الزعم أن الدين مكتمل بالقرآن دون السنة
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد تواترت آيات القرآن الصريحة في الدعوة إلى التمسك بالسنة والحض على الاعتصام بها، وأكد النبي – صلى الله عليه وسلم – في كثير من أحاديثه أن الهدي في اتباع سنته، فأمر بالأخذ بها وحذر من مخالفتها، فكيف يدعون أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يصرح بأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع؟!
2) السنة النبوية كانت موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كانت هي الطريقة العملية والتطبيق المجسد لتعاليم الدين، وقد بثها صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته خشية التأثم بكتمان العلم، كما أن عدم كتابتها لا يعني عدم وجودها؛ إذ لا يلزم من نفي الكتابة نفي المكتوب، هذا فضلا عن أن الكتابة ليست من لوازم الحجية، لا سيما وقد حل محلها ما هو أقوى منها، وهو الحفظ الواعي عند الصحابة بعد التلقي المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم.
3) إن القرآن لم يتضمن تفصيلا لكل أمور الشريعة كالعبادات من صلاة وصيام وحج… إلخ، وإنما جاء مجملا لكل شيء، وترك التفصيل للسنة النبوية. أليس هذا دليلا قاطعا على وجوب وجود السنة وصدورها عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كمصدر ثان للتشريع؟!
4) الآيات التي استشهدوا بها لا تنفي حجية السنة، بل تؤكدها:
-
-
- فالدين في قوله عز وجل: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣) المقصود به القرآن والسنة؛ إذ هما الوحي الذي بني عليه الدين، وليس المقصود به القرآن فقط، والدليل على ذلك أن الوحي القرآني لم يتوقف عند هذه الآية، وإنما نزلت بعدها آيات أخر تتضمن تشريعات ذات أهمية كآية الربا، ولو افترضنا أن الآية آخر ما نزل وأن معنى الدين هو القرآن فليس في ذلك نفي لحجية السنة بل هي دليل آكد على حجيتها؛ إذ هي بيان للقرآن ولا كمال للدين بدون بيان.
- المراد بـ “الكتاب” في قوله عز وجل:: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: ٣٨) هو اللوح المحفوظ الذي أحصى الله فيه كل شيء من أمور خلقه, وليس المراد به القرآن الكريم، وإذا سلمنا بأن المقصود به القرآن الكريم؛ فإن المعنى أنه يحوي كل أمور الدين، إما بالنص الصريح، وإما ببيان السنة له.
- إن استدلالهم بقوله عز وجل::)أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب( (العنكبوت: ٥١) استدلال خاطئ؛ وذلك لأن المخاطبين هنا هم المشركون حينما قالوا: لو أن الله أنزل على محمد آيات من عنده، فرد الله عليهم بأن كتابه هذا معجزة كافية لهم في التصديق برسالته، ولا علاقة لها بأن القرآن كفاية للمؤمنين في كل شيء دون السنة كما زعموا.
- قوله عز وجل:)ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل: ٨٩) تعني أن القرآن قد نزل مبينا لكل شيء من أمور الدين في شكل قواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها فالبيان فيها قد أوكل إلى السنة النبوية, ولذلك أمر الله نبيه أن يبين للناس ما نزل إليهم، وهذا عن طريق قوله أو فعله أو تقريره، ومن ثم يتعذر الانتفاع بالقرآن دون السنة؟
-
التفصيل:
أولا. القرآن والسنة أوجبا العمل بما جاءت به السنة، والنبي – صلى الله عليه وسلم – حذر من مخالفتها:
إن الله – سبحانه وتعالى – أنزل القرآن الكريم هداية بينة، ومعجزة لرسوله – صلى الله عليه وسلم – باهرة باقية، ثم أعطاه السنة مفصلة للكتاب وشارحة له كما قال عز وجل: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤), فكانت السنة أصلا من أصول الدين تاليا لكتاب الله تعالى، تؤخذ منها العقائد والأحكام والأخلاق، وغير ذلك..
فالقرآن الكريم هو الأصل الأول للدين والسنة هي الأصل الثاني، ولقد اختص الله تعالى هذه الأمة الإسلامية بحفظ دينها وصيانتها له، وتعهد به سبحانه، فحفظت هذه الأمة كتاب الله المنزل إليها، فتلقته بأمانة وثقة وتواتر، وذبت الكذب والخلل عن الحديث النبوي بما وضعته من قوانين للرواية هي أصح وأدق طريق علمي في نقل الروايات واختبارها.
ولقد كانت عناية الأمة الإسلامية برواية الحديث النبوي وحفظه تهدف إلى صيانة هذا التراث العظيم من التحريف والتبديل فيه؛ فحاز حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – من الوقاية والمحافظة ما لم يكن – قط – لحديث نبي من الأنبياء، فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الأمور كلها؛ العظيمة واليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا تفاصيل أحواله – صلى الله عليه وسلم – في طعامه وشرابه، ويقظته ونومه، وقيامه وقعوده، حتى ليشعر من يتتبع كتب السنة أنها ما تركت شيئا صدر عنه – صلى الله عليه وسلم – إلا روته ونقلته[1].
إذا كانت عناية المسلمين بالسنة والعمل بها معلومة من الدين والتاريخ والحضارة والتراث الإسلامي بالضرورة، ولا يجهل ذلك جاهل – فإن الإنسان بعد ذلك لتأخذه الدهشة والعجب ويحار لبه في أفهام وعقول منكري السنة، كيف يطعنون في حجيتها؟! وبأي عقل وعلى أي منطق اعتمدوا في قبولهم القرآن دون السنة؟! أليس الذي أخبرنا بالقرآن هو صاحب السنة، الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى؟! أليس رواة القرآن هم رواة السنة من خير القرون وخيرة الأجيال؟! القائمين بالحق والمقيمين بالعدل من الصحابة – المشهود لهم بالثناء الحسن في التوراة والإنجيل والقرآن – والتابعين بإحسان إلى يوم الدين؟!
فلماذا يقبل منكرو السنة رواية الصحابة والتابعين للقرآن ولم يقبلوها في السنة، أليسوا هم الذين استرعاهم الله على الكتاب فكانوا أمناء وشهداء بالقسط في حفظه وصيانته وروايته، فلم وثقوا في جانب وطعنوا في آخر؟! أليست الطريق التي وصلنا القرآن والسنة منها طريقا واحدا؟!
ألم يكن منهجهم في الحفظ والتثبت والرواية واحدا، وإن اختلف في جعل الصدارة والأولوية للمصدر الأول للدين وهو القرآن، إلا أنه لم يهمل المصدر الثاني وهو السنة. إن الذين يطعنون في السنة إنما يطعنون في أخص خصوصيات هذه الأمة وهو الإسناد الذي ميز الله به أمة الإسلام وألهمها إياه – ولم يكن في أمة من قبل – لحفظ كتابه وسنة نبيه، إنهم يريدون للأمة الإسلامية أن تكون كالذين من قبلهم، حيث طال عليهم الأمد؛ فقست قلوبهم ونبذوا دينهم وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون، وما كان ضلال الأمم السابقة وتحريفهم لكتبهم إلا لفقدهم ما حبانا الله به من حفظ الإسناد، فهل المقصود أن نكون مثل الذين من قبلنا فنترك ونهدم شطر الدين؛ فنضل ونحرف ونغير ونبدل كل ما ليس له تفصيل في القرآن.
إن الذين يطعنون في السنة يكذبون القرآن؛ لأن الله تعهد بحفظ الكتاب والسنة، قال تعالى: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر)، وصدق وعده فقيض للقرآن رجالا حفظوه وذبوا عنه، كما قيض للسنة رجالا حفظوها وذبوا عنها.
إن الذين يطعنون في السنة إنما يطعنون في القرآن ويكذبونه ويخالفون أوامره؛ لأن القرآن أمر باتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – وطاعته ونهى عن مخالفته وعصيان أمره، وحث على التمسك بالسنة والاعتصام بها، فكيف يدعون أنهم يؤمنون به وهم يخالفونه؟!
- القرآن الكريم يفرض علينا طاعة الرسول والأخذ بسنته:
لقد أمرنا الله – عز وجل – باتباع نبيه – صلى الله عليه وسلم – وحثنا على الاقتداء به، والعمل بسنته، وحذرنا من مخالفته, وجاءت آيات القرآن في ذلك صريحة واضحة، ويمكن تصنيفها إلى:
- آيات تأمر باتباعه صلى الله عليه وسلم.
- آيات تأمر بطاعته صلى الله عليه وسلم.
- آيات تحذر من مخالفته صلى الله عليه وسلم.
- آيات تبين قدره صلى الله عليه وسلم.
o أما الآيات التي تأمر باتباعه صلى الله عليه وسلم: فمنها قوله عز وجل: )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (31) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32)( (آل عمران).
وقد روي في سبب نزول هذه الآية أن قوما على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – قالوا: يا محمد إنا نحب ربنا، فأنزل الله عز وجل: )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (31)( (آل عمران)[2]، فجعل اتباع نبيه – صلى الله عليه وسلم – سببا لحب الله، وجعل العقاب لمن خالفه.
أما الآيات التي تأمر بطاعته – صلى الله عليه وسلم – فمنها قوله عز وجل: )وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون (132)( (آل عمران)، وقوله عز وجل: )تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم (13)( (النساء).
فجعل ربنا – عز وجل – طاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – طاعة له سبحانه؛ وذلك لأنه – صلى الله عليه وسلم – مبلغ عن الله، وما جاء به إنما هو من رضوان الله، وفي ذلك إعلاء لكل ما جاءنا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وإعلاء لقدر طاعته وأنها طاعة لله، وأن سنته من دين الله، على المسلم أن يلتزم بها، وأن يطيع أوامر القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن ينتهي بنواهيهما، والله تعالى يقول: )إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51)( (النور).
حيث يؤدب الله – عز وجل – الأمة كلها، ويعلمها أن تسمع وتطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفرد الضمير في قوله )ليحكم(؛ لأنه يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو المباشر للحكم، وإن كان الحكم في الحقيقة لله عز وجل.
