكسير الأسنان، وأحذية حديدية تحمى على النار، ويلبسها المتهم، إلى ما هو أشد من ذلك كله وأشنع.
وهذه المواريث الأوربية المتعددة أنتجت في الذاكرة الجمعية ارتباطا وثيقا بين العقوبات البدنية – في مجموعها – وبين الوحشية والبربرية والانتقام الجمعي، ومعاملة المتهم بغاية القسوة، وانعكس هذا الارتباط على تقييمهم للنظم التي تأخذ بهذه العقوبات، ومنها الإسلام” [51].
وبعد هذا التأصيل – التاريخي الاجتماعي – لهذه القضية، وظلالها في المجتمعات الغربية، يطور د. محمد بلتاجي معالجته لينتقل إلى مناقشة ذيل هذه الشبهة – قسوة الحدود الشرعية – وهو زعمهم بأن تطبيقها – بهذه القسوة المدعاة لديهم – يهدر كرامة الإنسان، ولا يتمشى مع منظومة حقوق الإنسان المعاصرة، كما بلورها العقل الغربي وأفرزتها الحضارة الغربية؛ فيقول تحت عنوان “حقوق الإنسان بين المنطق الغربي والمعطيات الإسلامية”:
“بعد الذي قاساه العالم من الحربين العالميتين الأولى (1914م – 1918م)، والثانية (1939م – 1945م) أصدرت الأمم المتحدة في 10/12/1948م: “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الذي تمثلت فيه هذه الحقوق من جهة ما انتهت إليه التجربة البشرية الغربية خاصة، لكن العالم بعدها – ولمدة أربعين عاما – ظل منقسما “على وجه العموم” بين العالم الأول الذي تمثله أوربا الغربية، والولايات المتحدة، والعالمالثاني الذي يمثله الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية، وبينهما عالم ثالث متخلف صناعيا وتكنولوجيا، يتضمن بداخله مستويات عديدة من الفقر والنمو والأخذ بأسباب التقدم المادي.
وقد أفرز هذا العالم الثالث – منذ سبعينيات القرن العشرين – قوى صناعية متميزة يحتوي بعضها على كيانات هائلة، وإمكانات مبشرة بخروجها من نطاق العالم الثالث إلى ما يلحق، أو يكاد يلحق بالعالم الأول، وكانت اليابان في مقدمة هذه القوى، كذلك أصبحت الصين مجالا لتجربة متفردة مبشرة بتغيير الخريطة الدولية السياسية والاقتصادية، وكذلك ظهرت “النمور الآسيوية” التي تعرضت لضربات من الداخل، والخارج أوقفت أو أبطأت نموها السريع.
ثم كانت المفاجأة الهائلة عام 1989م بسقوط التجربة الماركسية في الاتحاد السوفيتي، ودول أوربا الشرقية، وتفككه، وأخذ هذه الدول بالنهج الغربي؛ مما يعني انفراد هذا النهج بقيادة العالم؛ إذ لم يعد هناك العالمالثاني الذي كان يوازن الصراع مع العالم الأول؛ وهنا رأى العالم الغربي الأول أنه قد آن الأوان لصبغ العالم كله بقيمه ومفاهيمه، ومنطلقاته الحضارية كلها، وتصاعدت الأصوات بأن انتهاء الحرب الباردة التي كانت بين العالمين الأول والثاني، تعني انتهاء الصراع الكبير في السياسة الكونية، وظهور عالم واحد منسجم نسبيا، والصيغة التي نوقشت على أوسع نطاق من هذا النموذج كانت أطروحة “نهاية العالم” لـ “فرانسيس فوكو ياما” والتي يقول فيها:
“ربما كنا نشهد نهاية التاريخ بما هو نقطة النهاية للتطور الإيديولوجي للبشرية، وتعميم الليبرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم باعتبارها شكلا نهائيا للحكومة الإنسانية”، ثم يقول: “وبالتأكيد فقد تحدث بعض الصراعات في أماكن من العالم الثالث، ولكن الصراع الكبير قد انتهى، ليس في أوربا فقط؛ بل إن الديمقراطية الليبرالية الشاملة قد انتصرت”.
وفي هذا الجو بدأ الكلام عن العولمة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وتصاعدت أصوات عديدة في الغرب تعلن أن الإسلام أصبح هو العدو الرئيس للحضارة الغربية، بدلا من الاتحاد السوفيتي الذي سقط، وسلم قياده للغرب حضاريا، بعد أن كان الرئيس ريجان يطلق عليه “إمبراطورية الشر”.
