الزعم أن التخلف الذي يعيشه المسلمون ناتج عن فساد أنظمة الإسلام الفكرية والتشريعية
وجوه إبطال الشبهة:
1) مصدر الأنظمة الفكرية و التشريعية في الإسلام إلهي؛ فهي من عند الله – عز وجل – الذي أتقن كل شيء صنعا.
2) الأنظمة الفكرية والتشريعية في الإسلام تميزت بخصائص فريدة تقاصرت دونها كل النظم حتى الآن.
3) تخلف المسلمين مرهون بتفريطهم وتخليهم عن مبادئ الإسلام فالعيب في المسلمين لا في أنظمة الإسلام.
التفصيل:
أولا. مصدر الأنظمة الفكرية والتشريعية في الإسلام إلهي، مما ميزها بسمات بارزة وخصائص فريدة تستقل بها عن غيرها:
إن أساس النظم التشريعية في الإسلام أساس فكري علمي نفسي، شامل لجميع مجالات الحياة الإنسانية، كفل للمسلمين الصحة النفسية، والحضارة الراقية والحياة السعيدة الآمنة. والسبب في ذلك أن الأنظمة الفكرية والتشريعية الإسلامية تعتمد على توجيه إلهي لخالق الخلق، العالم بشئونهم وما يصلحهم.
وعن عوامل النهوض بالعالم الإسلامي في ضوء نظم الإسلام ذاتها الفكرية والتشريعية يحدثنا د. شوكت محمد عليان فيقول:”إن المخرج للإنسانية اليوم من ورطتها أن تربط ما بينها وبين الروحانيات برباط من الود والتفاهم، مستندة في ذلك إلى وحي سماوي يتمشى مع سنن الوجود، وليس غير الإسلام يتفق مع تلك السنن؛ لانفراده بمزية الإصلاح وتعميمه بين جميع الأجناس في الحكم والتشريع عكس الديانات الأخرى، فالديانة اليهودية مثلا تحرم أن يقرض يهودي يهوديا بالربا، ولكنها تبيحه إذا أقرض أبناء الأمم الأخرى، ولو كان مضاعفا، كما أنها تأمر اليهود إذا ما انتصروا أن يكونوا أصحاب السيادة والثراء؛ أما المغلوبون فهم ما بين قتلى ومسخرين وغنائم. والديانة المسيحية جاءت دعوتها روحانية صرفة، وقد أغفلت روح التشريع في السياسة والاجتماع وغيرهما فاصطدمت بواقع الحياة، وانتهت إلى خصومات وحزازات لا تهدأ لها نفس ولا يستقر لها بال.
والناظر إلى الإسلام بعين الإنصاف يجده الدين الوحيد الذي يستطيع أن يوفق بين مصالح الناس جميعا، ويحقق الأمن والاستقرار في نفوس البشر جميعا، فهو قد كفل الحرية بما رفع من مقام الإنسان، وقرر النظام بما أتى من أحكام الشرع، وجعل طاعة الله ورسوله وأولي الأمر: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)( (النساء)[1].
واجبات يقوم بها الناس وهم راضون، مع إعطائهم حق بذل النصح لأولي الأمر، وجعل للإنسان كرامة يجب أن يعتز بها، بحيث لا تخرجه العزة عن واجب الإخاء الإنساني العام، وجعل العمل للخدمة العامة عبادة، والعمل الذي في سبيل الرزق عبادة ليصل الدنيا بالآخرة، ثم مزج بين الحق الذي يكون دفاعا عن العدوان، والحق الذي يكون اشتراكا في نظام عالمي، وقدر المساواة فيما تكافأت فيه المواهب والقدرات.
أما إذا تميز الإنسان بقدرة خاصة أو موهبة خاصة كان حرمانه الفضل ظلما، وكذا قرر وجوب التوازن في المجتمع فكره تكديس الثروات في جانب، والحرمان في جانب، وبهذا مهد لقيام نظام عالمي بعد أن وضع نظاما سياسيا عاما، واجتماعيا عاما، واقتصاديا عاما، فهو لم يتخذ من روحانيته حصونا تعزله عن العالم وتمنعه من النشاط الفكري والإنساني: )وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا( (القصص: ٧٧).
فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكن للحضارات أن تعتمد عليه، وتستقي منه كل أنشطتها، وهو الدين الوحيد الذي قدر على حل مشاكل الإنسان والتوفيق بينها، فما على البشر الآن إلا أن يستظلوا بظله الظليل ويتمسكوا بحبل الله المتين، فيستروحوا نسمات الحياة الهادئة المطمئنة التي يرفرف عليها الإخاء الإنساني الصحيح، وتخفق راية العدل الكامل الشامل، ذلك العدل الذي يصلها بعصر النبوات، فتتسلح بسلاح روحي، وتتكافل تكافلا اجتماعيا يجعل الغني لا يأكل حتى يتخم وبجانبه من لا يجد القوت، وبهذا تقوم في العالم من جديد حضارة لا يكون القوامون عليها الأقوياء الفجرة، بل الأتقياء البررة”[2].
إن دعوى فساد الأنظمة الفكرية والتشريعية دعوى باطلة لا يؤيدها دليل من العقل ولا من النقل ولا من الواقع، بل تنقضها أدلة العقول والنقول والوقائع جميعها.
وفي نقض هذا الادعاء يقول د. يوسف القرضاوي: “إن الذي أنزل هذه الشريعة الإلهية وبين أحكامها، وكلف خلقه العمل بها، هو الذي خلق الناس وعلم ما هم في حاجة إليه من الأحكام فشرعه، وعلم ما يصلحهم ويرقى بهم من الشرائع، فألزمهم به. قال تعالى: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك). فهو أعلم بهم من أنفسهم، وأبر بهم من أنفسهم، وأرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم.
وإذا كان خالق الإنسان هو منزل الشريعة، فلا يتصور أن يتناقض ما شرعه مع مصلحة عباده، إلا أن يكون غير عالم بذلك حين شرعه، وهذا لا يقول به مسلم. أو يكون علمه، ولكنه أراد أن يعنتهم، ويلزمهم العسر والحرج، وهذا منفي بالنصوص القاطعة.
قال تعالى: )يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر( (البقرة: ١٨٥)، وقال تعالى: )ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون (6)( (المائدة)، وقال تعالى: )يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا (28)( (النساء)، وقال تعالى: )ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم (220)( (البقرة)[3].
ثانيا. الأنظمة الفكرية والتشريعية في الإسلام تميزت بخصائص فريدة تقاصرت دونها كل النظم حتى الآن:
فمن خصائص الأنظمة الفكرية والتشريعية الإسلامية أنها:
- أنظمة إنسانية عالمية متجددة:
تعتمد الحضارة الإسلامية – بصفة أساسية – على الفكر الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة، ولكنها تميز بين العبادات والعقائد من جانب، وما عداها من نظم من جانب آخر، والجانب الأول يخص المسلمين وحدهم، أما الجانب الثاني فهو عام يشمل المسلمين وغير المسلمين، ومن هنا كانت أنظمتها الفكرية والتشريعية أنظمة إنسانية عالمية غير عنصرية[4] وغير متعصبة؛ فهي تخاطب البشر كافة، وتسوي بينهم بصرف النظر عن دينهم ولغتهم وجنسهم، مصداقا لقوله تعالى: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات).
وهي أنظمة تقوم على التسامح الديني، اتباعا لقوله تعالى: )لا إكراه في الدين( (البقرة: ٢٥٦). وهي أنظمة متجددة؛ لأنها تفتح باب الاجتهاد – فيما لم يرد فيه نص قطعي؛ وتحض على العلم والتأمل في أمور الكون؛ ولذلك كان للأبحاث العلمية الإسلامية دور مشهود في بناء صرح الحضارة العالمية الحديثة.
- قيام نظام الحكم على الشورى والمساواة وكفالة الحريات السياسية:
تميزت الأنظمة الفكرية والتشريعية الإسلامية – عما عاصرها وما تلاها من أنظمة – بإقامة نظام الحكم على أساس الشورى، ولم يضع القرآن الكريم، ولا السنة المطهرة أحكاما تفصيلية لنظام الشورى، واكتفيا بصياغة المبدأ العام، وتركا التفصيلات لظروف المجتمع.
ومبدأ المساواة أصل عام من أصول الحكم في الإسلام، ويعبر القرآن الكريم عنه بالعدل، والأمر بالعدل والنهي عن الظلم وردت فيه آيات قرآنية كثيرة، وأحاديث نبوية متعددة، ومن أهم تطبيقات العدل الخطاب الموجه إلى أولي الأمر في قوله تعالى: )إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل( (النساء:٥٨).