هذا، وإن كان سياق الآية على طريقة الخبر، فليس المراد به ذلك، بل المراد به تعليم هذا الأدب، وأنه يجب على المؤمنين أن يقبلوا حكمه – صلى الله عليه وسلم – ويمتثلوا أمره، وهم بذلك المفلحون الفائزون بخيري الدنيا والآخرة، دون من عداهم ممن لم يمتثلوا أمره[3].
o أما الآيات التي تحذر من مخالفته – صلى الله عليه وسلم – فإنها جاءت لتبين أن من خالفه – صلى الله عليه وسلم – فقد ضل ضلالا مبينا، ومصيره جهنم خالدا فيها، وله عذاب مهين, منها: قوله عز وجل: )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (36)( (الأحزاب).
والمعنى: أنه لا يصح أن يكون للمؤمن اختيار فيما قضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فعلى كل المؤمنين أن يطيعوا أمر الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – بالامتثال، لا سيما وقد عطف قضاء رسول الله على قضاء الله؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – مبلغ عن الله عز وجل، فطاعته طاعة لله عز وجل.
وحذر ربنا سبحانه المؤمنين من معصيته، ومن معصية رسوله مبينا أن هذه المعصية ضلال بين وانحراف عن سواء السبيل.
ومن هذا المنطلق حرص السلف على هدي الرسول – صلى الله عليه وسلم – فها هو طاوس بن كيسان يصلي ركعتين بعد العصر، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: اتركهما، قال: إنما نهى عنهما أن يتخذا سنة. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قد نهى عن صلاة بعد العصر فلا أدري أتعذب عليهما أم تؤجر؛ لأن الله تعالى يقول: )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم( (الأحزاب: ٣٦)[4].
ومن الآيات التي تحذر من مخالفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – قوله عز وجل: )إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا (15) فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا (16)( (المزمل)، واتساقا مع ما أسلفنا نجد أن القرآن الكريم يؤكد على وجوب العمل بسنته صلى الله عليه وسلم، بدليل هذه الآية التي أبانت أن فرعون إنما عذب لمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه فكل من عصى رسوله المبعوث إليه من قبل رب العزة فلينتظر الأخذ الوبيل في الدنيا والآخرة.
o أما الآيات التي تعظم قدره صلى الله عليه وسلم: فمنها قوله عز وجل: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء)، و “العالمين” اسم لما سوى الله عز وجل، جمع عالم فيشمل جميع المخلوقات، فهو – صلى الله عليه وسلم – رحمة لكل الخلائق.
قال ابن عباس رضي الله عنهما هو رحمة للمؤمنين والكافرين إذا عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة[5].
وقال عز وجل: )يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16)( (المائدة).
ولا شك أن هذه الآيات وأمثالها – وهي كثيرة في كتاب الله – تأخذ بأيدي المؤمنين إلى الاقتداء به – صلى الله عليه وسلم – والحرص على كل ما هو من سنته وطريقته، فهو الذي اصطفاه الله لدينه، وأنزل عليه وحيه، وأسرى به وأراه من آياته، ووفقه وشرفه، وأعلاه وكرمه.
وقد اتبعه السلف اتباعا صادقا، فاقتدوا به، في كل أمر، واهتدوا به في كل حال، وهكذا يجب على كل مسلم أن يتبع سنته في كل مكان وزمان، وفي كل حلال وحرام[6].
ومما تجدر الإشارة إليه أن القارئ المتدبر للقرآن الكريم، يجد أن القرآن في دعوته إلى التمسك بالسنة، وأمر المؤمنين بذلك قد اتخذ ثلاث صور[7]:
الصورة الأولى: فتتمثل في طاعة الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – في آن واحد، وهذا مستمد من مثل قوله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (20)( (الأنفال).
وكقوله عز وجل:)فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين (1)( (الأنفال).
الصورة الثانية: فتتمثل في طاعة الله – عز وجل – وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في مثل قوله عز وجل: )وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين (12)( (التغابن).
الصورة الثالثة: فتظهر في الطاعة مستقلة للرسول – صلى الله عليه وسلم – في مسائل ترك فيها الحق – سبحانه وتعالى – لرسوله مهمتي البلاغ والبيان؛ إذ لم يرد لها بلاغ في القرآن الكريم، وأوضح دليل على الأمر باتباع السنة، والسمع والطاعة لكل ما صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ورد في سورة الحشر في قوله عز وجل: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7)( (الحشر).
فالآية تؤكد على عقوبة الاكتفاء بالقرآن، وتحذر من شدة العقاب يوم القيامة، ثم إن هناك آيات في القرآن خارج هذه الصور الثلاث تنص على أن طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – من طاعة الله في مثل قوله عز وجل: )من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80)( (النساء).
كما تنص أخرى على نفي الإيمان، عمن لم يحكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما يقوله ويقضي به، ومثالها قوله عز وجل: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء).
ومعلوم أن هذا الذي قضى به – صلى الله عليه وسلم – لم يكن تنفيذا لآية موجودة في القرآن، وإنما كان بحكم من عنده هو صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد أعلن القرآن أن الإنسان لا يعد – أيا كان – مؤمنا بالله إلا إن قبل حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخضع له، ثم لم يجد أي حرج تجاهه[8].
والله أمرنا عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنة في قوله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)( (النساء)[9].
قال “ابن القيم” تعليقا على هذه الآية: “فأمر الله – عز وجل – بطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في الكتاب، أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا، بل حذف الفعل، وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة[10].
ومن ثم فالآية تدل دلالة واضحة على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم الذي يمثل المصدر الأول له، ولا يمكن لدين الله أن يكتمل، ولا لشريعته أن تتم إلا بالأخذ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – جنبا إلى جنب مع القرآن الكريم.
وبعد.. فماذا يصنع منكر السنة بهذه الحجج القرآنية التي إن قبلها رجع إلى السنة فبطل قوله، وإن لم يرجع، خالف القرآن بزعمه أن الدين اكتمل به دون السنة.
- النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر باتباع السنة ويحذر من مخالفتها:
أما زعمهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يصرح بأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع، فهذا أوهى من أن يعتبر، وهل عموا عن الأحاديث المتعددة التي تأمر باتباع السنة وتوجب ذلك وتؤثم من يخالفها، بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – يصرح بأنه أعطي السنة وحيا كما أعطي القرآن تماما، فقد روى المقداد بن معديكرب أنه – صلى الله عليه وسلم – قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه…»[11].
فقوله صلى الله عليه وسلم: «أوتيت الكتاب ومثله معه» معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي مثله من البيان، أي: أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن [12].
وفي هذا الحديث النبوي معجزة نبوية ودلالة قاطعة على حجية السنة، فإنه إضافة إلى تحقيق نبوءة النبي – صلى الله عليه وسلم – بظهور هذه الشرذمة من منكري السنة – وهذه معجزة دالة على حجية السنة وليس بعد ذلك برهان – إلا أن الأقوى إعجازا من ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصفهم بصفاتهم التي نراها فيهم أمامنا وذلك بقوله: “يوشك رجل شبعان على أريكته”، ولفظ “رجل شبعان” كناية عن البلادة وسوء الفهم الناشئ عن الشبع أو عن الحماقة اللازمة للتنعم والغرور، وقوله: “على أريكته” أي: سريره، وأراد بهذه الصفة: أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم من مظانه… [13]، نعم لا تجد واحدا منهم له شيخ في العلم وكلهم جهلة بالدين وعلومه؛ لذا فإننا نوضح أن النصوص النبوية في هذا المجال كانت على اتجاهين: الأمر باتباع السنة، والتحذير من مخالفتها.
أما الاتجاه الأول فيتمثل في:
أمره – صلى الله عليه وسلم – باتباع سنته، وقد تعددت صيغ هذا الأمر، وتنوعت أساليبه:
منها ما ورد عن العرباض بن سارية قال: «قام فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله، وعظتنا موعظة مودع، فاعهد إلينا بعهد، فقال: عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، وسترون من بعدي اختلافا شديدا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة»[14].
ولقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث في صحيحه بعنوان “باب: وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم “، وقال عقب إيراد هذا الحديث في صحيحه: قال أبو حاتم في قوله صلى الله عليه وسلم «فعليكم بسنتي» – عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته – بيان واضح أن من واظب على السنن، وقال بها، ولم يعرج على غيرها من الآراء” هو “من الفرقة الناجية في القيامة، جعلنا الله منهم بمنه”[15].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين»، فإن لفظ «فعليكم» اسم فعل أمر معناه “الزموا” أي: الزموا سنتي واعملوا بها واحرصوا عليها ثم أكد ذلك – صلى الله عليه وسلم – فقال: “فتمسكوا بهذا” أي: لا تحيدوا عنها، ولا ينبغي أن يصرفكم عنها صارف، ولا يصح أن تقبلوا أي بديل لها، لا من شرق ولا من غرب.
ثم أكد – صلى الله عليه وسلم – ثانية فقال: «عضوا عليها بالنواجذ»، والنواجذ: الأضراس التي في آخر الفك، والعض: كناية عن شدة ملازمة السنة والتمسك بها.
ومع هذه التأكيدات حذر – صلى الله عليه وسلم – من غيرها فقال: «إياكم ومحدثات الأمور»؛ أي: الأمور التي يبتدعها بعض الناس ولا دليل لها من القرآن ولا من السنة، هذه المبتدعات إياكم أن تعملوا بها، «وإياكم»: أسلوب تحذير، أي احذروا محدثات الأمور. وتدعيما لهذا الأمر يقول الإمام الجنيد: “الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول – صلى الله عليه وسلم – واتبع سنته ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه”.[16] وواضح من كل ما تقدم أنه – صلى الله عليه وسلم – يأمرنا باتباع سنته، والشواهد على ذلك من السنة كثيرة وفيما ذكر كفاية.
أما الاتجاه الثاني فيتمثل في التحذير من مخالفتها:
فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»[17].
والشاهد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، وفعل «رغب» يحدد معناه حرف الجر الذي بعده، “فرغب عن كذا” معناه أعرض عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم «فليس مني»؛ أي ليس على ملتي؛ لأن الإعراض عن السنة كفر.
وبهذا يتضح أن الله – عز وجل – قد أوحى لنبيه بالقرآن والسنة، وما دامت السنة وحيا، فإنه لا بد من العمل بها، ونبذ كلام أهل البدع الذين يدعون إلى بدعة الاكتفاء بالقرآن وترك السنة، وهو – صلى الله عليه وسلم – يحذر من هذا، فإن سنته البيان الصادق للقرآن.
