الزعم أن الدعوة المحمدية لم تغير شيئا من أخلاق العرب ولا مدنيتهم
وجها إبطال الشبهة:
1) الواقع والتاريخ والمنصفون يشهدون جميعا بالتغييرات الهائلة التي أحدثتها دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – في نفوس العرب وأخلاقهم، بل وفي غيرهم من الأمم التي بلغتها الدعوة، وآمنت بها.
2) لقد استطاع العرب بفضل دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – بعد فترة زمنية قصيرة، إقامة حضارة رائعة، كانت من أطول الحضارات عمرا في التاريخ، واعتمد عليها الأوربيون في إقامة نهضتهم الحديثة بشهادة علمائهم المنصفين.
التفصيل:
أولا. التغييرات التي أحدثتها دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – في نفوس من آمن بها:
منذ أن جهر النبي – صلى الله عليه وسلم – بدعوته أول مرة في مكة وقفت في وجهه وقائع ضخمة: واقع مكة، وواقع الجزيرة العربية، وواقع الكرة الأرضية، ووقفت في وجهه عقائد وتصورات، ووقفت في وجهه قيم وموازين، ووقفت في وجهه أنظمة وأوضاع، ووقفت في وجهه مصالح وعصبيات.
كانت المسافة بين دعوة الإسلام التي جاء بها محمد – صلى الله عليه وسلم – وبين واقع الناس في الجزيرة العربية، وفي الأرض كافة، مسافة هائلة، وكانت النقلة التي يريدها بعيدة، وكانت تسند الواقع أحقاب من التاريخ، وأشتات من المصالح، وألوان من القوى، وقفت كلها سدا في وجه هذا الدين الجديد، الذي لا يكتفي بتغيير العقائد والتصورات، والقيم والموازين، والعادات والتقاليد، والأخلاق والمشاعر، ولكنه يريد كذلك أن يغير الأنظمة والأوضاع، والشرائع والقوانين، كما يريد انتزاع قيادة البشرية من يد الطاغوت والجاهلية ليردها إلى الله، وإلى الإسلام.
ومن ثم فإن التغيير الذي قاده محمد – صلى الله عليه وسلم – بمنهج الله تعالى بدأ بالنفس البشرية، وصنع منها الرجال العظماء، ثم انطلق بهم ليحدث أعظم تغيير في شكل المجتمع، حيث نقل الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن التخلف إلى التقدم، وأنشأ بهم أروع حضارة عرفتها الحياة.
لقد قام النبي – صلى الله عليه وسلم – معتمدا على منهج القرآن بتغيير في العقائد، والأفكار، والتصور، وعالم المشاعر والأخلاق في نفوس أصحابه، فتغير ما حوله في دنيا الناس، فتغيرت المدينة، ثم مكة، ثم الجزيرة العربية، ثم بلاد فارس والروم، في حركة عالمية تسبح وتذكر خالقها بالغدو والآصال[1].
إن المتأمل في أحوال العرب العقائدية والأخلاقية والاجتماعية قبل الإسلام، وحالهم بعد البعثة المحمدية، يلاحظ هذا التغيير العظيم الذي أحدثته دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – في العرب خاصة وفي العالم أجمع، سواء على مستوى الجماعة، أم على مستوى الفرد، ويمكننا أن نوضح بعضا من آثار دعوته – صلى الله عليه وسلم – الخالدة، تلك الآثار التي لا يحدها مكان ولا زمان، ونكتفي بأقل القليل منها الآن، وهو آثار دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – على المجتمع والفرد العربي.
- آثار دعوته – صلى الله عليه وسلم – على المجتمع:
يقول الأستاذ عبد الرحمن عزام في كتابه “بطل الأبطال” : إن أول ما يجب أن نوجه تفكيرنا إليه هو أثر هذه الدعوة من الناحية الاجتماعية، في شعب لم يكن يصلح لشيء، فأصبح في بضع سنين صالحا لحمل الرسالة التي وصلت إلى أطراف المشرق في سنين معدودة (عشرين سنة تقريبا).
كان الأثر البارز السريع لهذه الدعوة تغيير أمة تغييرا شاملا حاسما، بحيث أصبحت شيئا آخر، تلك الأمة التي نشأت فيها الدعوة (الأمة العربية)، فقد كان العرب قوما فوضى، في قفر[2] من الأرض، موضع احتقار المتمدنين من الفرس والرومان، وكانوا آخر أمة يرجى فيها خير وينتظر لها أمر، كان العرب في جاهليتهم قبائل متنازعة على الحياة، متنافسة في السؤدد، يتنازعون على مواقع الغيث ومنابت العشب، كل قبيلة تعتز بقوتها، وتفتخر بأنسابها ومآثرها، وما فخرها وعزها إلا في أنها أغارت فغلبت ونهبت، وأنها ظلمت وأفسدت، فالظلم والنهب عندها محمود، وهو من أغراض الحياة. انظروا إلى قول عمرو بن كلثوم:
بغاة ظالمين وما ظلمنا
ولكنا سنبدأ ظالمينا
وقول زهير:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
هذا الشعر يصور لنا حالة العقلية التي كانت عليها القبائل العربية، ويدلنا على عظم الدعوة التي جعلت من قوم يفخرون بنهب إخوانهم قوما يعتزون بنشر السلام والقانون، والعدل بين الأبيض والأسود في آسيا وإفريقيا، هؤلاء الجفاة المتنابذون قد أصبحوا في جيل واحد رسل الحضارة والنظام. كان الرجل منهم لا يعترف إلا بقبيلته، فإذا تنازعت لا يعترف إلا بالبطن الذي ينتسب إليه، وينكر على غير عشيرته حق الحياة. وكان أفراد العشيرة لا يتعارضون، ولا يتصارعون على خير عام. وكانت الحياة قائمة على الخصومة والعداء لكل أحد خارج عن نطاق العشيرة، فكانت العشيرة على هذا الاعتبار عصابة متكافلة على حماية نفسها، وإتيان الشر ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، والاعتزاز بالقدرة عليه، وأنها تأتيه دائما، فجاءت الدعوة المحمدية تنقض كل ما يتمسك به العربي من هذه المواريث، فحلت هذه العصابة الموجهة للشر باسم العشيرة، وأحلت محلها الأمة، وأقامت الحقوق البشرية، وجعلت التعاون على البر، والتكافل على النظام العام، والاتحاد على الفكر السامي والعقيدة الطاهرة مكان علاقة الدم التي تربط بين الناس في سفك الدم، ونهب ما بأيديهم، فقلبت بذلك نظرة العرب إلى نقيضها، وجعلتها نظرة إنسانية إلهية، بعد أن كانت بهيمية وحشية، أحلت سلطان الشريعة فوق كل سلطان، وجعلت هيمنة الدولة للخير العام فوق كل هيمنة، وذهب القصاص الظالم، وقام القصاص العادل، وسارت المسئولية الفردية للعشيرة، مكان المسئولية الاجتماعية لها )ولا تزر وازرة وزر أخرى( (الأنعام: ١٦٤)،)كل نفس بما كسبت رهينة (38)( (المدثر)، )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم)، وصارت العزة للشرع القاهر، والسلطان القائم عليه، وحرمت دعوى الجاهلية: يا لفلان، وأصبح كل داع فللشرع دعوته، وبالقانون انتصاره، وبالعدل اعتصامه.
