التشكيك في الفوائد الطبية للحبة السوداء
وجه إبطال الشبهة:
أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن مكونات الحبة السوداء قادرة على علاج العديد من الأمراض المختلفة، بالإضافة إلى أن الأبحاث العديدة المعتمدة أثبتت فاعليتها في تقوية جهاز المناعة لجسم الإنسان وإصلاحه، هذا الجهاز الذي يملك تقديم الشفاء لكل الأمراض، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين جعل كلمة “داء” على العموم، بالإضافة إلى تطابق هذه الدراسات تمام المطابقة مع تنكير النبي صلى الله عليه وسلم لكلمة “شفاء”؛ حيث تتفاوت درجات الشفاء تبعًا لحالة جهاز المناعة، ونوع المرض وأسبابه ومراحله، لكن في النهاية يتحقق نوع من الشفاء لكل داء يصيب الإنسان بعد تقوية جهاز المناعة.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
مكونات الحبة السوداء:
لقد تم التعرف على مكونات الحبة السوداء، ومنها العديد من المكونات النشطة والفعالة المعزولة بعدة طرق حديثة، واتضح أنه من الممكن اعتبار الحبة السوداء مصدرًا جيدًا للغذاء المتوازن، وذلك لمحتواها العالي من البروتين 20%، الكربوهيدرات 34% والدهون تتراوح نسبتها من 32 إلى 40%، بالإضافة إلى كونها مصدرًا للمعادن والأملاح؛ مثل الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والحديد والفوسفور.
وعلى الرغم من أن غالبية المعادن تتواجد بكميات ضئيلة 1,8: 3.7% إلا أنها تعمل كمساعدات إنزيمية مهمة لمختلف الوظائف الإنزيمية، أما المحتويات الأخرى للحبة التي عرفت وتمت دراستها بدقة لأهميتها الحيوية فهي الزيت الثابت (Fixedoil)، الزيت الطيار أو العطري (VolataileOrEssentialOil)، قلويدات (Alkaloids)، صابونيات ((Saponins، وغيرها([2]).
التركيب الكيميائي للحبة السوداء:
تحتوي بذرة الحبة السوداء على 1,4% من وزنها الجاف على غليكوزيد سام (الميلانتين غليكوزيد سام إذا أعطي بمفرده وفاق المقدار الدوائي) هو الميلانتين (melantin) وعلى غليكوزيد مر بنسبة 0,5: 1,5% هو النيغللين (nigellin).
كما تحتوي على زيت عطري إيتري بنسبة 1,4%، وهو زيت أصفر اللون ذو رائحة حادة؛ لاحتوائه على التربين، ويتحصل على هذا الزيت الإيتري بواسطة التقطير ببخار الماء، كما تحتوي البذور على زيت دسم بنسبة 30,8: 44,2%.
أما الأوراق فتحتوي وقت الإزهار على 1: 2,2 جم في كل 100 جم من وزنها جافة من الفيتامين (ث)، أما الأزهار فتحتوي على كمية عالية جدًّا من الفيتامين (ث)، تبلغ حسب بعض الدراسات 1259 ملجم في كل 100 جم من الأزهار.
ويجب أن نعلم أن الميلانتين يوجد في أجزاء العشبة كلها وهو شبه قلوي سام، حتى لذوات الدم الحار، وهو سُمّ قوي للأسماك يسبب انحلال الدم عندها.
أما الحبة الدمشقية فتحتوي بذورها على زيت (إيتري) خاص يدخل في صناعة العطورات، لونه أصفر وذو فلورة سماوية شديدة، وتبلغ نسبته فيها 0,5: 0,37% من وزنها، كما تحتوي البذور على نسبة من الفيتامين (E) الذي يكون منحلاًّ في الزيت الدسم الموجود في البذور، وفي أوراقها نسبة من الفيتامين (ث)، هذه النسبة تصل حتى 430 ملجم في 100 جم من الأزهار([3]).
الاستخدامات الطبية والنشاطات الحيوية للحبة السوداء:
استُخدمت الحبة السوداء بكثرة في الطب الشعبي لعلاج أمراض الجهاز التنفسي والدوري،وللاضطرابات المعوية في جميع البلدان الإسلامية من المغرب إلى باكستان، وقد بدأت الاستخدامات الطبية للحبة السوداء في الظهور وبشكل واسع منذ عام 1960م، وازدهرت في الثمانينيات والتسعينيات وحتى الألفية الثالثة، وجاءت هذه الاستخدامات لتؤكد مفعول هذه الحبة وأهمية مكوناتها.