وغذي هذا الشعور ضد الإسلام بروافد عديدة – إلى جانب العداء التاريخي المستكن في الشعور واللاشعور الغربي، والموروث جيلا بعد جيل، من هذه الروافد: ما تقوم به الدعاية الإسرائيلية النشطة باستخدامها للمال، ولأجهزة الدعاية المسموعة والمرئية، وموضوعها الأساسي: هو تشويه الإسلام والعروبة، وكافة قيمها، وتحذير الغرب منها، وتذكيره بوقائع التاريخ حينما كانت الجيوش الإسلامية تهدد مراكز الحضارة في أوربا، وصدق الله – سبحانه وتعالى – إذ يقول: )لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا( (المائدة: ٨٢).
ومن هذه الروافد – بل من أهمها -:ما يسود معتقدات الطوائف النصرانية البروتستانتينية[52] خاصة في أمريكا، وأوربا من اعتقاد أنه قد اقترب أوان معركة “هرمجدون” التي ستقع بين إسرائيل والعرب المسلمين؛ فيعود المسيح لإنقاذ إسرائيل، وإعادة بناء هيكل سليمان محل المسجد الأقصى، وحينئذ يحكم المسيح العالم ألف عام يتحول اليهود فيها إلى المسيحية. ومع كون هذا كله أسطورة لا دليل عليها من أي مصدر ديني صحيح، فإن أربعين مليون أمريكي – بعضهم وصل إلى رئاسة أمريكاـ يؤمنون بها، ويعملون ضد العرب والمسلمين بناء عليها.
ومن هذه الروافد – بل من أهمها أيضا -: مصالح الغرب المالية الهائلة المتعارضة مع أية صحوة عربية أو إسلامية تنتعش فيها القدرات الإسلامية بإمكاناتها الهائلة وثرواتها الطبيعية، وتمتلك فيها زمام أمورها، بعيدا عن الانصياع المطلق لمصلحة الغرب الأمريكي، والأوربي الذي جرب نموذجا من ذلك في حرب 1973م، عندما استخدم العرب البترول لتحقيق شيء من مصالحهم، وفي هذا الجو تصاعد الهجوم على الإسلام وقيمه، وعلى الذين ينتسبون إليه، ويطبقون أحكامه – أو يرفعون شعار تطبيقها في أي مكان من الأرض – حيث يقابلون بتهم: الإرهاب والعداء للحضارة ولحقوق الإنسان وللتقدم الإنساني.
وقد ساعدهم على ذلك ما تقوم به بعض الجماعات الإسلامية – المنبثة في أنحاء العالم – من رفع شعارات ومن أعمال يغيب عنها الفقه الحقيقي بأحكام الإسلام؛ مثل منع تعليم المرأة، والدخول في صراعات مسلحة تستباح فيها الدماء، والأعراض، والأموال بغير حق، ويرى الغرب في هذه الصراعات والأعمال – غير الفاقهة لحقيقة الإسلام – مجالا خصبا للتحذير من الإسلام، وربطه بالإرهاب الدولي على أنه جزء من مفهومه لا ينفصل عنه، ومهاجمة عقيدة الجهاد فيه على أنها تعني: الرغبة الدائمة في الحرب، وإيقاع الأذى، والضرر بغير المسلمين شعوبا وأفرادا.
وفي مجال التشريع خاصة: نشط الهجوم على الإسلام في قضية المرأة التي يزعم الغرب أن الإسلام ظلمها في تشريعاته ظلما عظيما، ونشطت مؤتمرات السكان تحاول أن تفرض معطيات الحضارة الغربية على العالم كله – بما فيه العالم الإسلامي – واستجابت لها – بصورة غير معلنة – بعض حكومات البلاد الإسلامية، وبعض مثقفيها الذين تخلوا عن الإسلام – وإن لم يصرحوا بذلك: عقيدة وشريعة، لكن الشعوب الإسلامية في مجموعها ما تزال تقاوم نزعات التغريب بقدر ما تستطيع مستمسكة بإسلامها وقيمه التي لا تقبل تشريع اللواط، والزنا، والتجارة بالأعراض والعري، تحت شعار حرية التعبير الفني، وحرية الإنسان تجاه قهر الأديان… إلخ.
كذلك نشط الهجوم على الإسلام في قضية العقوبات الإسلامية – بخاصة البدنية – وارتفعت صيحات الغرب وممالئيه من أبناء المسلمين بشعارات الوحشية والبربرية، والقسوة المتناهية، ومخالفة حقوق الإنسان، بيد أننا باعتبارنا مسلمين، ومن منطلق الإنصاف والعدل المطلق – الذي يأمر به القرآن الكريم تجاه المخالفين لنا – نقول: إن اهتمام العالم الغربي بالحفاظ على حقوق الإنسان أمر هو في أصله وذاته محمود دون شك، وقد نشأت مؤسسات عديدة لتحري مدى الحفاظ على هذه الحقوق في بلدان العالم، ولبعض هذه المؤسسات جهود طيبة في هذا المجال، والإسلام يتوافق معها، ويؤيدها إلى أقصى مدى.