ثانيا. وجود السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
السنة النبوية وحي مثل القرآن انقطع بموته صلى الله عليه وسلم، فكيف يدعون عدم وجودها في عهده صلى الله عليه وسلم:
إن من أغرب الفرى التي ما كان يتصور أن تصدر عن إنسان يحترم عقله – أن يدعي منكرو السنة أنها لم تكن موجودة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يزعمون أنها وجدت بعد ذلك بقرون… والحق أننا أمام دعاوى متهافتة تنقض نفسها بنفسها؛ فلسنا ندري كيف تكون السنة غير موجودة في حياة صاحبها ثم تكون موجودة بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم – بقرون؟! هل يقصدون أن الأمة قد اخترعتها من تلقاء نفسها ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ أم يقصدون أنها لم تكن مدونة في عهده صلى الله عليه وسلم، ثم جمعت ودونت بعد ذلك؟
فإذا كانوا يقصدون الأول، فقد تم الرد على ذلك باستفاضة وبينا زيف الدعاوى التي تتهم الأمة بالتواطؤ على الكذب والوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفصلنا جهود الأمة في حفظ السنة في مواضعه، وإن كانوا يقصدون الاحتمال الثاني فإننا كذلك قد عالجنا كل ما يتصل بقضايا كتابة السنة وتدوينها وتوثيقها، وفندنا كل المزاعم التي تغرض إلى الطعن في السنة من ناحية التدوين بالأدلة العقلية والتاريخية والواقعية في مواضعه أيضا.
ومع هذا فإننا نشير في إيجاز إلى بطلان ذلك الزعم الذي لا دليل عليه، بل الأدلة على خلافه؛ إذ لا ينكر وجود السنة في عهده – صلى الله عليه وسلم – أو حتى بعد وفاته إلا جاهل أو مكابر، فالأصل في حياة الصحابة في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن بعده هو العمل بالسنة: أولا لأمر القرآن المتكرر باتباع السنة واقتفاء أثره – صلى الله عليه وسلم – والتحذير من مخالفته وعصيانه، وقد بينا ذلك منذ قليل، وثانيا لأن السنة كانت الطريقة العملية والتطبيق المجسد لتعاليم الدين منذ نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك حظيت السنة النبوية من العناية والحفظ والتمحيص والدرس بذات القدر الذي حظي به القرآن الكريم، فقد عاش – صلى الله عليه وسلم – بضعا وعشرين سنة يبلغ عن ربه عز وجل، فكانت كل أقواله وأفعاله وحركاته وأحواله وصفاته وتقريراته، وأسفاره وغزواته محل ملاحظة أصحابه وحفظهم وعنايتهم ودرسهم، وفوق ذلك كله العمل بها وتطبيقها بحيث صارت لهم منهج حياة، لا سيما وحبهم له فاق الوصف فقد فدوه بأرواحهم وأموالهم وأهليهم، إضافة إلى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – هو الشخص الوحيد الذي لا تنطوي حياته على أسرار أو خفايا يجب أن لا يطلع عليها الناس أو أن لا يعرفوها، فهو – صلى الله عليه وسلم – لم يحجر على واحدة من أزواجه أو واحد من أصحابه أن ينقل عنه ما يرى أو يسمع، ولهذا رويت تفاصيل حياته حتى في أخص الأمور.
ولم تكن عناية الصحابة بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – بدافع حبهم له والاستجابة لأمر القرآن بطاعته أو لأنه معلمهم ومرشدهم والمبين لهم عن الله مراده فقط، وإنما أيضا لأن السنة وحي مثل القرآن لقوله عز وجل: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم) إلا أن القرآن وحي متلو، متعبد بتلاوته، لا يجوز روايته بالمعنى، معجز بلفظه ومعناه، بينما السنة وحي غير متلو، منزلة بالمعنى واللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم [18]، يقول العلامة ابن حزم: “لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ووجدناه – عز وجل – يقول فيه واصفا رسوله: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم) فصح لنا بذلك أن الوحي من الله – عز وجل – إلى رسوله على قسمين:
أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام وهو القرآن.
والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام، ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المبين عن الله – عز وجل – مراده منا، قال عز وجل: )لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤)، ووجدناه – سبحانه وتعالى – قد أوجب طاعة هذا القسم الثاني كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن دونما تفريق، فقال عز وجل: )وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول( (المائدة: ٩٢)”[19].
أما عن مظاهر وجود السنة في حياته – صلى الله عليه وسلم – فهي أكثر من أن تحصى ولكن نذكر منها بعض الصور:
- حرص الصحابة على تعلم العلم والعمل جميعا:
لقد كان الصحابة يتعلمون من النبي – صلى الله عليه وسلم – القرآن الكريم، يقتصرون منه على آيات معدودات، يتفهمون معناها، ويتعلمون فقهها، ويطبقونه على أنفسهم، ثم يحفظون غيرها، وفي ذلك يقول أبو عبد الرحمن السلمي: “حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يقترئون من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل”[20].
ومعنى هذا أن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كان همهم الأكبر أن يتلقوا العلم النظري متمثلا في القرآن الكريم مشفوعا به التطبيق العملي من الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن أقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم – وتوجيهاته وأفعاله إنما هي بمثابة التطبيق والتنفيذ لآيات وأحكام القرآن الكريم، فكان أصحابه – رضي الله عنهم – يحرصون على تلقي الأمرين جميعا.
ومذهب الصحابة – رضي الله عنهم – في طلب العلم والعمل هذا قد أمرهم الله – عز وجل – به في كتابه العزيز، فقال: )وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم( (التوبة: ١٢٢).
أي: إذا نفر المسلمون إلى الجهاد فلتبق طائفة منهم مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا، فإذا رجع النافرون إليهم أخبروهم بما سمعوا وعلموه. وفي هذا إيجاب التفقه في الكتاب والسنة[21]، فهذه الآية تقتضي أن أقوال وأفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – تحفظ عنه وتبلغ إلى غيرهم.
وكذلك قال الله – عز وجل – في موضع آخر: )لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة( (آل عمران: ١٦٤)، والحكمة هي السنة. فهل بعد هذا يقال: إن السنة لم تكن موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أرشد الله الصحابة إلى تعلمها وتبليغها للناس.
- مفارقة الأهل والوطن من أجل سماع الحديث من النبي – صلى الله عليه وسلم – وتلقي العلم عنه:
لقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يقيمون عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم يعودون بعد ذلك إلى أهليهم وذويهم يعلمونهم ما تعلموه ويفقهونهم بما فقهوه. فعن مالك بن الحويرث قال: «أتينا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رحيما رفيقا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا – أو قد اشتقنا – سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه. قال: “ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم، ومروهم – وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها – وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم»[22].
هكذا يأمرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقيموا عند أهليهم؛ ليعلموهم ما تعلموه، ولينقلوا إليهم ما شاهدوه من أحوال النبي – صلى الله عليه وسلم – وعبادته، وأن تكون صلواتهم كصلاته صلى الله عليه وسلم.
- التناوب في طلب العلم وسماع الحديث:
لقد كان لأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يشغلهم – كغيرهم – من الأعمال والمهن والتجارات، بحثا عن القوت الحلال لهم ولمن يعولونهم من الأهل والولد، وعلى الرغم من ذلك كان حرصهم شديدا على حضور مجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لسماع حديثه، فكان الواحد منهم يتناوب مع صاحبه في حضور مجلس الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيبلغه ما فاته ليحفظه وليعمل به!
فعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: «كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية ابن زيد – وهي من عوالي المدينة – وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك…» الحديث[23].
- تجشم المتاعب والمشاق في سبيل سماع الحديث وجمعه:
يدل على ذلك ماذكره الخطيب البغدادي من حديث عكرمة عن ابن عباس – رضي الله عنه – أنه قال: “لما قبض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم اليوم كثير. قال: واعجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من فيهم؟ قال: فترك ذاك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب، فيخرج، فيقول: “يا ابن عم رسول الله! ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: “أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث قال: فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: “هذا الفتى كان أعقل مني”[24].
إن هذا الموقف من ابن عباس رضي الله عنهما ليرسم لنا صورة دقيقة عما كان يتجشمه أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – من المتاعب والمشاق في جمع حديث نبيهم وسماعه وتحريره.
بل لقد كان الصحابي – منهم – يقطع المسافات الطويلة ليسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن حكم شرعي، ثم يرجع إلى أهله لا يلوي على شيء.
فعن عقبة بن الحارث: «أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة، فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره. أي: ذهب من مكة إلى المدينة طلبا للعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم»[25].
- الحرص على مذاكرة ما يسمعونه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد بلغ من حرص الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – على حديث نبيهم – صلى الله عليه وسلم – أن كانوا يتدارسونه ويتذاكرونه فيما بينهم؛ وذلك ليحفظوه ويفقهوه، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: “كنا نكون عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه”[26].
وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها «كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه»[27].
- لم يكن يمنعهم الحياء عن سؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – ومراجعته:
لم يمنع الحياء الصحابة من أن يسألوا الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن أخص أمورهم وأكثرها سرية، حرصا منهم على العلم والفقه في الدين، فعن قيس بن طلق بن علي عن أبيه قال: «جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة، قال: وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك»[28].
إن حرص الأصحاب الكرام على العلم دفعهم إلى السؤال؛ لا فرق بين القريب للرسول – صلى الله عليه وسلم – الملازم له وبين الأعرابي البعيد عنه، كلهم يريد الحق، ومعرفة الصواب من المعلم صلى الله عليه وسلم.
وإذا حدث واستحى أحدهم أن يسأل الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن شيء ما – كلف غيره عبء السؤال، فعن محمد بن الحنفية قال: «قال علي: كنت رجلا مذاء[29]، فاستحييت أن أسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: فيه الوضوء»[30].
وسبب استحياء سيدنا علي بينه لنا الإمام البخاري – في رواية أخرى للحديث[31] – أنه لمكان ابنته فاطمة وأنها زوج علي – رضي الله عنهما، مما يجعلنا نقول إن سبب حيائه هو أدبه ووقاره رضي الله عنه.