وقد أوضحت الدراسات المختلفة الآثار الطبية العلاجية الواضحة لمفعول الحبة السوداء التي عُرفت بتعدد أنشطتها الحيوية؛ فقد وُجد أن لها نشاطًا مضادًّا للأورام والسرطانات، ومضادًّا أيضًا للحساسية والالتهابات والميكروبات والطفيليات، ومضادًّا لأمراض الجهاز البولي التناسلي، ومضادًّا لارتفاع الضغط والسكر في الدم، والانقباضات، وأمراض الجهاز البولي التناسلي، وكذلك للإجهاض والسموم والروماتيزم، وهذه الحبة لها نشاط فعال مضاد للأكسدة ومحفِّز قوي للجهاز المناعي.
وقد أكدت العديد من الدراسات أن الحبة السوداء ومستخلصاتها آمنة وعديمة السمية على الأعضاء المختلفة لجسم الإنسان أو الحيوان([4]).
وأشارت الأبحاث إلى أهمية الحبة السوداء في علاج كثير من الأمراض الجلدية مثل الجرب، والإكزيما، وحَبّ الشباب، والثعلبة، والقولون، وضعف الشهية للطعام، والدوسنتاريا الأميبية، والديدان الشريطية، وهناك أمراض العيون التي تفيد في علاجها الحبة السوداء؛ حيث يدهن بزيت الحبة السوداء الصدغان بجوار العينين والجفنين قبل النوم، مع شرب قطرات من زيت الحبة السوداء.
كما تبين جدوى تناول الحبة السوداء في علاج ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم.
وأكدت الأبحاث العلمية أيضًا على فائدة الحبة السوداء في علاج أمراض الجهاز البولي والتناسلي، ولا سيما علاج الضعف الجنسي عند الرجال، واضطراب الطمث عند المرأة، وكذلك في علاج أمراض الجهاز التنفسي؛ مثل نزلات البرد ونوبات الربو، كما تفيد الحبةالسوداء عند تناولها كمسحوق، أو بعد أن تُغلى في الماء وتُحلى بعسل النحل([5]).
وفي بريطانيا نُشرت دراسة في مجلة(plantamedica) عام 1996م ذكر فيها الدكتور هوتون خصائص زيت الحبة السوداء الطيار المضادة لآلام المفاصل والروماتيزم، وقد تبين أن زيت الحبة السوداء يحتوي على نوعين من الزيوت، هما: الزيت الطيار بنسبة 0,45%، والزيت الثابت بنسبة 33%.
وفي لندن قامت الباحثة العربية ريما أنس مصطفى في مخابر جامعة كينج بلندن، تحت إشراف أساتذة بريطانيين- بدراسة واسعة على حبة البركة، أثبتت تلك الدراسة وجود خواص مضادة للجراثيم في زيت الحبة السوداء الطيار.
وفي إحدى المجلات العالمية (Annals) نُشرت دراسة أثبتت دور الحبة السوداء في أمراض الحساسية.
وفي مجلة (InternationalJournal) نُشرت أيضًا دراسة تبين خلاصة الحبة السوداء وقدرتها على خفض سكر الدم عند الأرنب([6]).
وقد ذكر الدكتور حسان شمسي باشا- استشاري أمراض القلب- في بحثه القيم “أسرار الحبة السوداء تتجلى في الطب الحديث” أكثر من عشرين دراسة علمية نُشرت في مجلات طبية عالمية، تثبت كل دراسة من هذه الدراسات قدرة هذه الحبة على علاج مرض معين، وذلك لمن يريد الاستزادة من هذه الدراسات والأبحاث العلمية.
الحبة السوداء وتقوية جهاز المناعة:
أجرى الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه بالولايات المتحدة الأمريكية بحثًا عن تأثير الحبة السوداء على جهاز المناعة في الإنسان، وقد أُجري البحث في دراستين، وكانت نتائج الدراسة الأولى زيادة في نسبة الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة (Th) إلى الخلايا الكابحة (Ts) بنسبة 55%، وزيادة متوسطة في نشاط خلايا القاتل الطبيعي (Kellercells) بنسبة 30%، وقد أعيدت الدارسة مرة أخرى على مجموعة ثانية من المتطوعين؛ وذلك لوقوع معظم المتطوعين في الدراسة الأولى تحت ضغوط شخصية ومالية مؤثرة، وضغوط متعلقة بالعمل خلال فترة الدراسة؛ وذلك لتفادي عامل الضغوط (الإجهاد) على جهاز المناعة.