وقد كفلت النظم الفكرية والتشريعية الإسلامية الحريات السياسية للناس كافة، والشواهد التاريخية تقطع بذلك، ومنها ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لابن واليه على مصر عمرو بن العاص: “متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”؟
وكذلك الحال في شأن حرية العقيدة، قال تعالى: )لا إكراه في الدين( (البقرة:٢٥٦)، وتكمل حرية العقيدة حرية إقامة الشعائر الدينية، بل إن التسامح الديني وصل مداه في تقرير حق أهل الكتاب في اتباع ما ورد في دينهم من أحكام لصيقة بالدين، مثل الأحوال الشخصية، ولو كانت مخالفة للتشريع الإسلامي.
- تتضمن الأنظمة الفكرية الإسلامية تنظيما شاملا لأمور الدين والدنيا:
يعد الدين وما ينظمه من قيم روحية وأخلاقية دعامة أساسية من دعامات المجتمع الإسلامي، وأداة فعالة في تحقيق الانسجام الاجتماعي، وركيزة أساسية للتضامن الاجتماعي.
ولا تترك الأنظمة الفكرية والتشريعية الإسلامية رعاية شئون الدين لضمير الفرد بعيدا عن الدولة؛ بل إن مسئولية حفظ الدين ورعايته تقع على عاتق الدولة.
وبالجمع بين الدين والدولة يتوخى الإسلام تربية الإنسان السوي الطبيعة، الذي تتوازن داخله كل نوازع النفس البشرية، ويلزمه بأن يراعي في سلوكه مصلحته الذاتية، ومصلحة الجماعة التي يعيش فيها، وبذلك تقوم الأنظمة الإسلامية على تحقيق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في حياة الإنسان، وفي تنظيم علاقته بالغير مصداقا لقوله تعالى: )وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين (77)( (القصص).
واستكمالا لهذا المبدأ تؤكد شريعة الإسلام على وجود التكامل بين الحياة الدنيا والآخرة؛ فسلوك الإنسان في الدنيا هو الطريق إلى نعيم الآخرة أو عذابها، وفي ذلك يقول الله عز وجل: )فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8)( (الزلزلة)، وبهذه الصورة يجتمع للفعل الواحد جزاءان: جزاء دنيوي توقعه السلطة العامة، وجزاء أخروي وأمره موكول إلى الله.
ولذلك نظم الإسلام كل قواعد السلوك الإنساني: قانوني، ديني، أخلاقي. وتبين أنظمة الإسلام أن العلم ليس خادما مطيعا للإيمان، كما كان الحال في العصور الوسطى في أوربا، كما أن الدين ليس عدوا مبينا للعلم حسبما ينادي المذهب الشيوعي؛ فالأحاديث النبوية تجعل من طلب العلم فريضة، والآيات القرآنية تدعو الإنسان إلى اكتشاف أسرار الكون بالدرس والملاحظة والتفكير، ومن هنا كان الاجتهاد وحرية التفكير أصلا من أصول حضارة الإسلام، فالإسلام يقبل الاجتهاد لملاحقة التطورات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية، وهو ما عبر عنه الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «إن الله يبعث من هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها»[5].
- تقوم الأنظمة الإسلامية على التكافل الاجتماعي:
تستهدف الأنظمة الفكرية والتشريعية الإسلامية إقامة مجتمع يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وتقيم هذا التوازن على أساس التآخي والمحبة والتراحم، وهو ما نعبر عنه الآن بالسلام الاجتماعي، أو التكافل الاجتماعي، والقرآن الكريم قاطع في هذا الشأن، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: )وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( (البقرة:١٤٣).
ولذلك تتشابه النظم الإسلامية مع بعض النظم الحديثة في وجوه وتفترق عنها في وجوه أخرى؛ وذلك لأنها تتفادى النتائج السلبية لكل منها؛ فتتفادى النتائج السلبية للعولمة التي تقوم على الأنانية المفرطة وحب الذات، وتتفادى الحقد الطبقي والكراهية التي يقوم عليها المذهب الشيوعي.
وتحرص النظم الإسلامية على ألا يكون التآخي والتراحم بين أفراد المجتمع مجرد شعار؛ بل هو نظام قانوني يحكم العلاقات بين الناس دونما تمييز بينهم.