برزت المسئولية الشخصية، فما تغني عن أحد دعوى الجاهلية، ولا يغني عن أحد في ميدان العمل نسبه ولا حسبه ولا جاهه ولا ماله: )فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8)( (الزلزلة)، )يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير (16)( (لقمان).
أصبح الناس بالدعوة المحمدية سواء، لا شريف ولا وضيع، خيرهم أحسنهم عملا، وسيدهم أنفعهم، وأكرمهم أتقاهم )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات).
انظروا إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – في خطبة الوداع، يعلن هذه المساواة للعرب على أنها للبشر كافة: «يا أيها الناس، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى» [3].
تلك هي الكلمة الخالدة التي كانت دستور الحكم فيما فتح العرب من الأرض، فجعلت الفتح العربي بعيدا من رفعة قوم على قوم أو جنس على جنس، فلم يصبه ما أصاب غيره من الفتوح، وبقيت آثاره خالدة في المشرق والمغرب.
قضت الدعوة المحمدية على التنافس والغلبة بالكيفية التي سقتها، وعملت على إقرار الحق، وبسط الخير، ولم يبق في الشرع الذي قبله العرب إلا تنافس في الأعمال الصالحة، قال سبحانه وتعالى: )فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (48)( (المائدة).
وهكذا حلت الأمة محل القبيلة، والعدل محل الغلبة، والمساواة مكان التفاضل، والعمل الصالح مكان الفخر بالآباء، وملئت القلوب حبا وسلاما، بعد أن كانت مملوءة بغضا ونزاعا )قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم( (الأنعام: ١٥١).
كان قلب العربي موزعا بين آلهة شتى، قد التبست عليه صفاتها وأفعالها، يفزع إليها حينا، وينفر منها حينا، ويلتمس منها الخير، فإن لم يظفر به هجرها.
لم تكن أمام العربي سبيل واضحة للعمل في هذه الحياة، كما لم تكن له خطة بينة لمعاملة الناس، فلقنته الدعوة المحمدية الإيمان بإله واحد، وهدته إلى الحلال والحرام في كل صغيرة وكبيرة، فصار على بينة من ربه، وعلى بينة من نفسه، وعلى بينة من عمله.
وعقيدة المسلم علمته التوحيد في كل شيء، علمته أن الله واحد، وأن أصل البشر واحد، وأن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن الأمم جميعا سواء، وأن الأديان التي جاءت بها الرسل واحدة، لا تختلف في حقائقها ومقاصدها، قال سبحانه وتعالى: )شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى( (الشورى:١٣). ووحدت له الخطة التي يعمل عليها في خاصة نفسه، ومعاملة الناس، وحدت الدعوة المحمدية نفس العربي، ثم وحدت العرب جميعا، وصاغت منهم أمة واحدة، تحمل رسالة التوحيد إلى الناس كافة.
فهذه الأمة الواحدة المؤلفة من أرقى الموحدين، هي التي انبعثت بسبب هذه الدعوة، فلم يقف في سبيلها شيء، لا كثرة العدد، ولا قوة السلاح، ولا العقائد الموروثة، ولا عظمة الملوك، ولا جبروت الرؤساء، بل كانت قدرا من الله بلغ غايته، ومن ذا يرد على الله القدر؟!
هذا التوحيد هو أظهر معجزات الدعوة المحمدية، ولكي يدرك الناس وجه الإعجاز يجب أن ينظروا الآن إلى جزيرة العرب نفسها، وقد شملها الإسلام قرونا، ثم عادت فيها سيرة الجاهلية بحالة أخف كثيرا، بل أهون مائة مرة مما كانت عليه قبل ظهور رسالة التوحيد فيها، وليقدر كم يلقى الذي يريد أن يبعث هذه الأمة مرة أخرى من عنت.
إن كثيرا من المصلحين ليتحطمون على عتبة الإصلاح، قبل أن يصلوا إلى شيء مما وصلت إليه الدعوة المحمدية في بضع سنين، إذا تصورتم الحالة الحاضرة، وقستموها على الحالة وقت ظهور الدعوة، يمكنكم أن تتصوروا أثر الدعوة المحمدية وقوتها وفضلها على هذه الأمة، وعلى الناس كافة.
جاءت الدعوة المحمدية برسالة التوحيد هذه ومعها رسالة أخرى، هي رسالة التحرير، وتركت في هذه الرسالة أثرها الخالد في الأمة العربية وجميع الأمم كما تركت في الأولى؛ فصرخ مؤذن هذه الرسالة: الله أكبر! وتضاءلت بهذه الصرخة كل عظمة، وكل سيطرة أمام عظمة الله وسيطرته، وتحررت النفوس من الأوهام الباطلة، والعقائد الكاذبة، وصارت العبودية خالصة لله، يتساوى الناس فيها، ويتحررون بذلك من سواها.
وهذا الذي انفرد بالسلطان والسيادة وحق العبودية هو الله، قال سبحانه وتعالى: )هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما (43) تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما (44)( (الأحزاب)، وقال سبحانه وتعالى: )والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (25)( (يونس)، وقال سبحانه وتعالى: )الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (257)( (البقرة).
بهذه المعاني السامية، والعبارات القوية، في هذه الآيات الكريمة وأمثالها تحررت النفوس من العبودية لغير خالقها البر الرحيم بها، هاديها إلى النور وإلى صراط مستقيم.