وقد أجريت الدراسة الثانية على ثمانية عشر متطوعًا ممن تبدو عليهم أمارات الصحة، وقد قُسِّم المتطوعون إلى مجموعتين؛ مجموعة تناولت الحبة السوداء بواقع جرام واحد مرتين يوميًّا، ومجموعة ضابطة تناولت الفحم المنشط بدلاً منها لمدة أربعة أسابيع، وقد غُلِّفت عبوات بذور الحبة السوداء في كبسولات متشابهة تمامًا مع عبوات الفحم، وثبت من خلال هذا البحث أن للحبة السوداء أثرًا مقويًا لوظائف المناعة؛ حيث ازدادت نسبة الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة إلى الخلايا التائية الكابحة إلى 72% في المتوسط([7]).
وقد جاءت نتائج بعض الدراسات الحديثة مؤكدة لنتائج أبحاث القاضي، منها:
- نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد أغسطس 1995م بحثًا حول تأثير الحبة السوداء على الخلايا الليمفاوية المدمرة للخلايا السرطانية الإنسانية في الخارج على عدة مطفرات، وعلى نشاط البلعمة لخلايا الدم البيضاء متعددة النواة، وقد أثبت البحث تأثيرًا منشطًا لمستخلص الحبة السوداء على استجابة الخلايا الليمفاوية لأنواع معينة من الخلايا السرطانية، كما أثبت البحث أيضًا أن مستخلص الحبة السوداء يزيد من إنتاج بعض الوسائط المناعية “أنترليوكين 3” من الخلايا الليمفاوية البشرية، عندما زُرعت مع الخلايا السرطانية السابقة نفسها بدون إضافة أي منشطات أخرى.
كما أثبت البحث أيضًا أن الحبة السوداء تزيد من إفراز أنترليوكين نوع 1ـ بيتا؛ مما يعني أن لها تأثيرًا في تنشيط خلايا البلعمة.
- كما نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد سبتمبر 2000م بحثًا عن التأثير الوقائي لزيت الحبة السوداء ضد الإصابة (cytomegalovirus) بالفيروس المضخم للخلايا في الفئران؛ حيث اختُبر زيت الحبة السوداء كمضاد للفيروسات، وقيست المناعة المكتسبة أثناء الفترة المبكرة من الإصابة بالفيروس، وذلك بتحديد خلايا القاتل الطبيعي والخلايا البلعمية الكبيرة وعملية البلعمة، وبعد إعطاء زيت الحبة السوداء للفئران وُجد تثبيط واضح لمعدلات نمو الفيروس في الكبد والطحال بعد ثلاثة أيام من الإصابة، كما ازدادت معدلات الأجسام المضادة في الـمصل، ومع أنه انخفض كل من عدد ونشاط خلايا القاتل الطبيعي في اليوم الثالث من الإصابة، إلا أنه حدثت زيادة في أعداد الخلايا المساعدة التائية، وفي اليوم العاشر مع الإصابة لم يمكن تحديد أي معدل لوجود الفيروس في الكبد والطحال، بينما وُجد بوضوح في مجموعة التحكم.
وأظهرت هذه النتائج أن زيت الحبة السوداء له خاصية مضادة للفيروسات المضخمة للخلايا، والتي قيست من خلال ازدياد وظيفة الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة
(Tcells (+) CD4) وعددها، وزيادة الخلايا البلعمية الكبيرة، وتنشيط عملية البلعمة، وزيادة إنتاج الإنترفيرون (نوع جاما) في المصل.
- نشرت مجلة السرطان الأوربية في عدد أكتوبر 1999م بحثًا عن تأثير مركب الثيموكينون على سرطان المعدة في الفئران، وقد أثبت البحث أن وجود الزيوت الطيارة في بذور الحبة السوداء يُعد عاملا ًكيميائيًّا قويًّا واقيًا ضد السرطان في المعدة، وقد عزا هذا لأن لها تأثيرًا مضادًّا للأكسدة والالتهابات.
