الزعم أن الإسلام أباح ضرب المرأة، ولم يكفل لها حق تقويم الزوج بالمثل إذا نشز
وجوه إبطال الشبهة:
1) النشوز هو معصية المرأة لزوجها فيما يجب عليها، ولهذا ينبغي تقويمها، وهذا لا يعني سلب المودة والرحمة بينهما أو إهانتها، وإنما هو تهذيب وإصلاح لها.
2) للمرأة الحق في وعظ زوجها إذا نشز، وهجره في بعض الحالات، وأن تشكوه إلى القاضي الذي ينوب عنها في تأديب الزوج.
3) لماذا ترفض المرأة المعاصرة التقويم من زوجها، وقد قومت من هي خير منها – عائشة رضي الله عنها – ولم تشتك، خاصة أنه قد ثبت علميا أن للضرب غير المبرح – بوصفه عتابا – مردودا إيجابيا على نفسية الناشز.
4) في مقابل هذا العلاج الحكيم للنشوز – متضمنا الضرب غير المبرح – في المنظور الإسلامي، فإن المرأة الغربية على أرض الواقع تعاني من تعود الرجل على إساءة معاملتها وضربها بقسوة تودي في بعض الأحيان بحياتها.
التفصيل:
أولا. النشوز يوجب تأديب الزوج لزوجته بما لا يؤدي إلى سلب المودة والرحمة بينهما:
لقد وضع الإسلام للعلاقة الزوجية دستورا ثابتا فقال عز وجل: )وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19)( (النساء)، ولقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – أن المودة هي عماد هذه الحياة، فيجب أن تظل هي الرباط الوثيق بين الزوجين فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إذا كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر»[1].
وكما أن المودة هي السبيل لبداية الحياة الزوجية، وأساس سبب استمرارها، فلا ينبغي أن يتنكر أحد لذلك إذا استحالت هذه الحياة، فقد قال عز وجل: )الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان( (البقرة: 229).
ولكن ما هو العلاج إن ظهر من الزوجة نشوز واعوجاج؟ هل يسارع الزوج بالطلاق؟ أم نقلد غير المسلمين بأن ينفصلا انفصالا جسديا، ويرتبط الرجل بأخرى عاطفيا وكذلك المرأة، ويظل رباط الزوجية شكليا؟
لقد عالج الإسلام هذا النشوز بالموعظة الحسنة، فإذا لم تفلح فالعلاج هو هجر الزوجة في فراش الزوجية، ولكن إذا بلغ النشوز حدا لا يفلح معه الوعظ والهجر، فقد هدد الإسلام باستخدام الضرب،[2] قال عز وجل: )واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن( (النساء: 34).
ولبيان حكمة الإسلام في جعل الضرب ثالث مراحل العلاج للنشوز، نوضح الآتي:
النشوز معناه: معصية المرأة لزوجها فيما يجب عليها.
أصل النشوز: الارتفاع، وسميت معصيتها نشوزا؛ لأن المرأة تترفع على زوجها، وتتعالى عليه ولا تقوم بحقه.
ومن أمثلة النشوز: امتناع الزوجة أن يستمتع بها زوجها في الفراش، وكذلك إذا أجابته وهي ساخطة؛ لأن ذلك لا يحصل به كمال الاستمتاع[3].
وعلى الزوج حينئذ أن يقومها بالوعظ لئلا تقع في النشوز، فإن وقعت في النشوز فعلا هجرها في المضجع، فإن تكرر منها النشوز ضربها – ضربا غير مبرح – فإن استجابت وعادت إلى رشدها، فليس للرجل بعد ذلك عليها سبيل، لا هجرها، ولا ضربها، وإنما عليه أن يحسن إليها، ويؤدي لها حقها بالمعروف, قال عز وجل: )واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا (34)( (النساء).
إن الرجل إذا كان قد تعود من امرأته أنه إذا أمرها أطاعته، وإذا دعاها أجابته، ثم رأى منها بعض الصدود من غير سبب معروف – بأن لم تكن حائضا ولا نفساء ولا مريضة، وخاف أن يؤدي بها هذا التجهم والصدود إلى الوقوع في النشوز – ذكرها بما أعده الله تعالى للطائعين والطائعات، والعاصين والعاصيات، وذكرها بما له عليها من حق، فإن لم تتعظ هجرها في المضجع.
ومعنى الهجر في المضجع – كما قال أكثر الفقهاء – ألا يجامعها، فإن ذلك يحرجها، ويقضي على سلاح فتنتها الذي تحاول أن تشهره على الرجل دائما.
وله ألا يكلمها أيضا، ولكن لا يزيد ترك الكلام عن ثلاثة أيام؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»[4].
أما جماعها فله تركه حتى تستجيب له وتنقاد لأمره، ما دام يأمرها بما ليس فيه معصية لله – عز وجل – فإن لم تستجب لا بالوعظ ولا بالهجر، جاز له أن يضربها ضربا غير مبرح – أي غير شديد – لا يدمي ولا يكسر عظما، ولا ينهش لحما، ولا يديم الضرب على عضو واحد, وليتجنب الضرب على المواضع التي يخشى منها الضرر المزمن، وليتوق الوجه، وأن يغلب على ظنه أن الضرب سيصلحها، وإلا لم تكن له فائدة.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع من خطبة طويلة: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوان[5] ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا[6]، إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون, ألا وحقهن أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن»[7].
عن معاوية بن حيدة القشيري أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حق المرأة على الزوج؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تهجر إلا في البيت»[8].
وإذا كان الله – عز وجل – قد أباح للرجل أن يضرب امرأته عند النشوز المتكرر بالشروط السابقة، فإنه رغبه في العفو والصفح، ودعاه إلى الحلم والأناة والصبر وذلك في كثير من الآيات، منها قوله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم (14)( (التغابن), ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة، فما ضرب امرأة قط، ولا انتهر خادما، وإنما كان يعفو ويصفح.
وقد رخص للرجال في ضرب نسائهم موافقة لقول الله عز وجل: )واضربوهن( وذلك حين شكا إليه بعضهم من نشوز كثير منهن، ولكنه – صلى الله عليه وسلم – عرض بالذين يضربون نساءهم ليكفوا عن ضربهن أو يخففوا منه.
روي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تضربوا إماء الله، قال: فأتاه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال: يا رسول الله، ذئر[9] النساء أزواجهن، فأذن في ضربهن، فأطاف بآل محمد – صلى الله عليه وسلم – نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد أطاف الليلة بآل محمد نساء كثير – أو قال: “سبعون امرأة” – كلهن يشتكين أزواجهن, فلا تجدون أولئك خياركم»؛[10] أي لا تجدون أولئك الذين يضربون نساءهم من خياركم, وكأنه – صلى الله عليه وسلم – قال: الأخيار هم الذين لا يضربون نساءهم، ولكن يعفون ويصفحون، فهو ترغيب في العفو مع إباحة الضرب عند الضرورة القصوى[11].
وحق تأديب الزوج لزوجته ليس معناه سلب المودة والرحمة بينهما، قال تعالى: )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (21)( (الروم).
إن الأمر لا يقتصر على السكن، وإنما على المودة والرحمة أيضا، والمودة هي الحب المتبادل في مشوار الحياة,فلا زواج بغير مودة ورحمة، ولا حكمة للزواج إن لم يكن ملاذا يأوي إليه الزوجان في شكل يلقيان عنده أعباء الصراع العنيف في الحياة الخارجية، وتحتوي الشريعة الإسلامية تفصيلا مسهبا عن حقوق كل من الزوجين قبل الآخر، وقبل الأسرة في مجموعها، وكلها تتجه إلى الغاية المقصودة من إقامة الأسرة على المودة والرحمة، ولا ينحرف عن هذه الغاية في جعل حق التأديب لرب الأسرة؛ فإن هذا الحق لا ينفي المودة والرحمة.