كان الناس قبل الدعوة المحمدية عبيدا للملوك والزعماء، عبيدا للرؤساء الدينيين، عبيدا للأوهام والخرافات، عبيدا لملاك الأرض وملاك الثروة، فتحرروا بهذه الدعوة المحمدية، تحرروا في أبدانهم، وأعظم من ذلك أن تحررت نفوسهم بما وهبت لها الدعوة من عقيدة الخلود وعزته، وأن عملها ليس أثرا بائدا، بل مسجلا خالدا خلود قوانين الله في خليقته.
علمت الدعوة المحمدية الناس أن النفع والضر بيد الله وحده، وأن لا واسطة بين الإنسان وربه، وأن ربه أقرب إليه من حبل الوريد، وأنه معه حينما كان، وأنه ليس لأحد سلطان على قلبه، وليس للرسول نفسه إلا التبليغ والتعليم )فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22)( (الغاشية)، )فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا( (الشورى: ٤٨).
بهذا أدرك الإنسان مكانته، ونال حريته في عقله وقلبه وفكره وعمله، وبقي للدعوة المحمدية أثرها الخالد في توحيد الناس وتحريرهم.
- أثر الدعوة المحمدية في الفرد:
ولكي نستعين على تصور هذا الأثر في الفرد لنستحضر أمامنا مثلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كان عمر في جاهليته فتى من فتيان قريش، يغشى مجالس السوء، وبؤر الشر، وكانت مكة في ذلك العصر ممتازة بين حواضر الجزيرة بترفها ومنكرها، تجذب طلاب الطرب واللهو، ولم يكن عمر في هذه المدينة شاذا، بل كان معلما بالفتوة والغلظة، معروفا بالقسوة والشراسة، مستعدا في كل الحالات للتسلط بالأذى على من يخالفه، ولإثارة الفتنة والشغب فيما جل أو صغر؛ لذلك كان من أخطر فتيان مكة على الدعوة المحمدية، وأنشطهم في أذى أتباعها، فلم يسلموا من لسانه الجارح، ويده الباطشة، ولما رأته ليلى بنت أبي حنتمة وله رقة لم تكن تراها، ذكرت ذلك لرجل من المسلمين، فقال لها: أطمعت في إسلامه؟! إنه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب.. هذا هو الذي جذبته الدعوة، فلما هذبته وصقلته، أخرجت منه عمر أمير المؤمنين، قاهر الفرس والروم، وجعلت منه المثل الكامل في الرفق والإنصاف والعدل، وصار أكبر القضاة والسياسيين والملوك في تاريخ البشر.
خلصت الدعوة المحمدية الفرد من سلطان العقائد الباطلة، وأصلحت قلبه وفكره بالعقائد الصحيحة، وهذبت نفسه بالشرائع القويمة، والسنن الصالحة، والقدوة الحسنة التي وجدها في المثل الأعلى، في محمد صلى الله عليه وسلم: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة( (الأحزاب: ٢١).
أقرت الدعوة المحمدية في نفوس أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – حب العدل وحب الإنصاف، في بيئة لا تعرف الحق إلا للقوة ولا تدين بالإنصاف إلا للسيف، فوطأت النفوس للحق، انظروا إلى عمر – رضي الله عنه – بعد أن هذبته الدعوة، تعترضه امرأة وهو أمير المؤمنين يخطب الناس، فيمسك من فوره، ويقول: أصابت امرأة وأخطأ عمر! وانظروا إليه – وقد شج رأس أخته في الجاهلية – يبكي وهو أمير المؤمنين لرؤية بائس، ويخشى أن يلقى الله وفي الناس بائس.
تلك آثار الدعوة في نفوس جفاة العرب، قد جعلت من رعاة الإبل والشاة وصغار التجار في مكة، والفلاحين في المدينة، رجالا، كلما احتاج تاريخها إلى واحد منهم وجده مهيأ للإمارة على الناس من كل الأجناس، كأنما نشأ فيها، ودرج لها. رجالا قوامين بالقسط، كما أمرهم الله – عز وجل – في القرآن )يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)( (المائدة)، )وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( (البقرة: ١٤٣).
وليس نجاح الفتح العربي، وانتشار الدعوة، إلا أثرا لسحرها في تغيير النفوس وتوجيهها للخير، ولولا رجال أعدتهم المدرسة المحمدية للمثل العليا، أعدتهم لإرشاد البشر وقيادته وحكمه، لما تجاوز الفتح الإسلامي الجزيرة العربية، ولذهبت آثاره بموت الرسول – صلى الله عليه وسلم – وارتداد الأعراب، ولكن الشباب الذين طبعتهم الدعوة بطباعها استمروا يفيضون على جيلهم ما أودعوا من فيض الرسول ثلاثين سنة بعد وفاته، فأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، الخلفاء الراشدونـ رضي الله عنهم – لم يكونوا إلا شباب الرسالة وقت أن أسرها ثم جهر بها محمد – صلى الله عليه وسلم – للناس.
وليتبين لنا واضحا أثر الدعوة المحمدية في نفوس الشباب الذين هاجروا للحبشة، وخالفوا آباءهم وكبراءهم في سبيل عقائدهم، نذكر لكم موقف جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – أمام النجاشي، فهو موقف يدل على امتلاك الدعوة المحمدية لنفوس من اجتذبتهم، كما يبين لنا موضوع الدعوة نفسها، كما فهمها المهاجرون والمهاجرات، بل كما فهمها أنصارها في ذلك العصر.
لقد خرج أولئك السابقون لتلبية كلام الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومعهم من الفتيان والفتيات من ينتسبون لمختلف البطون في قريش، ويتصلون بالقرابة لأعاظم رجال مكة، وأشد خصوم الدعوة، وفيهم أبناء وبنات لأمثال المغيرة، وسهيل بن عمرو، وأمية بن خلف، فبعثت مكة في أثرهم رجلين من دهاتها: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة. ومعهم هدايا مما يستطرف النجاشي من متاع مكة، له ولكل بطريق من بطارقته، وأوصوهما أن يدفعا لكل بطريق بهديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم يسلما النجاشي هديته، ويسألاه تسليم اللاجئين.
