استنكار تحريم التشريع الإسلامي لحم الخنزير
وجها إبطال الشبهة:
1) ليس الإسلام وحده الذي يحرم أكل لحم الخنزير؛ فاليهودية تحرمه – كما ورد في العهد القديم – وهذا ملزم للنصارى أيضا.
2) الإسلام يبيح الطيبات ويحرم الخبائث، وقد أثبت العلم الحديث أن في تناول لحم الخنزير آثارا مدمرة على صحة الإنسان، وهذا من الإعجاز العلمي للتشريع الإسلامي.
التفصيل
أولا. ليس الإسلام وحده الذي يحرم لحم الخنزير:
الأصل في الأشياء الإباحة و الإسلام شريعة سمحة وليس من أهدافها كثرة التحريم، إنما الدافع في تحريم أي شيء فيها هو مصلحة الإنسان ومنفعته – فردا كان أو جماعة – والكثير من الأوامر التي أمر الله بها، والنواهي التي نهى الله عنها، قد تخفى علينا الحكمة من وراء الأمر والنهي فيها، والهدف من ذلك اختبار الإنسان في مدى طاعته لله سواء بالأمر أو النهي.
وما كشفت الأيام عن حكمة شيء شرعه الله إلا وجدناه خيرا، ومن ذلك تحريم أكل لحم الخنزير الذي يشتمل على الكثير من المضار للإنسان في دينه ودنياه، وفي صحته وأخلاقه.
إن هناك جماعات كالبراهمة وبعض المتفلسفين حرموا على أنفسهم ذبح الحيوان وأكله، وعاشوا على الأغذية النباتية، وقالوا: إن في ذبح الحيوان قسوة من الإنسان على كائن حي مثله، ليس له أن يحرمه من حق الحياة.
لكنا عرفنا من التأمل في الكائنات أن خلق هذه الحيوانات ليس غاية في نفسه، فإنها لم تؤت العقل والإرادة، ورأينا وضعها الطبيعي أن تسخر لخدمة الإنسان، وليس بغريب أن ينتفع الإنسان بلحمها ذبيحة، كما انتفع بتسخيرها في حياتها.
وعرفنا كذلك من سنة الله في الخليقة أن النوع الأدنى يضحي به في مصلحة النوع الأعلى منه، فالنبات الأخضر المترعرع يقطع من أجل غذاء الحيوان، والحيوان يذبح لأجل غذاء الإنسان، بل إن الإنسان الفرد يقاتل ويقتل في مصلحة المجموع… وهكذا. على أن امتناع الإنسان من ذبح الحيوان لن يحميه من الموت والهلاك، فهو إن لم يفترس بعضه بعضا سيموت حتف أنفه، وقد يكون ذلك أشد عليه من شفرة حادة تعجل به.
وفي الديانات الكتابية حرم الله على اليهود كثيرا جدا من الحيوانات البرية والبحرية، تكفل بيانها الفصل الحادي عشر من سفر اللاويين من التوارة.
وقد ذكر القرآن بعض ما حرم الله على اليهود؛ وعلة هذا التحريم أنه كان عقوبة حرمان من الله لهم على ظلمهم وخطاياهم. قال عزوجل: )وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون (146)( (الأنعام).
هذا شأن اليهود، وكان المفروض أن يكون النصارى تبعا لهم في هذا فقد أعلن الإنجيل أن المسيح – عليه السلام – ما جاء لينقض الناموس، بل جاء ليكمله، ولكنهم استباحوا ما حرم عليهم في التوراة – مما لم ينسخه الإنجيل -، واتبعوا مقدسهم بولس في إباحة جميع الطعام والشراب، إلا ما ذبح للأصنام إذا قيل للمسيحي: إنه مذبوح لوثن؛ وعلل بولس ذلك: أن كل شيء طاهر للطاهرين، وأن ما يدخل الفم لا ينجس الفم، وإنما ينجسه ما يخرج منه. وقد استباحوا بذلك أكل لحم الخنزير، رغم أنه محرم بنص التوراة إلى اليوم.