ولا يخفى أن عقوبات التأديب إنما توضع للمسيئات والمسيئين، ولا توضع لمن هن غنيات عن التأديب متورعات عن الإساءة, وليس من أدب التشريع أن تسقط الشرائع حساب كل نقيصة تسترذلها وتأنف منها، فما دامت النقيصة من النقائص التي تعرض للإنسان ولو في حالة من ألوف الحالات, فإن خلو التشريع منها قصور يعاب على الشريعة.
والحياء يأبى للرجل الكريم أن يضرب امرأته أو أن يعاملها بما ينقص من كرامتها.
إلا أن الخلائق المستحسنة – خلائق الكرامة والحياء – ليست هي الخلائق التي يقف عندها التشريع وتبطل بعدها فرائض الزجر والمؤاخذة، فإذا وضعت العقوبات في مواضعها فلا مناص من أن يحسب فيها الحساب للحميد والذميم من الأخلاق والعيوب، بل لا مناص لحسبان الحساب للذميم خاصة؛ لأن الضرورة هنا ضرورة النهي والردع، وليست ضرورة الثواب والتشجيع[12].
ومن ثم فإن كل قانون أو نظام في الدنيا تلزمه السلطة التي تؤدب الخارجين عليه، وإلا أصبح حبرا على ورق، وانتفت الفائدة المقصودة من وجوده, والزواج نظام قائم لصالح المجتمع وصالح الزوج والزوجة على السواء، والمفروض فيه أن يحقق أقصى ما يمكن من المصالح للجميع.
وحين يكون الوئام والوفاق سائدين فيه تتحقق جميع المصالح بغير تدخل القانون، ولكن حين يحدث انشقاق ينجم الضرر الذي لا يقف عند شخصي الزوجين، بل يتعداهما إلى الأطفال، وهؤلاء نواة المجتمع المقبلة التي يجب إحاطتها بخير وسائل التنمية والتهذيب.
فحين تتسبب الزوجة في هذا الضرر فمن الذي يتولى ردها إلى الصواب؟ المحكمة؟! إن تدخل المحكمة في خصوصيات العلاقة بين الزوجين أدعى إلى توسيع هوة الخلاف – الذي قد يكون هينا وموقوتا – وأدعى إلى إفساد هذه العلاقة؛ لأنه يمس الكرامة علانية، فتأخذ كل طرف العزة بالإثم ويتشبث بموقفه؛ فالمحكمة لا يجوز أن تتدخل إلا في كبريات المسائل التي تفشل فيها كل محاولة للتوفيق.
ثم إنه ليس من العقل أن نلجأ إلى المحكمة في حوادث الحياة اليومية التافهة التي تتجدد كل دقيقة، وتنتهي من نفسها كل دقيقة، فذلك خبال لا يقدم عليه العقلاء، فضلا عن أنه يحتاج إلى إقامة محكمة في كل بيت تعمل ليل نهار[13].
إن الله وحده يعلم طبائع النفوس على اختلافها، فعندما بين لنا نوع التأديب الذي يمكن للزوج أن يؤدب زوجته به إذا نشزت، فهو أعلم بما يبين وما يشرع دون أن يكون في ذلك ظلم للمرأة، قال تعالى: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك).
فعندما يشرع الله ضرب المرأة في القرآن الكريم كأحد وسائل التأديب، فهو بلا شك يكون أرحم بها ممن يتشدقون بأنهم رحماء عليها أكثر من ربها، إن جهل الإنسان بمسألة ما، وإفتاءه فيها بغير علم قد يسيء له وللكثيرين بلا شك، خصوصا إذا كانت تلك المسألة تتعلق بالدين، فهو قد يهدر دينا دون أن يشعر، إن ضرب المرأة في القرآن هو عقاب نفسي وجسدي، وقد يكون نفسيا فقط أو جسديا فقط، أو نفسيا وجسديا معا، بل وقد يكون مصدر سعادة شديدة للمرأة، وأرجو ألا يتعجب أحد من كلامي، فإن كل أساتذة الطب النفسي المعاصر في العالم بأسره يؤكدون ذلك كحقيقة ثابتة وواقعة، وليس مجرد نظرية قابلة للنقد، هذا فضلا عن الواقع الذي تفرض أحداثه على ذلك فرضا[14]!
إن دعاة تحرير المرأة يستكبرون مشروعية تأديب الناشز، ولا يستكبرون أن تنشز هي وتترفع على زوجها، فتجعله – وهو رئيس البيت – مرءوسا بل محتقرا، وتصر على نشوزها، وتستمر على غلوائها – متجاوزة الحد – حتى إنها لا تلين لوعظه، ولا تستجيب لنصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، ترى كيف يعالجون هذا النشوز؟ وبم يشيرون على أزواجهن أن يعاملوهن به؟
لعل الجواب تضمنه قول الشنفرى الشاعر الجاهلي المعروف مخاطبا زوجته:
إذا مـــا جئـت ما أنهاك عنه
ولـم أنكــر عــليك فطلقيني
فأنت البعل يومئذ فقــومي
بسوطك – لا أبا لك – فاضربيني
لقد أباح الإسلام الضرب تأديبا للزوجة الناشز مع وضع ضوابط وشروط له، لكن أعداء الله يموهون على الناس، ويلبسون الحق بالباطل؛ إذ ليس التأديب المادي هو كل ما شرعه الإسلام في العلاج، وإنما هو آخر أنواع ثلاثة، مع ما فيه من الكراهة الشرعية التي ثبتت عنه – صلى الله عليه وسلم – ومع أنه موجه لنوعية خاصة من النساء أشار إليها القرآن الكريم، فإذا وجدت امرأة ناشز أساءت عشرة زوجها، واتبعت خطوات الشيطان، لا تكف ولا ترعوي عن غيها واستهتارها بحقوق زوجها، ولم ينجع معها وعظ ولا هجران، فماذا يصنع الرجل في هذه الحالة؟
هل من كرامة الرجل أن يهرع إلى طلب محاكمة زوجته كلما نشزت؟ وهل تقبل المرأة أن يهرع زوجها كلما وقعت في عصيانه إلى أبيها، أو المحكمة ينشر خبرها على الملأ؟
لقد أمر القرآن الكريم بالصبر والأناة، وبالوعظ والإرشاد، ثم بالهجر في المضاجع، فإذا لم تنجح كل هذه الوسائل، فآخر الدواء الكي.
والملاحظ أن هؤلاء الأشخاص – تحت شعار إنسانية المرأة وكرامتها – يأخذون من الآية ما يريدون فقط، وهي كلمة الضرب، وينسون التسلسل الذي ورد في الآية، حيث ورد في البداية مدح للمرأة المؤمنة الحافظة لحدود الزوج، ثم ورد ذكر الناشز، فالكلام إذا يتعلق بنوع خاص من النساء وليس كل النساء، والمعروف أن طبائع الناس تختلف من شخص لآخر وما ينفع الواحد لا ينفع الثاني، ومن عدالة الإسلام أنه أورد العلاج لكل حالة من الحالات، فما دام يوجد في هذا العالم امرأة من ألف امرأة تصلحها هذه العقوبة، فالشريعة التي يفوتها هذا الغرض شريعة غير تامة، لأنها بذلك تؤثر هدم الأسرة على هذا الإجراء, وهذا ليس شأن شريعة الإسلام المنزلة من عند الله.