ومن هذه الجهود محاربة كل مظاهر الحكم المستبد في أنحاء العالم الذي يقهر إرادة الشعوب بشتى الوسائل؛ من تعذيب الأفراد والجماعات، وسلبهم حقوقهم، وتزييف إرادتهم بانتخابات شكلية مزيفة، ومعاملة المخالفين والمعارضين بأقصى صور الوحشية، وسلب حقهم في إبداء الرأي، وتأمين محاكمات عادلة… إلخ”[53].
وبعد أن يعدد د. محمد بلتاجي أسماء نماذج لهذه المنظمات مثل: منظمة العفو الدولية وغيرها، ويثني على بعض أدوارها وجهودها المتفقة مع أصول الإسلام في إنكار المنكر، وإلغاء كل صور التظالم، والضرر والضرار – يستدرك على بقية جهودها وأنشطتها المصادمة للقيم الإسلامية؛ لأن معيار هذه المنظمات في التقييم هو نمط المجتمع الغربي في الحياة، وأسلوبه وقيمه التي تختلف في كثير من الأمور اختلافا شاسعا عن نظائرها الإسلامية؛ فيقول في ذلك: “لكن هذه المؤسسات الدولية في مجال حقوق الإنسان تقوم أيضا بأعمال أخرى تدعونا إلى أن نستدرك عليها الملاحظات التالية:
- تنطلق هذه المؤسسات من المفاهيم الغربية التي تتصادم – في كثير من النظريات – مع المفاهيم العقدية والنظم التشريعية الإسلامية، وعندئذ تهاجم الإسلام والنظم التي تطبقه، أو تدعو إلى تطبيقه في المجتمعات الإسلامية، وعند ذلك ترفض المبدأ القرآني )لكم دينكم ولي دين (6)( (الكافرون)؛ لأنها تعتمد المعيار القيمي، والحياتي الغربي على أنه: المعيار الصحيح الذي ينبغي تعميمه على العالم كله، وقد عرضنا فيما سبق أسباب اختلاف العالم الغربي وروافده مع الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخا وحضارة في جوانب عديدة من النظر إلى الحياة والكون.
ويلقى المسلمون في ذلك عنتا شديدا بين الآونة والأخرى، حيث تهاجم هذه المؤسسات بضراوة كل نظام يتمسك بالشريعة الإسلامية، بخاصة في مجال العقوبات البدنية، وتشريعات الأسرة والمرأة وتلقى المملكة العربية السعودية نصيبا كبيرا من هذا الهجوم، كذلك مصر وإيران وغيرهما من بلدان العالم الإسلامي التي لا تجد أمامها إلا الاحتشاد لمقاومة محاولات هذه المؤسسات التي ينبغي عليها أن تدرك: أن مئات الملايين من المسلمين في أنحاء العالم لن ينصاعوا لمحاولاتهم المتكررة؛ لصرفهم عن إيمانهم، وعقيدتهم، وشريعتهم؛ لأن تجربتهم في الحياة ترفض في إصرار واستنكار ما آلت إليه القيم الغربية التي أصبحت في ظلها التجارة بالأعراض جزءا من النسيج الحياتى الغربي الاجتماعي، والاقتصادي.
وأضحت ألوان الشذوذ الجنسي حقائق معترفا بها قانونيا، واجتماعيا، وأصبحت السجون المكتظة بنزلائها مدارس لتفريخ الجريمة المنظمة وتدريس أصولها وقواعدها، وتخريج كوادر جديدة تدعم وجودها، وأضحت النظم التشريعية الجنائية فيها أكثر اهتماما بمصير عتاة المجرمين منها بمن وقع عليهم الاعتداء والبغي؛ حتى أصبحت التعليمات الأمنية في أرقى دول الغرب تنصح المواطن والسائح بأن يستجيب فورا لأوامر قطاع الطرق، وأن يقدم لهم ما يطلبون؛ كي لا يقتل على الفور.
وغاية ما تتمناه هذه المؤسسات الدولية: أن يعرض المسلمون عن ذكر الله إلى ما انتهت إليه قيمهم، وجهودها في هذا السبيل متواصلة؛ كما نبهنا الله تعالى بقوله: )ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا( (البقرة: ٢١٧).
ومن آخر هذه الجهود ما ذكرته الصحف، ووكالات الأنباء من أنه استجاب عدد من الدول الغربية في الأمم المتحدة لضغوط المنظمات الأهلية الداعية إلى تقنين العلاقات الزوجية غير الشرعية، وحماية حقوق الشواذ.