- كما نشرت مجلة أبحاث مضادات السرطان في عدد مايو 1998م بحثًا عن مستخلصات الحبة السوداء كمضاد للأورام السرطانية، وأثبت البحث أن مركبات الثيموكينون والدايثيموكنيون لها تأثير مدمر على أنواع عديدة من الخلايا السرطانية البشرية.
- نشرت أيضًا مجلة الأثنو الدوائية في عدد أبريل عام 2000م بحثًا تطبيقيًّا آخر عن التأثيرات السمية والمناعية للمستخلص الإيثانولي من بذور الحبة السوداء، وثبت أن له تأثيرًا سميًّا قويًّا على بعض الخلايا السرطانية وتأثيرًا قويًّا ومنشطًا للمناعة الخلوية.
- ونشرت المجلة نفسها في عدد نوفمبر 1999م بحثًا عن تأثير الثيموكينون على متلازمة فانكوني ونشاط الخلايا السرطانية في الفئران، وأثبت البحث أن هذا المركب الموجود في الحبة السوداء له نشاط واضح مضاد للأورام.
- ونشرت مجلة النباتات الطبية في عدد فبراير 1995م بحثًا عن تأثير زيت الحبة السوداء الثابت ومركب الثيموكينون على كرات الدم البيضاء، والأكسدة الفوقية للدهن في الأغشية المبطنة، وثبت من خلال هذا البحث صحة الاستخدام الشعبي للحبة السوداء ومنتجاتها في علاج الروماتيزم والأمراض الالتهابية ذات العلاقة.
كما ثبت أيضًا أن لمركب النبحيلون تأثيرًا متوسطًا مثبطًا لإفراز الهستامين من الخلايا البلازمية في الدراسة التي نشرتها مجلة الحساسية في عدد مارس 1992م.
- ونشرت مجلة السرطان في عدد مارس 1992م بحثًا عن الخواص المضادة للأورام في بذور الحبة السوداء، وأُجري البحث على خلايا سرطانية مسببة للاستسقاء، وقد توقف نمو هذه الأورام تمامًا داخل حيوانات التجارب بواسطة المواد الفعالة في بذور الحبة السوداء، ويُعتقد- لحد كبير- أن مستوى التأثير وصل للحمض النووي دنا.
- كما نشرت مجلة الأثنو الدوائية في عدد فبراير 2002م بحثًا عن تأثير زيت الحبة السوداء على تليف الكبد الذي يحدث نتيجة الإصابة بالبلهارسيا الـمعوية في الفئران، وأثبت البحث أن لهذا الزيت تأثيرًا مضادًّا لتدمير الخلايا الكبدية نتيجة الإصابة بديدان البلهارسيا، وقد تحسنت إنزيمات الكبد تحسنًا ملحوظًا، وانكمشت بؤر الإصابة ببيوض الديدان في الكبد انكماشًا كبيرًا، مما يعني أنه يمكن أن يكون لزيت الحبة السوداء دور في التحكم ضد التغيرات التي تحدثها الإصابة بديدان البلهارسيا المعوية، وذكر الباحثون أن هذا التحسن يمكن أن يُعزى جزئيًّا إلى التحسن في جهاز مناعة العائل، وإلى التأثير المضاد للأكسدة في هذا الزيت([8]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث النبوي الشريف:
لقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام»([9])، والسام: الموت.
ومع وجود هذا الحديث الشريف إلا أن الحبة السوداء لم تنل من الاهتمام مثلما نالت خلال الأعوام القليلة الماضية، فقد كانت هناك دراسات قليلة تُنشر من حين إلى آخر، إلا أنه في الأعوام القليلة الماضية نُشرت عشرات الدراسات العلمية في المجلات العالمية الموثقة، ورغم أن معظمها أُجري على الحيوانات إلا أن هذا الكم من الدراسات المنشورة من الشرق والغرب، والتنوع العجيب في فوائد الحبة السوداء- أمر يثير الاهتمام حقًّا، ويلفت النظر إلى التأمل في الحديث السابق الذكر.
من أقوال شراح الحديث:
إن هذه الحبة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي “الشونيز” بلغة فارس، وهي “الكمون الأسود” في السودان، وتُسمى “الكمون الهندي”، وتُعرف في بلاد الشام ومصر باسم “حبة البركة” أو “الحبة السوداء” كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد انتبه شراح الأحاديث للأثر الطبي في هذا الحديث الطيب، وهو حديث “الحبة السوداء”؛ فعددوا منافعها، وذكروا محاسنها، ونبهوا إلى النتائج المبهرة التي تحققت جراء تناول هذه الحبة المباركة.
