التشكيك في أفضلية العبادة في ليلة القدر
وجوه إبطال الشبهة:
1) القدر لغة: الشرف، وليلة القدر اصطلاحا: ليلة مباركة من ليالي شهر رمضان نزل فيها القرآن الكريم فشرفت به، وعظم ثواب العبادة فيها.
2) مضاعفة أجر العبادة في ليلة القدر من رحمة الله بهذه الأمة؛ لأنها أقل الأمم أعمارا.
3) الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء فلا ممسك لرحمته ولا مقسم لها إلا هو. فلم الاعتراض؟!
4) الفضل العظيم لليلة القدر دعا المسلمين إلى العمل والاجتهاد، وشكر الله على هذه النعمة وليس التواكل، ثم إنها لا تغني عن غيرها حتى يستغني بها عنه وإلا وقع التقصير، فالأجر مميز فيها مع إتمام العبادات والفرائض والأعمال الأخرى في أوقاتها.
التفصيل:
أولا. ليلة القدر لغة واصطلاحا:
ليلة القدر تتركب من لفظين:
أولهما: ليلة وهي في اللغة: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ويقابلها النهار.
وثانيهما: القدر وهو لغة: الشرف والوقار ومن معانيه: الحكم والقضاء، والمراد بليلة القدر هو التعظيم والتشريف، والمعنى: أنها ليلة ذات قدر وشرف لنزول القرآن فيها، ولما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وشرف. وذهب الفقهاء إلى أن ليلة القدر أفضل الليالي، وأن العمل الصالح فيها خير من العمل الصالح في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قال سبحانه وتعالى: )ليلة القدر خير من ألف شهر (3)( (القدر)، وهي الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، وقد اختلف الفقهاء في محل ليلة القدر، فذهب البعض إلى أنها تكون في شهر رمضان خاصة، وقال البعض إنها في جميع السنة تدور فيها، ولكن الرأي المشهور لدى الفقهاء هو أنها توجد في العشر الأواخر من رمضان [1].
ثانيا. لقد اختص الله – عز وجل – هذه الأمة بليلة القدر وما فيها من عطاء جزيل؛ لأن الأمم السابقة تميزت بطول العمر، فأراد الله أن يجبر قصر أعمار هذه الأمة:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك» [2].
إن في هذا الحديث إشارة إلى تقدير إلهي لهذه الأمة، وهو قصر أعمارها، وقد تميزت الأمم السابقة بطول العمر، فكان الواحد منهم يعبد الله عمرا مديدا، فكأن الله تعالى أراد أن يجبر قصر هذه الأعمار فرزقهم ليلة القدر بما فيها من فضل عظيم يجعلها خيرا من ألف شهر.
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر فأنزل الله: )ليلة القدر خير من ألف شهر (3)( (القدر)، أي أن قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل، فهذه الليلة وما فيها من شرف وفضل ومضاعفة للثواب وخيريتها على ألف شهر، كان منحة من الله لهذه الأمة الخاتمة وذلك لقصر أعمارها [3].
ثالثا. فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد خص هذه الأمة بهذه الليلة التي تفضل ألف شهر؛ لأن له أن يتصرف في ملكه كيفما يشاء:
إن الله تعالى هو الذي فضل ليلة القدر على سائر ليالي السنة، وجعلها لهذه الأمة الإسلامية خاصة، وجعل العبادة فيها وقيامها خيرا من العمل الصالح في ألف شهر، ليس من بينها ليلة القدر، وقد أنزل الله بهذا قرآنا يتلى في قوله تعالى: )ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4) سلام هي حتى مطلع الفجر (5)( (القدر).