وتأتي محاولات الدول الغربية في إطار سعيها الحثيث منذ المؤتمر الرابع للمرأة في بكين لفرض عدد من المفاهيم والعادات والتقاليد، التي تخالف كافة الشرائع السماوية والأعراف والقيم السائدة في مجتمعات الدول الإسلامية، من خلال الإصرار على الاعتراف بالتوجهات الجنسية المختلفة، وتقنينها، وحماية العلاقات الجنسية غير الشرعية، أو القائمة على الشذوذ الجنسي، واتهام الدول الإسلامية بانتهاك حقوق الإنسان، وبعدم احترام المساواة، والحريات الشخصية، وهو الأمر الذي رفضته مصر، والدول الإسلامية بجدية وحزم مؤكدة ضرورة عدم السماح بتفشي مظاهر الانحلال الغربي، والتفسخ الاجتماعي – الذي يتسبب في كثير من المآسي، والمصائب، وعلى رأسها مرض الإيدز – داخل المجتمعات المؤمنة والمتمسكة بدينها وتقاليدها.
- إن مما يدخل في تقييمنا لمجموع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، ما نلاحظه أحيانا من أن هذه المؤسسات تكيل في السياسة الدولية والتصرفات الإنسانية بكيلين، وتزن فيهما بأكثر من ميزان؛ حيث تأتي مثلا إلى تصرفات إسرائيل مع العرب – بخاصة الفلسطينيين -، فتجد هذه المؤسسات صامتة تماما حيال تصرفات إسرائيلية غاية في الوحشية والإجرام غير المسبوقين في التاريخ البشري، فأين الدفاع عن حقوق الإنسان في ظل هذا الصمت التام؟! وأين هذا الصوت العالي لهذه المؤسسات حينما تسيل قطرات من دم إسرائيلي أو أمريكي أو أوربي؟
- ومن ملاحظاتنا على عمل هذه المؤسسات أيضا أنهم يغمزون الإسلام ويهاجمونه؛ تعريضا وتصريحا، على أعمال تقوم بها بعض حكومات الدول الإسلامية منافية لحقوق الإنسان، مثل تعذيب المتهمين، وحرمانهم من حقوق الدفاع الشرعي والقانوني، ومحاكمتهم محاكمات صورية على الرغم من رفض هذه الأعمال رفضا واضحا من قبل شريعة الإسلام وعقيدته ونظامه الخلقي؛ ومن ثم يعتبر من الظلم البين للإسلام وشريعته تحميله مسئوليتها؛ لأن الذين يقدمون عليها من الحكام إنما يخالفون أول ما يخالفون عقيدة شعوبهم وشريعتهم الإسلامية.
فكيف يحمل الإسلام مسئولية أعمال مخالفة لنصوصه ومقرراته، إذ الذين يقومون بها ينتسبون إليه في الجملة، لكنهم لا يلتزمون بمقولاته، وأحكامه؟! ذلك أن الإسلام لا يمثل عند هؤلاء الحكام إلا جانبا فلكلوريا شكليا، يتمثل في إسهامهم في بعض المناسبات والأشكال الدينية، أما حياتهم الحقيقية والعملية فهي بعيدة عنه تماما، وتعاني شعوبهم المسلمة من هذا البعد الكثير.
- كذلك مما نلاحظه على عمل هذه المؤسسات أيضا – بخاصة ذات الصلة بالحكومات الغربية – وقوفها صامتة أو شبة صامتة أمام جرائم بعض الحكام، تجاه شعوبهم، عندما تكون هناك صلة وثيقة بين هؤلاء الحكام وبين الحكومات الغربية، بمعنى: حينما يكون الحاكم في حقيقته تابعا أمينا في سياسته الخارجية والداخلية، لبعض الحكومات الغربية التي تتغاضى عن جرائمه تجاه شعبه، مقابل بذله الولاء لهم، والسير في ركابهم، وتنفيذ إرادتهم في المنطقة.
ويبدو أن تقدير المصلحة الذاتية مخالط في الميزان الغربي لمسألة تقدير حقوق الإنسان، ولعل المؤسسات والحكومات الغربية لا تلام على ذلك؛ لأن مصلحة شعوبها مقدمة على أي اعتبار آخر خاص بشعوب أخرى متخلفة: إفريقية، أو آسيوية! ولعل هذا هو الذي يفسر ظواهر وملاحظات عديدة في ممارسة هذه المؤسسات والحكومات لمراعاة حقوق الإنسان، إذ إن الإنسان في مفهومه الشعوري واللاشعوري ينصب أصلا على الإنسان الغربي وحقوقه ومصالحه، فهو عندهم خلاصة الحضارة الإنسانية!
وهكذا يأخذ عمل المؤسسات، والحكومات الغربية العاملة في ميدان حقوق الإنسان بعدا برجماتيا[54] عمليا، لعله مظهر يسود أنشطة الحضارة الغربية الوضعية المعاصرة كلها. وقد آن لنا أن نعرض لصياغة إسلامية بديلة لحقوق الإنسان في المفهوم الغربي” [55].
