الزعم أن الأحاديث الواردة في فضائل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – كلها صحيحة
وجها إبطال الشبهة:
1) إن هذه الأحاديث التي وردت في مضمون هذه الشبهة لا يصح منها شيء في ميزان النقد الحديثي، فهي إما موضوعة وإما ضعيفة، وقد بين المحدثون كذبها أو ضعفها وعللها.
2) إن منزلة علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومكانته في الإسلام ثابتة بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة، فليس في حاجة لمن يضع له أحاديث تعلي شأنه.
التفصيل:
أولا. الأحاديث التي يدعون صحتها في فضل علي – رضي الله عنه – لا تصح في ميزان النقد الحديثي:
كان من أهم أسباب الوضع في الحديث النبوي التعصب لمذهب ما أو شخص بعينه، فيضع المتعصبون من الأحاديث ما يعلي من شأن هذا المذهب، أو ذلك الشخص، وكان علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ممن امتطى اسمه الكريم أناس مغرضون ذوو مآرب، وعلى رأسهم إمام الباطنية عبد الله بن سبأ الذي خلف من بعده مدرسة ضالة شوهت جمال التاريخ الإسلامي، وجعلت عليا رضي الله عنه – حاشاه – وكأنه مكمل للنبوة، فكأن النبوة لم تكتمل قبله، وكأن الله لم ينزل في كتابه: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: 3).
بل إن بعضهم رفعه إلى درجة الألوهية، فجاءوا إليه وقالوا: أنت هو، قال: من أنا؟ قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا. قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم[1] في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب فحرقهم بالنار وقال:
لـما رأيت الأمر أمرا منكرا
أوقدت ناري ودعوت قنبرا[2]
وعلى نهج هؤلاء سار أقوام، فوضعوا أحاديث مكذوبة في علي – رضي الله عنه – منها ما هو خاص بالوصية والإمامة، ومنها ما يتحدث عن خلقه قبل البشر، ومنها ما يتحدث عن فضله على سائر الخلق يوم القيامة، ومنها ما يجعله في مرتبة أعلى من الأنبياء والمرسلين، وما إلى ذلك مما لا يخفى على ذوي الألباب من الأهداف الخفية التي يرمون إليها، وقد وفق الله – عز وجل – علماء الحديث إلى بيان معرفة الموضوع من هذه الأحاديث والضعيف، وبيان عللها، حتى فرقوا بين الحق والباطل منها. وأما ما استدل به أصحاب هذه الشبهة من أحاديث في فضائل علي – رضي الله عنه – فإنها لا تصح، وإليك بيانها كما أوردها الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة:
الحديث الأول: «اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيك فرد عليه شرقها»، وفي رواية: «اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت».
هذا الحديث قال عنه الألباني: موضوع، أخرجه الطحاوي في “مشكل الآثار” (2/ 9) من طريق أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبي فديك، حدثني محمد بن موسى عن عون بن محرر عن أمه أم جعفر عن أسماء بنت عميس “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى الظهر
بـ “الصهباء”، ثم أرسل عليا – رضي الله عنه – في حاجة فرجع وقد صلى – صلى الله عليه وسلم – العصر، فوضع النبي – صلى الله عليه وسلم – رأسه في حجر علي (فنام) فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (فذكره باللفظ الأول وزاد): قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، ثم قام فتوضأ وصلى العصر، ثم غابت وذلك في الصهباء”.
قال الطحاوي: “محمد بن موسى هو المدني المعروف بـ “الفطري”، وهو محمود في روايته، وعون بن محمد هو عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه هي أم جعفر ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالب”، ثم يقول: وهذا سند ضعيف مجهول، أما الرواية الثانية من طريق الفضيل بن مرزوق، وإن كان من رجال مسلم فإنه مختلف فيه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في التقريب بقوله: “صدوق يهم”، وقال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في “منهاج السنة” (4/ 189): “وهو معروف بالخطأ على الثقات، وإن كان لا يتعمد الكذب”، وقال فيه ابن حبان: “يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات”، وقال فيه أبو حاتم الرازي: “لا يحتج به”، وقال يحيى بن معين: “هو ضعيف”.