والواقع أن التأديب لأرباب الشذوذ والانحراف الذين لا تنفع فيهم الموعظة ولا الهجر، أمر تدعو إليه الفطر، ويقضي به نظام المجتمع، وقد وكلته الطبيعة من الأبناء إلى الآباء كما وكلته من الأمم إلى الحكام، ولولاه لما بقيت أسرة ولا صلحت أمة، وما كانت الحروب المادية التي عمادها الحديد والنار بين الأمم المتحضرة الآن إلا نوعا من هذا التأديب في نظر المهاجمين، وفي تقدير الشرائع لظاهرة الحرب والقتال, قال عز وجل: )فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله( (الحجرات: ٩).
إضافة إلى ذلك فإن الضرب الوارد في الآية مشروط في الحديث النبوي بكونه ضربا غير مبرح, وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفا وبآلة خفيفة، كالسواك ونحوه،
ولا يكون القصد من هذا الضرب الإيلام وإطفاء الغيظ, ولكن التأديب والإصلاح والتقويم والعلاج، والمفترض أن التي تتلقى الضرب امرأة ناشز، لم تنفع معها الموعظة والهجر، لذلك جاء الضرب الخفيف علاجا لتفادي الطلاق، خاصة أن نشوز بعض النساء يكون عن غير وعي وإدراك لعواقب خراب البيوت وتفتت الأسرة.
أما الضرب بالسواك وما أشبهه فهو أقل ضررا على المرأة نفسها من تطليقها, الذي هو ثمرة غالبة لاسترسالها في نشوزها إلى أن يتصدع بنيان الأسرة، ويتمزق شملها، ويتشرد أطفالها، وإذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأعظم، كان ارتكاب الأخف حسنا وجميلا، وكما قيل: “وعند ذكر العمى يستحسن العور”.
فالضرب طريق من طرق العلاج، ينفع في بعض الحالات مع بعض النفوس الشاذة المتمردة، التي لا تفهم الحسنى، ولا ينفع معها الجميل.
العبد يقرع بالعصا
والحر تكفيه الإشارة
وقال ابن دريد:
واللوم للحر مقيم رادع
والعبد لا يردعه إلا العصا
إن من النساء، بل من الرجال من لا يقومه إلا التأديب، ومن أجل ذلك وضعت العقوبات، وفتحت السجون.
إن مشروعية هذا التأديب لا يستنكرها عقل ولا فطرة حتى نحتاج إلى تأويلها، إنما هي مجرد أمر يحتاج إليه في حالة “فساد البيئة”، وغلبة الأخلاق الفاسدة، إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، فإذا صلحت البيئة، وصار النساء يعقلن النصيحة، ويستجبن للوعظ، أو يزدجرن بالهجر فيجب الاستغناء عن الضرب، فلكل حال حكم يناسبها في الشرع، مع أن الأصل هو الرفق بالنساء على كل حال، وتحمل الأذى منهن.
أما هؤلاء الذين يتأففون من حكم الله – عز وجل – وشريعته، فهؤلاء قوم لم يعرفوا حياة الأسرة، ولم يخبروا واقعها، وما يصادفها في بعض الأحيان من المشكلات، إنما هم قوم متملقون لعواطف بيئة خاصة من النساء يعرفونها هم، ويعرفها الناس جميعا، ويتظاهرون أمام هذه الفئة بالحرص على كرامتها وعزتها[15].
ثانيا. للمرأة الحق في وعظ زوجها إذا نشز، وهجره في بعض الحالات، وأن تشكوه إلى القاضي الذي ينوب عنها في تأديب الزوج:
قد يبدو – ظاهريا – أن في هذا عدم مساواة، أما في الحقيقة، فالمرأة لا يمكن أن تضرب الرجل ثم تشعر باحترامها له بعد تسوية الأمور بينهما، هذا من ناحية المرأة، أما من ناحية الرجل؛ فإن الرجل الذي جبل بفطرته على عنف الذكورة لا يحتمل أن تضربه من هي أضعف منه جسديا، وقد يطيش صوابه لهذه الفعلة؛ فينقض على زوجته ضربا وركلا، ثم قد لا يفلتها إلا وهي محطمة أو مشوهة.
لذلك فإن الزوج الناشز أو المسيء يجب أن يلقي عقابه، لكن دون أن تعرض الزوجة نفسها إلى خطر محدق، ولا يكون ذلك إلا بأن تشتكيه إلى القاضي؛ كي ينتصر لها وينزل بزوجها الناشز العقوبة المناسبة، وقد لا تقف العقوبة عند الضرب بل قد تتعداها إلى السجن وغيره؛ وهذا هو منهج الشريعة الإسلامية في إنزال العقوبات على مستحقيها، فهي تكلف بذلك السلطة القضائية وما يستتبعها من السلطة التنفيذية.
إذن فحق تأديب الزوج لزوجته يقابله حق الزوجة في تأديب زوجها، بأن تطلب من القاضي ذلك إذا لم يعاملها زوجها بالمعروف، وحسب مذهب مالك – رحمه الله – فإن على القاضي أن يعظه، فإذا لم ينفع الوعظ حكم القاضي للزوجة بالنفقة، ولا يأمر له بالطاعة وقتا مناسبا؛ وذلك لتأديبه، وهو مقابل الهجر في المضاجع، فإذا لم يجد ذلك في الزوج حكم عليه بالضرب بالعصا”.
ويرى بعض الفقهاء أن يؤخذ برأي مالك في قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية منعا لشطط الرجال في إساءة معاملة الزوجات[16].
ويقول الشيخ عطية صقر: “إن الزوجة لا تملك أن تؤدب زوجها؛ فالقوامة له عليها، لا لها عليه، ويشهد لذلك سبب نزول قوله عز وجل: )الرجال قوامون على النساء( (النساء: ٣٤), أن رجلا لطم زوجته، فانطلق أبوها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له: قد لطم كريمتي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لتقتص من زوجها”, فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ارجعوا، هذا جبريل أتاني”، فأنزل الله: )الرجال قوامون على النساء(، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أردنا أمرا، وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير”[17].
وهذا حكم سليم، فلو أعطيت المرأة حق ضرب زوجها لم يبق له احترام عندها، وكيف تعيش مع رجل مهين؟ وأي امرأة متحضرة لا تطالب أبدا بهذا كحق”[18].
ويقول محمد قطب: “أما حين ينشز الزوج فالقانون مختلف: )وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير( (النساء:128)، وقد يطيب لبعض الناس لأول وهلة أن يطالب بالمساواة كاملة! ولكن المسألة هنا هي مسألة الواقع العملي والفطرة البشرية، لا مسألة عدالة نظرية مثالية لا تقوم على أساس.
أي امرأة سوية في الأرض كلها تضرب زوجها، ثم يبقي له في نفسها احترام، وتقبل أن تعيش معه بعد ذلك؟ وفي أي بلد في الغرب المتحضر أو الشرق المتأخر طالبت النساء بضرب أزواجهن؟ ولكن المهم أن الشرع لم يلزمها بقبول نشوز الزوج واحتماله، فأباح لها الانفصال حين لا تطيق”[19].
وبهذا يتبين لنا أن الإسلام كما وضع وسائل لتأديب الزوجة الناشز، وضع وسائل أخرى لتأديب الزوج الناشز، أو المسيء إلى امرأته، والفارق أن الرجل يستطيع القيام بالتأديب بنفسه، أما المرأة فلا تستطيع لضعفها؛ فتكل أمرها إلى من يستطيع تأديبه وهو القاضي، ومثال هذا من الواقع: مدير مؤسسة يسيء إلى موظف، ولا يستطيع الموظف رد الإساءة إلا برفع الأمر إلى رئيس مجلس الإدارة، أو معلم يسيء إلى تلميذ، فهل يعقل أن يرد التلميذ الإساءة إلى معلمه فتسقط هيبته؟! بل عليه رفع الأمر إلى مدير المدرسة.