أما العرب في الجاهلية فقد حرموا بعض الحيوانات تقذرا، وحرموا بعضها تعبدا وتقربا للأصنام واتباعا للأوهام؛ كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وفي مقابل هذا استباحوا كثيرا من الخبائث؛ كالميتة والدم المسفوح. إذن ففي كل تشريع تحريم، ولو كان تشريعا ضالا أو جاهليا، وتحريمهم لا يعلل بعلة مقبولة أما الإسلام فلا يحرم طيبا أبدا.
ثانيا. الإسلام يبيح الطيبات ولا يحرم إلا الخبائث:
جاء الإسلام والناس على هذه الحال في أمر الطعام الحيواني بين مسرف في التناول، ومتطرف في الترك، فوجه نداءه إلى الناس كافة في كتابه: )يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (168)( (البقرة)، ناداهم بوصفهم “ناسا” أن يأكلوا من طيبات تلك المائدة الكبيرة التي أعدها لهم – وهي الأرض التي خلق لهم ما فيها جميعا – وألا يتبعوا مسالك الشيطان وطرقه التي زين بها لبعض الناس أن يحرموا ما أحل الله فحرمهم من الطيبات، وأرداهم في مهاوي الضلال.
ثم وجه نداء إلى المؤمنين خاصة، فقال عزوجل: )يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)( (البقرة).
وفي هذا النداء الخاص للمؤمنين أمرهم سبحانه أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم، وأن يؤدوا حق النعمة بشكر المنعم عزوجل، ولقد وضع الإسلام القاعدة العامة فيما يبيح وما يحظر من الأطعمة واللحوم وهي قوله عزوجل: )ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم( (الأعراف: 157).
ثم بين أنه – عزوجل – لم يحرم عليهم إلا هذه الأصناف الأربعة المذكورة في آية البقرة، والتي ورد ذكرها في آيات أخر، أكثرها صراحة في الدلالة على حصر المحرمات في هذه الأربعة، قوله عزوجل: )قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم (145)( (الأنعام).
ولقد ذكر القرآن في سورة المائدة هذه المحرمات بتفصيل أكثر، فقال عزوجل: )حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب( (المائدة: 3).
ولا تنافي بين هذه الآية التي جعلت المحرمات عشرة، والآيات السابقة التي جعلتها أربعة، إلا أن هذه الآية فصلت الآيات الأخرى، فإن المنخنقة والموقوذة والنطيحة وما أكل السبع كلها في معنى الميتة، فهي تفصيل لها.
كما أن ما ذبح على النصب في حكم ما أهل لغير الله به، فكلاهما من باب واحد. فالمحرمات أربعة بالإجمال عشرة بالتفصيل.
ولقد كشف لنا العلم في عصرنا هذا عن بعض أسباب الفائدة في الطعام، وعن بعض أسباب الضرر فيه، فليس كل ما يؤكل يفيد الجسم، فبعض الطعام طيب وخال من أسباب المرض؛ فيزيد آكله صحة وقوة ونشاطا، وبعضها الآخر يحتوي على سموم أو جراثيم ضارة تسبب لآكلها المرض والضعف.
ونجد هذه المعاني في قوله عزوجل: )يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172)( (البقرة)، ثم نزلت بعد ذلك آيات تحرم بعض أنواع الطعام؛ فنزل تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به في أربع سور هى: (الأنعام: 145)، (النحل: 115)، (البقرة: 173)، (المائدة: 3).
لحم الخنزير في ضوء العلم الحديث[1]:
ربما يجادل بعض الناس – كما جادل فريق من المعتزلة من قبل – ويقولون: هل حرم الله – عزوجل – لحم الخنزير لضرر فيه يلزم التحريم، أو لسبب آخر سكت النص عنه؟
ولا شك أن هذا جدل عقيم، وما ينبغى أن يكون، فإن الله – عزوجل – إذ يحرم طعاما أو شرابا فهو يعلم السبب ويحيط بالعلة، سواء ذكر سبب التحريم أو لم يذكره، وسواء كان التحريم لصفة ثابتة في الطعام المحرم، أم لعلة تتعلق بمن يأكله من ناحية، أو من ناحية مصلحة المجتمع؛ فالله – عزوجل – يعلم الأمر كله، والطاعة لأمره واجبة، واستحسان الإنسان أو استقباحه لأمر ليس هو الحكم فيه.