ثم قال الألباني: والحديث أورده ابن الجوزي في “الموضوعات” (1/ 356)، وقال: موضوع بلا شك، وقال الجوقاني: هذا حديث منكر مضطرب، هذا من ناحية السند، أما من ناحية المتن فقد نقل الألباني كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “الرد على الروافض”، حيث قال: وحديث رد الشمس لعلي، قد ذكره طائفة كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما، وعدوا ذلك من معجزات النبي – صلى الله عليه وسلم – لكن المحققين من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع، ثم إن تفويت الصلاة بمثل هذا إما أن يكون جائزا، وإما ألا يكون، فإن كان جائزا لم يكن على علي – رضي الله عنه – إثم إذا صلى العصر بعد الغروب، وليس علي أفضل من النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد نام – صلى الله عليه وسلم – ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم إلى الشرق. وإن كان التفويت محرما فتفويت العصر من الكبائر، وعلي كان يعلم أنها الوسطى وهي صلاة العصر، وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين أنه قال: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا»[3]، وهذا كان في الخندق، وهذه القصة كانت في خيبر كما في بعض الروايات، وخيبر بعد الخندق، فعلي أجل قدرا من أن يفعل مثل هذه الكبيرة ويقره عليها جبريل – عليه السلام – ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه، ثم إذا فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس. وأيضا فإذا كانت هذه الواقعة في خيبر في البرية أمام العسكر، والمسلمون أكثر من ألف وأربعمائة، وكان هذا مما يراه العسكر، ومثل هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان، فلو نقله الصحابة لنقله عنهم أهل العلم، كما نقلوا أمثاله.
وجملة القول: أن العاقل إذا تأمل فيما سبق من كلام الحفاظ على هذا الحديث من جهة متنه، وعلم قبل ذلك أنه ليس له إسناد يحتج به، تيقن أن الحديث كذب موضوع لا أصل له[4].
الحديث الثاني: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه».
يقول الألباني: موضوع أخرجه ابن جرير الطبري في “تهذيب الآثار”، والطبراني في “المعجم الكبير” (3/ 108/ 1)، والحاكم في “المستدرك” (3/ 126)، والخطيب في “تاريخ بغداد” (11/ 48)، وابن عساكر في “تاريخ دمشق” (12/ 159/ 2) من طريق أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا. وقال ابن جرير والحاكم: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله: “بل موضوع”، ثم قال الحاكم: “وأبو الصلت ثقة مأمون”، فتعقبه الذهبي بقوله: “لا والله لا ثقة ولا مأمون”.
وقال في كتابه “الضعفاء والمتروكين”: اتهمه بالكذب غير واحد، قال أبو زرعة: لم يكن بثقة، وقال ابن عدي: متهم، وقال غيره: رافضي، وقال الحافظ في “التقريب”: صدوق له مناكير، وكان يتشيع، وأفرط العقيلي فقال: كذاب[5].
ثم يقول الألباني: لم يوثقه أحد سوى ابن معين، وقد اضطرب في توثيقه.
أما بالنسبة لمتن الحديث فقد نقل الألباني ما قاله ابن تيمية في “منهاج السنة”، حيث قال: حديث “أنا مدينة العلم وعلي بابها” أضعف وأوهى، ولهذا إنما يعد في الموضوعات، وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي وبين أن سائر طرقه موضوعة، والكذب يعرف من نفس متنه، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا كان مدينة العلم ولم يكن لها إلا باب واحد، ولم يبلغ العلم عنه إلا واحد، فسد أمر الإسلام، ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا، بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم الغائب، وخبر الواحد لا يفيد العلم بالقرآن والسنة المتواترة، ثم إن علم الرسول – صلى الله عليه وسلم – من الكتاب والسنة قد طبق الأرض، وما انفرد به علي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيسير قليل، وأجل التابعين بالمدينة هم الذين تعلموا في زمن عمر وعثمان، وتعليم معاذ للتابعين، ولأهل اليمن أكثر من تعليم علي – رضي الله عنه – وقدم علي على الكوفة وبها من أئمة التابعين عدد: كشريح وعبيدة وعلقمة ومسروق وأمثالهم[6].