فلما وزعا الهدايا قالا لكل بطريق منهم: «قد أوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم، من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم ليردوهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا، ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا[4]، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهم: نعم. ثم سلما للنجاشي هداياه، وقالا له مثل الذي قالا للبطارقة، فأشار البطارقة بتسليمهم، ولكن النجاشي أبى أن يأمر بذلك حتى يسمع قول المهاجرين، فدعاهم وسألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا دين أحد من هذه الملل؟ فقام جعفرـ رضي الله عنه – وكان اللاجئون قد اختاروه، واتفقوا على أن يقول ما علموا، وما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم – كائنا في ذلك ما هو كائن. فقال: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا، وضيقوا علينا الخناق، فخرجنا إلى بلادك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك.
فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال جعفر رضي الله عنه: نعم، قال النجاشي: فاقرأه، فقرأ صدرا من “كهيعص”، فبكى النجاشي، ثم قال: إن هذا والذي جاء به عيسى – عليه السلام – ليخرج من مشكاة واحدة»[5].
هذه هي الدعوة كما فهمها شباب ذلك العصر، بل كما فهمها أشد الناس تعلقا بها، وهذا هو أثرها منطبعا في نفس ذلك الشاب القرشي، يحدث عنها ملكا من الملوك بثقة وبقوة.
إنكم لتلمسون في كلمات جعفر – رضي الله عنه – الموجزة صورة كاملة للدعوة المحمدية، والمجتمع الذي نشأت فيه، فقد بدلت الدعوة وجهة نظر الفرد للحياة تبديلا تاما، كما قلبت أوضاع المجتمع العربي إلى عكس ما اصطلح الناس عليه، وابتدعت – كما يقول رسل – قريش جديدا لم تعرفه العرب، ولا غير العرب.
ذلك الجديد هو الرسالة المحمدية، وأثرها هو الانقلاب الذي شمل العرب وجيرانهم ولا زلنا، ولا يزال الناس في آثاره حتى آخر الدهر.
ظفرت الدعوة، وطأطأت – كما يقول هيل – أمة لإرادة رجل واحد؛ لأنه نفخ فيها من روحه إيمانا قويا ساميا، وأحل في قلبها الفضيلة خالصة نقية، ووجهها على جادة العظمة والفتح العالمي. ولقد كان الاتحاد والتعاون منكرا لا يعرفه العرب إلا في حدود العشيرة، وكان الكبر والفخر والجاه والمال أسمى ما يتطلع الناس إليه، فلما نجحت الدعوة المحمدية قامت وحدة العرب على تضامن الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، فأصبحت المؤاساة حقا مفروضا على الأغنياء، عليه يقوم تكافل المجتمع، وعليه تقوم الدولة التي ولدتها الدعوة الجديدة. تبدلت نظرة الفرد للحياة تبدلا تاما، وانقلب النظام الاجتماعي بما ابتدع الإسلام من الأصول، وما وضع من الشرائع.
وقد عبر العلامة هيل في كتابه “حضارة العرب” عن أثر الدعوة المحمدية بهذه الكلمة القوية: “إن جميع الدعوات الدينية قد تركت أثرا في تاريخ البشر، وكل رجال الدعوة والأنبياء قد أثروا تأثيرا عميقا في حضارة عصرهم وأقوامهم، ولكنا لا نعرف في تاريخ البشر أن دينا انتشر بهذه السرعة، وغير العالم بأثره المباشر، كما فعل الإسلام، ولا نعرف في التاريخ دعوة كان صاحبها سيدا مالكا لزمانه ولقومه، كما كان محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد أخرج أمة إلى الوجود، ومكن لعبادة الله في الأرض، وفتحها لرسالة الطهر والفضيلة، ووضع أسس العدالة والمساواة الاجتماعية بين المؤمنين، وأحل النظام والتناسق والطاعة والعزة في أقوام لا تعرف غير الفوضى” [6].
تلك بعض آثار دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – في العرب على مستوى الفرد والجماعة، ولا ينكر آثار هذه الدعوة إلا من أغفل عقله، أو تعمد أن يتعامى عن ضوء الشمس، وكيف لا؟! ولا زالت الدنيا تعيش هذه الآثار وتلتمسها على كل المستويات، فقد كانت بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم – حدا فاصلا بين تاريخ البشرية القديم، وتاريخها الحديث، وفي ذلك يقول كارليل وهو أحد الغربيين غير المسلمين: “قوم يضربون في الصحراء لا يؤبه لهم عدة قرون، فلما جاءهم النبي العربي، أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد القلة، وعزوا بعد الذلة، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرضين بعقولهم وعلومهم” [7].
والحق أن دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – بشهادة العلماء المنصفين ما أثرت هذا التأثير في نفوس العرب وأخلاقهم إلا لأنها قامت على الحجج العلمية، والدلائل العقلية، وابتعدت عن الخرافة والدجل، وكل ما يرفضه العقل الراشد، فلا عجب أن يتم هذا التحول الهائل في نفوس العرب في هذه السنوات القليلة. هذا التحول الذي شهد له الواقع والتاريخ، كما شهد له غير المسلمين من العلماء والمفكرين المنصفين.
وهذه بعض شهادات علماء الغرب المنصفين في قضية تغيير دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – نفوس العرب وأخلاقهم تغييرا جذريا يغاير ما كانوا عليه قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم.
يقول فيليب حتى: إن اللغة العربية هي لغة القرآن التي كانت الأساس الذي قامت عليه أمة جديدة أخرجت للناس، أمة جاءت بها بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم – من قبائل متنافرة متنازعة، لم يقدر لها أن تجتمع على رأى واحد، وهكذا استطاع رسول الإسلام – صلى الله عليه وسلم – أن يضيف حدا جديدا – رابعا – إلى المأثرة الحضارية ذات الحدود الثلاثة من الدين والدولة والثقافة، ذلك الحد الرابع الجديد كان إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات… إن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية القائمة على الدم والقرابة للبناء الاجتماعي – كان في الحقيقة عملا جريئا جديدا قام به النبي العربي صلى الله عليه وسلم[8].
ويقول دراني: وأخيرا أخذت أدرس حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – فأيقنت أن من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، بل وبدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم تحت راية واحدة، وقانون واحد، ودين واحد، وثقافة واحدة، وحضارة واحدة، وحكومة واحدة..[9].
ويقول سانتيلانا: ما كان من محمد – صلى الله عليه وسلم – إلا أن تناول المجتمع العربي هدما من أصوله وجذوره وشاد صرحا اجتماعيا جديدا… هذا العمل الباهر لم تخطئه عين ابن خلدون النفاذة الثاقبة. إن محمدا – صلى الله عليه وسلم – هدم شكل القبيلة والأسرة المعروفين آنذاك، ومحا منه الشخصية الفردية والموالاة والجماعة المتحالفة. من يعتنق دين الإسلام عليه أن ينسى روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته، إلا إذا كانوا يعتنقون دينه (إخوته في الإيمان)، فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول لهم كما قال إبراهيم – عليه السلام – لأهله ما معناه: “لقد تقطعت بيننا الأسباب…” [10] [11].