وآية ذلك تحريم كل ما من شأنه أن يكون مصدرا للحقد والضغينة والاستغلال مثل “الخمر والميسر والزنا وعقود الغرر والربا والاحتكار”.
ولا يجوز عقلا أن يتم الحكم على النظم الإسلامية في حالة عدم وجودها في أرض الواقع أصلا، أو في حالة تطبيقها تطبيقا جزئيا فاسدا من جانب بعض الحكام في بعض العصور، فهذه التجاوزات تحدث في أي حضارة قديمة أو حديثة، وكذلك الأمر بالنسبة لتقدم المسلمين أو تخلفهم عن ركب الحضارة السائد في المجتمع.
فالمعادلة ثابتة ومعلومة في كثير من التوجيهات النبوية، وفي العديد من الآيات القرآنية التي حثت على العلم، والأخذ بأسباب التقدم، وبينت أن مكانة العمل وما لصاحب العمل من الثواب والأجر في الدنيا والآخرة إلى جانب كونه كفارة للذنوب.
قال تعالى: )وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (105)( (التوبة)، وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – للرجل: «اعقلها وتوكل».[6] أي خذ بالأسباب ثم توكل على الله – عز وجل – بعد ذلك.
ومن كل ما سبق يتضح لنا أن النظم الفكرية والتشريعية للإسلام قد اتسعت لتشمل كل الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكل ما يحقق مصلحة، أو يدرأ به مضرة أو مفسدة، وما يستقيم به أمره في الدنيا والآخرة، وسبحان الله – عز وجل – إذ يقول: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك)[7].
ثالثا. تخلف المسلمين مرهون بتفريطهم وتخليهم عن مبادئ الإسلام، فالعيب في المسلمين المفرطين لا في أنظمة الإسلام العريقة:
وهذه حقيقة يؤكدها الواقع ويشهد بها التاريخ ويعرفها كل من درس الإسلام وتاريخه أو قرأ في تراثه الزاخر.
لقد قادت الحضارة الإسلامية مسيرة العلم والمعرفة في القرون الوسطى التي تعدها أوربا عصور الظلام، في حين أنها تمثل عصور التنوير في تاريخ أمتنا.
وحسبنا أن نشير في هذا السياق إلى أن جورج سارتون قسم – في كتابه “مقدمة في تاريخ العلوم” – النشاط العلمي على مدى التاريخ إلى فترات تستمر كل فترة منها نصف قرن، وجعل على رأس كل فترة عالما يكون رمزا لها على مستوى العالم. فمن 750م إلى 1100م على مدار 350 سنة كان كل العلماء الرامزين من العالم الإسلامي: جابر بن حيان والخوارزمي والرازي والمسعودي وأبو الوفاء البيروني وعمر الخيام، وكانوا مسلمين عربا وأتراكا وأفغانا فنبغوا في علوم الكيمياء والرياضة والطب والجغرافيا والطبيعة والفلك. وفي سنة 1100م ولمدة 250 سنة أخرى ابتدأ اشتراك الأوربيين مع علماء العالم الإسلامي، أمثال ابن رشد والطوسي وابن النفيس، وفي تلك المدة قامت النهضة الأوربية الحديثة التي بدأت بترجمة علوم العالم الإسلامي ودراستها والإضافة إليها حتى يومنا هذا، وتلك هي الحقيقة التاريخية التي يشير إليها ويؤكدها العالم العربي المسلم المقيم في ألمانيا، د. محمد منصور الذي اختير من بين ألفي شخصية عالمية تركت بصماتها على الحياة الإنسانية خلال القرن الماضي بمبادرة من جامعة كمبردج[8].
أما تخلف المسلمين اليوم فإن الإسلام لا يتحمل وزره؛ لأن الإسلام ضد كل أمثال التخلف، وعندما تخلف المسلمون عن إدراك المعاني الحقيقية للإسلام تخلفوا في ميدان الحياة، ويعبر مالك بن نبي – المفكر الجزائري الراحل – عن ذلك تعبيرا صادقا حين يقول:
” إن التخلف الذي يعاني منه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام، وإنما هو عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين؛ لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين، فليست هناك صلة بين الإسلام وتخلف المسلمين، ولا يجوز الخلط بين الإسلام والواقع المتدني الذي يشهده العالم الإسلامي اليوم.