وما يراه سببا قد لا يكون هو السبب، والأدب مع الله – عزوجل – يقتضي تلقي أحكامه بالقبول والتنفيذ، سواء عرف الإنسان الحكمة والسبب، أم ظلت خافية، ونحن إذ نتحدث عن ضرر لحم الخنزير؛ إنما نتحدث لبيان الإعجاز العلمي في آي القرآن العظيم والحديث النبوي الشريف، وكيف أن التقدم العلمي في عصر العلم الحالي قد أظهر لنا بعض أسباب التحريم، وهي كما يأتي:
- لحم الخنزير إذا تناوله الإنسان طعاما فإنه يعسر الهضم جدا؛ وذلك لأن أي لحم مكون من خلايا عضلية خيطية الشكل تجمعها حزم تسمى الألياف العضلية، وتختلف الألياف في الطول والقصر، فقد تكون قصيرة وقد تكون طويلة كما هو الحال في لحم الخنزير، فلحمه ذو ألياف عضلية، إضافة إلى ذلك فإنه من أكثر لحوم الحيوان دهونا، ولذلك كان من أكثر اللحوم عسرا في الهضم.
- عندما نزل الوحي الإلهي بتحريم لحم الخنزير كانت الأضرار الناتجة عن تناول لحم الخنزير مجهولة للإنسان تماما، وبالتالي لم تكن الأسباب العلمية في التحريم – وقتها – معروفة قط، وشيئا فشيئا كشف العلم عن الوجه القبيح في لحم الخنزير، فاكتشف أول ما اكتشف أن أكثر الطفيليات التي تصيب الإنسان بالأمراض الطفيلية تجد في جسد الخنزير مرتعا خصبا، وذلك أمر منطقي، فإن الخنزير لا يقبل إلا على القاذورات والقمامة، ولا يتناول من الطعام إلا ما كان قذرا ومنتنا، ولحم نبت وترعرع من مثل هذا الغذاء لا يمكن أن يكون نقيا نقاء لحوم الحيوانات الأخرى التي تأكل طعاما غير ملوث. وعادات الخنزير القذرة في تناول طعامه تجعل الكثير من الطفيليات تسكن فيه، وتتخذ من جسمه طورا من أطوار دورة حياته، ولحم كهذا تعافه النفس السليمة.
- ومن الأضرار السيئة للحم الخنزير والتي تجعله من الخبائث والمحرمات أن: الخنزير ينفرد بنقل بعض الأمراض الخبيثة والمعدية للإنسان، ولا ينقلها إلى الإنسان غيره، وتتصف الأمراض التي ينقلها الخنزير إلى الإنسان أنها لا تستجيب لأي علاج، ولا شفاء منها، ومن تلك الأمراض التي ينفرد الخنزير بنقلها إلى الإنسان: مرض الدودة الشريطية الخنزيرية Taenia Solian، فهذه الدودة عبارة عن شريط به مئات العقل قليلة السمك جدا، فهي في سمك ملىمتر تقريبا، أما طولها فهو عدة أمتار، وعدد العقل فيها بالمئات وكل عقلة بها الأعضاء الجنسية المذكرة والمؤنثة وتخرج من المبيض في كل عقلة، مئات من البويضات، في كل منه يرقة كاملة النمو تسبب الإصابة بالدودة لمن يأكلها.
- والدودة الخنزيرية تعيش في أمعاء الإنسان المصاب بها، وتخرج البويضات في برازه، ولما كان من طبيعة الخنزير أن يقبل على أكل القاذورات الملوثة بفضلات الإنسان والحيوان؛ فإن البويضات تصل إلى أمعاء الخنزير، حيث تفقس وتخرج منها اليرقات، التي تخترق جدار أمعاء الخنزير، وتتحوصل في عضلاته، وهي حويصلات صغيرة جدا لاتزيد الواحدة منها عن حجم رأس دبوس صغير.
- وإذا تناول إنسان لحم خنزير مصاب – ولم يطبخ جيدا طبخا يقتل اليرقات التي في داخل الحويصلات – فإن اليرقات تخرج في أعضاء الإنسان، وتتحول بعد ذلك إلى دودة شريطية خنزيرية كاملة تتعلق بجدار الأمعاء.