ويقول ول ديورانت: “إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا: إن محمدا – صلى الله عليه وسلم – كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب، ألقت به في دياجير[12] الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الهدف نجاحا لم يصل إليه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنسانا غيره حقق ما كان يحلم به… وكانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان قليل عددها، متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة، وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينا سهلا واضحا، وصرحا خلقيا” [13].
ثانيا. استطاع العرب بفضل دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – بعد فترة زمنية قصيرة أن يقيموا حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرا وأكثرها تأثيرا في الحضارات بعدها:
قبل البدء في الحديث عن الحضارة التي أقامها العرب، والتي قامت بفضل دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – لا بد أن نوضح أنه لا توجد أية علاقة بحال من الأحوال بين انحطاط الأخلاق ورقيها، وبين التحضر والتقدم التقني؛ لأن المتأمل للمجتمعات البشرية قد يجد بعض المجتمعات البدائية، والتي لا تتصل بالحضارة بأية صلة، مثل بعض الجماعات البدوية أو الزراعية، ورغم ذلك تجد الرقي الأخلاقي فيها في أعلى درجاته، وعلى النقيض تماما فقد تصل بعض المجتمعات إلى أعلى درجات الرقي التقني، ولكن تنحط أخلاق أفرادها إلى أدنى درجة، وما هو مشاهد في الدول الغربية خير دليل على ذلك، فعلى الرغم من تقدم هذه الدول في شتى المجالات العلمية، فقد بلغ الفساد الأخلاقي فيها أعلى درجاته، فلم تشهد البشرية فسادا أخلاقيا، مثل الذي تشهده الدول الغربية، سواء على مستوى الفرد أم على مستوى المجتمع، فعلى الرغم من التقدم العلمي والتقني الهائل في هذه البلاد، إلا أن أخلاقها أشبه ما تكون بأخلاق الجاهلية التي كان عليها العرب قبل الإسلام.
ومن ثم فلا توجد أية علاقة بين الأخلاق والتقدم التقني والتحضر، حتى لو قسنا التغيير في نفوس العرب وأخلاقهم، بهذا التحضر والتقدم فإنه يتبين لنا مدى التغيير الذي أحدثته دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – في الفرد العربي والمجتمع العربي؛ “فإن حقائق التاريخ تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام قد استطاع بعد فترة قصيرة من ظهوره أن يقيم حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرا في التاريخ، ولا تزال الشواهد على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزير في شتى مجالات العلوم والفنون” [14]، قامت عليه النهضة الأوربية الحديثة.
ولا شك أن هذه الحضارة الإسلامية التي أقامها المسلمون إنما كانت سببا مباشرا لدعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – وأثرها في العرب وفي العالم كله، ولم لا؟ وقد سبق أن قلنا: إن هذه الدعوة قد قامت على العلم والحجج العقلية، فقد فتحت دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – للإنسان مغاليق المدنية والحضارة، وأبصرته طريق العلم والمعرفة، وعرفته حقائق الكون والحياة؛ لأن هذه الدعوة قد انطوت على مبدأ العلم الشامل؛ فقد جعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – مقام طالب العلم في صف المجاهدين لإعلاء كلمة الله من ناحية المنزلة والأجر، فقال صلى الله عليه وسلم: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع» [15]، وعد الطريق الذي يسلكه طالب العلم للعلم طريقا مؤديا إلى الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» [16].
والعلم الذي يقصده النبي – صلى الله عليه وسلم – يشمل كل علم نافع سواء أكان العلم دينيا أو دنيويا، نظريا أو تجريبيا، فرض عين أو فرض كفاية، ما دام أنه في خدمة الدين، وما دام أنه لرفع منار المدنية والحضارة، وما دام أنه واضح لصالح الحياة والإنسانية[17].
ومن ثم فالمتأمل يجد أن دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – قد أفادت العالم كله من الناحيتين الدينية والمدنية، إفادة يتعذر تقديرها، ولسنا بحاجة في هذا المقام لأن نبين وجوه الإفادة الدينية، ونكتفي بذكر ما أفادته الدعوة المحمدية من الناحية المدنية.
فقد شهد العالم كله بأن المسلمين حفظوا التراث العلمي العالمي، وتولوه بالزيادة والتمحيص، وطبقوه على حاجات الحياة الإنسانية، فأوجدوا بذلك مدنية ليس في العالم اليوم من يدعي أنه ليس مدينا للإسلام بها.
يقول جوستاف لوبون تحت عنوان “تمدين العرب لأوربا – تأثير العرب في الشرق والغرب”: خضع الشرق لكثير من الشعوب كالفرس والإغريق والرومان، ولكن تأثير هذه الشعوب السياسي، إذا كان عظيما فيه، فإن تأثيرها المدني فيه كان ضعيفا للغاية، وما عجز الإغريق والفرس والرومان عنه، قدر عليه العرب بسرعة ومن غير إكراه…
وما وفق العرب له في مصر اتفق لهم مثله في كل بلد خفقت فوقه رايتهم كإفريقيا – يريد تونس – وسوريا وفارس. وقد بلغ نفوذهم بلاد الهند التي لم يدخلوها إلا عابري سبيل، وقد كان لهم تأثير واضح في بلاد الصين التي لم يزوروها إلا تجارا.
ولا نرى في التاريخ أمة ذات تأثير بارز كالعرب، فجميع الأمم التي كانت ذات صلة بالعرب اعتنقت حضارتهم، ولو حينا من الزمن.
ولم يتجل تأثير العرب في الشرق في الديانة واللغة والفنون وحدها، بل كان لهم الأثر البالغ في ثقافته العلمية أيضا، وقد نقل العرب إلى الهند والصين أثناء صلاتهم بهما قسما كبيرا من معارفهم العلمية التي عدها الأوربيون على غير حق من أصل هندي أو صيني.
ويجدر بنا الآن أن نثبت أن تأثير العرب في الغرب عظيم كتأثيرهم في الشرق، وأن أوربا مدينة للعرب بحضارتها.
