الزعم أن السنة مجرد اجتهادات نبوية خاطئة
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في اجتهاده ثابتة بالقرآن الكريم، فلقد أرسله الله ليقيم به الحجة على الناس، وعليه فلا يصدر عنه إلا الحق والصواب.
2) لم يخطئ النبي – صلى الله عليه وسلم – في اجتهاده في مصير أسرى بدر، وإنما جانب الأولى فأرشده الله إليه، وفي هذا عناية من الله تعالى بالسنة وحفظ لها؛ لتأتي على أكمل الوجوه وأصوبها، ولله في مجانبة النبي – صلى الله عليه وسلم – أحيانا للأولى حكم جليلة.
3) رأي النبي – صلى الله عليه وسلم – في أمور المعايش وظنه كغيره من الناس ما دام أنه ليس أخبارا على سبيل التشريع؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر”.
4) إن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد بقوله: “لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي” أن يوضح لأمته جواز التمتع من العمرة إلى الحج، بل أفضليته على الراجح حتى لا يفهم من فعله وجوب القران فقط، وأما نزوله – صلى الله عليه وسلم – على رأي الحباب في بدر فإنه لم يكن تراجعا عن رأيه الأول؛ لأن المكان الأول لم يكن رأيا له قد استقر عليه، وكذلك إباحته للإذخر لا تعد استدراكا من العباس عليه؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينه عنه ابتداء، وكل ذلك لم يكن اجتهادا من النبي – صلى الله عليه وسلم – ابتداء حتى يرجع عنه كما يدعي المغرضون.
5) إن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يظلم أحدا مطلقا، ولكنه أراد أن يؤصل منهج القضاء في الإسلام، وهو الحكم بالظاهر وقرائن الحال؛ إذ ليس للقاضي أن يحكم بخلاف الظاهر حتى وإن كان على يقين من خلاف الظاهر أمامه.
التفصيل:
أولا. ثبوت عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – بالقرآن الكريم:
الرسل قدوة للبشر جميعا وحجة عليهم، وما دامت الحجة تقوم بهم؛ فلا بد أن يكونوا معصومين في كل ما صدر عنهم سواء ما كان تبليغا لوحي الله، أو ما كان اجتهادا فيما ليس فيه وحي.
فكما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمين في تبليغ وحي ربه، ومعصوم في هذا الصدد من الخطأ فيه، فإنه أيضا معصوم في اجتهاده، يقول الإمام الشاطبي: “فاعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مؤيد بالعصمة، معضود بالمعجزة الدالة على صدق ما قال، وصحة ما بين، وأنت ترى الاجتهاد الصادر منه معصوما بلا خلاف، إما بأنه لا يخطئ ألبتة، وإما بأنه لا يقر على خطأ إن فرض فما ظنك بغير ذلك؟”[3].
وقد شهد القرآن الكريم بعصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في اجتهاده في أكثر من موضع نذكر منها:
- قوله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)( (النساء).
ووجه الاستدلال بهذه الآية الكريمة في موضعين:
- أن الله – عز وجل – أمر فيها بطاعته سبحانه، وطاعة رسوله، وطاعة الله – عز وجل – إنما تكون بامتثال جميع ما نزل به وحيه تعالى على رسوله – صلى الله عليه وسلم – وطاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إنما تكون بامتثال كل حكم يخبر به، سواء كان عن وحي أو عن اجتهاد منه، وإلا لما كان لتخصيص طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد طاعة الله فائدة في الذكر، ويستفاد من الأمر بطاعته أنه معصوم في اجتهاده.
- أن الله – عز وجل – أمر في هذه الآية الكريمة المتنازعين في شيء بالرد إلى الله وإلى الرسول، والرد إلى الله رد إلى وحيه المنزل على الرسول – صلى الله عليه وسلم – سواء كان متلوا وهو القرآن، أم غير متلو وهو السنة، والرد إلى الرسول يقتضي أن يكون الأمر المردود إليه غير داخل في الوحي وإلا لزم التكرار والقرآن منزه عنه، والذي لا يدخل في الوحي وتجب طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيه هو ما أمر به باجتهاد فيه، بدليل قوله عز وجل: )ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم( (النساء: ٨٣).