وأما آية: )وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا( (النساء:128), فقد نزلت بسبب سودة بنت زمعة، روي عن ابن عباس أنه قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واجعل يومي منك لعائشة؛ ففعل فنزلت: )فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا(، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز, وروى ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رافع بن خديج كانت تحته خولة بنت محمد بن مسلمة، فكره من أمرها إما كبرا وإما غيره، فأراد أن يطلقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما شئت؛ فجرت السنة بذلك فنزلت: )وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا(، وعن عائشة – رضي الله عنها – في قوله تعالى: )وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا( قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حل؛ فنزلت هذه الآية[20].
لقد ذكر الفقهاء أن من حق المرأة أن تلجأ إلى الوسيلة الثانية – الهجر – فتستقل عن فراشه إذا كان نشوزه متمثلا في معصية يرتكبها في المضجع ذاته, كأن يأتيها في المحيض أو في الدبر؛ لأن في ذلك معصية لله – عز وجل – ولا يجوز موافقته عليها بحال من الأحوال[21].
وينبغي أن نعلم أن الشريعة الإسلامية أخضعت كلا من الزوج والزوجة لهذا التأديب، إذا تحقق موجبه، ولم تخضع الزوجة فقط له، غير أن الشريعة فرقت بينهما في طريقة التنفيذ، ففي الوقت الذي مكنت الزوج من تطبيق هذا التأديب على الزوجة بشروطه وقيوده، فقد مكنت القاضي – دون غيره – من تطبيق هذا التأديب وأشد منه على الزوج بشروطه وقيوده أيضا.
فبين الرجل والمرأة مساواة دقيقة في التعرض لهذا العقاب عند حصول موجباته، ولكن الاختلاف إنما هو في السبيل التي ينبغي أن تتخذ إلى هذه المساواة بينهما.
فما وجه الإشكال في عقوبات تشرعها القوانين لكل من الرجل والمرأة، نظرا إلى أن كلا منهما قد يتعرض لموجباتها، من جنح أو جنايات وجرائم؟ وهل في الدنيا كلها مجتمعات لا توجد فيها سجون للنساء إلى جانب السجون المخصصة للرجال؟ بل هل في العالم كله دول أو مدن ترسم قوانينها عقوبات يتعرض لها الرجال دون النساء، مع ما هو معروف من أن كلا من الرجال والنساء يتعرضون لأسبابها وموجباتها؟
ثم ينبغي أن نعلم أن التأديب بالضرب، سواء نزل بالرجل أو المرأة، لا يتجه إلى إنسانية أي من الرجل أو المرأة بالإساءة أو التلطيخ, وإنما يتجه إلى الشذوذ النابي الذي قام هو بدور الإساءة إلى إنسانية الزوج الناشز أو الزوجة الناشزة.
انظر كيف أمر القرآن الزوج أن يحاور إنسانية الزوجة بالنصح والموعظة، وهو النهج الإنساني الأمثل لحل كل مشكلة تنجم بين طرفين,ثم انظر كيف أمره القرآن أن يستثير إنسانيتها – عندما لم يجد الحوار – بنوع فريد من الهجران الجزئي، هو بالدعابة أشبه منه بالجفاء، ألا وهو الهجران في الفراش، أي مع استمرار التواصل والمحادثة فيما دون ذلك, ثم لما لم يجد شيء من ذلك في استثارة إنسانيتها، وتغلب سلطان الشذوذ النابي على الإنسانية المهزومة في كيانها، جاء الإذن بالضرب غير المبرح صدا لسلطان شذوذها، ودفاعا عن إنسانيتها المهزومة بل المقهورة.
إن الذي يصر على أن يطيل لسانه بالنقد على هذه المراحل المتدرجة في معالجة النشوز أو الشذوذ الأخلاقي الذي قد تتورط فيه امرأة ما، كما يمكن أن يتورط فيه رجل ما، يجب عليه أن يتصور الوضعية التي يعالجها القرآن بأكملها، قبل أن يجعل منها هدفا لنقده الكيفي الأهوج.
والوضعية التي يرسم القرآن هذه المراحل لعلاجها، هي:
- وضعية زوجة تمردت على منهج التعاون الإنساني الذي لا بد منه مع زوجها، والذي لا يستقيم دون التناصح والطاعة المتبادلة؛ إذن فالصورة ليست زوجة مقهورة تحت نير الظلم والتعسف من زوجها، فاندفعت إلى التمرد دفاعا عن كرامتها وحقها.
- وضعية زوجة أضافت إلى عسف تمردها, أن ركلت منهج الحوار والتناصح بقدمها، ثم ظلت تركله مع استمرار الزوج في الحوار والوقوف عند حد التناصح.
- وضعية زوجة ظلت متشبثة بتمردها على مبدأ التعاون والتراضي، حتى بعد أن لجأ الزوج إلى الزخم العاطفي واستعان بالتيار الغريزي، فواصلها زوجا ودودا في النهار، وانفصل عن مضجعها في الليل.
هذه الوضعية التي انتهت إلى هذا الشكل، هي التي أذن القرآن بمعالجتها بالضرب الخفيف غير المبرح، فهل ترى في هذا العلاج جرحا لكرامة المرأة وهضما لإنسانيتها؟ أم ترى فيه انتصارا لكرامة المرأة وإنسانيتها ووقوفا في وجه الشذوذ الأرعن الذي طغى على إنسانيتها؟ على أنه عقاب متكافئ، ينزل بكل من الرجل والمرأة عند وجود هذا الشذوذ واستعصائه على السبل العلاجية الأخرى، بقطع النظر عن الجهة التي تكلف بإنزال هذا العقاب به[22]؟
ثالثا. قوم النبي صلى الله عليه وسلم – عائشة رضي الله عنها – ولم تشتك، و قد ثبت علميا أن للضرب غير المبرح مردودا إيجابيا على نفسية الناشز:
عن الوسيلة الثالثة من وسائل تقويم المرأة يقول الشيخ عطية صقر: “الطريقة الثالثة في التأديب هي الضرب، والضرب بوجه عام أحد الوسائل التأديبية للعصاة، وهو مبدأ أقره جميع العقلاء، وإن اختلفوا حول كميته وكيفيته، فلا ينبغي أن ينكر عليه إذا تعين وسيلة للتقويم والتهذيب، وضرب المرأة الناشز هو آخر مراحل التأديب، ولا تستحقه إلا المرأة الشاذة التي لم يصلح معها الوعظ والهجر – كما يقال: آخر الدواء الكي – ومرضها يطلق عليه علماء النفس اسم “الماسوشيزم”.
ودليل جوازه إلى جانب الآية الكريمة، قول النبي – صلى الله عليه وسلم – وفعله، أما قوله، فقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ضرب النساء، تحقيقا للمعاشرة بالمعروف، ولكنهن أسأن استعمال هذا الحق، فعصين أزواجهن حتى شكا الرجال ذلك إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فرخص في ضربهن، غير أن الرجال أساءوا أيضا استعمال هذه الرخصة، فشكاهم النساء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فبين أن الذين يضربوهن ليسوا من خيار المسلمين، فكأنه يريد منهم عدم الالتجاء إليه إلا عند الضرورة.