ولا يمكن إدراك أهمية شأن العرب في الغرب إلا بتصور حال أوربا حينما أدخل العرب الحضارة إليها، فإذا رجعنا إلى القرن التاسع من الميلاد حين كانت حضارة العرب الأندلسية في أوج نضارتها، رأينا أن مراكز الثقافة في الغرب كانت أبراجا يسكنها أمراء إقطاعيون متوحشون يفخرون بعجزهم عن القراءة، وأن أكثر رجال النصرانية معرفة هم الرهبان المساكين الجاهلون الذين كانوا يصرفون أوقاتهم في أديارهم لينشطوا بخشوع كتب الأقدمين النفيسة، ليكون عندهم بذلك من الرقائق ما هو ضروري لنسخ كتب العبادة.
مضت مدة طويلة قبل شعور أوربا بهمجيتها، ولم يبد ميلها إلى العلم إلا في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر من الميلاد، فلما ظهر فيها أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهل عنهم، ولوا وجوههم شطر العرب.
لم تكن الحروب الصليبية سببا في إدخال العلوم إلى أوربا كما يظن على العموم، وإنما دخلت العلوم أوربا من أسبانيا وصقلية وإيطاليا، ففي سنة 1130م أنشئ في طليطلة مكتب للترجمة تحت رعاية رئيس الأساقفة ريمون، فصار هذا المكتب ينقل إلى اللغة اللاتينية أهم كتب العرب. وقد كللت أعمال ذلك المكتب بالنجاح فبدأ للغرب عالم جديد، ولم يتوان العرب في أمر تلك الترجمة في القرن الثاني عشر، والقرن الثالث عشر، والقرن الرابع عشر، والقرن الخامس عشر من الميلاد.
ولم يقتصر في تلك القرون على ترجمة مؤلفات علماء العرب كالرازي، وأبي القاسم، وابن سينا، وابن رشد… إلخ، وحدها إلى اللغة اللاتينية، بل نقلت إليها كتب علماء اليونان من ترجماتها العربية، ككتب جالينوس وبقراط وأفلاطون وأرسطو وإقليدس وأرخميدس وبطليموس، وقد روى د. لوكلير في كتابه الذي سماه “تاريخ الطب العربي” أن عدد ما ترجم من كتب العرب إلى اللغة اللاتينية يزيد عن ثلاثمائة كتاب، وبفضل هذه الترجمات اطلعنا على محتويات كتب اليونان التي ضاع أكثرها، ككتاب أبولونيوس في المخروطات، وكتاب جالينوس في الأمراض السارية، وكتاب أرسطو في الحجارة… إلخ. وإذا كانت هنالك أمة تقر بأننا مدينون لها بمعرفتنا ما انطوت عليه القرون القديمة فالعرب هم تلك الأمة، لا رهبان القرون الوسطى الذين كانوا يجهلون اسم اليونان. فعلى العالم أن يعترف للعرب بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة.
وقال المسيو ليبري: لو لم يظهر العرب على مسرح التاريخ لتأخرت نهضة أوربا الحديثة عدة قرون.
إن عرب الأندلس إذن هم الذين صانواـ في القرن العاشر من الميلاد – العلوم والآداب التي أهملت في كل مكان، حتى في القسطنطينية، ولم يكن في العالم في ذلك الزمن – غير الأندلس العربية – بلاد يمكن طلب العلم فيها، فإلى بلاد الأندلس كان يذهب أولئك النصارى القليلون لطلب العلوم، ونذكر منهم على حسب بعض الروايات التي لا تزال موضع جدال جربرت الذي صار بابا في سنة 999 ملقبا بـ “سلفستر الثاني”، ولما أراد هذا البابا أن ينشر في أوربا ما تعلمه عد الناس ذلك من الخوارق واتهموه بأنه باع روحه إلى الشيطان.
وقد كانت ترجمات كتب العرب العلمية المصدر الوحيد للتدريس في جامعات أوربا نحو ستة قرون، ويمكننا أن نقول: إن تأثير العرب في بعض العلوم كعلم الطب مثلا دام إلى الزمن الحاضر، فقد شرحت كتب ابن سينا في مونبليه في أواخر القرن الماضي.
ثم قال جوستاف لوبون: “وإذا كان تأثير العرب عظيما في أنحاء أوربا التي لم يسيطروا عليها إلا بمؤلفاتهم، فقد كان تأثيرهم أعظم من ذلك في البلاد التي خضعت لسلطانهم كبلاد إسبانيا.. ولن يرى الباحث مثالا أوضح من العرب على تأثير إحدى الأمم في أمة أخرى، ولم يشتمل التاريخ على ما هو أبرز من هذا المثال”.
هذا ما شهد به العلماء الاجتماعيون الأوربيون الذين لا يصح اتهامهم بالمبالغة والإغراق في أمر لا تعود منه عليهم ولا على أقوامهم أية مفخرة.
والمتأمل في الحضارة الإسلامية يجدها الأساس التي استمد منه الأوربيون نهضتهم الحالية، فليس صحيحا أن العرب قد ظلوا متخلفين بعد البعثة المحمدية كما كانوا في الجاهلية قبلها، ونستطيع أن ندلل على بطلان هذا الزعم بإبراز بعض ما قدمه العرب للحضارة الإنسانية في الناحية المدنية أو التقنية:
- في الفيزياء:
- بيت الإبرة المغناطيسية: ثبت تاريخيا أن المسلمين هم أول من عرفوا خاصية الاتجاه، وأنهم أول من استعملوا الإبرة المغناطيسية لمعرفة الاتجاه، فالمستشرق سيديو، والعالم سارتون وغيرهما يؤكدون أن العرب هم الذين عرفوا الإبرة المغناطيسية، وهم الذين استعملوها، وأن أوربا هي التي نقلت عن العرب “بيت الإبرة” ثم انتشر هذا العلم في أنحاء المعمورة.
- الرقاص (بندول الساعة): وسماه المسلمون “الموار”، ومخترعه ابن يونس المصري المتوفى عام 399هـ/ 1009م، وكان الفلكيون المسلمون يستعملونه لحساب الفترات الزمنية أثناء رصد النجوم، وعلى هذا فنسبة اختراع الرقاص للعالم الإيطالي جاليلو سنة 1642م، نسبة مـجحفة بحق المسلمين؛ لأن المسلمين استعملوه قبله بستة قرون، واستعملوه في الساعات الدقاقة.