ولا يتوقف الأمر عند الرجال، بل إن النساء – ومن طبعهن الحياء – لم يكن يمنعهن الحياء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليتفقهن في الدين!! فعن أم سلمة رضي الله عنهما قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يارسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء، فغطت أم سلمة – تعني وجهها – وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟! قال: نعم تربت يمينك، ففيم يشبهها ولدها»[32].
بل حرص نساء الصحابة أن يسألن النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أخص من ذلك، لم يمنعهن الحياء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «جاءت امرأة رفاعة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: كنت عند رفاعة. فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب[33]، فتبسم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»[34].
وهكذا كانت سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأساس هي التطبيق العملي لأصحابه في حياته، وهي كما لاحظنا إما تفسير وبيان للقرآن أو أحكام مستقلة لم ترد في القرآن.
وبذلك يتضح أن السنة كانت موجودة في حياته – صلى الله عليه وسلم – وكانت متداولة بين الناس والعمل جار عليها في كل شئون الحياة[35].
أما زعمهم أن السنة جمعت بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – بقرون فهذا إن سلمنا به جدلا وهو غير صحيح[36] لا يقوم حجة على نفي وجود السنة في عهده صلى الله عليه وسلم، بل هو دليل على وجودها محفوظة في الصدور؛ لأنهم يقيمونها ويطبقونها على أنفسهم ويتدارسونها ليل نهار، إضافة إلى أن العرب كانوا أمة أمية، من يجهل الكتابة فيهم أضعاف أضعاف من يعلمها، ومن ثم قوت عندهم ملكة الحفظ، وتوقدت قرائحهم، واشتدت قواهم التذكرية نظرا لتعويلهم على هذه الوسيلة دون غيرها.
ومعلوم عقلا أن صيانة الحجة تحصل بعدالة حاملها، ومدى قدرته على المحافظة عليها، وصيانتها من التبديل والخطأ.
ومعلوم أيضا أن التحمل يكون إما عن طريق حفظ اللفظ، أو كتابته، أو الفهم لمعناه فهما دقيقا مع التعبير عن ذلك المعنى بلفظ واضح الدلالة عليه، دون لبس ولا إبهام.
وأي نوع من هذه الأنواع الثلاثة يكفي في الصيانة، ما دامت صفة العدالة متحققة، وإذا انتفت العدالة انتفت الصيانة، ومن ثم فالكتابة ليست من لوازم الحجية – إذ كان المهم في المحافظة على حجية السنة عدالة الحامل لها – على أي وجه كان حملها – كما سلف.
وكانت وسيلة الحفظ عند العرب أقوى؛ لأن جهلهم بالكتابة، جعلهم يتكئون على الحفظ، عكس الأمم المتمرنة على الكتابة المتعلمة لها, فتضعف فيهم ملكة الحفظ، ويكثر عندهم الخطأ والنسيان لما حفظوه.
وهذه الحال مشاهدة فيما بيننا، فإنا نجد الأعمى أقوى حفظا لما يسمعه من البصير؛ لأنه جعل كل اعتماده على ملكة الحفظ، بخلاف البصير فإنه يعتمد على الكتاب، وأنه سينظر فيه عند الحاجة.
فإذا كان هذا حال العرب في جاهليتهم، فما بالك بحال الصحابة الذين قيضهم الله لحفظ الشرع وصيانته، وحمله وتبليغه لمن بعدهم، وما كانوا عليه من الحفظ، والتثبت والتيقظ لكل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ثم فنقول للمنكرين: إذا سلمنا جدلا بما قلتم من تأخر الكتابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم – مع أن القول بذلك خطأ بين – فإنه قد حل محلها ما هو أقوى منها ضبطا، وأعظم فائدة وأجدى نفعا، ألا وهو الحفظ، ذلك أن لا يكون – أي الحفظ – إلا مع الفهم وإدراك المعنى والتحقق منه، ثم إنه يحمل المرء على مراجعة ما حفظه، واستذكاره آنا بعد آن، حتى يأمن من زواله.
ثم إن المحفوظ يكون مع الحافظ في صدره في أي وقت، وفي أي مكان، فيرجع إليه في جميع الأحوال عند الحاجة، ولا يكلفه ذلك الحمل مؤنة ولا مشقة, خلافا للكتابة، فإنها ربما تكون بدون فهم المعنى عاجلا وآجلا، أو سببا لعدم الفهم في الحال اعتمادا على ما سوف يفهم فيما بعد, وقد تضيع الفرصة عليه في المستقبل لضياع المكتوب، ثم إن الكاتب لا يجد في الغالب باعثا يدعوه إلى مراجعة ماكتبه إلا أهل العلم المشتغلين بتدريسه ومراجعته، ثم إنه يجد مشقة ومؤنة في حمل المكتوب معه في كل وقت ومكان[37].
وبذلك يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن الدليل الذي استدل به المنكرون على فرضية صحته – واه ضعيف غاية الضعف ولا يقوم دليلا على شيء.
ثالثا. بيان السنة للقرآن وتفصيلها لمجمله، ودورها التشريعي:
لقد جاء القرآن الكريم بالأصول العامة، ولم يتعرض للتفاصيل والجزئيات، ولم يفرع عليها إلا بالقدر الذي يتفق مع تلك الأصول، ويكون ثابتا بثبوتها لا يعتريه تغير أو تطور باختلاف الأعراف والبيئات ومرور الأزمان؛ لأنه الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد اشتمل على العقائد والشرائع، وعلى الآداب والأخلاق فكان تبيانا لكل شيء.
وجاءت السنة توافق الكتاب الكريم في أصوله، وتتعرض للتفصيلات والجزئيات، فتفسر المبهم، وتفصل المجمل، وتقيد المطلق، وتخصص العام، كما أتت السنة كذلك بأحكام لم يرد في القرآن نص عليها.
وذلك أن “السنة إما أن تكون بيانا للكتاب أو زيادة عليه، فإن كانت بيانا فهي في الاعتبار بالمرتبة الثانية عن المبين؛ فإن النص الأصلي أساس والتفسير بناء عليه، وإن كانت زيادة فهي غير معتبرة (في تأسيسها للأحكام واستقلالها بها) إلا بعد التأكد من أنها لا توجد في الكتاب وذلك على تقدم اعتبار الكتاب”[38].
وعطفا على ما فات فإن الله – عز وجل – قد أوكل إلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – مهمة بيان ما في القرآن الكريم، وذلك في قوله عز وجل: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)( (النحل)، وقوله عز وجل: )إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله( (النساء: ١٠٥).
ومن هنا نستطيع القول: إن علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة هي علاقة البيان، وهذا البيان له أنواع متعددة، يمكن حصرها في ثلاثة أقسام هي:
- أن تأتي السنة مؤكدة لما جاء في القرآن ومثبتة له.
- أن تأتي السنة مبينة لما في القرآن الكريم، ويأتي هذا البيان على أربعة أنواع[39]:
- تفصيل المجمل.
- تقييد المطلق.
- تخصيص العام.
- توضيح الـمشكل.
- أن تستقل السنة بتأسيس الأحكام من غير أن يسبق لها ذكر في القرآن الكريم.
أما القسم الأول فهو: تأكيد السنة للقرآن الكريم وذلك أن تأتي السنة مؤكدة لما ذكره القرآن الكريم كما في قوله عز وجل: )وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد (102)( (هود), فنجد تأكيد السنة لهذا المعنى فيما روي عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله – عز وجل – ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»[40].
والأمثلة على تأكيد السنة الشريفة للقرآن الكريم كثيرة جدا فمنها ما يتعلق بالعبادات من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، ومنهما ما يتعلق بالجنايات، والحدود في الإسلام، والأحوال الشخصية من زواج وطلاق، وميراث… إلخ.
واتساقا مع ما أسلفنا فهذا النوع من البيان النبوي، وهو التأكيد، يشمل كل جوانب التشريع القرآني.
أما القسم الثاني فيتمثل في: بيان السنة لما جاء في القرآن الكريم.. ولهذا البيان أنواع منها:
- تفصيل المجمل:
بمعنى أن يأتي الشيء في القرآن الكريم مجملا موجزا لا نستطيع أن نفهم المراد منه إلا بعد تفصيله، فتتولى السنة ذلك التفصيل[41].
ومن ذلك مثلا ما ورد في القرآن الكريم عن الصلاة، وهي ركن الإسلام الأول بعد الشهادتين، وبها يتحدد الفرق بين المؤمنين وغيرهم، فماذا جاء عن الصلاة في القرآن الكريم؟ لقد جاء الحديث عنها مجملا، في قوله عز وجل: )إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (103)( (النساء)، وكذلك قوله عز وجل: )وأقيموا الصلاة( (النور: ٥٦)، وقوله: )والذين هم على صلواتهم يحافظون (9)( (المؤمنون).
إن هذه الآيات توضح أن الله تعالى قد أوجب الصلاة على المؤمنين من غير أن يبين لنا أوقاتها وفرائضها وعدد ركعاتها، وأركانها، وشروطها، وغير ذلك مما يتعلق بالصلاة.
وعلى هذا جاءت السنة الشريفة، وفصلت ذلك المجمل، وعلمت الناس الصلاة، وكل ما يتعلق بتفصيلاتها في قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»[42]. ولولا السنة لما عرفنا كيف نصلي.
وما قلناه عن الصلاة نقوله عن سائر العبادات من زكاة، وصيام، وحج، فقد جاء ذكر ذلك مجملا في القرآن الكريم، وتولت السنة المطهرة تفصيله وبيان المراد منه.
وروى الخطيب البغدادي: “أن عمران بن حصين – رضي الله عنه – كان جالسا ومعه أصحابه، فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن. فقال له: ادنه – أي اقترب مني – فدنا، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيها صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا، والمغرب ثلاثا، تقرأ في اثنتين؟! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا، والطواف بالصفا والمروة؟! ثم قال: أي قوم – أي: يا قوم – خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن”[43].
وبناء على ذلك، كيف تكون حياة الناس مستقيمة لو لم يأت تفصيل كل ذلك في السنة المطهرة؟!
وبالنظر إلى هذا النوع من أنواع بيان السنة للقرآن نجد أنه يؤكد في جلاء ووضوح أن القرآن يحتاج إلى السنة الشريفة، كما يثبت في يقين أنه لولا السنة لضاع القرآن – أي: بعد فهمه – وهذا ما يرمي إليه أعداؤنا حين يشككون في السنة الشريفة، فما بالنا ببقية الأنواع التي سيتوالى ذكرها؟!