يقول الإمام النووي في شرحه صحيح مسلم عند تعرضه لهذا الحديث: “وذكر الأطباء في منفعة الحبة السوداء التي هي الشونيز أشياء كثيرة، وخواص عجيبة، يصدقها قوله صلى الله عليه وسلم فيها؛ فذكر جالينوس أنها تُحِلُّ النَّفْخ، وتُقِلُّ ديدان البطن إذا أُكل أو وُضع على البطن، وتنفي الزكام إذا قـُلي وصُرَّ في خِرْقة وشُمَّ، وتزيل العلة التي تقشر منها الجلد، وتقلع الثآليل المتعلِّقة والمنكَّسة والخِيلان، وتُدِرُّ الطَّمْث المنحبس إذا كان انحباسه من أخلاط غليظة لزجة، وينفع الصداع إذا طُلي به الجبين، وتَقلع البُثور والجَرَب، وتحلِّل الأورام البلغمية إذا تُضُمِّد به مع الخل، وتنفع من الماء العارض في العين إذا استُعط به مسحوقًا بدُهن الأرَلْيا، وتنفع من انتصاب النفس، ويُتمضمَض به من وجع الأسنان، وتُدِرُّ البول واللبن، وتنفع من نهشة الرَّتيلا، وإذا بُخِّر به طرد الهوام، قال القاضي: وقال غير جالينوس؛ خاصيته إذهاب حُمَّى البلغم والسوداء، وتقتل حَبَّ القَرْع، وإذا عُلِّق في عنق المزكوم نفعه، وينفع من حمى الرَّبع. قال: ولا يبعد منفعة الحار من أدواء حارة بخواص فيها، فقد نجد ذلك في أدوية كثيرة، فيكون الشونيز منها لعموم الحديث، ويكون استعماله أحيانًا منفردًا، وأحيانًا مركبًا. قال القاضي: وفي جملة هذه الأحاديث ما حواه من علوم الدين والدنيا، وصحة علم الطب، وجواز التطبب في الجملة، واستحبابه بالأمور المذكورة”([10]).
ويقول المناوي: “عليكم بهذه الحبة السوداء؛ أي: الزموا استعمالها بأكل أو غيره، فإن فيها شفاء من كل داء”([11]).
وقال الحافظ ابن حجر: “ويُؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تُستعمل في كل داء صرفًا، بل ربما استُعملت مفردة، وربما استُعملت مركبة، وربما استُعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استُعملت أكلاً وشربًا وسعوطًا وضمادًا وغير ذلك”([12]).
وقد تبين من شرح الأحاديث ولفظها أن الاستعمال المسبق والمداومة عليه قبل حدوث المرض، بالإضافة إلى الاستعانة بها بعد حدوثه من أفضل طرق التداوي بالحبة السوداء، وأنها بذلك- ولا ريب- تدفع عن الجسم كل مرض بلا استثناء، وذلك بمشيئة الله؛ إن شاء صرفه، وإن شاء أوجب حصوله([13]).
استخدام علماء المسلمين للحبة السوداء في علاج الأمراض:
برع العديد من المسلمين في وصف الحبة السوداء وذكر منافعها في أمهات الكتب، وذلك أمثال ابن سينا في كتابه “القانون في الطب”، وابن قيم الجوزية في كتابه “الطب النبوي”، وأبي بكر الرازي في كتابه “الحاوي الكبير”، وابن النفيس في كتابه “الموجز في الطب”، وابن البيطار في كتابه “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية”، وغيرهم الكثير.
ووُصفت بأنها مسكِّن جيد ونافع لضيق التنفس ولأوجاع الصدر والسعال، ولعلاج حصوات الكُلَى والمثانة، وللإسهال والقولون، وطاردة للريح، ومفيدة لإدرار البول واللبن، وللغثيان والزكام والحمى والبواسير، ولعلاج آلام الأسنان والصمم وتضميد البثور والجرب المتقرح، وللبُهاق والبرص والثآليل والخيلان والفالج- الشلل النصفي- وللأورام الـمزمنة والصلبة، ولقتل ديدان البطن، إلى غير ذلك([14]).