وبناء على هذا فإن الحديث موضوع سندا ومتنا.
الحديث الثالث: “إن الله تعالى أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: أنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين” فهذا الحديث موضوع، ويوضح الشيخ الألباني ذلك فيقول: هذا الحديث موضوع، أخرجه الطبراني في “المعجم الصغير” (ص210) عن مجاشع بن عمرو، حدثنا عيسى بن سوادة النخعي، حدثنا هلال بن أبي حميد الوزان عن عبد الله بن عكيم الجهني مرفوعا، وقال: تفرد به مجاشع.
قلت: وهو كذاب – أي مجاشع – وكذا شيخه عيسى بن سوادة، وبه وحده أعله الهيثمي في “المجمع” (9/ 121)، فقصر. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث موضوع عند من له أدنى معرفة بالحديث، ولا تحل نسبته إلى الرسول المعصوم – صلى الله عليه وسلم – ولا نعلم أحدا هو: سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، غير نبينا – صلى الله عليه وسلم – واللفظ مطلق، ما قال فيه: من بعدي. وأقره الذهبي في “مختصر المنهاج” (ص473)[7].
الحديث الرابع: “لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة”. قال الألباني: كذب، أخرجه الحاكم في “المستدرك” (3/ 32) من طريق أحمد بن عيسى الخشاب: حدثنا عمرو بن أبي سلمة: حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا. سكت عنه الحاكم، قال الذهبي في تلخيصه: قبح الله رافضيا افتراه.
ثم قال الألباني: وعلته الخشاب هذا، فإنه كذاب؛ كما قال ابن طاهر وغيره، ولعله سرقه من كذاب مثله، فقد أخرجه الخطيب (13/ 19) من طريق إسحاق بن بشر القرشي عن بهز بن حكيم به.
وإسحاق هذا هو الكاهلي الكوفي، وهو كذاب أيضا، وقد سبقت له أحاديث موضوعة. وقصة مبارزة علي – رضي الله عنه – لعمرو بن عبد ود وقتله إياه مشهورة في كتب السيرة، وإن كنت لا أعرف لها طريقا مسندا صحيحا، وإنما هي من المراسيل والمعاضيل[8].
وهناك أحاديث كثيرة موضوعة أو ضعيفة في فضل علي بن أبي طالب وآل بيته.
وفي ذلك يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: “ولكن ينبغي أن يعرف أنه قد كذب على علي وأهل بيته – لا سيما على جعفر الصادق – ما لم يكذب على غيره من الصحابة حتى إن الإسماعيلية والنصيرية يضيفون مذهبهم إليه وكذلك المعتزلة، وكذلك فرقة التصوف يقولون: إن الحسن البصري صحبه، وإنه دخل المسجد فرأى الحسن يقص مع القصاص فقال: ما صلاح الدين؟ قال: الورع، قال: فما فساده؟ قال: الطمع فأقره وأخرج غيره؛ وقد اتفق أهل المعرفة بالمنقولات على أن الحسن لم يصحب عليا ولم يأخذ عنه شيئا، وإنما أخذ عن أصحابه كالأحنف بن قيس، وقيس بن سعد بن عباد، وأمثالهما ولم يقص الحسن في زمن علي؛ بل ولا في زمن معاوية؛ وإنما قص بعد ذلك وقد كانوا في زمن علي يكذبون عليه حتى كان الناس يسألونه كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي جحيفة قال: «سألت عليا – رضي الله عنه – هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ وقال مرة: ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن – إلا فهما يعطى رجل في كتابه – وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل[9]، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر»[10][11].
وبعد، فهذه بعض الأحاديث التي وضعها مدعو حب علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الذين استحلوا الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وغيرها كثير مما هو على شاكلتها من إخبار عن غيب، أو إفراط في تقديس علي، أو غير ذلك، مما لا يخفى على المحدثين الذين بينوا زوره وبطلانه؛ لأن كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – نور لا يرى في تلك الأحاديث المكذوبة الموضوعة في حق علي – رضي الله عنه – والذي هو في غنى عن الوضع عليه؛ إذ قد ثبت فضله بالطرق الصحيحة التي لا يمتري فيها أحد، وهذا ما سنبينه في الوجه التالي.