ثم يأخذ د. محمد بلتاجي في عرض ملامح هذا البديل الإسلامي، من حيث سبقه إلى تقرير الحقوق الإنسانية، بما فيها حقوق الأقليات في المجتمع الإسلامي، ومراعاته للعدل الاجتماعي بين كل فئات المجتمع، وأن الأصل في الإنسان براءة ذمته من الإثم، وأن إثبات الجرم يتثبت فيه بكل سبيل قبل إقامة الحد، وأن هذه الحدود تدرأها الشبهات، وأن الجريمة الشخصية يقع وزرها على فاعلها دون غيره.
فلعله ظهر من خلال هذا الاستعراض أن المسألة لا تتصل بحق من حقوق الإنسان الفعلية، بقدر ما تتصل بأهواء القوم الغرضية. وأن مآقي مثيري هذه الشبهات، ومروجيها لا تخلو – حتما – من دموع التماسيح.
ولعل من أنسب ما يختم به الحديث – في شأن هذه المسألة – قول الشيخ الغزالي: “إن الجرأة على الحدود التي شرع الله لعباده جزء من تملق المدنية العصرية، وقوانينها المحدثة، وأوربا لن تطرب لكلام أجمل في أذنيها نغما من انسلاخ المسلمين عن دينهم، عقيدة وشريعة، ثم إن أمر العقيدة، والشريعة سواء.
والعقل المدخول الذي يريد منا أن نتأول نصوص الفقه التشريعي في: الحدود والقصاص والمعاملات، سوف يطلب منا غدا أن نتأول كذلك نصوص الإسلام الأخرى في: الصلاة، والزكاة، والحج، فليست هذه أولى من تلك بوقف التنفيذ؛ بل إذا سرنا على منطق التعطيل فإن العبادات ستسبق المعاملات إلى أودية الفناء” [56].
خامسا. المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام:
حول حكمة تشريع الحدود، والعقوبات في الإسلام، يحدثنا د. محمد بلتاجي فيقول: نريد أن نعرض – في إيجاز شديد – لشيء من فلسفة العقوبة كقطع اليد، والرجم، والجلد، أهو التنكيل بالكرامة أم رغبة وحشية في إرضاء روح الجماعة المتعطشة للدماء؟ أم هو شيء آخر لا يمت لأحد هذين الهدفين بصلة؟
إنه مما لا شك فيه عند العارفين المنصفين أن التاريخ البشري، لم يشهد عقيدة أو نظاما احترمت فيه الإنسانية كما احترمت في الإسلام؛ ونصوص القرآن والسنة تنطق بهذا التكريم للإنسان باعتباره إنسانا فحسب، وبصرف النظر عما يملكه وعن منظره، فلم يكن المظهر المادي على وجه الإنسان – وبكل ما يحتويه – مقياسا للكرامة الإنسانية؛ لأن الله لا ينظر إلى لون الإنسان، أو جنسه أو وضعه الاجتماعي، ولكنه – عز وجل – ينظر إلى ذلك الشيء المشترك بين الناس جميعا، أعني – القلب – ومن هنا قيل في الإسلام – على لسان عمر بن الخطاب -: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا. ولم يكن بلال الذي جعله عمر سيد المسلمين إلا عبدا حبشيا أسود اللون.
وهذه الكرامة البشرية للإنسان – في حد ذاته – هي الأساس التشريعي الذي بنيت عليه التشريعات الإسلامية، وهدفت إليه، ولم تكن العقوبات إلا سبيلا لذلك، فقد اعتبر التشريع الإسلامي خمسة أشياء، يجب أن تحاط بالحماية، والضمان على كل المستويات: الفردية والجماعية؛ تحقيقا لهذه الكرامة البشرية؛ حتى لا تصبح مجرد شعار أجوف، تناقضه حقائق الحياة المرة القاسية.
وهذه الأشياء الخمسة هي: الدين – أو العقيدة – والنفس والعقل والنسل – أو العرض – والمال، وهي ما يسمى بالكليات الخمس التي تحقق للإنسان – بالمحافظة عليها – كرامته البشرية.
وبدافع من الحرص الشديد على إحاطة هذه الكليات بالضمان، فرضت العقوبات الحاسمة على من يعتدي على أحدها، بأن يسلب حياة الإنسان، أو شرفه، أو ماله، وفي هذا المجال لم يفرق التشريع الإسلامي بين إيقاع الأذى بالنفس أو بالغير، ومن ثم أوجب العقاب على شارب الخمر، وإن كان اعتداؤه في الحقيقة منصبا على عقله أولا؛ لأنه – وإن كان هو المعتدي – إنسان يهتم التشريع بأن يحفظ عليه أسباب كرامته، ولو بزجر حازم.