وأما فعله – صلى الله عليه وسلم – فيدل عليه حديث عائشة معه ليلة البقيع، وخلاصته:«أنه – صلى الله عليه وسلم – خرج ليلا خفية من حجرة عائشة وذهب إلى البقيع، فذهبت وراءه، فرأته قد قام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات, قالت: ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر[23] فأحضرت، فسبقته، فدخلت فدخل، فقال: “عائش! ما لك حشيا رابية”؟[24] قلت: لا شيء، قال: “لتخبرينني أو ليخبرني اللطيف الخبير”، قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فأخبرته، فلهدني[25] في صدري لـهدة أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله»[26].
غير أن الضرب لم يكن من عادته – صلى الله عليه وسلم – ففي الحديث «ما ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل»[27].
وهذه عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – يضربها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع أنها أحب نسائه إليه، فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا رسول، من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة»، وكان يقول لها صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم متى كنت عني راضية، وإذا كنت على غضبي، فقالت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: أما إذا كنت راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبي قلت: لا ورب إبراهيم، ثم قالت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك»[28].
ومما يدل على فضل عائشة أيضا قول النبي – صلى الله عليه وسلم – لها في حديث أبي زرع: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع»[29].
وقوله لفاطمة ابنته: «أي بنية، ألست تحبين ما أحب؟ قالت: بلى, قال: فأحبي هذه».[30] يعني: عائشة, ولما كان الوداع لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أصبحت عائشة – رضي الله عنها – المرجع الأول في الحديث والسنة، والفقيهة الأولى في الإسلام[31].
فلماذا تتضجر المرأة المعاصرة أن يؤدبها زوجها حتى تستقيم، وتنتبه إلى الخطأ الذي من أجله ضربت، يقول د. محمد بلتاجي: “أما قضية ضرب الزوجة، فقد تبين لنا في وضوح أنها مخصوصة بصنف واحد من النساء، لسن من الكريمات أو بنات الأسر الطيبة، إنما من اللاتي اقترنت صورة الرجولة في أذهانهن وترسبت في اللاشعور إلى شيء من النشوز على الزوج واستفزازه بطرق متعددة، وأحيانا في أخص صور العلاقات بينهما، فإذا ما أظهر شيئا من الشدة أو العنف البدني اكتملت في نظر ولاشعور المرأة صورة الرجل، واستقامت أمورها معه بعد شيء من العوج, فهذه – وحدها – هي التي تضرب ضربا غير مبرح لا يكسر لها عضوا، ولا يقترن بشيء من التقبيح أو الإهانة، إذ هو أقرب إلى العلاج النفسي البسيط من الزوج لحالة الزوجة الخاصة…[32].
الفوائد الطبية للضرب غير المبرح:
ويتفق مع تشريع الإسلام في إباحته للضرب تصنيف الشخصيات ومدى اضطرابها حسب تقسيم الدليل العالمي للطب النفسي، الذي يؤكد المعنى العظيم لتلك الآية، ومدى فوائدها الجمة في تقويم بعض النساء المستحقات لتلك العقوبة.
وكلنا يلاحظ أن الله تعالى لم يحدد لنا طريقة الضرب أو نوعيته أو كيفيته من حيث الشدة أو اللين، من حيث القوة أو الضعف، من حيث اتقاء الوجه أثناء الضرب أو عدم اتقائه، وهذا أيضا من ضمن إعجاز القرآن العلمي بصدد تلك المسألة، ولعل القارئ يكون الآن متعجبا من هذا الكلام الذي قد يبدو غريبا لأول وهلة، ولكن سرعان ما سوف يتبين له الحق إذا علم أن بعض الاضطرابات النفسية والجنسية التي تصيب المرأة فتخرجها عن سوائها، لن تعالج إلا بوسيلة واحدة هي الوسيلة الفعالة، ألا وهي الضرب!!
مثال هذه الاضطرابات: الماسوكية Masochism، ويعد نوعا من اضطراب الشخصية المتمثل في الحصول على اللذة الجنسية من الإحساس بالآلام وإيقاع القسوة على الذات, متصلة بالرغبة في العبودية واللذة من الإهانة والاستهزاء وتجريح الكبرياء، واشتق الاسم من (ليوبولد ساشر ماسوك 1836 – 1875) القصصي النمساوي والذي أشارت قصصه لهذا الشذوذ، وليس للماسوكية أضرار اجتماعية جسيمة، ولكنها موجودة عند النساء بصورة خمسة عشرة أضعاف الرجال، وقد تبين أن نسبة النساء المصابين بالماسوكية حوالي 16.5% من مجموعهن الكلي في العالم، وهي نسبة غير قليلة بالمرة، أما من حيث الصحة والسواء فنجد أنها تكون سوية في باقي سلوكها وتعاملها مع الآخرين بنسبة 100%، ولا يمكن أن نسمي ما تعانيه بمرض نفسي أو عقلي، فمثلا نجد أنها طبيبة أو مهندسة أو مدرسة ناجحة، بل وزوجة وأما طبيعية جدا، تقدر المسئولية وتسعى للتواصل مع أفراد عائلتها بل ومجتمعها كله بلا استثناء، إلا هذا العيب الخطير الذي لا يظهر غالبا خارج حجرة نومها!
إن هذه المرأة البائسة لا ينفع للأسف معها أي معاملة كريمة، بل على العكس تماما! فإن المعاملة الكريمة تأتي بأسوأ النتائج معها، وتجعلها تستفز زوجها لكي يتطاول عليها ويهينها، الأمر الذي تشعر من خلاله بلذة شاذة يعقبها إثارة جنسية شديدة لها، لذا فإنه يتحتم على زوجها أن يفعل أحد أمرين: إما أن يطلقها,وإما أن يهينها لكي يكسب قلبها وحبها وطاعتها واحترامها له!
ألا ترون أن الأمر سيكون صعبا في كلتا الحالتين؟
أما تطليقها فسوف يزيد الأمور تأزما، فسوف يظهر أعراض مرضها على المجتمع,وأما ابقاؤها في منزل الزوجية, فسيطر الرجل أن يلجأ إلى أسلوب غير آدمي معها، وإلا فلن يسلم من شرها إطلاقا، الأمر الذي سوف ينعكس بالسلب على نفسية الأبناء؛ مما يجعلهم يصابون بالعقد النفسية من جراء هذا الاضطراب الأسرى الشاذ المقيت.
ونذكر مرة أخرى بأن هذا النوع يمثل 16.5% من المجموع الكلي من النساء على وجه الأرض، وهذه نسبة ليست قليلة إطلاقا، ويكفي أن نعرف أن كل خمس نساء لا يعانون من هذا الاضطراب تقابلهن امرأة واحدة تعاني منه، أي النسبة هي (5: 1)[33]!
رابعا. تعاني المرأة الغربية من تعود الرجل إساءة معاملتها وضربها بقسوة:
أين تقع المرأة الغربية على المدرجة الإنسانية؟ ومن يمثل هذه المرأة؟
في سياق رؤيتنا الحضارية لواقع المرأة الغربية من الداخل، سنترك دائما أصحاب الشأن يتكلمون، وسنترك الأرقام تفصح عن الحقيقة، فربما ننشئ حوار حضارات حقيقيا، ليس فقط بين فكرين أو منهجين، وإنما أيضا بين واقعين.
إن العنف الأسري ضد المرأة في الغرب، لا يمارسه رجال أميون يعيشون في أعماق الريف، ولا في القاع الضبابي للفقر,وإنما يمارسه رجال مصقولون ــ تماما كما رجال هوليود: بريقا وثقافة ومواقع اجتماعية ــ على نساء مستضعفات، مهما بدا من بريقهن؛ فهن لا يملكن بعد أن يعدن إلى بيوتهن إلا أن يكن عبدات العصا والإذلال والمهانة!!