ووجه الاستدلال به أن الله – سبحانه وتعالى – قد سوى بين الرسول وبين أولي الأمر – وهم العلماء – في الاستنباط، فلو لم يكن الاجتهاد جائزا للرسول – صلى الله عليه وسلم – وتجب طاعته فيه لعصمته، لما كان الأمر بالرد أي فائدة.
- قوله عز وجل: )فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط( (المائدة: ٤٢).
ووجه الاستدلال بالآية من ناحيتين هما:
- أن الله – سبحانه وتعالى – جعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالخيار في الحكم بينهم، فإن شاء حكم، وإن شاء أعرض ولم يحكم، أي أن الأمر مفوض إليه – صلى الله عليه وسلم – فإن رأى – باجتهاده – مصلحة وحسن قبول منهم لحكمه، حكم بينهم، وإلا أعرض عنهم ولا ضرر عليه منهم.
- أن تقييد أمره بالحكم بينهم بالقسط يشعر بزيادة تنبيهه – صلى الله عليه وسلم – على تحري الصواب، فيما يحكم به، وهو دليل على أن الله تعالى أذن له أن يحكم بينهم باجتهاده؛ لأنه لو كان الحكم بالوحي لم يكن لهذا القيد فائدة بالنسبة للرسول – صلى الله عليه وسلم – لأنه لا يحكم إلا بالقسط، فدل ذلك على عصمته – صلى الله عليه وسلم – في اجتهاده، فيما يحكم فيه.
- أما قوله عز وجل: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء) فوجه الاستدلال أن رب العزة حذر عباده من عدم تحكيم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل شأن من شئون حياتهم مع عدم انقيادهم لحكمه انقيادا مطلقا لا معارضة فيه، وإلا نفى عنهم وصف الإيمان.
وإذا كان حكم الرسول – صلى الله عليه وسلم – طبقا لما سبق من آيات مسبقة يكون بالوحي وبالاجتهاد، دل ذلك على عصمته في اجتهاده، وإلا لما وجب التسليم لحكمه تسليما مطلقا.
- قوله عز وجل: )لتحكم بين الناس بما أراك الله( (النساء: ١٠٥). فقد احتج بها العلماء على حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باجتهاده، وأن هذا الحكم معصوم فيه، بدلالة قوله: )بما أراك الله( فإذا أقره رب العزة على اجتهاده في حكمه، فهو حكم الله في النهاية[4].
فهذه بعض الأدلة على عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في اجتهاده، ولو وضعنا الأمر أمام العقل لشهد بعصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ إن اجتهاده – صلى الله عليه وسلم – يكون على ضربين: فإما أنه لا يخطئ، وإما أن الله تعالى يرشده إلى الصواب والأولى إن جانبه؛ لأنه – سبحانه وتعالى – ما كان يترك خطأ يصدر عن رسوله المبلغ عنه، مما يترتب عليه وقوع الأمة فيه اتباعا، ومن ثم فاجتهاد النبي – صلى الله عليه وسلم – اجتهاد مزكي بإقرار الله تعالى له، فهو في النهاية حكم الله. فهل هناك أقوى حجية من حكم الله؟
فإن كانت الإجابة نعم، فقد خرجنا من دائرة الطعن في السنة إلى الإلحاد، وإن كانت لا، فعليكم التسليم بحجية اجتهادات النبي – صلى الله عليه وسلم – لأنها حكم الله.
ثانيا. مسألة أسرى بدر دليل على عناية الله بالسنة، وحفاظه عليها:
إن ما حدث في مسألة أسرى بدر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أشار على أصحابه في مصير هؤلاء الأسرى، فأشار عليه بعضهم بقبول الفدية منهم، وأشار بعضهم بقتلهم.
فأما الذي أشار عليه بالفدية هو أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – حينما قال له: «يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون منهم قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام، فيكونوا لنا عضدا».
وأما الذي أشار على النبي – صلى الله عليه وسلم – بقتلهم فهو عمر الفاروق – رضي الله عنه – معللا ذلك بقوله: “حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء هم صناديدهم، وأئمتهم وقادتهم”[5]. وأصبح أمام النبي – صلى الله عليه وسلم – رأيان هما: الفدية، أو القتل، وبما أنه لم يرد نص قرآني يحكم في هذه المسألة، إذ لم يكن للمسلمين أسرى من قبل كان عليه أن يجتهد فيها، فوجد أن الله أمره بالصفح فقال: )فاصفح الصفح الجميل (85)( (الحجر)، وحدد له سبحانه طريقة الدعوة إليه، فقال: )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة( (النحل: ١٢٥).