- تقييد المطلق:
وذلك بأن يأتي الشيء مطلقا في القرآن الكريم، وتقيده السنة مثل قوله عز وجل: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (38)( (المائدة).
وعلى هذا نجد أن الآية الكريمة لم تقيد قطع اليد بوضع محدد؛ لأن اليد تطلق على الأصابع، والكف، والرسغ، والساعد، والمرفق، والعضد. ولكن السنة الشريفة بينت ذلك وقيدت القطع بمقدار الكف فقط من اليد الواحدة[44]. فلولا السنة لما استطعنا إقامة الحد على وجهه الصحيح.
- تخصيص العام:
وذلك بأن يأتي اللفظ عاما فتأتي السنة الشريفة وتبين أن هذا العموم ليس مرادا، بل المراد بعض أفراده فقط، ويكون ذلك تخصيصا من السنة لما ورد عاما في القرآن الكريم مثل قوله عز وجل: )يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين( (النساء: ١١).
وهذا عام يثبت في كل أب وأم موروثين، ويثبت أيضا في كل ابن وارث، فجاءت السنة فخصصت المورث بغير الأنبياء، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركنا صدقة»[45]. وخصصت السنة الوارث أيضا بغير القاتل، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس للقاتل شيء…»[46], كما خصصت السنة الاثنين معا بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم»[47].
فكان معنى الآية بعد التخصيص هو أن كل موروث من أب وأم يرثه أبناؤه، إلا أن يكون المورث نبيا، فإن الأنبياء لا يورثون، وإلا أن يكون الوارث قاتلا لأصله المورث فإنه – في هذه الحالة – لا يرثه، وإلا أن يختلف الدين بين المورث والوارث، فإنه لا توارث عند اختلاف الدين.
- توضيح المشكل:
وذلك بأن تكون هناك بعض الألفاظ في القرآن الكريم مشكلة لا نفهم معناها، فتوضحها لنا السنة الشريفة، مثل ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب، عذب. قالت، قلت: أليس يقول الله تعالى: )فسوف يحاسب حسابا يسيرا (8)( (الانشقاق)، قال: ذلك العرض»[48]، وفي رواية: «إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب»[49].
ليس معنى ذلك أن كل عام في القرآن يحتاج إلى تخصيص، وأن كل مطلق يحتاج إلى تقييد، وأن كل مجمل يحتاج إلى تفصيل؛ فإن كثيرا من عام القرآن باق على عمومه؛ لأن عمومه مراد، وكثيرا من إطلاق القرآن باق على إطلاقه؛ لأن إطلاقه مراد وهكذا في المجمل، وإنما المراد أن يحتاج إلى شيء من ذلك – فقط – هو الذي يتولى الرسول – صلى الله عليه وسلم – بيانه بواحد من أنواع البيان[50].
أما القسم الثالث فيتجلى في: أن السنة تستقل بتأسيس الأحكام:
لا ينكر منصف ولا عاقل أن أحكام الشريعة حوت كثيرا من الأحكام التي دليلها المباشر هو السنة، أما القرآن فسكت عنها تفصيلا وإن لم تخل “كلياته” من الإيماء إليها إجمالا، وهذه هي عقيدة السلف والخلف، وإن جحد الجاحدون، أو نكب عن الصراط القويم الناكبون.
ومن الأحكام التي استقلت بها السنة: زكاة الفطر، وما يتعلق بها من أحكام؛ إذ لم يكن لها دليل إيجاب إلا ما ورد في السنة.
وكذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها في عصمة زوج واحد في وقت واحد، على الرغم من أنه لم يرد في القرآن الكريم إلا تحريم هذا الجمع بين الأختين فحسب.
أضافت السنة إلى ما حرم الله في القرآن من الميتة، ولحم الخنزير، والدم المسفوح… إلخ – تحريم أكل كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السباع، وأكل لحوم الحمر الأهلية، وهذه لم يرد تحريمها في القرآن منصوصا عليها مفصلا.
واستقلت السنة بتقرير الشفعة للجار، وكونه أحق من غيره بما جاوره من مملوكات عقارية لجاره إذا زهد فيها وعرضها للبيع، ولا نجد في القرآن إلا الأمر بالترغيب في الإحسان إلى الجار.
وما ذكر إنما هو غيض من فيض الأحكام المتعلقة بأعمال المكلفين استقلت السنة فيها بالتشريع.
واتساقا مع ما أسلفنا فإن معنى استقلال السنة بالتشريع، أنها كانت دليل الحكم وأمارته، لا أن الرسول هو المشرع من غير إذن الله، فصاحب التشريع هو الله، سواء أكان دليل الحكم هو القرآن أم الحديث النبوي.
وبعد هذا البيان الشافي الكافي يحق لنا أن نقول: إن المشتبهين خابت مساعيهم في تعطيل السنة وإلغاء مكانتها التشريعية في الإسلام[51].
رابعا. الآيات التي استدلوا بها لا تنفي حجية السنة بل تؤكدها:
- كلمة “الدين” في قوله تعالى: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣) تشمل القرآن والسنة؛ بدليل أن هذه الآية ليست آخر ما نزل:
ذكر جماعة من العلماء[52]: أن المراد بكلمة “الدين” في قوله: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣) أركانه الخمسة الرئيسة، وهي الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، وقد أشار إليها النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «بني الإسلام على خمس…»[53] وذكر الأركان الخمسة.
ومعلوم أن القرآن الكريم قد أثبت حجية هذه الأركان الخمسة إجمالا، وتولت السنة بيان أحكامها التفصيلية، وإكمال الدين يقتضي إكمال البيان، والاقتصار على القرآن دون السنة يوجب بقاء الدين ناقصا غير مكتمل، وهذا محال شرعا وعقلا، ومن ثم صار مجموع التشريع الحاصل بالقرآن والسنة يندرج تحت مسمى الدين، وبدون السنة لم يكن الدين كافيا لهدي الأمة في عباداتها ومعاملاتها وسياساتها، في سائر عصورها بحسب ما تدعو إليه حاجتها، لا سيما وقد اقتصر القرآن على الأمور الكلية، والقواعد العامة من ضروريات وحاجيات وتحسينات ومكمل كل واحد منها.
قال الطاهر ابن عاشور: والدين: ما كلف الله به الأمة من مجموع العقائد والأعمال والشرائع والنظم. فإكمال الدين هو إكمال البيان المراد لله تعالى الذي اقتضت الحكمة تنجيمه فكان بعد نزول أحكام الاعتقاد التي لا يسع المسلمين جهلها وبعد تفاصيل أحكام قواعد الإسلام التي آخرها الحج – بالقول والفعل، وبعد بيان شرائع المعاملات وأصول النظام الإسلامي، كان بعد ذلك كله قد تم البيان المراد لله تعالى في قوله: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا( (النحل: ٨٩)، وقوله: )لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤)، بحيث صار مجموع التشريع الحاصل بالقرآن والسنة كافيا لهدي الأمة في عبادتها ومعاملتها وسياستها في سائر عصورها بحسب ما تدعو إليه حاجاتها، فقد كان الدين وافيا في كل وقت بما يحتاجه المسلمون. ولكن ابتدأت أحوال جماعة المسلمين بسيطة ثم اتسعت جماعتهم، فكان الدين يكفيهم لبيان الحاجات في أحوالهم بمقدار اتساعها؛ إذ كان تعليم الدين بطريق التدريج ليتمكن رسوخه، حتى استكملت جماعة المسلمين كل شئون الجوامع الكبرى، وصاروا أمة كأكمل ما تكون أمة، فكمل من بيان الدين ما به الوفاء بحاجاتهم كلها، فذلك معنى إكمال الدين لهم يومئذ. وليس في ذلك ما يشعر بأن الدين كان ناقصا، ولكن أحوال الأمة في الأممية غير مستوفاة، فلما توفرت كمل الدين لهم فلا إشكال على الآية… ثم نقل عن الشاطبي قوله: القرآن مع اختصاره جامع، ولا يكون جامعا إلا والمجموع فيه أمور كلية؛ لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله عز وجل: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣). وأنت تعلم: أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم تبين جميع أحكامها في القرآن، إنما بينتها السنة، وكذلك العاديات من العقود والحدود وغيرها، فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال، وهي: الضروريات والحاجيات والتحسينات ومكمل كل واحد منها… وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك، أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧)»[54] [55].
وقد قيل: إن المراد بإكمال الدين في قوله عز وجل: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣)، أي: بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله، كما نقول: قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك، قال الشيخ ابن عاشور: “ثم لـما فتح الله مكة وجاءت الوفود مسلمين، وغلب الإسلام على بلاد العرب، تمكن الدين وخدمته القوة فأصبح مرهوبا بأسه، ومنع المشركين من الحج بعد عام، فحج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عام عشرة وليس معه غير المسلمين، فكان ذلك أجلى مظاهر كمال الدين: بمعنى سلطان الدين وتمكينه وحفظه وذلك تبين واضحا يوم الحج الذي نزلت فيه هذه الآية.
لم يكن الدين في يوم من الأيام غير كاف لأتباعه؛ لأن الدين في كل يوم من وقت البعثة هو عبارة عن المقدار الذي شرعه الله للمسلمين يوما فيوما، فمن كان من المسلمين آخذا بكل ما أنزل إليهم في وقت من الأوقات فهو متمسك بالإسلام، فإكمال الدين يوم نزول الآية إكمال له فيما يراد به، وهو قبل ذلك كامل فيما يراد من أتباعه الحاضرين”[56].
ولقد نص جمهور المفسرين على أن المراد بالآية معظم الفرائض، والتحليل والتحريم، لا سيما وأن الآية نزلت يوم الحج الأكبر، وهم بالموقف عشية عرفة، فجاءت في معرض الامتنان على المسلمين بأن وفقهم الله – عز وجل – للحج – الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره – فحجوا, فاستجمع لهم الدين أداء لأركانه، وقياما بفرائضه التي بين النبي – صلى الله عليه وسلم – تفاصيلها.
وتنكب القرآن ذكرها، وأوكلها إلى السنة – كما تقدم – وقد جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصحيح: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»[57]؛ أي: لتأخذوا عني مناسككم.