ثانيا. مكانة علي – رضي الله عنه – في القرآن والسنة الصحيحة:
إن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أحد الصحابة الأطهار، رابع الخلفاء الراشدين، ابن عم النبي – صلى الله عليه وسلم – وصهره، وهو من المنزلة العالية والمكانة الرفيعة التي لا ينكرها إلا صاحب هوى – ليس في حاجة إلى وضع أحاديث تعلي من شأنه، فشأنه عال، وقدره عظيم بشهادة القرآن الكريم والسنة الصحيحة؛ يقول الله – عز وجل – في فضل الصحابة ومنهم علي رضي الله عنه: )الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون (20) يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم (21) خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم (22)( (التوبة)، وقال: )لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون (88) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم (89)( (التوبة)، وقال تعالى: )والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (41)( (النحل)، وقال سبحانه وتعالى: )لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18)( (الفتح)، وقال سبحانه وتعالى: )لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير (10)( (الحديد).
ولا شك أن عليا من هؤلاء الفائزين، المبشرين برحمة ربهم، الموعودين بالخيرات الخالدين في الجنة، الذين فازوا برضا الله عنهم، وهل هناك أعظم من شهادة الله تعالى في كتابه بعدالة الصحابة ومنهم علي بن أبي طالب، ووعده تعالى إياهم بالخيرات، وأنهم خالدون في الجنة أبدا، بل لقد نزل قرآن في علي بن أبي طالب وبعض الصحابة خاصة؛ مثل قول الله سبحانه وتعالى: )هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم (19) يصهر به ما في بطونهم والجلود (20) ولهم مقامع من حديد (21) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق (22) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير (23)( (الحج).
روى البخاري بسنده عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال: «أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. وقال قيس بن عباد: وفيهم أنزلت:
)هذان خصمان اختصموا في ربهم( (الحج: 19)، قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر، حمزة وعلي وعبيدة أو أبو عبيدة بن الحارث، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة
والوليد بن عتبة»[12].
وعلي – رضي الله عنه – أحد من نزل فيهم قول الله سبحانه وتعالى: )فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين (61)( (آل عمران)، وكان ذلك في وفد نجران حينما جادلهم النبي – صلى الله عليه وسلم – في عيسى ابن مريم، وأنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى أمه الطاهرة، وكذبهم في أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا، فدعاهم إلى المباهلة، فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: لما نزلت )فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم( (آل عمران: 61) دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليا، وفاطمة، وحسنا وحسينا – رضي الله عنهم – فقال: «اللهم هؤلاء أهلي»[13].
هذا هو علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومكانته العظيمة في القرآن الكريم. وقد وردت في السنة الصحيحة أحاديث كثيرة في فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – منها:
- ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد»[14].
- عن علي – رضي الله عنه – قال: بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى اليمن فقلت: يا رسول الله إنك تبعثني إلى قوم هم أسن مني لأقضي بينهم قال: «اذهب فإن الله تعالى سيثبت لسانك ويهدي قلبك»[15].
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»[16].
- عن حبشي بن جنادة السلولي – وكان قد شهد حجة الوداع – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أوعلي»[17].
- عن علي – رضي الله عنه – قال: «لما توفي أبو طالب أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقلت: إن عمك الشيخ قد مات، قال: اذهب فواره، ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني، قال: فواريته ثم أتيته، قال: اذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني، قال: فاغتسلت ثم أتيته قال: فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم وسودها، قال: وكان علي – رضي الله عنه – إذا غسل ميتا اغتسل»[18].
- عن ذر بن عبد الله الهمداني قال: قال علي: «والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي – صلى الله عليه وسلم – إلي: ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق»[19].
- عن ابن أبي ليلى قال: «حدثنا علي أن فاطمة رضي الله عنها شكت ما تلقى من أثر الرحى، فأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – بسبي فانطلقت لتطلب منه من يخدمها من السبايا فلم تجده، فوجدت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم فقال: على مكانكما، فقعد بيننا، حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال: ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعا وثلاثين، وتسبحان ثلاثا وثلاثين، وتحمدان ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم»[20].