- ولا يقتصر خطر الدودة الشريطية الخنزيرية على وجودها في أمعاء الإنسان المصاب بها، فهذه وإن كان لها ضررها، إلا أن الضرر البليغ يحدث عندما تفقس البويضات في أمعاء الإنسان المصاب نفسه، وتنطلق منها اليرقات، وتخترق جدار الأمعاء، وتتحوصل في لحمه وأعضاء جسمه، وتحدث أعراضا مختلفة للعضو الذي استقرت فيه الحويصلات، وقد تستقر في المخ أو العين أو القلب أو أي عضو آخر، ولا يوجد علاج لهذا الطور من المرض ولا شفاء منها.
- أما عن حكم نجاسة لحم الخنزير وشحمه فمجمع عليها لقوله عزوجل: )قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم (145)( (الأنعام)، والرجس هو النجس ولكي يزداد يقيننا بمدى حرص الإسلام على صحة البدن لكل مسلم، بل لكل إنسان، يمكن أن نلخص البحث القيم الذي عرضه د. أحمد شوقي الفنجري تحت عنوان “الأسباب العلمية لتحريم لحم الخنزير” وذكر منها ما يأتي:
- يصاب الخنزير عادة بنوعين من الديدان هما:
- دودة التنيا الشريطية: وتنتقل من لحم الخنزير إلى أمعاء آكله وتخترقها إلى الدورة الدموية، وتتحوصل حتى تصل أحيانا إلى مثل حبة الفول، وتستقر في مكان ما من الجسم، فإن وصلت إلى المخ فيصاب قطعا بالجنون والشلل والتشنجات العصبية، وإن أصابت العين أعمتها، وإن كانت في جدار القلب أدت إلى الذبحة الصدرية، وثبت أن ورم المخ كان 25% منه بسبب دودة الخنزير، وهذه الحويصلة قد تستمر مع الإنسان 23 عاما.
- دودة التركينا: وهي موجودة في خنزير واحد من بين كل ستة خنازير حسب الإحصاءات العالمية، وبلغ عدد المصابين بها سنة 1947م (26)، مليون مصاب، وهي تؤدي إلى ارتفاع الحرارة وتورم الوجه، ونزلة معوية حادة وقد تؤدي إلى هبوط القلب.
والغريب أن كل طرق علاج هاتين الدودتين فشلت، ولا يوجد لها علاج إلى الآن حسب ما ذكره د. ج. جوردن المتخصص في علاج هذه الأمراض.
- أكدت نشرة أصدرتها هيئة الصحة العالمية أن مختبراتها في الدانمارك ثبت فيها علميا أن لحم الخنزير هو أكثر أنواع اللحوم قابلية للتلوث ونقل الميكروبات وأن 40% على الأقل من الخنازير الموجودة حاملة للميكروبات المعدية وغير المعدية.
- أن علماء الحيوان يصنفون الخنزير على أنه من الحيوانات آكلات اللحوم مثل الأسد والذئب والثعلب والكلب؛ لأنها ذات أنياب، والمعروف بالمشاهدة أن كل خنزير له أربعة أنياب كبيرة، والإسلام حرم أكل كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير؛ لأنها حقا كما تؤكد الأبحاث العلمية تصيب آكلها بالضراوة والعنف، وفي المكسيك يغرمون بقتال الديوك كلعبة، ولوحظ أن مربيها يطعمونها اللحم بدلا من الحبوب كي تزداد ضراوة وميلا إلى القتل، والمعروف أن الخنزير فيه شراسة وعنف تزيد كثيرا عن الغنم والأبقار آكلات العشب، وأنثى الخنزير تصاب عادة بحالات هيستيرية بعد الولادة وقد تقتل أولادها كلهم أو بعضهم ثم تأكلهم؛ ولذا يضطر الآن رعاة الخنزير إلى خلع أنيابها وهي صغيرة حتى لا تفترسهم عند الكبر، وقد لوحظ أن الخنازير إذا أخرجت من المراعي النظيفة في أوربا وأمريكا إلى الغابات؛ فإنها تسارع بأكل الفئران الميتة والرمم، وإذا دهست السيارة أحدهم تجمع القطيع من الخنازير حوله ليأكله، وهم الآن يطعمون في بعض مزارع التسمين لحم خنازير ميتة وعفنة أو خيل ميت، وقد لوحظ أن الخنازير لا ترتبط بنظام الأسرة؛ فالذكر له أكثر من أنثى وقد يعتدي على أنثى غيره، والأنثى لها أكثر من ذكر، ولذا لا نجد العفة في آكلي لحوم الخنازير، فقد يسلم أحدهم زوجته أو ابنته إلى رفيقه دون حرج، على حين قد يؤدي بعض هذا في عرفنا العربي والإسلامي إلى قتال عنيف.