من الأدلة التي تدحض دعاوى منكري السنة، في استشهادهم بقوله عز وجل:: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣) على كمال الدين بالقرآن فقط دون السنة – أنهم قد ظنوا أن هذه الآية هي آخر ما نزل من القرآن، وهم يفضحون أنفسهم من حيث لا يدرون؛ إذ لا يبينون إلا عن جهلهم بالقرآن الذي يزعمون الإيمان به، فضلا عن جهلهم المركب بالسنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي.
نقول إن هذه الآية ليست آخر ما نزل من القرآن، فالوحي القرآني لم يتوقف عند هذه الآية؛ وإنما نزلت بعد هذه الآية آيات أخرى تتضمن تشريعات ذات خطر كالربا[58] والكلالة وغيرهما، فكيف يدعي أعداء السنة اكتمال الإسلام بالقرآن – فقط دون السنة ويستشهدون بهذه الآية – ولما يكتمل القرآن بعد بها؟!
وجاء في تفسير القرطبي: “وقال الجمهور: المراد – أي بالآية – معظم الفرائض والتحليل والتحريم، قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير، ونزلت آية الربا، ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك، وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج؛ إذ لم يطف معهم في هذه السنة مشرك، ولا طاف بالبيت عريان، ووقف الناس كلهم بعرفة[59].
وقال ابن عاشور: “ولا يصح أن يكون المراد من الدين القرآن؛ لأن آيات كثيرة نزلت بعد هذه الآية وحسبك من ذلك بقية سورة المائدة وآية الكلالة التي في آخر النساء على القول بأنها آخر آية نزلت، وسورة )إذا جاء نصر الله والفتح (1)( (النصر) كذلك، وقد عاش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد نزول آية: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣) نحوا من تسعين يوما يوحى إليه[60].
قال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير هذه الآية: “وجملة القول أن الله تعالى أكمل الدين بالقرآن وببيان النبي – صلى الله عليه وسلم – للناس فيه، فما صح من بيانه لا يعدل عنه إلى غيره، وما بعد سنته نور يهتدى به في فهم أحكامه”[61].
وبناء على ذلك يتضح أنه لا دليل لمنكري السنة في إنكارهم لحجيتها وأن الآية التي استدلوا بها، وهي قوله عز وجل:: )اليوم أكملت لكم دينكم( (المائدة: ٣) تعني كمال معظم الدين بالقرآن والسنة وليس القرآن فقط؛ إذ إنها لم تكن آخر ما نزل من القرآن كما توهموا، فالإسلام قرآن وسنة ولا يكتمل بأحدهما دون الآخر.
- المراد بالكتاب في قوله عز وجل: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: ٣٨) اللوح المحفوظ وليس القرآن الكريم:
لقد فهم هؤلاء المنكرون للسنة المطهرة خطأ أن المراد من الكتاب في هذه الآية الكريمة هو القرآن الكريم, ولكن المتأمل في أقوال المفسرين والعلماء في تفسيرهم لهذه الآية الكريمة, وكذلك المتأمل في سياق الآيات – ابتداء ونهاية – يجد أن المراد بالكتاب هنا “اللوح المحفوظ” الذي حوى كل شيء, واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها, جليلها ودقيقها ,ماضيها وحاضرها ومستقبلها, على التفصيل التام كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة»[62].
وهذا هو المناسب لصدر الآية, يقول عز وجل: )وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم( (الأنعام: ٣٨), والمثلية في الآيات ترشح هذا المعنى؛ لأن القرآن الكريم لم ينظم للطير حياة كما نظمها للبشر, وإنما الذي حوى كل شيء للطير والبشر, وتضمن ابتداء ونهاية للجميع هو اللوح المحفوظ, يقول الحافظ ابن كثير: “أي الجميع علمهم عند الله عز وجل, ولا ينسى واحدا من جميعها, من رزقه وتدبيره سواء كان بريا أو بحريا,كقوله عز وجل: )وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين (6)( (هود). أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها”[63].
وعلى هذا الأساس فهم أن المراد من قوله عز وجل: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: ٣٨), هو القرآن، وذلك فهم غير دقيق, ويأباه السياق العام للآية وربطها بما قبلها[64].
قال الشيخ ابن عاشور: “وجملة )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: 38) معترضة لبيان سعة علم الله تعالى وعظيم قدرته… وقيل: الكتاب القرآن، وهذا بعيد إذ لا مناسبة بالغرض على هذا التفسير”[65].
حتى لو سلمنا لهم جدلا أن المقصود بالكتاب هنا هو القرآن الكريم؛ فإن المعنى أن ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب كما قال عز وجل: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل: ٨٩).
وقد قال – عز وجل – طالبا من رسوله الكريم أن يبين للناس ما نزل إليهم من القرآن فقال: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤). وهذا التبيين يكون من خلال سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال – عز وجل – أيضا:)وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧) [66] وبناء على ذلك، فعلى تقدير أن الكتاب في هذه الآية هو القرآن، فالمعنى أنه يحتوي على كل أمور الدين إما بالنص الصريح، وإما ببيان السنة له، وقد أرسل الله رسوله ليبين للناس أحكام دينهم وأوجب عليهم اتباعه، وكان بيانه للأحكام بيانا للقرآن، ومن هنا جاءت أحكام الشريعة من كتاب، وسنة، وإجماع، وقياس، أحكاما من كتاب الله، إما نصا وإما دلالة، فلا منافاة بين حجية السنة وبيان القرآن لكل شيء[67].
هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فإننا لو نظرنا إلى المراد من كلمة “شيء” نجد أنه ليس المراد منها في الآية كل الأحكام التي يحتاج إليها المجتمع في وجوده المستمر، وإنما المراد منها الأحكام الرئيسة العليا، التي تحدد القواعد والضوابط التي تأخذ سمة الطابع الدستوري، باعتباره معالم للطريق الفاضل الذي يقيس عليه – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه أحكام الحوادث التي تتولد من العلاقات بين الناس في حركة نشاطهم[68].
وعلى هذا فلا بأس في أن يكون الكتاب هو القرآن، وأن يكون القرآن حاويا – دون تفريط – كل القواعد الكبرى التي تنظم حياة الناس، وتكون السنة هي الموضحة لهذه المعالم, وبذلك تنسجم هذه الآية مع غيرها من الآيات الأخرى التي تؤكد أهمية السنة في بيان ما في الكتاب من القواعد التي تحتاج إلى تخصيص أو تقييد، أو توضيح، مثل قوله عز وجل:)وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: 44).
وعليه, فسواء كان المقصود بالكتاب في قوله عز وجل: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: 38), اللوح المحفوظ أم القرآن الكريم, فلا مجال للاستدلال بهذه الآية الكريمة في نفي حجية السنة, أو الاستغناء بالقرآن عنها كما يزعم الزاعمون.
- إن آية )أولم يكفهم( تقول للكفار: ألم يكفكم القرآن الكريم الذي هو أعظم من كل معجزة للتصديق برسالة النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد استدل هؤلاء المنكرون بقوله عز وجل:)أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب( (العنكبوت: 51), واعتبروا أن هذا دليل على أن في القرآن غناء للمؤمنين عن أي شيء آخر حتى ولو كان السنة، وهذا فهم خاطئ لهذه الآية الكريمة.
وزيادة في البيان نذكر الآية التي قبلها، وهي قوله عز وجل: )وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين (50)( (العنكبوت), فالقرآن هنا يحكي قول المشركين الذين يصرون على الاستكبار، ويقولون: لو أن الله أنزل على محمد آيات من عنده؟ وقالوا هذا الكلام، وكان قد نزل قدر عظيم من القرآن سورا وآيات، وأسمعهم النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا القرآن، وكرره على مسامعهم مرات، وراعهم بيانه، وأعجزتهم بلاغته، وهم قد وصفوه بالسحر في شدة تأثيره على القلوب والعقول والمشاعر.
إنهم وصفوه بالشعر، وللشعر في دولتهم دولة، وفي حياتهم حياة، وهو صناعتهم التي عرفوا بها، ولم تكن لهم صناعة غيرها، لقد جردوا القرآن من دلالته الإعجازية وهم بها مقرون، واعتبروه كأن لم يكن، واعتبروا محمدا – صلى الله عليه وسلم – رسولا أو مدعي رسالة بلا معجزات، فأنزل الله – عز وجل – قوله: )أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم( (العنكبوت: 51). أي: ألم يكن القرآن معجزة كافية لهم في التصديق برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم قد تأكدوا من سموه فوق كلام أعقل العقلاء، وأفصح الفصحاء، وأبلغ البلغاء من الخلق أجمعين[69].
جاء في التحرير والتنوير: “والاستفهام تعجبي إنكاري، والمعنى: وهل لا يكفيهم من الآيات آيات القرآن، فإن كل مقدار من مقادير إعجازه آية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم “[70].
وبعد هذا التوضيح لمعنى هذه الآية يتضح لنا أنهم اقتلعوا الآية من سياقها، وحرفوا معناها عامدين؛ ليؤيدوا رأيهم، وتحريف المعاني بلي أعناق النصوص ليس غريبا عليهم, بل هو ديدنهم. وبهذا يتضح أنه لا حجة لمنكري السنة في استدلالهم بهذه الآية بعد بيان معناها الحقيقي؛ لأنها لا تدل – كما زعموا – على أن القرآن وحده فيه كفاية للمسلمين في دينهم عن أي شيء آخر حتى ولو كان السنة النبوية.
- قوله تعالى: )تبيانا لكل شيء( (النحل: 89)، فيه الأمر بالرجوع إلى السنة التي تكمل هذا البيان:
إذا نظرنا إلى أقوال المفسرين في قوله عز وجل: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل: ٨٩). فإننا نجد ابن مسعود يقول فيها: “قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء”، وقال الأوزاعي: )تبيانا لكل شيء( أي: “السنة”، ولا تعارض بين القولين، فابن مسعود يقصد العلم الإجمالي الشامل لا التفصيل، والأوزاعي يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالي[71].
أما معنى “الكتاب” في قوله السالف، فهو القرآن والسنة معا، يقول الدكتور محمد عبد الله دراز: “إن الذي أوجب الإشكال في المسألة اللفظ المشترك، فإن كتاب الله كما يطلق على القرآن يطلق على ما كتب الله تعالى عنده مما هو حكمه وفرضه على العباد، سواء كان هذا الفرض والحكم مسطورا في القرآن أم لا.