لقد تلقى المسلمون أحاديث الحبة السوداء بالقبول، واختلف العلماء في شرحها؛ فمن قائل: إن عموم الشفاء لكل الأمراض، والذي يُفهم من ظاهر الأحاديث ليس مرادًا، وإنما المراد أن فيها شفاء لبعض الأمراض، فهو من قبيل العام الذي يُراد منه الخصوص، ومن قائل: إن الأصل حمل العام على عمومه ما لم تكن هناك قرينة قوية صارفة؛ ولذلك رجحوا وجود خاصية الشفاء بها لكل الأمراض، وأثبتت الأبحاث الحديثة أن جهاز المناعة يملك تقديم العلاج الدقيق المتخصص لكل داء يمكن أن يصيب الجسم، من خلال تنشيط المناعة النوعية متمثلة في الخلايا الليمفاوية المنتجة للأجسام المضادة، والخلايا القاتلة المفصلة والمخصصة لكل داء، وأن للحبة السوداء تأثيرًا منشطًا ومقويًا لهذه المناعة، فيمكن بذلك أن يكون في الحبة السوداء شفاء من كل داء؛وبالتالي يمكن حمل ظاهر النصوص على عمومها.
وهذا هو الصحيح؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في الحبة السوداء شفاء لكل داء، ووردت كلمة “شفاء” في صيغ الأحاديث كلها غير معرَّفة بالألف واللام، وجاءت في سياق الإثبات؛ فهي لذلك نكرة تعم في الغالب، وبالتالي يمكن أن نقول: إن في الحبة السوداء نسبة من الشفاء في كل داء.
وقد ثبت من خلال وصف جهاز المناعة أنه النظام الوحيد والفريد الذي يمتلك السلاح المتخصص للقضاء على كل داء؛ إذ تقوم الخلايا البلعمية ـ بعد التهام الجراثيم الغازية وهضمها- بعرض قطع البكتيريا المتحللة “المستضد” (Antgenic) على سطحها، ثم تلتصق بالخلايا الليمفاوية لتعريفها على التركيب الدقيق للميكروب، فتحث كلاًّ من الخلايا البائية (B) والخلايا التائية ( T) لإنتاج الأجسام المضادة، أو خلايا ( T) المتخصصة والخاصة بهذا المستضد الذي حفَّز إنتاجهما.
ويمتلك جدار الخلايا البائية حوالي 100 ألف جزيء من الأجسام المضادة، والذي يتفاعل بخصوصية عالية مع النوع الخاص الذي سببه المستضد عند الميكروب، وكذلك في الخلايا التائية؛ حيث تكون المستقبِلات البروتينية السطحية الكائنة في جدار الخلية الليمفاوية والتي تُسمى “علامات الخلية” (T.cellmarkers) مشابهة تمامًا للأجسام المضادة، وتتحد الأجسام والخلايا التائية المتخصصة اتحادًا تامًّا مع المستضد للميكروب فتبطل عمله أو تدمره؛ وبالتالي فهذه المناعة هي مناعة متخصصة لكل كائن غريب يوجد داخل الجسم، فلكل داء دواؤه المناسب، وبما أنه لا توجد مادة مركبة أو بسيطة على وجه الأرض تملك خاصية المقدرة على التخلص من مسببات جميع الأمراض وشفائها حتى الآن- فيما نعلم- وتعمل عمل جهاز المناعة، فيمكننا القول بأنه الجهاز الوحيد الذي يملك تقديم شفاء من كل داء-على وجه الحقيقة واليقين- بما يحويه من نظام المناعة النوعية أو المكتسبة التيتمتلك إنشاء الأجسام المضادة، وتكوين سلاح الخلايا القاتلة والمحللة المتخصصة لكل كائن مسبب للمرض.
وهذا الجهاز هو مثل بقية الأجهزة ينتابه العطب والخلل والمرض، فقد يعمل بكامل طاقته وكفاءته أو بأقل حسب صحته وصحة مكوناته، فما دام هذا الجهاز سليمًا معافًى في الجسم يستطيع القضاء على كل داء، ويُطلق “الداء” إما على المرض أو على مسبِّب المرض.