وهذا من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، ورحمته بهذه الأمة فلا يوجد أي وجه للاعتراض على هذا، فكما فضل الله بعض الناس على بعضهم في أمور الدنيا، من غنى وجاه وصحة وغيرها، ولا وجه للاعتراض على ذلك، فلماذا الاعتراض على رحمة الله بهذه الأمة ومضاعفة الأجر للعمل القليل، وأن يكون العمل الصالح في هذه الليلة خيرا من العمل في ألف شهر، ولله تعالى كل الحق في أن يتصرف في ملكه كيفما يشاء، وأن يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، يقول تعالى: )يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم (74)( (آل عمران)، وقوله: )ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (54)( (المائدة).
رابعا. الفضل العظيم لليلة القدر ليس معناه أن يترك المسلمون العبادة في غيرها، وإنما معناه أن يزيد المسلمون من العبادة شكرا لله على هذه المنحة الربانية:
إن الفضل العظيم لليلة القدر التي نزل فيها القرآن، وتتنزل فيها الملائكة من كل أمر، ليس معناه أن يركن المسلمون إلى هذه الليلة، ويتركوا العبادة في غيرها، فهذا ما لا يقول به عقل، وإنما فيه دلالة واضحة على المداومة على طاعة الله – عز وجل – شكرا على هذه المنحة الربانية الغالية التي اختص بها الله أمة الإسلام.
وكذلك لا نستطيع أن ننكر أن العمل في الإسلام يقاس بالخواتيم، فإذا كان قيام ليلة القدر خيرا من ألف شهر، فلا بد للمسلم أن يظل طوال حياته في طاعة الله تعالى؛ لأن المرء يبعث على ما مات عليه.
وكذلك فما كان للمسلمين أن يوفقوا للعبادة في هذه الليلة، إلا بدوام العبادة فيما سبقها وما يليها، فخير الأعمال عند الله أدومها.
كما أن هذه الليلة لا يعرف موعدها بالتحديد فهي – في المشهور عن الفقهاء – في العشر الأواخر من رمضان؛ كي يجد المسلمون في العبادة في غيرها، لا الركون إليها والاكتفاء بها كما يزعم هؤلاء المشككون.
وليلة القدر أفضل ليالي السنة، لقوله تعالى: )إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3)( (القدر)، أي: العمل فيها من: الصلاة والتلاوة والذكر خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
وعن أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [4].
وتفضيلها العظيم؛ لأن القرآن الكريم أنزل فيها لقوله تعالى: )إنا أنزلناه في ليلة القدر (1)( (القدر).
الخلاصة:
- ليلة القدر لغة واصطلاحا تعني أنها ليلة ذات قدر وشرف؛ لنزول القرآن الكريم فيها، ولما يقع فيها من تنزل الملائكة، ولما ينزل فيها من البركة والرحمة، والمشهور بين الفقهاء أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان. ويكون العمل الصالح فيها خيرا من العمل الصالح في ألف شهر.
- لقد اختص الله تعالى هذه الأمة بليلة القدر، وما فيها من عطاء جزيل؛ لأن الأمم السابقة تميزت بطول العمر، فكأن الله أراد أن يجبر قصر أعمار هذه الأمة، فجعل هذه الليلة تفضل ألف شهر رحمة بهذه الأمة.
- إن فضل الله يؤتيه من يشاء فلا ممسك لرحمة الله – عز وجل – فالله تعالى يتصرف في ملكه كيفما يشاء: )ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (54)( (المائدة)، فلا يوجد أي وجه اعتراض على هذا.
- إن الفضل العظيم لليلة القدر في الإسلام معناه أن يداوم المسلمون على العمل طوال العام؛ شكرا لله على هذه المنحة، لا الركون إليها والاكتفاء بالعبادة فيها، فالأعمال في الإسلام بالخواتيم، فالمرء يبعث على ما مات عليه، وخير الأعمال أدومها، والتقصير في غيرها من الأوقات يجدد الذنوب.
(*) موقع الهداية. goodway.comwww.The
[1]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، دار الصفوة، الكويت، ط1، 1412هـ/ 1992م، ج35، ص360.
[2]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب الأمل والأجل (4236)، والترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (3550)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1073).
[3]. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 533)، عند تفسير سورة القدر (آية: 1).
[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا (1802)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (1817).