إن المرأة المهانة ليست امرأة أفغانستان ذات البرقع، ولا امرأة جزيرة العرب التي تعيش في حيز من الصون والحرمة يدعو كل المجتمع ليقدم لها التوقير والاحترام، وإنما الابتذال الحقيقي هو في جعل المرأة سلعة كجميع السلع، والعدوان عليها بشتى أشكال العنف والاضطهاد، وفي الإحصاءات الآتية خير شاهد على ما نقول:
- في أمريكا:
لحق العنف الأسري بشتى أنواعه بأضعف أعضاء الأسرة، أي النساء والأطفال، ولا يزال الكتمان وعدم كفاية الأدلة، والحواجز الاجتماعية والقانونية، تجعل من الصعب الحصول على بيانات مضبوطة عن العنف المنزلي الموجه ضد المرأة، والذي يعتقد علماء الاجتماع أنه أقل ما يبلغ عنه من أنواع الجرائم.
ومعظم البيانات عن العنف الموجه ضد المرأة، تجمع من دراسات صغيرة، ولا تعطي غير لمحة فحسب، عما يفترض أنه ظاهرة عالمية، وهي لا يمكن استخدامها في توفير مؤشرات دقيقة عن مدى العنف الموجه ضد المرأة؛ ولكنها تبين بشكل قاطع أن العنف في البيت أمر شائع، وأن المرأة هي ضحيته في أكثر الحالات.
- ففي عام 1981 أشار شتراوس إلى أن حوادث العنف الزوجي منتشرة في 50 – 60% من العلاقات الزوجية في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين قدر راسل عام 1982 هذه النسبة بـ 21%، وقدرت باغلو النسبة بأنها تتراوح بين 25 – 35%، كما بين أبلتون في بحثه الذي أجراه عام 1980على 620 امرأة أمريكية أن 35% منهن تعرضن للضرب مرة واحدة على الأقل من قبل أزواجهن, وأشارت والكر استنادا إلى بحثها عام 1984 إلى خبرة المرأة الأمريكية الواسعة بالعنف الجسدي، فبينت أن 41%من النساء أفدن أنهن كن ضحايا العنف الجسدي من جهة أمهاتهن، و44% من جهة آبائهن، كما بينت أن 44% منهن كن شهودا لحوادث الاعتداء الجسدي لآبائهن على أمهاتهن.
- في عام 1985 قتل 2928 شخصا على يد أحد أفراد عائلته، وإذا اعتبرنا ضحايا القتل الإناث وحدهن، لوجدنا أن ثلثهن لقين حتفهن على يد زوج أو شريك حياة، وكان الأزواج مسؤولين عن قتل 20% من النساء اللاتي قتلن في عام 1984، في حين أن القتلة كانوا من رفاقهن الذكور في 10%من الحالات.
- أما إحصاءات مرتكبي الاعتداءات ضد النساء في أمريكا: فثلاثة من بين أربعة معتدين هم من الأزواج: 9% أزواج سابقين، 35% أصدقاء، و32% أصدقاء سابقين.
- إحصائية أخرى تدرس نسبة المعتدين، تبين أن الأزواج المطلقين أو المنفصلين عن زوجاتهم ارتكبوا 79% من الاعتداءات بينما ارتكب الأزواج 21%.
- وقد ثبت أن ضرب المرأة من قبل شريك ذكر لها، هو المصدر الوحيد، والأكثر انتشارا، الذي يؤدي إلى جروح للمرأة، وهذا أكثر انتشارا من حوادث السيارات والسلب والاغتصاب كلها مجتمعة.
- وفي دراسة أخرى تبين أن امرأة واحدة من بين أربع نساء، يبلغن عن التعرض للاعتداء الجسدي من قبل شركائهن.
- تم توزيع بيانات على مستوى الولايات شملت 6000 عائلة أمريكية ونتج عنها أن 50% من الرجال الذين يعتدون بشكل مستمر على زوجاتهم، يعتدون أيضا وبشكل مستمر على أطفالهم.
- الأطفال الذين شهدوا عنف آبائهم، معرضون ليكونوا عنيفين ومعتدين على زوجاتهم بنسبة ثلاثة أضعاف من الذين لم يشهدوا العنف في طفولتهم، أما أولياء الأمور العنيفون جدا فأطفالهم معرضون ألف ضعف ليكونوا معتدين على زوجاتهم في المستقبل.
- أكثر من ثلاثة ملايين طفل في السنة هم عرضة لخطر العنف الصادر عن الأبوين.
- مليون امرأة في السنة تعاني من كونها ضحية للعنف الذي لا يصل إلى درجة الموت، ويكون هذا الاعتداء من قبل شخص قريب للضحية.
- أربعة ملايين أمريكية تقع تحت اعتداء خطير، من قبل شريك قريب لها خلال سنة، وقرابة 1 من 3 نساء بالغات، يواجهن تجربة الاعتداء عليهن جسمانيا على الأقل مرة واحدة من قبل شريك في فترة النضج.
- وفي عام 1993 تم توقيف 575000 – أي ما يزيد عن نصف مليون رجل – لارتكابهم العنف ضد النساء.
- خلال عام 1994 (21%) من حالات العنف التي وقعت المرأة ضحيتها، قد ارتكبت من قبل قريبين، ولكن فقط 4% من حالات العنف ضد الرجل، قد ارتكبت من قبل قريبات.
- الآباء الذين يضربون الأمهات يميلون أكثر مرتين من الأزواج الغير عنيفين، للحصول على طلب رعاية الأطفال بعد الطلاق.
- في عام 1991 أكثر من تسعين امرأة قتلت أسبوعيا، تسع نساء من عشر قتلن من قبل رجل.
- تستخدم الأسلحة بنسبة 30% من حوادث العنف العائلي.
- في 95% من الاعتداءات الناتجة عن العنف العائلي، الجرائم ترتكب من قبل الرجال ضد النساء.
- في العلاقات الحميمة تفوق ضحايا النساء المتعرضات للعنف ضحايا الرجال بعشر مرات.
- في بريطانيا:
- أما في بريطانيا فإن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك، وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992، كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن، وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات، علما بأن الكثير منهن لا يبلغن الشرطة إلا بعد تكرار الاعتداء عليهن لعشرات المرات، وتشير جين لويس إلى أن ما بين ثلث إلى ثلثي حالات الطلاق تعزى إلى العنف في البيت، وبصورة رئيسة إلى تعاطي المسكرات وهبوط المستوى الأخلاقي.
- أظهر استطلاع نشرت نتائجه في بريطانيا، تزايد العنف ضد النساء؛ ففي استطلاع شاركت فيه سبعة آلاف امرأة قالت 28% من المشاركات أنهن تعرضن لهجوم من أزواجهن.
- ويفيد تقرير بريطاني آخر أن الزوج يضرب زوجته دون أن يكون هناك سبب يبرر الضرب، ويشكل هذا 77% من عمليات الضرب، ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف السنة منذ بداية زواجها، وقالت: لو قلت له شيئا إثر ضربي لعاد ثانية؛ لذا أبقى صامتة، وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب، بل يمارس جميع أنواع الضرب من اللطمات واللكمات والركلات والرفسات، وضرب الرأس بعرض الحائط، ولا يبالي إن وقعت ضرباته في مواقع حساسة من الجسد، وأحيانا قد يصل الأمر ببعضهم إلى حد إطفاء السجائر على جسدها، أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال لساعات طويلة.