- دهن الخنزير به نسبة كبيرة من الأحماض الدهنية المعقدة، منها تريجلسريدز، وتبلغ نسبة الكولسترول 15 ضعف ما يوجد في البقر، ونسبة الدهن في اللحم 50% أما في لحم البقر 5%، هذه النسبة العالية تؤدي إلى الإصابة بتصلب الشرايين وارتفاع الضغط، والذبحة القلبية، وهي القاتل الأول في أوربا.
- وباء الأنفلونزا يظهر أولا بين المزارعين المشرفين على الخنازير، ثم ينتشر بعد ذلك في الآكلين؛ ولذا سميت الأنفلونزا الخنزيرية وهو من الأمراض الشائعة الآن في العالم التي لم يجد لها الأطباء علاجا جذريا حتى الآن[2].
فإن كان كل ذلك الأذى يسببه أكل لحم هذا الحيوان، فإن النفوس الطبيعية تعافه وتأنفه ولو لم يحرم، وعلى هذا فقد ثبت أن الشارع الحكيم لم يحرم ما لا مبرر لتحريمه، بل إن تحريم أكل لحم الخنزير من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والذي يؤكد أنه ما نزل إلا من عند رب الأرض والسماء، الذي يعلم خفايا كل أمر وبواطنه.
ويجادل بعض المعارضين فيقولون: إنه من الممكن جدا أن نتفادى حدوث هذه الأمراض بطبخ لحم الخنزير جيدا؛ فتموت تلك اليرقات المتحوصلة في اللحم. وهذا مجرد فرض علمي، ولا يحدث في معظم الأحيان، فكثير من الناس من آكلي لحم الخنزير لا يستسيغون تناول اللحم إلا نصف مطبوخ، وبعضم الآخر يفضل أن يأكله نيئا، وكما أن هذه الديدان لا تموت إلا بالطبخ الجيد، فهي أيضا لا تموت ولو بحفظ لحم الخنزير مثلجا إلا بعد أكثر من شهرين.
وكل هذه الاحتياطات ضد حدوث العدوى من لحم الخنزير إنما هي احتياطات نظرية فقط، والدليل على ذلك. استمرار الدودة الحيوية حتى اليوم لهذه الأنواع من الطفيليات التي ينقلها أكل لحم الخنزير.
وفضلا عن ذلك فإن لحم الخنزير ولو لم يكن مصابا بتلك الأمراض، فهو أكثر لحوم الحيوان دهونا وأملاحا، وبالتالي فهو أكثرها ضررا بشرايين الجسم، الأمر الذي يسبب لآكل لحم الخنزير أمراضا كثيرة.
هل في الخنزير فوائد للإنسان[3]؟
وربما يدعي بعض الناس أن الخنزير حيوان يفيد الإنسان في كثير من الأمور غير أكل لحمه، فهو يصلح للتجارب العلمية، ومنه تستخلص بعض الهرمونات المفيدة في علاج بعض أمراض الإنسان، ويمكن نقل صمامات قلبية إلى قلب إنسان تلفت صمامات قلبه، وتنجح العملية، ويعيش الإنسان المريض.
نحن لا نعترض على ذلك، فالآيات الكريمة إنما حرمت أكل لحم الخنزير، والحديث الشريف حرم بيعه والاتجار فيه، كما حرم بيع الخمر والاتجار فيها، فعن جابر – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول عام الفتح وهو بمكة: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس! فقال صلى الله عليه وسلم: لا، هو حرام»[4].
وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا، هو حرام” يشير إلى حرمة بيعه، وهذا رأي الإمام الشافعي[5]، أما ما يستفاد من أي حيوان سواء كان الخنزير أم غيره من جلد مدبوغ أو هرمونات أو غيره مما يستفاد منها علميا ولا تؤكل، فالإسلام لم يحرم ذلك.
فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مر بشاة ميتة فقال: “هلا استمتعتم بإهابها”[6]، فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها»[7]. وقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجوز على الخنازير أيضا، لأن تحريم الميتة ولحم الخنزير في حكم واحد في القرآن الكريم في قوله عزوجل: )إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم (115)( (النحل).
وبنظرة فاحصة فيما يسببه أكل لحم الخنزير من أضرار نجد الأمر لا يقتصر على ذلك الضرر الجسماني، بل إنه يتعداه للضرر الخلقي، فقد ذكر ابن سينا في كتابه “القانون في الطب” أن طباع الإنسان وسلوكه يتقارب كثيرا مع طباع الحيوان الذي يأكل لحمه ومن المعروف أن الخنزير لا يغار على أنثاه.
وذكر الإمام ابن القيم مثل ذلك في كتابه “زاد المعاد في هدي خير العباد ” ــ بعد أن أورد حديث جابر – رضي الله عنه – الذي فيه أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول عام الفتح وهو بمكة: “إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام” – فقال: إن هذا الحديث الشريف اشتمل على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول، ومطاعم تفسد الطباع، وأعيان تفسد الأديان وتدعو إلى الشرك، إلا أنه استدرك قائلا: إن معرفة كلمات الحديث الشريف يختلف العلماء في تأويلها.
إذن، فمن رأي كل من ابن سينا وابن القيم يتضح لنا أن أكل لحم الخنزير يغير من طباع آكله بحيث تتقارب مع طباع الخنزير.
الخلاصة:
- لقد جاء التشريع الإسلامي يحرم أكل الميتة ولحم الخنزير، وظل الناس لا يعلمون شيئا عن أخطاره الصحية قرونا وقرونا، حتى تقدم علم الإنسان أخيرا واكتشف بعض ما في أكل لحم الخنزير من أخطار صحية، ولا يزال العلم يكتشف كل يوم جديدا.
- الله – عزوجل – هو الذي خلق الخلق، ويعلم أسرار خلقه، وهو القائل عزوجل: )إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)( (البقرة).
- ذكر الإمام ابن كثير عن أبي الطفيل أنه قال: نزل آدم بتحريم أربع: الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله. وأن هذه الأربعة لم تحل قط منذ خلق الله السماوات والأرض. وأرسل موسى – عليه السلام – بتحريمها، كما أرسل عيسى – عليه السلام – بتحريمها أيضا.
- هذا الجدل العقيم حول تحريم الإسلام لأكل لحم الخنزير بعدما اتضحت أضراره علميا، لا يعدو كونه حقدا على الإسلام الذي يثبت العلم كل يوم إعجاز تشريعاته.
- ليس الإسلام وحده هو الذي حرم أكل لحم الخنزير، بل تحريمه موجود في التوراة وهي في حق النصارى ملزمة.
- القاعدة الأساسية في الحظر والإباحة بالنسبة للأطعمة واللحوم وغيرها هي أن الإسلام يبيح الطبيات ولا يحرم إلا الخبائث، مصداقا لقوله عزوجل: )ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم( (الأعراف: 157)، ونحن نؤمن بهذه القاعدة سواء أثبتها العلم الحديث أم لم يثبتها، فما لنا وقد أثبتها العلم الحديث؟! إن ذلك يزيد المؤمن إيمانا بربه عزوجل.
(*) حقائق إسلامية في مواجهة حملات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م.
[1]. المعارف الطبية في ضوء القرآن والسنة: المحرمات وصحة الإنسان والطب الوقائي، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2002م. الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، دار النفائس، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص442: 444.
[2]. المقاصد التربوية للعبادات في الروح والأخلاق والعقل والجسد، د. صلاح سلطان، سلطان للنشر، أمريكا، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص121: 123.
[3]. الموسوعة الفقهية، وزراة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية، مطابع دار الصفوة، مصر، ط4، 1412هـ/ 1992م، ج20، ص31.
[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام (2121)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (4132).
[5]. المعارف الطبية في ضوء القرآن والسنة: المحرمات وصحة الإنسان والطب الوقائي، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص20.
[6]. الإهاب: جلد الحيوان قبل دبغه.
[7]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه (2108)، وفي مواضع أخرى.