ومن المسلمات – لدى كل منصف مطلع على الحقيقة – أن التشريع الإسلامي منزل من الله خالق الإنسان العليم به؛ ولأن نزعات الاعتداء، والتطلع إلى سلب ما يملكه الآخرون طبيعة متأصلة في الإنسان؛ ولأن الناس قد زين لهم حب الشهوات من النساء والأموال وغيرهما من متع الحياة، بحيث خالط هذا الحب أعمق خلجات وجدانهم؛ ولأن في الإنسان نزعات هوجاء تعجز الزواجر الأدبية، والخلقية أحيانا، مهما عظم سلطانها في القلب – عن الوقوف أمامها.
لهذا كله فرض التشريع الإسلامي عقوبات حاسمة؛ كي تتحقق الإنسانية لجميع الناس، لصاحب الشيء في ألا يغتصب حقه، وللآخر في ألا يطيع نزعاته الهوجاء بما تحمله من عواصف التدمير والاغتصاب والخراب، مما يفقد الإنسان المعنى الحقيقي للكرامة، ومعظم الناس – في لحظة من الحياة على الأقل – يكون أحد الرجلين.
ومن هنا كان في العقاب – بما يتضمنه بالنسبة للفرد المعتدي – حياة للمجموع وكرامة لهم، لأن في إسالة دمه الذي حل بالاعتداء منعا لإسالة دماء، واغتصاب أعراض وأموال كثيرة، وكلما كان العقاب شديدا؛ زاد تردد الفرد في الاعتداء وتوقفه عنه؛ ومن ثم زادت مقاومته وحصانته ضد أهوائه العاصفة؛ فتحقق بذلك قسط أكبر من الكرامة البشرية له، وللمجموع البشري على وجه العموم، ومن أجل هذا شرعت العقوبات الحاسمة في الإسلام[57].
الخلاصة:
- الإسلام منظومة متكاملة للإصلاح، ورؤية متكاملة للكون والحياة والدنيا والآخرة: والحدود جزء من هذه المنظومة ووسيلة من وسائل فاعليتها، تسبقها في هذه الرؤية الإصلاحية مقدمات كثيرة وأركان متعددة، ثم يأتي تطبيق الحدود كمرحلة أخيرة؛ لتتم هيكل هذه المنظومة، فليست الحدود إذن المقدمة، ولا الغالبة على الرؤية الإسلامية للإصلاح.
- إن العقوبات التي قررتها الشريعة الإسلامية على مرتكبي الجرائم المنصوص على استحقاقها للحد، فيها رحمة بالإنسانية عامة وحفظ للمجتمعات، وصيانة لها، وليس فيها قسوة أوهمجية أو تعسف؛ فلقد اشترطت الشريعة لإقامة الحد شروطا يصعب توافرها في حق صاحبها، بل وصلت أحيانا إلى شبه الاستحالة، ثم درأت الحد بأدنى الشبهات.
- لا شك أن إهمال تطبيق حدود الله قد أفقد المدنيات المعاصرة الأمان والطمأنينة، وحرم كثيرا من مواطنيها الاستقرار والراحة النفسية، وأصابها بالهلع من إجرام المجرمين واعتداء المعتدين، وصارت الجرائم والاعتداءات في هذه المجتمعات ألوانا شتى.
- لقد راعت الشريعة الإسلامية عند تطبيقها للحدود كرامة الإنسان وحريته وإنسانيته والرحمة به، فقد راعت الوقت والمكان اللذين تنفذ فيهما العقوبة، والحالة الصحية للمحكوم عليه، وأصحاب الأعذار، كما راعت حالة المرأة من الحيض والنفاس والحمل والجنين، كما حرصت على عدم الإسراف في تنفيذ العقوبة، وتغسيل المحدود وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين.
- قصدت الشريعة الإسلامية من إقامة الحدود مقاصد عظيمة تعود على الفرد والمجتمع وعلى الإنسانية عموما، منها: ردع المعتدين، أو من ينوي الاعتداء؛ حفاظا على الأمن، وصيانة المجتمع؛ حفظا للدين والنفس والعقل والعرض والمال على قاعدة الوقاية خير من العلاج؛ وحتى تتنزل الرحمات من الله – عز وجل – على عباده. فهل يقبل زعم من تذرع بمبدأ حقوق الإنسان على رفض تطبيق الحدود في الشريعة الإسلامية؟!
(*) افتراءات المستشرقين على الإسلام: عرض ونقد، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، 1413هـ/ 1992م.
[1]. الحد: عقوبة مقدرة شرعا، وجبت حقا لله تعالى أو لآدمي زجرا، وهي: حد الردة، وحد قطع الطريق، وحد الزنا، وحد السرقة، وحد القذف، وحد شرب الخمر.