- تسعى المنظمات النسوية لتوفير الملاجئ والمساعدات المادية والمعنوية للضحايا، تقود جوان جونكلر حملة من هذا النوع، فخلال اثني عشر عاما مضت، قامت بتقديم المساعدة، لآلاف الأشخاص من الذين تعرضوا لحوادث اعتداء في البيت، وقد جمعت تبرعات بقيمة70 ألف جنيه إسترليني لإدارة هذه الملاجئ، وقد أنشئت أول هذه المراكز في مانشستر عام 1971، ثم عمت جميع بريطانيا حتى بلغ عددها 150مركزا.
- في فرنسا:
- تتعرض حوالي مليوني امرأة للضرب، وأمام هذه الظاهرة التي تقول الشرطة: إنها تشمل حوالي 10% من العائلات الفرنسية، أعلنت الحكومة أنها ستبدأ حملة توعية لمنع أن تبدو أعمال العنف هذه كأنها ظاهرة طبيعية, وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة ميشال أندريه: حتى الحيوانات أحيانا تعامل أحسن منهن، فلو أن رجلا ضرب كلبا في الشارع فسيتقدم شخص ما بشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، ولكن إذا ضرب رجل زوجته بالشارع فلن يتحرك أحد, وأضافت في تصريح لوكالة فرانس برس: “يجب الإفهام بأن الضرب مسألة تطالها العدالة، أريد أن يتم التوقف عن التفكير بأن هذا الأمر عادي، وتابعت: إن عالمنا يقر بأن هنالك، مسيطرا ومسيطرا عليه؛ إنه منطق يجب إيقافه”.
- ونقلت صحيفة “فرانس سوار” عن الشرطة في تحقيق نشرته حول الموضوع: أن 92,7% من عمليات الضرب التي تتم بين الأزواج تقع في المدن، وأن 60% من دعوات الاستغاثة الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس، هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن، وذكرت أمانة سر الدولة لحقوق المرأة أن هناك أنواعا من العنف الذي يمارس مع المرأة منها معنوي (تهديدات وإهانات), ومنها جسدي (ضرب).
- ولاحظت جمعية “نجدة النساء اللواتي يتعرضن للضرب” أن النساء اللواتي تستقبلهن تتراوح أعمارهن بين 25 – 35 سنة، ولهن ما معدله طفلان، ومستواهن التعليمي متدن، وهن غالبا معزولات عن عائلاتهن أو جيرانهن، وكثيرا ما أدت ذريعة مثل: المرض، وإدمان الكحول، أو البطالة إلى تفاقم العنف الذي يمارس عليهن، ولكن قليلات من الضحايا يجرؤن على فضح عمليات العنف هذه بسبب الخوف من الانتقام أو بسبب نقص الشجاعة.
- وقالت سيدة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما – تحملت عامين من ضرب زوجها، عندما قيل لها أن تترك المنزل -: “في فرنسا لا نتحدث عن حياتنا الزوجية، فلا يمكن لأحد أن يأتمن أصدقاءه أو أي أحد على أسراره الشخصية”.
- ولقد شبه الكاتب الفرنسي ألكسندر دوما ذات يوم الفرنسيات بشرائح اللحم فقال: كلما ضربتهن أصبحن أكثر طراوة.
- في كندا:
في إحصائية كندية شملت النساء المتزوجات، نتج عنها أن العاصمة شهدت عدة اعتداءات ضد الزوجات أكثر من أي مكان في كندا؛ فقد صرحت 36% من الزوجات بأنهن قد تم الاعتداء عليهن بشكل أو بآخر، لمرة واحدة على الأقل منذ بلوغهن سن السادسة عشرة, 81% من الاعتداءات التي رصدها جهاز الشرطة، تبين تورط معتد ذكر، و9% معتدية أنثى، 10% تورط معتد ذكر و أنثى معا، وما يزيد عن النصف 53% من هذه الحوادث ثبت أن طرفا واحدا على الأقل كان تحت تأثير شرب الكحول.
- في نيوزلندا:
تبعا لإحصائية رسمية لرصد العنف العائلي ساهمت فيها سوزان سنايفلي وفريقها مفادها: أن تقريبا 300 ألف امرأة وطفل كانوا من ضحايا العنف العائلي، وتبعا لدراسة قام بها مقدمو الخدمات في نيوزلندا، تم الاتفاق على أن معدل انتشار العنف العائلي، يبلغ قرابة 14%, وأشارت دراسات أخرى مشابهة، أن معدل الانتشار هو 1: 10 أو 1: 4، وبالرجوع إلى عدد السكان في نيوزلندا في آخر شهرآذار 1994 نجد أن نسبة طفل واحد من سبعة تساوي 129556طفلا، وامرأة واحدة من سبعة تساوي 172125 امرأة، وهذا مجموعه 301691 ضحية للعنف من النساء والأطفال.
- في النمسا:
في عام 1985 ذكر العنف المنزلي كعامل مساعد في فشل الزواج في 59% من 1500قضية طلاق، وبين تلك الحالات نلاحظ أن 38% من الزوجات المنتميات إلى الطبقة العاملة استدعين الشرطة ردا على الاعتداء عليهن بالضرب المبرح، في حين أنه لم تفعل ذلك غير 13% من النساء المنتميات إلى الطبقة المتوسطة، وغير 4% من المنتميات إلى الطبقة العليا.
- في ألمانيا:
ذكرت دراسة ألمانية أن ما لا يقل عن مائة ألف امرأة تتعرض سنويا لأعمال العنف الجسدي أو النفساني التي يمارسها الأزواج، أو الرجال الذين يعاشرونهن مع احتمال أن يكون الرقم الحقيقي يزيد عن المليون، وقالت الدراسة: إن الأسباب المؤدية إلى استخدام العنف هي البطالة زمنا طويلا، والديون المالية، والإدمان على المشروبات الكحولية، والغيرة الشديدة، وقد وضعت الوزارة الألمانية الاتحادية لشئون الشبيبة والأسرة والصحة مشروعا لتقديم المساعدة من قبل منظمة خيرية على أن يتم ذلك خلال عامين.
هذه بعض الإحصاءات العجلى، عن واقع المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي، هذه الدول التي تحمل إداراتها عصاها على كاهلها لتعيد تنظيم العالم، وتأديب رجاله، عبر تغيير منظومة الشرائع والقوانين.
إن الرجل الأمريكي والأوربي الذي يمارس هذا الكم الهائل من أعمال العنف ضد المرأة زوجة وبنتا وشريكة، إنما يفعل ذلك لأن منظومة التربية في الولايات المتحدة وأوربا فاسدة ومنحرفة، وبحاجة إلى مراجعة عملية.
أما المرأة في العالم العربي والإسلامي فلا تتعرض لعشر هذه الأنواع من المهانات؛ لأن الرجل الذي هذبه الدين قبل القانون، وامتلأت نفسه بالشهامة قبل المدنية الزائفة؛ لا يمكن أن يقدم على فعل شنيع كالذي تشير إليه هذه الإحصاءات.
لا نزعم أن مجتمعاتنا تخلو من حالات شاذة ومؤذية، ولكن مثل هذه الجرائم تبقى في إطار محدود، بحيث لا تتجاوز نسبتها على أسوأ تقدير 5%.
إن برامج تحرير المرأة، التي تحاول فرض المقاييس الغربية على المرأة في العالم أجمع، إنما تسعى للزج بالمرأة المسلمة المكرمة في سوق السلعة الرخيصة، ليبتزها الرجل باستغلالها في العمل نهارا، ثم بالعدوان عليها وعلى أطفالها بجميع أشكال العدوان ليلا.