فهناك أسباب خارجية ترجع في جانب كبير منها إلى مخلفات عهود الاستعمار التي عاقت البلاد الإسلامية عن الحركة الإيجابية، وهذا بدوره – بالإضافة إلى بعض الأسباب الداخلية – أدى إلى نسيان المسلمين للعناصر الإيجابية الدافعة لحركة الحياة.
والتخلف الذي يعانيه المسلمون يعد مرحلة تاريخية في تاريخهم، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنهم سيظلون كذلك إلى نهاية التاريخ؛ بل هي السنة الكونية وتعاقب الدهور والأزمان. إن الأمانة العلمية تقتضي أن يكون الحكم على موقف الإسلام من الحضارة مبنيا على دراسة منصفة لأصول الإسلام، وليس على أساس إشعاعات واتهامات وأحكام مسبقة لا صلة لها بالحقيقة” [9].
الخلاصة:
- إن النظم الإسلامية “الفكرية والتشريعية” لها أساس فكري علمي نفسي شامل لجميع مجالات الحياة الإنسانية؛ وذلك لأنها تعتمد على منهج إلهي محكم من عند الله – عز وجل – العالم بما يصلح شئون خلقه؛ قال تعالى: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك).
- النظم الإسلامية هي الوحيدة التي تقدر على حل مشاكل الإنسان، وعودة المسلمين مرة أخرى إلى ريادة النهضة الحضارية وقيادة التقدم العالمي إذا تمسكوا بها، والتاريخ الإسلامي للنبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه من بعده خير شاهد على النتيجة الرائعة لتطبيق هذه النظم في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وجميع مجالات الحياة الإنسانية.
- النظم الفكرية والتشريعية الإسلامية تأمر وتحض على العلم، وقد تقدم المسلمون على العالم عدة قرون بفضل اتباع وتطبيق النظم الإسلامية، وذلك في حقب الازدهار الناتجة عن تمسك المسلمين بمنهجهم الإلهي الحكيم.
- لا شك أن أعداء الإسلام – خاصة اليهود – يحاولون تشويه حقائق الإسلام بالغلط والتلبيس منذ بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – وحتى الآن، ولقد بدءوا بزعزعة الثوابت لدى المسلمين، لا سيما عندما فشلت قوة السيوف والمدافع في تحقيق مآرب أعداء الإسلام بالقوة.
- اعتمدت النظم الإسلامية على منهج الله – عز وجل – خالق الخلق الأعلم بما يصلحهم، ولقد ثبت من خلال حقائق الواقع والعلم والطب وعلم النفس، أنه “حيث يوجد شرع الله فثم المصلحة”.
- إن الأنظمة الفكرية والتشريعية في الإسلام متعددة، فمنها الاجتماعي ومنها الاقتصادي، والتعليمي، والعلمي، والإنساني، وكانت هذه الأنظمة سببا في رقي المسلمين وتقدمهم لما التزموا بها. وعندما تخلوا عنها تراجع تقدمهم وسقطوا في وهدة التخلف، ولا سبيل لعودتهم إلى مكان الصدارة إلا باتباع هذه النظم والالتزام بها واحترامها.
(*) ظلام من الغرب، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، 2003م.
[1]. طاعة أولي الأمر في حدود ما أمر الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: « لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف ». أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التمني ، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم (6830)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4871) واللفظ له.
[2]. الثقافة الإسلامية وتحديات العصر، د. شوكت محمد عليان، دار الشواق، الرياض، ط2، 1416هـ/ 1996م، ص366، 365.
[3]. المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص355.
[4]. العنصرية: مذهب يفرق بين الأجناس والشعوب بحسب أصولها وألوانها، ويرتب على هذه التفرقة حقوقا ومزايا.
[5]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة (4293)، والطبراني في المعجم الأوسط، باب الميم، من اسمه محمد (6527)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (599).
[6]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه (2571)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الرقائق، باب الورع والتوكل (731)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2517).
[7]. أثر العولمة على الهوية الثقافية في العالم الإسلامي، مقال د. صوفي أبو طالب، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الحادي عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان “نحو مشورع حضاري لنهضة العالم الإسلامي”، القاهرة، 1421هـ/ 2000م، ص71: 89 بتصرف.
[8]. خصائص الحضارة الإسلامية، مقال د. عبد العزيز بن عثمان التويجري ، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الرابع عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان “حقيقة الإسلام في عالم متغير”، القاهرة، 1423هـ/ 2003م، ص978.
[9]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص644، 643.