[2]. رفده وأرفده: أعانه. وترافدوا: أعان بعضهم بعضا. والترافد: التعاون.
[3]. المعول: الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر، وجمعها معاول. وفي حديث حفر الخندق “فأخذ المعول يضرب به الصخرة”، والميم زائدة وهي ميم الآلة.
[4]. الإحصان: صفة يوصف بها الرجل أو المرأة، ويتحقق بشروط مخصوصة، ويشترط في أحكام منصوص عليها في كتب الفقه، وهو نوعان: إحصان لوجوب حد الرجم في الزنا، ويتحقق بالاسلام والعقل والبلوغ والحرية والدخول بالزوجة، وإحصان لوجوب الحد على القاذف، ويتحقق بالإسلام والعقل والبلوغ والحرية والعفة عن الزنا. والمحصن: من توافرت فيه شروط الإحصان، والزوجان كل منهما يحصن الآخر؛ لأنه يمنعه من الوقوع في الزنا.
[5]. العدالة في الشهود: هي اجتماع صفات الصلاح والتقوى في الشخص، ولها علامات ذكرها العلماء.
[6]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت (6438)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا (4520) بنحوه.
[7]. أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، باب ما يستحب للمرء من ستر عورة أخيه المسلم وماله، أن عمر بن الخطاب كان يعس (397)، وعلاء الدين فوري في كنز العمال، كتاب الحدود من قسم الأفعال، فصل في أنواع الحدود (13597).
[8]. أرفده يرفده: أعانه. والترافد: التعاون.
[9]. صحيح: أخرجه عبد بن حميد في مسنده، مسند ابن عباس رضي الله عنه، ليس المؤمن الذي يشبع (694)، والبخاري في الأدب المفرد، كتاب الجار، باب لا يشبع دون جاره (112)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (149).
[10]. صحيح: أخرجه البخاري في الأدب المفرد، كتاب الجار، باب جار اليهودي (128) بلفظ: يا غلام، إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، والترمذي في السنن، كتاب البر والصلة، باب حق الجوار (1943) بلفظ: أهديتم لجارنا اليهودي، والبيهقي في شعب الإيمان، السابع والستون من شعب الإيمان وهو باب في إكرام الجار (9563) بلفظ: فابدأ بجارنا اليهودي، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (95).
[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب من شهد الفتح (4053)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود (4506)، واللفظ له.
[12]. ضرمت النار وتضرمت واضطرمت: اشتعلت والتهبت.
[13]. العدالة: صفة لازمة في الشخص تستلزم السلامة أو البراءة من الفسق ونواقض المروءة. ورجل عدل: متصف بالعدالة. والعدل في الشهادة في عرف الفقهاء: هو الحر البالغ العاقل المسلم ذو المروءة، صوابه أكثر من خطئه، ولم يكن فاسقا، ولا محجورا عليه، ولا صاحب بدعة وإن تأولها، ولا كثير كذب، ولا باشر كبيرة أو صغيرة خسة وسفاهة، ولا متأكد القرابة للمشهود له؛ كأب أو ولد.
[14]. الإسلام دين الهداية والإصلاح، محمد فريد وجدي، دار الجيل، القاهرة، ط1، 1991م، ص96: 103 بتصرف.
[15]. الدين والحياة، نشرات دورية تصدرها وزارة الأوقاف، 2000م، ص20.
[16]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا” (5774)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير (4626).
[17]. حسن: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب اللام ألف (589)، والدارقطني في السنن، كتاب الرضاع (42)، والبيهقي في سننه الكبرى موقوفا، كتاب الضحايا، باب ما لم يذكر تحريمه مما يؤكل أو يشرب (19509)، وحسنه الألباني في الإيمان لابن تيمية (1/ 44).
[18]. القصاص: مصدر قص وهو الجزاء على الذنب، أو المماثلة بين العقوبة والجناية، وهو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل في نفس أو ما دونها، وأن يوقع على الجاني مثل ما جنى؛ النفس بالنفس والجرح بالجرح… إلخ.
[19]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ، ص135.
[20]. المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام، د. حسني الجندي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص290.
[21]. الجوانب الإنسانية في تشريع العقوبة في الإسلام، د. عبد الغفار إبراهيم صالح، المجلة العلمية للبحوث الجنائية، كلية الحقوق ببني سويف، عدد يوليه 1989م، نقلا عن: المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام، د. حسني الجندي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص315 وما بعدها.
[22]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب تأخير الحد عن النفساء (4547).
[23]. المخدج: ناقص البنية أو ضعيف الجسم، يقال: خدجت الناقة: ألقت ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام وإن كان تام الخلق، والخداج: النقصان.