وحيث إن هناك مواد خلقها الله سبحانه وتعالى تنشِّط هذا الجهاز وتقوِّيه، أو تعالج وتصلح ما فيه، فيمكن أن تُوصف بما يُوصف به هذا الجهاز نفسه، وبما أنه قد ثبت أن الحبة السوداء تنشِّط المناعة النوعية أو المكتسبة برفعها نسبة الخلايا المساعدةوالخلايا الكابحة وخلايا القاتل الطبيعي- وكلها خلايا ليمفاوية في غاية التخصص والدقة- لما يقرب من 75% في بحث القاضي، وبما أكدته الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية لهذه الحقيقة؛ حيث تحسنت الخلايا الليمفاوية المساعدة وخلايا البلعمة، وازداد مركب الإنترفيرون، وتحسنت المناعة الخلوية، وانعكس ذلك التحسن في جهاز المناعة على التأثير المدمر لمستخلص الحبة السوداء على الخلايا السرطانية وبعض الفيروسات، وتحسن آثار الإصابة بديدان البلهارسيا.
لذلك كله يمكن أن نقرر أن في الحبة السوداء شفاء من كل داء؛ لإصلاحها وتقويتها لجهاز المناعة، وهو الجهاز الذي فيه شفاء من كل داء، ويتعامل مع كل مسببات الأمراض، ويملك تقديم الشفاء الكامل أو بعضه لكل الأمراض، كما أن ورود كلمة “شفاء” في الأحاديث بصيغة النكرة يدعم هذا الاستنتاج؛ حيث تتفاوت درجات الشفاء تبعًا لحالة جهازالمناعة ونوع المرض وأسبابه ومراحله.
وبهذا يُفسر العموم الوارد في الحديث، وهكذا تجلت الحقيقة العلمية في هذه الأحاديث الشريفة، والتي ما كان لأحد من البشر أن يدركها، فضلاً عن أن يقولها ويحدِّث الناس بها منذ أربعة عشر قرنًا إلا نبي مرسل من الله، يتلقى معلوماته من العليم بأسرار خلقه، وصدق الله القائل: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم)([15]).
3) وجه الإعجاز:
إن ما أخبر به النبيصلى الله عليه وسلم عن علاج الحبة السوداء لجميع الأمراض، وأنها مادة فعالة في المحافظة على الجسم والدفاع عنه- لهو بحق إعجاز علمي فريد؛ إذ إنه لم يتضح دور الحبة السوداء في المناعة الطبيعية إلا عام 1986م عن طريق الأبحاث التي أجراها الدكتور القاضي وزملاؤه في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم توالت بعد ذلك الأبحاث في شتى الأقطار وفي مجالات عديدة حول هذا النبات، وهذه الأبحاث تثبت دور هذه الحبة السوداء في رفع المناعة الطبيعية للجسم؛ ومن ثم قدرة هذه المناعة على الشفاء من كل الأمراض.
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق. دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 2001م.
[1]. الحبة السوداء: نبات ينمو في حوض البحر المتوسط، يصل ارتفاعه إلى 50سم، والاسم العلمي له هو (SativaNigeria)، وينتمي لعائلة الشَّمَر والينسون، وتحتوي ثمرة النبات على كبسولة بداخلها بذور بيضاء ثلاثية الأبعاد، وسرعان ما تأخذ اللون الأسود عند تعرضها للهواء.
[2]. إعجاز الحبة السوداء في القضاء على البكتيريا المسببة للداء، د. محمد محمود شهيب ود. إيمان محمد حلواني، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ج2، ص102.
[3]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يوسف الحاج أحمد، مرجع سابق، ص801، 802.
[4]. إعجاز الحبة السوداء في القضاء على البكتيريا المسببة للداء، د. محمد محمود شهيب و د. إيمان محمد حلواني، مرجع سابق، ج2، ص101، 102.
[5]. ثبت علميًّا، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ج5، ص95، 96.
[6]. الموسوعة الشاملة في الطب البديل، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص289، 290.
[7]. الحبة السوداء شفاء من كل داء، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[8]. الحبة السوداء شفاء من كل داء، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الحبة السوداء، (10/150)، رقم (5687). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: التداوي بالحبة السوداء، (8/ 3337)، رقم (5660).
[10]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ / 2001م، ج8، ص3339.
[11]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، ج6، ص162.
[12]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج10، ص152.
[13]. إعجاز الحبة السوداء في القضاء على البكتيريا المسببة للداء، د. محمد محمود شهيب ود. إيمان محمد حلواني، مرجع سابق، ج2، ص100.
[14]. المرجع السابق، ص101.
[15]. الحبة السوداء شفاء من كل داء، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.