كما قال الله عز وجل: )كتاب الله عليكم( (النساء: ٢٤)؛ أي حكمه وفرضه عليكم، وكل ما جاء في القرآن من قوله عز وجل: )كتب عليكم( (البقرة: ١٧٨) فمعناه: فرض وحكم به عليكم، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم في القرآن[72].
وعليه, فإن القرآن الكريم قد حوى الكثير من أمور الدين وأمر باتباع السنة, واتباع الإجماع, والاعتماد على القياس عند الحاجة, فأصبح متضمنا لعلومه, وعلوم السنة والإجماع والقياس؛ لأنه لما أمر باتباع هذه الأشياء كان العمل بها عملا بالقرآن الكريم, فبهذا أصبح تبيانا لكل شيء.
ونتساءل: إذا أمكن أن يكتفى بالقرآن وأن تنحى السنة جانبا، فما بال الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يسألون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن كثير من أمور الإسلام؟ كالذي أرسل امرأته إلى بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تسأل عن تقبيل الرجل زوجته وهو صائم؟ وأكثر من ذلك لماذا سأل الصحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن معاني القرآن نفسه؟ فسألوه حينما نزلت: )الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (82)( (الأنعام) قائلين: أينا لا يظلم نفسه؟ فاهمين أن المقصود بالظلم في الآية مطلق الظلم, فبين لهم – صلى الله عليه وسلم – أن الظلم في الآية المراد به الشرك؛ مستدلا بآية أخرى من الكتاب العزيز وهي قوله عز وجل:)وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (13)( (لقمان).
إن تساؤلات الصحابة هذه دليل على أن البيان موكول إليه صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك جاء الأمر بطاعته والتحذير من مخالفته[73].
ومن ثم فإن مسألة الاكتفاء بالقرآن دون السنة المطهرة أمر غير وارد؛ لأنها تعني تعطيل أركان الإسلام العملية وهي الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ذلك أن القرآن نص على وجوبها, لكن لم يذكر طريقة أدائها، فإذا نحينا السنة جانبا كما يريدون فمن أين لنا بعدد الصلوات في اليوم والليلة؟ وكذلك عدد الركعات في كل صلاة؟ وما الذي يقرأ فيها وجوبا من القرآن؟ وما هي الصلاة التي يجهر فيها والتي يسر فيها ومتى تؤدى؟
وكذلك الزكاة، فما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة، وشروط الزكاة ومقاديرها؟ وما يقال هنا يقال في الصوم والحج أيضا.
وإذا تركنا هذه الأركان وتوجهنا إلى أمور الإسلام الأخرى، فإننا نتسائل ونقول: أين صيغة الأذان في القرآن الكريم؟ وأين زكاة الفطر؟ وأين صيغة العقد الشرعي للزواج؟ أنترك هذه الأمور التي وردت في السنة بترك القرآن لها جريا وراء هذه الدعوات الخبيثة؟!
ويحاول هؤلاء المنكرون أن يدفعوا هذه الأسئلة القوية التي طرحناها هنا بأن هذه الأركان الأربعة العملية، يكفينا فيها محاكاة النبي – صلى الله عليه وسلم – في كيفية أدائها وهي سنن عملية منقولة إلينا بالتواتر.
فهم يقولون: إن الصلاة – مثلا – فيها هذا الأمر بمحاكاة تأدية رسول الله لها إذ قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»[74]. كذا في الحج في قوله: «لتأخذوا مناسككم»[75]. والجيل الذي عاصر الرسول – صلى الله عليه وسلم – حاكاه في كيفية الصلاة والحج، ونقل هذه المحاكاة عمليا إلى الجيل الذي بعده حتى وصلت إلينا.
فإن كان فريق منهم يحاول أن يخرج من مأزق الأسئلة الحرجة التي طرحت فقالوا نأخذ بالسنة العملية ونترك القولية، فهذا الدفع مرفوض؛ لأن في السنن العملية التي تحدثوا عنها، كالصلاة، والحج سننا قولية لا حصر لها، وهذه السنن القولية لا تدرك برؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي ويحج ويصوم ويزكي، وإنما ظهرت لنا بأقواله، وهذان الحديثان اللذان استدلوا بهما هما من السنة القولية لا من السنة العملية، ومعنى هذا أن السنة القولية أصل للسنة العملية، فكيف إذن يستغنى عن أصل تثبت به السنة العملية؟ نعني أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لو لم يقل ذلك ما ثبت شرعا وجوب محاكاته – صلى الله عليه وسلم – في صلاته وحجه[76].
وختاما للحديث على هذه الدعوى – دعوى أن القرآن يستغنى به عن السنة – فإننا نتساءل: إذا كان القرآن يغني عن السنة. فما معنى الآيات الآمرة باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم, مثل قوله عز وجل:)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (31)( (آل عمران),وقوله عز وجل: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21)( (الأحزاب).
وما معنى الآيات التي تبين نزول السنة عليه صلى الله عليه وسلم؛ ومنها قوله عز وجل: )وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم( (النساء: 113), وقوله – عز وجل – لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: )واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة( (الأحزاب: 34).
- وما معنى الآيات الآمرة بطاعته صلى الله عليه وسلم, مثل قوله عز وجل: )من يطع الرسول فقد أطاع الله ( (النساء: 80).
- وإذا كان القرآن يغني عن السنة فما معنى الآيات المحذرة من مخالفته صلى الله عليه وسلم, ومنها قوله عز وجل: )فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (63)( (النور).
إن الذين يدعون اتباع القرآن وأنه يغني عن السنة يتناقضون مع القرآن الكريم, فإن القرآن يشتمل على الكثير من الآيات الدالة على وجوب العمل بسنته صلى الله عليه وسلم, وعليه فلا يخدعوا أنفسهم بأنهم ينتصرون للقرآن, فإنهم ليسوا أنصارا للقرآن؛ لأنهم لا يعملون بهذه الآيات الآمرة باتباع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والموجبة لطاعته, إنما أنصار القرآن هم الذين يتبعون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل ما جاء به عن الله, من قرآن, ومن سنة, وهو – صلى الله عليه وسلم – القائل: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما؛ كتاب الله وسنة نبيه»[77][78].
وبعد تفنيدنا لاستدلالاتهم الباطلة يبدو: أنهم لم ينفقوا وقتا كافيا في دراسة القرآن الكريم؛ لأنهم لو درسوا القرآن كما ينبغي فهل يتفق لمسلم يؤمن بأن منزل الكتاب قد كلف نبيه بتبيين ما أنزل عليه وتفصيله، ثم يضرب عرض الحائط بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فالرسول مأمور بتبيين الأمور للناس، ونحن مأمورون باتباع أوامره ونواهيه وكل هذا بنص القرآن الكريم[79].
الخلاصة:
- إن الآيات القرآنية الصريحة التي تأمر بطاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – واتباع سنته وتحذر من مخالفته – أكثر من أن تحصى، فكيف يدعي منكرو السنة أن الدين مكتمل بالقرآن دون السنة؟!
- ولو كان ما ادعوه صحيحا لوجدنا ما يؤكد دعواهم في القرآن الكريم، بل وجدنا ما ينقضها، ورضوان الله أحق أن يتبع، وكل من خالفه حق عليه الخزي والخذلان في الدنيا والآخرة، وهذا الحث الرباني على اتباعه – صلى الله عليه وسلم – هو إعظام لرسالته – صلى الله عليه وسلم – وإعلاء لطاعته صلى الله عليه وسلم.
- إن التأكيد على ضرورة اتباع السنة والتحذير من مخالفتها لم يرد في القرآن فحسب، بل ورد أيضا في الحديث النبوي، حيث بين – صلى الله عليه وسلم – أن الهدي في اتباعه وأن الضلال في سلوك طريق غير طريقه، فكيف يدعي منكرو السنة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يصرح بأنها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي؟
- السنة النبوية وحي انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم، ومظاهر وجودها في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – تتمثل فيما يأتي:
o حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على تعلم العلم والعمل جميعا من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقترئون عشر آيات ولا يأخذون غيرها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، وقد حثهم القرآن الكريم على ذلك في أكثر من آية.
o مفارقة الصحابة الأهل والوطن من أجل سماع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقي العلم عنه.
o تناوبهم في طلب العلم وسماع الحديث؛ إذ كان عمر بن الخطاب وجار له يتناوبان النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل عمر يوما، وينزل جاره يوما، ويبلغ كل منهما الآخر ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
o تجشمهم المتاعب والمشاق في سبيل سماع الحديث وجمعه، وأفضل مثال على ذلك ابن عباس رضي الله عنه.
o حرصهم الدائم على مذاكرة ما يسمعونه من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يحفظوه.
o لم يكن يمنعهم الحياء عن سؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – ومراجعته في أخص الأمور وأكثرها سرية؛ حرصا منهم على العلم والفقه في الدين. أليس في كل ذلك دلالة على وجود السنة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفاظ الصحابة عليها حتى دونت؟!
- إن ضبط السنة في الصدور أفضل من ضبطها في السطور؛ لأن العرب في ذلك الحين كانت أمة أمية، وملكة الحفظ عندها قوية بحكم اعتمادها عليه دون الكتابة، هذا فضلا عن أن الحفظ يمتاز عن الكتابة بخصائص، منها أنه – أي الحفظ – لا يكون إلا مع الفهم، وإدراك المعنى، ويحمل المرء على مراجعة محفوظه واستذكاره، ثم إن المحفوظ يكون مع الحافظ في صدره في أي وقت وفي أي مكان، بخلاف الكتابة لا تتوافر لها هذه الخصائص إلا مع العلماء المشتغلين بالعلم والمدرسين ليل نهار.
- إن من الجهل حصر مصدر التشريع في القرآن وحده، ولاشك أن القرآن هو المصدر الأول الذي انبنت عليه جميع المصادر بعده من السنة والإجماع والقياس، ولكن هذا لا يمنع أن تكون السنة هي الأصل الثاني، بل ذلك هو الحق، لا سيما وقد اتضحت فائدة السنة في بيان القرآن، وإن ذلك لمن أوكد الأدلة العقلية وأصرحها على مكانة السنة في التشريع، وأنها المصدر الثاني ولا ينكر ذلك إلا جاحد.