فلماذا لا يوجد في بيئاتنا الإسلامية هذا العنف الشديد ضد المرأة مع أن شريعتنا تبيح الضرب؟ أليس لأن قاعدة السكن والمودة هي الأساس، بينما العظة والهجران والضرب هي حالات شاذة تقدر بضوابطها كما قال عز وجل: )فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا( (النساء: 34)؟!
إن المرأة المسلمة – ذات البرقع والحجاب – وهي في عمق البوادي والخيام، كما في البيئات المستورة والمحدودة من مجتمعاتنا العربية، تلقى من التكريم والرعاية ما لا تحلم به المرأة الأمريكية والغربية موضوع هذه الإحصاءات المشينة للإنسان والحضارة والمجتمع.
وهكذا تتجلى عظمة الإسلام بوضوح لا مراء فيه، فليت كل معاد للإسلام أن يكون منصفا مع نفسه، فإننا نطلب منه أن يقول الحقيقة ولا شيء غيرها، ولو من باب الأمانة العلمية، على الأقل – إن لم يكن يعترف بالإسلام كدين – حتى لا يسفه نفسه، ويضل عقله، ويبعد عن جادة الصواب أيما بعد[34].
الخلاصة:
- النشوز هو معصية المرأة لزوجها فيما يجب عليها؛ فهو موجب تأديبها، وهذا لا يعني سلب المودة والرحمة بينهما أو إهانتها، وإنما هو بمثابة تقويم وإصلاح لها.
- النشوز كما يكون في المرأة، يكون في الرجل أيضا، ولقد تدرج التشريع الإسلامي، وأعطى لكل طرف طريقة في معالجته، كما حدد الإسلام هذه الطرق العلاجية، وضبطها بضوابط مراعيا خصوصيات كل منهما.
- لا نستطيع إدراك الحكمة من معالجة نشوز كل من المرأة والرجل، ولا لطافة التشريع الرباني فيهما، إلا إذا أدركنا مدى اهتمام الإسلام بالأسرة باعتبارها اللبنة الأولى للمجتمع، وأنها تنتج أثمن عناصر المجتمع: العنصر البشري، وإلا إذا أدركنا قيمة المرأة في نظر الإسلام، وتكريمه لها، ورفعها إلى ما تستحق من مكانة.
- في حالة نشوز الزوجة على زوجها، حدد الله بعض الإجراءات لعلاج هذا النشوز، وهي: الوعظ، والهجر في المضاجع، والضرب، والخالق أعلم بمن خلق، وهو – عز وجل – يقرر هذه الإجراءات في جو وفي ملابسات تحدد صفتها، وتحدد النية المصاحبة لها، وتحدد الغاية من ورائها؛ هادفا من ورائها إلى تدارك هذا النشوز قبل أن يستفحل خطره، ويأتي على الأخضر واليابس.
- ولأن الله هو الخالق، وهو أعلم بمن خلق، لم يبح للمرأة غير وسيلة النصح إذا نشز زوجها؛ وذلك لضعفها في مواجهة عنفوان الرجل، فإذا ضربته مثلا تحول إلى وحش كاسر يفترسها، وكذلك لحفظ هيبته في الأسرة، ولكن الإسلام مع ذلك لم يهملها، ولكن جعل لها حق الشكوى إلى القاضي ليأخذ لها حقها منه كما يستدعي تأديبه.
- أجاز الفقهاء هجر الزوجة لزوجها في فراشه في بعض الحالات، كأن يأتيها في المحيض أو في الدبر؛ إذ لا يحل للرجل فعل ذلك بحال من الأحوال.
- إذا رفضت المرأة المعاصرة أن يضربها زوجها ويؤدبها، فلتعلم أنه قد ضربت من هي خير منها – عائشة رضي الله عنها – وهي من هي رضي الله عنها.
- لقد ثبت طبيا أن للضرب غير المبرح مردودا إيجابيا على نفسية المرأة الناشز؛ فهو ينبه جهاز التفكير عند المرأة لتدارك الخطأ، والإسراع في معالجته.
- في مقابل هذا العلاج الحكيم للنشوز في الشريعة الإسلامية، فإن المرأة الغربية على أرض الواقع تعاني أشد المعاناة من إساءة الرجل إليها، وقسوته التي قد تودي بحياتها في بعض الأحيان.
(*) أسئلة العصر المحيرة، محمد فتح الله كولن، ترجمة: أورخان محمد علي، دار النيل، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2002م. حوارات مع أوربيين غير مسلمين، عبد الله أحمد قادري الأهدل، دار القلم، دمشق، 1990م. موقع ابن مريم. موقع الكلمة.
[1]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (3721).
[2]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية، سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ، ص205.
[3]. تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة، عادل العزازي، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ج3، ص187.
[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب السلام للمعرفة وغير المعرفة (5883)، وفي مواضع أخرى بنحوه، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي (6697)، وفي موضع آخر.
[5]. عوان: أسيرات.
[6]. لا تبتغوا عليهن سبيلا: أي: لا تلتمسوا سببا لضربهن وإخراجهن.
[7]. حسن: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حق المرأة على زوجها (1851)، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب كيف الضرب (9169)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (1851).
[8]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه (20039)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في حق المرأة على زوجها (2144)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1929).
[9]. ذئر: غلب واجترأ.
[10]. حسن صحيح: أخرجه الشافعي في مسنده، من كتاب الخلع والنشوز (1263)، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب ضرب النساء (1985)، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: حسن صحيح (1985).
[11]. الفقه الواضح من الكتاب والسنة على المذاهب الأربعة، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ط2، 1418هـ/ 1997م، ج2، ص96، 97.
[12]. حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، عباس محمود العقاد، مطبعة مصر، القاهرة، ط1، 1376هـ/ 1957م، ص182: 184 بتصرف.
[13]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط 23، 1422هـ/2001م، ص128، 129.
[14]. ضرب المرأة في ضوء الدين والعلم، مهيب الأرنؤوطي، 11/ 10/ 2006.
www.ahlalquran.com
[15]. عودة الحجاب، د. محمد أحمد إسماعيل المقدم، دار طيبة، الرياض، ط10، 1428هـ/ 2007م، ج2، ص467: 470 بتصرف.
[16]. موقع إسلام أون لاين. www.islamonline.net
[17]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م، ج5، ص168.
[18]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، الشيخ عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج3، ص101.
[19]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط 23، 1422هـ/2001م، ص130.
[20]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/1985م، ج5، ص403.
[21]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/2005م، هامش ص114.
[22]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/2005م، ص116: 118.
[23]. أحضر: جرى جريا شديدا، أو قفذ.
[24]. حشيا رابية: أي: أصابك الحشا، وهو الربو والنهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمجد في كلامه.
[25]. لهد: دفع أو ضرب.
[26]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (2301).
[27]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، الشيخ عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج3، ص94، 95.
[28]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب من غيرة النساء ووجدهن (4930)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله عنها (6438).
[29]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل (4893)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر حديث أم ذرع (6458).
[30]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض (2442)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله عنها (6443)، واللفظ له.
[31]. تراجم سيدات بيت النبوة، د. عائشة عبد الرحمن، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص244.
[32]. مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م، ص578.
[33]. ضرب المرأة في ضوء الدين والعلم، مهيب الأرنؤوطي، 11/ 10/ 2006.
www.ahlalquran.com.
[34]. ضرب المرأة في ضوء الدين والعلم، مهيب الأرنؤوطي، 11/ 10/ 2006. www.ahlalquran.com