- عن مصعب بن سعد عن أبيه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج إلى تبوك واستخلف عليا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي»[21].
- عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدركون ليلتهم: أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في عينيه، ودعا له فبرأ حتى كأنه لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»[22].
ويكفي للتدليل على فضل علي – رضي الله عنه – أن البخاري خصص بابا في صحيحه لبيان فضله ومكانته بين المؤمنين فسماه “باب: مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه”، وذكر فيه سبعة أحاديث تبين فضله وعلمه.
فهل بعد هذا كله، وبعد المكانة العالية التي كانت لعلي بن أبي طالب، هل هو في حاجة لمن يضع له أحاديث تعلي من شأنه؟!
الخلاصة:
- إن هذه الأحاديث التي استدلوا بها على فضل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – لا يصح منها شيء في ميزان النقد الحديثي، وقد تصدى العلماء لها، ولمثلها من هذه الأحاديث وبينوا أنها موضوعة أو ضعيفة، موضحين علة ذلك الحكم سندا ومتنا.
- إن التعصب للمذهب الشيعي، ولشخص علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – كان السبب في وضع مثل هذه الأحاديث، ولكن علماء الحديث أوضحوا أن كلام النبوة له نور لا يرى في تلك الأحاديث المكذوبة.
- لقد ذكر القرآن الكريم فضل علي بن أبي طالب ومكانته الرفيعة؛ إذ هو أحد الصحابة الكرام الذين أثنى عليهم القرآن جملة في آيات عديدة فبين أنهم أعظم درجة عند الله – عز وجل – وهم الفائزون المبشرون برحمة الله ورضوانه وجناته التي تجري من تحتها الأنهار.
- إذا كانت هذه مكانة علي في القرآن، فإن السنة النبوية لم تترك بيان فضله، فقد صحت أحاديث كثيرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – منها:
o أنه شهيد.
o أنه في الجنة.
o أنه من النبي – صلى الله عليه وسلم – والنبي – صلى الله عليه وسلم – منه، ولا يؤدي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا هو.
o أنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا كافر.
o أنه كان من النبي – صلى الله عليه وسلم – بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
- إن هذه المكانة العالية والمنزلة العظيمة لسيدنا علي – رضي الله عنه – لا يحتاج بعدها إلى من يضع أحاديث تبين فضله ومكانته.
(*) رياض الجنة في الرد على أعداء السنة، أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي، دار الحرمين، القاهرة، ط4, 1420هـ/ 1999م.
[1]. خد لهم: حفر لهم الأخاديد.
[2]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1423هـ/ 1993م، ص244.
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء على المشركين، (11/ 197)، رقم (6396). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد، باب: الدليل لمن قام الصلاة، (3/ 1207)، رقم (1399).
[4]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (2/ 395: 401).
[5]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (6/ 518، 519).
[6]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (6/ 529، 530).
[7]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (1/ 528).
[8]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (1/ 576، 577).
[9]. العقل: الدية.
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري), كتاب: الديات, باب: العاقلة, (12/ 256), رقم (6903).
[11]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر, ط3، 1426هـ/ 2005م، (13/ 244).
[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل، (7/ 346), رقم (3965).
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي), كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل علي بن أبي طالب, (8/ 3540), رقم (1603).
[14]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما, (8/ 3552), رقم (6130).
[15]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده, مسند العشرة المبشرين بالجنة, مسند علي بن أبي طالب، (2/ 73), رقم (666). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[16]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده, مسند العشرة المبشرين بالجنة, حديث عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه, (3/ 136), رقم (1675). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[17]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: مناقب علي بن أبي طالب، باب رقم (86), (10/ 152), رقم (3967). حسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3719).
[18]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة, مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه, (2/ 136), رقم (807). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[19]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل إلى حب الأنصار وعلي، (2/ 457), رقم (236).
[20]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب علي، (7/ 88), رقم (3705).
[21]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: غزوة تبوك، (7/ 716), رقم (4416).
[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، (7/ 544), رقم (4210).