- إن السنة كانت الطريقة العملية الشرعية التي تبين ما جاء في القرآن، وقد اتخذت ثلاث طرق في هذا البيان:
الأولى: تأكيد أحكام جاءت في القرآن.
الثانية: بيان ما جاء في القرآن، إما بتفصيل مجمله، أو تقييد مطلقه، أو تخصيص عامه، أو توضيح مشكله.
الثالثة: استقلالها بتأسيس أحكام لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم، ومن ثم فقد كانت موجودة وإن لم تكن كلها مدونة.
- الآيات التي استدلوا بها لا تنفي حجية القرآن بل تؤكدها، فلم يكن المقصود من اكتمال الدين في قوله: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: ٣) القرآن بمفرده، وأنه به اكتمل الدين، بدليل أن هذه الآية لم تكن آخر آية نزلت من القرآن، فقد نزلت آيات تضمنت أحكاما وتشريعات أخرى مهمة كآية الربا والكلالة، فأين اكتمال الدين بالقرآن، وهو لا يزال يستقبل آيات الأحكام الشرعية؟!
- إن المقصود باكتمال الدين في الآية، اكتمال أركان الإسلام الخمسة، وهذه الأركان فرضها القرآن جملة، وأوكل أمر تفصيلها إلى السنة، ومن ثم فإن اكتمال تشريعها، منوط بالقرآن والسنة معا.
- إن المقصود من الكتاب في قوله عز وجل: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: ٣٨) هو اللوح المحفوظ الذي أثبت الله فيه كل ما هو كائن، وما كان وما سيكون، ويؤيد ذلك صدر الآية، وإذا سلمنا بأن المقصود هو القرآن الكريم، فإن المعنى يكون ما تركنا شيئا إلا ودللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولهذا قال عز وجل: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧).
- الخطاب في قوله عز وجل: )أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب( (العنكبوت: ٥١) موجه للمشركين لا المؤمنين، حيث إن المشركين على عهد رسول الله طالبوا بنزول آية على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – ليصدقوه في رسالته، وكان قد نزل قدر كبير من القرآن، فرد الله عليهم بأن هذا القرآن بإعجازه البلاغي كاف لهم في التصديق برسالته صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود هنا – كما زعموا – أن القرآن فيه كفاية للمسلمين عن السنة في كل أمور الدين.
- لقد نزل القرآن مفصلا ومبينا لكل شيء في شكل قواعد كلية مجملة، أما تفصيل بيانها فقد أوكل إلى السنة النبوية, فقال عز وجل:)وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤)، وأمرنا الله باتباعها فقال: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧).
- المقصود بالكتاب في قوله عز وجل: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل: ٨٩) القرآن والسنة معا، فكتاب الله هو ما فرضه على العباد سواء كان في القرآن أم في غيره.
- لولا السنة لتعطلت أركان الإسلام العملية، وهي: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وإذا نحينا السنة فمن أين نأتي بصيغة الأذان وزكاة الفطر وغيرها من الأمور الكثيرة التي لم ترد في القرآن؟
(*) من جهود الأمة في حفظ السنة “دراسات في السنة وعلوم الحديث”, د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م. تدوين وتوثيق السنة النبوية في حياة الرسول والصحابة, د. جمال محمود خلف، مكتبة الإيمان، مصر، 2007م. دفاع عن الحديث النبوي, د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م. حجية السنة ورد الشبهات التي أثيرت حولها، الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، طبعة خاصة. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية “عرض وتفنيد ونقض”, د. عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م. السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء, حمدي عبد الله عبد العظيم الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م. السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين، د. رءوف شلبي، مطبعة السعادة، القاهرة، ط1، 1398هـ/ 1978م.
[1]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص12.
[2]. المدخل إلى السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427ه/ 2007م، ص79.
[3]. المدخل إلى السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص82 بتصرف.
[4]. جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، مكتبة التوعية الإسلامية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، (2/ 1183).
[5]. انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى, القاضي عياض, دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، ( 1 / 17).
[6]. المدخل إلى السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص95 بتصرف.
[7]. موقع أفق للبرمجيات. www.affok.com
[8]. “هل القرآن يغني عن السنة”, بقلم د. محمد سعيد رمضان البوطي، مقال منشور بموقع موسوعة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
[9]. “إذا كان القرآن وافيا مكتملا فما الحاجة إلى السنة”، مقال منشور بموقع منتديات شبكة الإعلام العربية.
[10]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، د. ت، (1/ 48).
[11]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة، (12/ 231)، رقم (4591). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4604).
[12]. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (12/ 232).
[13]. عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (12/ 232).
[14]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، (1/ 15)، رقم (42)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (42).
[15]. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1993م، (1/ 168).
[16]. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الأصفهاني، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (10/ 257).
[17]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، (9/ 5)، رقم (5063).
[18]. من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص35.
[19]. الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، (1/ 95).
[20]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث رجل من أصحاب النبي، رقم (23529). وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[21]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (8/ 293، 294).
[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة، (2/ 131، 132)، رقم (631). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد، باب: من أحق بالإمامة، (3/ 1251)، رقم (674).
[23]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: التناوب في العلم، (1/ 223)، رقم (89).
[24]. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، تحقيق: محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1994م، (1/ 235، 236).
[25]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، (1/ 222)، رقم (88).
[26]. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، تحقيق: محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1994م، (1/ 363، 364).
[27]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه، (1/ 237)، رقم (103).
[28]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الطهارة، باب: ترك الوضوء من مس الذكر، (1/ 127)، رقم (166). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (165).
[29]. مذاء: كثير المذي، والمذي: هو الماء الذي يخرج من الرجل عند الملاعبة.
[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر، (1/ 339)، رقم (178).
[31]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الغسل، باب: غسل المذي والوضوء منه، (1/ 451)، رقم (269).
[32]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: الحياء في العلم، (1/ 276)، رقم (130).
[33]. هدبة الثوب: طرفه الذي لم ينسج، تكني بهذا عن استرخاء ذكره، وأنه لا يقدر على الوطء.
[34]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره، (5/ 2262)، رقم (3463).
[35]. من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص70: 76.
[36]. الآثار التي تصرح بوجود الذين كانوا يكتبون الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحف التي كتبت في عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة.
[37]. الرد على من ينكر حجية السنة، عبد الغني عبد الخالق، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص439.
[38]. السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2، 1989م، ص30.
[39]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام, د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، (1/ 503).
[40]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، سورة هود، باب قوله: ) وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد (، (8/ 205)، رقم (4686).
[41]. البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي، تحقيق: عبد القادر العاني ود. عمر سليمان الأشقر، دار الصفوة، مصر، 1413هـ/ 1992م، ص38، 39.
[42]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري), كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافرين، (2/ 131، 132)، رقم (631).
[43]. الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، الخطيب البغدادي, تحقيق: أبي إسحاق الدمياطي، مكتبة ابن عباس، مصر، (1/ 83).
[44]. انظر: صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: قول الله تعالى: ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا (، (12/ 99).
[45]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الفرائض، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم : “لا نورث، ما تركنا صدقة”، (12/ 8)، رقم (6730).
[46]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الديات، باب: ديات الأعضاء، (12/ 199)، رقم (4551). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4564).
[47]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الفرائض، باب: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، (12/ 51)، رقم (6764).
[48]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: من نوقش الحساب عذب، (11/ 407)، رقم (6536).
[49]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: من نوقش الحساب عذب، (11/ 407)، رقم (6537).
[50]. تيسير اللطيف الخبير في علوم حديث البشير النذير, د. مروان محمد شاهين، مكتب فوزي الشيمي للطباعة، مصر، د. ت، ص70: 259.
[51]. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية, د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م، ص179.
[52]. الجامع لأحكام القرآن, القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (6/ 63).
[53]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، (1/ 64)، رقم (8). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، (1/ 320)، رقم (112).
[54]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، (8/ 3248، 3249)، رقم (5469).
[55]. انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (6/ 103، 104)
[56]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، ص105.
[57]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، (5/ 2037)، رقم (3079).
[58]. فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “آخر آية نزلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آية الربا”. [صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله (، (8/ 52)، رقم (4544)].
[59]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (6/ 61، 62).
[60]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (6/ 106).
[61]. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار الفكر، دمشق، ط2، د. ت، (6/ 166).
[62]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر, باب: حجاج آدم وموسى ـ عليهما السلام, (9/ 3768)، رقم (6624).
[63]. تفسير القرآن العظيم , ابن كثير, المكتبة التوفيقية, مصر، د. ت، (3/ 182).
[64]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ,د. عماد السيد الشربيني, دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م, (1/ 193، 194) بتصرف.
[65]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (7/ 217).
[66]. انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (6/ 420). تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار الفكر، دمشق، ط2، د. ت، (7/ 394، 395).
[67]. حجية السنة ورد الشبهات التي أثيرت حولها، الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، طبعة خاصة، ص271 بتصرف.
[68]. السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين, د. رءوف شلبي, مطبعة السعادة، القاهرة، ط1، 1398هـ/ 1978م، ص23 بتصرف.
[69]. الشبهات الثلاثون, د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م، ص133 بتصرف.
[70]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (21/ 14).
[71]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، مناقشاتها والرد عليها, عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، (1/ 196، 197) بتصرف.
[72]. الميزان بين السنة والبدعة, د. محمد عبد الله دراز، تحقيق: أحمد مصطفى فضيلة، دار القلم، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص164 بتصرف.
[73]. المدخل إلى السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص381 بتصرف.
[74]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة، (2/ 131، 132)، رقم (631).
[75]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، (5/ 2037)، رقم (3079).
[76]. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية, د. عبد العظيم المطعني, مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م, ص135: 137.
[77]. أخرجه مالك في موطأه، كتاب: القدر، باب: النهي عن القول بالقدر، ص355، رقم (1628).
[78]. المدخل إلي السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي, مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م, ص382، 383 بتصرف.
[79]. دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه, د. محمد مصطفى الأعظمي, المكتب الإسلامي, بيروت, 1413هـ/ 1992م, (1/ 36) بتصرف.