- في الكيمياء:
مما لا يختلف فيه اثنان أن علماء الإسلام ساهموا في علم الكيمياء مساهمة فعالة، وكان لهم فيه الباع الأكبر، ومما يدل على ذلك أن الأسماء العربية التي نقلت إلى الأوربية بقيت على حالها، وهذا مؤشر عظيم من مؤشرات هذا التأثير.
يقول قدري طوقان في كتابه “العلوم عند العرب”: “لقد توصل المسلمون إلى كثير من الصناعات بواسطة المواد الكيماوية، في الصبغ، والدبغ، وصناعة المعدن، وتركيب العطور”.
ويقول جوستاف لوبون في كتابه “حضارة العرب”: “إذا كان بعض مركبات البارود – نترات البوتاسيوم – قد اخترعها الصينيون واستعملوها، إلا أن المسلمين وحدهم هم الذين اخترعوا ملح البارود كمادة متفجرة دافعة قابلة لإطلاق القذائف، وعنهم أخذته إنجلترا، ثم بقية أوربا”.
- في الصناعة:
من الأمور المجمع عليها لدى الحضاريين أن المسلمين أبدعوا في مجال الصناعة أيما إبداع، وقد برزوا في كثير من الصنائع المتنوعة، واستفادت أوربا في مجال صناعاتهم أعظم استفادة، بل كانت صناعات المسلمين تحويلا كبيرا في النهضة الصناعية الحديثة..
وهذه هي أهم الصناعات التي أبدعوها في القرون السالفة:
يقول فيليب حتى في كتابه “تاريخ العرب”: “ويعتبر الورق من الخدمات الكبيرة التي أسداها الإسلام إلى أوربا والعالم”.
ويقول د. عاشور في كتابه “المدنية الإسلامية”: “وازدهرت في الأندلس صناعة الفخار، والفسيفساء الملونة، وكذلك المنسوجات…”.
ويورد المقري في كتابه “نفح الطيب” أنه كان في المرية وحدها 4800 نول، وفي قرطبة 1300 نول، ومن الأندلس انتقلت هذه الصناعة إلى أوربا، فانتقلت إلى إيطاليا وفرنسا، وغيرها، وقد اشترك المسلمون هنا في تأسيس معاملها، وكذلك انتقلت إلى أوربا صناعات المعادن والزجاج، والصناعات الخزفية الأخرى.
ويقول محمد كرد علي في كتابه “الإسلام والحضارة العربية” نقلا عن جوتيه: “وللعرب في باب الاختراعات شيء لا بأس به بالنسبة لعصورهم، وقد وجد في كتاب عربي قديم لم ينقل إلى اللغات الأوربية، أن العرب عرفوا طريقة عمل الجليد الصناعي، ولم تعرف أوربا سر هذه الصناعة إلا في النصف الأول من القرن السادس عشر، وأدخلوا على أوربا الورق المعمول من القطن، والورق الرخيص الثمن..
وكانت معامل شاطبة في إسبانيا تصدر بضاعة الورق إلى أوربا الغربية، بينما كانت أوربا الشرقية تشتري ورقها من بلاد الشرق الأدنى مباشرة، على ما يشهد لذلك اسم الورق الدمشقي “شارتا ماسينا”، وصنع الورق من الحرير سنة 650م في سمرقند وبخارى، ثم استبدل يوسف بن عمرو سنة 706م الحرير بالقطن، ومنه الورق الدمشقي الذي ذكره مؤرخو اليونان”.
وقال جوتيه: “إن العرب علمونا صنع الكتاب، وعمل البارود، وإبرة السفينة، فعلينا أن نفكر ماذا كانت نهضتنا لو لم يكن من ورائها هذه المخلفات التي وصلتنا من المدنية العربية”؟!
ويقول: “وسبقت العرب الأوربيين إلى الطيران، وقد حاوله عباس بن فرناس، حكيم الأندلس، وهو أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة، وهو أول من مثل في بيته السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها تمثيلا يخيل للناظر أنه حقيقة”.
ويقول: “وعرف الأندلسيون الطبع بالحروف قبل مخترعه المشهور جوتنبرغ الألماني بأربعمائة سنة، وكان عبد الرحمن بن بدر من وزراء الناصر ينفرد بالولايات، فيكتب السجلات في داره، ثم يبعثها للطبع فتطبع، وتخرج إليه، فتبعث في العمال، وينفذون على يديه”.
- في الزراعة:
لقد تقدم المسلمون في مضمار الزراعة تقدما ملحوظا، وكان لهم الأثر الأكبر في هذا المجال. وهذه أهم فنون الزراعة التي أبدعها المسلمون في العصور السالفة:
يقول فيليب حتى في كتابه “تاريخ العرب”: “تقدمت الزراعة كثيرا كما تقدمت وسائل الري كذلك، وتعتبر رسالة “كتاب الفلاحة” لأبي زكرياء يحيى بن محمد العوام من أهم المؤلفات في هذا الموضوع في العصور الوسطى، شرح فيها مئات الأنواع من النباتات، وطرق زراعتها، ويحتوي على دراسات جديدة في التطعيم، وخصال التربة، والسماد، ووصف الأمراض، وطرق علاجها…”.
ويقول قدري طوقان في كتابه “تاريخ العرب”: “وكان المسلمون يعرفون خواص الأتربة والسماد الملائم لها أكثر من غيرهم إلى درجة عالية، وكان لذلك أثره في الزراعة”.
ويقول د. الحجي في كتابه “الحضارة الإسلامية في الأندلس”: “والمسلمون هم الذين حملوا معهم إلى إسبانيا زراعة الزيتون، والبرتقال، والكروم، والأرز، وقصب السكر، والقطن.. ولا تزال إسبانيا حتى الآن تشتهر بهذه المزروعات، وتنتج أجودها، ثم زراعة الحدائق التي لا تزال إسبانيا مشهورة بها حاليا، وكل هذه المؤلفات – التي تتعلق بالزراعة – ترجمت إلى اللاتينية” [18].
هذا قليل من كثير مما قدمه العرب للحضارة الإنسانية، وقد اكتفينا بأقل القليل مما قدموه، بخلاف ما قدموه في المجالات الأخرى كالفلسفة والتاريخ، والجغرافيا، والفلك، والهندسة، والرياضيات، والطب، والأدوية، واللغة والأدب. والحق أن العرب ما كانوا ليقدموا للعالم كل هذه الحضارة لولا دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور، وجمعهم بعد تشتت، وجعلهم قادة للدنيا بعد أن كانوا في ذيل الأمم، ولقد صدق الله حين قال: )هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2)( (الجمعة).