[24]. العثكال: الغصن الكبير الذي يكون عليه أغصان صغار، ويسمى كل واحد من تلك الأغصان “شمراخا”.
[25]. الشمراخ: هو ما يجمع من شيء مثل: حزمة الرطبة، وكملء الكف من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق.
[26]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث سعيد بن سعد بن عبادة رضي الله عنه (21985) بنحوه، وابن ماجه في سننه، كتاب الحدود، باب الكبير والمريض يجب عليه الحد (2574)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2574).
[27]. الضغث: قبضة من دقاق العيدان والنبات.
[28]. نكأ القرحة ينكؤها نكأ: قشرها قبل أن تبرأ فنديت.
[29]. الجدري: داء معروف يأخذ الناس وهو قروح في البدن تنفط عن الجلد ممتلئة ماء.
[30]. النفاس: هو حالة المرأة خلال الولادة أو بعدها مباشرة، تعقب الوضع ليعود فيها الرحم والأعضاء التناسلية إلى حالتها الطبيعية، ويطلق على الدم الذي يجري بعد الولادة، وتسمى المرأة في هذه الحال “نفساء”، وإذا أسقطت المرأة ما فيه تخطيط إنسان فالدم الذي بعده يعتبر دم نفاس، وهناك خلاف فقهي يرجع له في مكانه.
[31]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب تأخير الحد عن النفساء (4547).
[32]. سراية الحد: تجاوز العطب عما هو مقرر في الحد إلى غيره، كمن اقتص منه بقطع أصبعه، فالتهب مكان القطع وسرى ذلك إلى جميع البدن فمات الانسان.
[33]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الفتن، باب من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها (37187)، والنسائي في المجتبى، كتاب تحريم الدم، باب تحريم القتل (4127)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4127).
[34]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، حديث أبي رمثة رضي الله عنه (7107)، وأبو داود في سننه، كتاب الديات، باب لا يؤخذ الرجل بجريرة أخيه أو أبيه (4497)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4495).
[35]. أخرجه مسلم، ولفظ الروايتين له في صحيحه، كتاب الحدود، باب من اعتراف على نفسه بالزنا (4527، 4528).
[36]. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الحدود، باب من قال: إذا فجرت وهي حامل انتظر بها حتى تضع ثم ترجم (28814).
[37]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1190) بلفظ: لعلك استكرهت، لعل زوجك أتاك، والدار قطني في سننه، كتاب الحدود والديات وغيره (139)، وصححه الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد (1190).
[38]. السحل: القشر والكشط، والسحل: الضرب بالسياط يكشط الجلد، وسحله مائة سوط سحلا: ضربه فقشر جلده.
[39]. المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام، د. حسني الجندي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص625.
[40]. التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط2، 1406هـ/ 1985م، ج1، ص655.
[41]. التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط2، 1406هـ/ 1985م، ص655.
[42]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (6494)، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الرحمة (4943)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (925).
[43]. التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط2، 1406هـ/ 1985م، ص656.
[44]. التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط2، 1406هـ/ 1985م، ص655.
[45]. قدر الباحثون عدد الأيدي التي قطعت في السعودية على مدار 24 عاما بـ 16 يدا.
[46]. وهذا ما فعله عمر بن الخطاب عام المجاعة. انظر: المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام، د. حسني الجندي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص628: 631.
[47]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ، ص150.
[48]. التنوير: حركة فلسفية بدأت في الغرب في القرن الثامن عشر، تتميز بفكرة التقدم وعدم الثقة بالتقاليد وبالتفاؤل والإيمان بالعقل والعلم والتجريب.
[49]. التعزير: عقوبة غير مقدرة في الكتاب والسنة، تجب في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وهي متروكة للإمام يقدرها حسب كل جناية بضوابطها المنصوص عليها عند الفقهاء.
[50]. الكاثوليكية: مجموعة التعاليم المسيحية التي تدين بها الكنيسة الرومانية وعلى رأسها البابا.
[51]. الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط1، 2003م، ص76 وما بعدها.
[52]. البروتستانتينية: مذهب ديني مسيحي نشأ عن حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر، تدعو إلى تحرر الفرد من سلطان الكنيسة، وتجعله مسئولا أمام الله وحده، وتتبعه عدد من الكنائس الإنجليزية والمعمدانية وغيرهما، ويقابلها الكاثوليكية الرومانية والأرثوذكثية الشرقية.
[53]. الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط1، 2003م، ص101 وما بعدها.
[54]. البرجماتية: مذهب فلسفي يرى أن معيار الأفكار الناجحة في قيمة نتائجها العملية.
[55]. الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط1، 2003م، ص109 وما بعدها.
[56]. من هنا نعلم، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط4، 2003م، ص25، 26.
[57]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 2003م، ص209 وما بعدها.