نعم لقد كان العرب في ضلال مبين، وفي غفلة لا ترجى لهم منها يقظة يقول المستشرق هيل في كتابه “حضارة العرب”: “لقد أخرج محمد – صلى الله عليه وسلم – للوجود أمة، ومكن لعبادة الله في الأرض، ووضع أسس العدالة والمساواة الاجتماعية، وأحل النظام والتناسق والطاعة والعزة في أقوام لا تعرف غير الفوضى” [19].
ومن ثم فلا يحق لأحد أن يشكك بأي حال من الأحوال في دور دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – وأثرها في تغيير نفوس العرب وأخلاقهم، بل أثرها على البشر كافة من كل الأجناس، هذا الأثر الذي شهد له المسلمون وغير المسلمين، كما شهد له التاريخ، والواقع الملموس.
ويجدر بنا أن نختم الحديث بما قاله المفكر الغربي لويس سيديو عن أثر دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – يقول: “لقد حل الوقت الذي توجه فيه الأنظار إلى تاريخ تلك الأمة التي كانت مجهولة في زاوية من آسيا، فارتقت إلى أعلى مقام، فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون، ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد، هو محمد صلى الله عليه وسلم” [20].
الخلاصة:
- لقد كانت المسافة بين الدعوة التي جهر بها محمد – صلى الله عليه وسلم – وبين واقع العرب مسافة هائلة؛ لأنها لم تكن تهدف إلى تغيير العقائد، والتصورات، والقيم، والعادات، والتقاليد، والأخلاق فحسب؛ بل كانت تريد تغيير الأنظمة، والأوضاع، والقوانين، والشرائع، وكانت تهدف إلى انتزاع قيادة البشرية من يد الطاغوت والجاهلية لتردها إلى الله وإلى الإسلام. ودعوة مثل هذه يصعب تحقيق أهدافها في بيئة مثل بيئة العرب، ولكن على الرغم من هذا فبعد سنين معدودة – عشرين سنة تقريبا – استطاعت دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – أن تغير العرب تغييرا شاملا حاسما، سواء على المستوى الفردي أم الجماعي، وقد شهد له التاريخ وأدهش العالم أجمع؛ فقد أخرج – صلى الله عليه وسلم – أمة إلى الوجود وأحل النظام، والتناسق، والطاعة، والعزة في أقوام كانت لا تعرف غير الفوضى، وحب النفس، والقهر، والظلم.
- لا يجوز الربط بأي حال من الأحوال بين الرقي الأخلاقي، والتقدم التقني والتحضر؛ لأن الواقع يقول بخلاف ذلك، فكم من أمة قد بلغت أعلى درجات الرقي التقني، وهي مع هذا تفتقر إلى أقل درجات الرقي الأخلاقي، والعكس صحيح. وعلى الرغم من ذلك فإننا لو أردنا أن نقيس أثر دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم – بالرقي الحضاري، عرفنا مدى تأثير هذه الدعوة في نفوس العرب وأخلاقهم، فقد استطاع العرب بفضل هذه الدعوة أن يقيموا حضارة من أعظم الحضارات التي عرفها التاريخ، والتي كانت سببا مباشرا للنهضة التي عرفتها أوربا في العصر الحديث في كل المجالات، ولا ينكر هذا الفضل إلا جاهل أو جاحد.
- لقد فتح الإسلام للإنسان مغاليق المدنية والحضارة، وبصره طريق العلم والمعرفة، وعرفه حقائق الكون والحياة… وبين أن العلم يشمل كل علم نافع، سواء أكان العلم دينيا أو كان دنيويا، نظريا أو تجريبيا، بل حض على طلب الاستزادة منه، حيث قال تعالى: )وقل رب زدني علما (114)( (طه).
(*) اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1420هـ/ 2000م.
[1]. السيرة النبوية، د. علي الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج1، ص143 بتصرف.
[2]. القفر: المكان الجدب الخالي من الزرع والماء.
[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (23536)، والطبراني في المعجم الأوسط، باب العين، من اسمه عبد الرحمن (4905)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2700).
[4]. أعلى بهم عينا: أبصر بهم.
[5]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند أهل البيت، حديث جعفر بن أبي طالب وهو حديث الهجرة (1740)، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب السير، باب الأسير يستعين به المشركون على قتال المشركين (18207)، وصححه الألباني في فقه السيرة، ص115.
[6]. بطل الأبطال أو أبرز صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن عزام، دار الهداية، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص105: 114.
[7]. محمد المثل الكامل، أحمد جاد المولى، دار المحبة، دمشق، 1412هـ/ 1992م، ص166. وانظر: محمد المثل الأعلى، توماس كارليل، ترجمة: محمد السباعي، مكتبة النافذة، مصر، ط1، 2001م، ص129 وما بعدها.
[8]. الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيون غربية منصفة، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي، دمشق، القاهرة، ط1، 2006م، ص117.
[9]. الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيون غربية منصفة، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي، دمشق، القاهرة، ط1، 2006م، ص122.
[10]. يشير بذلك إلى قوله تعالى: ) وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون (26) ( (الزخرف).
[11]. الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيون غربية منصفة، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي، دمشق، القاهرة، ط1، 2006م، ص124.
[12]. الدياجير: الظلمات.
[13]. الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيون غربية منصفة، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي، دمشق، القاهرة، ط1، 2006م، ص128.
[14]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د . محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص642.
[15]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب فضل طلب العلم (2647)، والطبراني في المعجم الصغير، باب حرف الحاء، من اسمه الحسن (380)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (88).
[16]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (7028)، واللفظ له.
[17]. معالم الحضارة في الإسلام وأثرها في النهضة الأوربية، عبد الله ناصح علوان، دار السلام، مصر، ط4، 1425هـ/ 2005م، ص14، 15 بتصرف.
[18]. انظر: معالم الحضارة في الإسلام وأثرها في النهضة الأوربية، عبد الله ناصح علوان، دار السلام، مصر، ط4، 1425هـ/ 2005م، ص63: 73.
[19]. الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيون غربية منصفة، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي، دمشق، القاهرة، ط1، 2006م، ص177.
[20]. الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عيون غربية منصفة، الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي، دمشق، القاهرة، ط1، 2006م، ص134.