وانسجاما مع هدف إسلامي عظيم، هو الحد من الرق قدر الإمكان قبل النبي – صلى الله عليه وسلم – الفدية من الأسرى وترك قتلهم. ولا بد أن نعلم أن هناك فرقا بين حكم يسبق الحدث فلا يخالفه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحكم يأتي مع الحدث، فلو خالف حكما سبق الحدث وقع في الإثم والمعصية، وحاشاه – صلى الله عليه وسلم – من ذلك، أما الحكم الذي يأتي مع الحدث يكون مختلفا تماما، وهذا ما كان في أسرى بدر؛ إذ شاور النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه ثم جاء الحكم من عند الله بعد انتهاء العملية، والدليل على ذلك أن الله – عز وجل – لم يغير الحكم فظل الأسر والفداء[6]، فقال عز وجل: )فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء( (محمد: ٤).
إذن فقوله عز وجل: )ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم (67)( (الأنفال). ليس عتابا له – صلى الله عليه وسلم – وإنما هو إرشاد له إلى الأولى والأفضل، ولا إثم على النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه، ولذلك قال – عز وجل – بعد هذه الآية: )لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68)( (الأنفال)؛ أي: لولا كتاب من الله موجود فيه أنكم ستفعلون ذلك لا محالة، أو لولا كتاب من الله خط فيه أنه لا يعاقب إلا بعد نزول الحكم مع مخالفته، وكلا التوجيهين يخبر بأنه لا إثم على النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك، وأنه معصوم في كل ما ورد عنه من أقوال أو أفعال، أو تقريرات، فالسنة ملزمة وحجة في التشريع، إذ لا مجال فيها للخطأ أو الزلل.
ومن هذا يتبين لنا أن لله – عز وجل – في تعليم أنبيائه طريقتين؛ فقد يعلمهم بطريق التوجيه، أو التكليف المباشر، وقد يعلمهم بواسطة التجربة[7]، والاستدراك عليهم إن جانبوا الأولى، أو الأحسن إلى الحسن، وذلك من تربية الله لأوليائه وتعليمه لهم.
ولا يستنتج من ذلك قدح في عصمتهم – عليهم الصلاة والسلام – بل إنه يثبتها ويقويها؛ إذ إنها بذلك محوطة بعناية الله في كل لحظة، والنبي صلى الله عليه وسلم – في هذه الحادثة – من هؤلاء الأنبياء الذين اجتهدوا واختاروا الحسن وتركوا الأحسن، وهذه ليست خطيئة، وإنما هو عدول عن الأولى.
وهنا نريد أن نبين المقاصد والحكم الربانية من عدم مصادفة بعض اجتهادات النبي – صلى الله عليه وسلم – للأولى، فليس المقصود من هذا أن يعلم الله النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أخطأ، أو جانب الأولى – فحسب – وإنما لهذا الأمر حكم ومقاصد عظيمة نذكر منها ما يأتي:
- تشجيع الأمة على الاجتهاد، وإعمال الفكر فيما يعرض لها من قضايا:
لا ريب أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان في موضع الإمامة الكبرى للخلق، فكان من حكمة الله أن يجتهد ليقلده الخلق في الاجتهاد، وأن يخطئ في بعض الأمور، لئلا يصرفهم خوف الخطأ في الاجتهاد عن الاجتهاد، ما دام أفضل الخلق على الإطلاق قد جانب الأولى، ومع ذلك لم يمتنع عن الاجتهاد، بل عاش طوال حياته يجتهد في كل ما لم ينزل عليه فيه وحي، حتى يتقرر في الناس مبدأ الانتفاع بمواهب العقول، وثمار القرائح، ويتحرر الفكر البشري من رق الجمود والركود، وفي ذلك أيضا تشجيع للأمة على الاجتهاد، وإعمال الفكر فيما يعرض لها من قضايا وأحداث، لا يجدون فيها نصوصا، فإن الأحداث تتجدد، ولا تنتهي عند حد، فلا بد إذن من الاجتهاد للتعرف على أحكامها[8].
- إقامة أدلة مادية على بشرية الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعبوديته:
ففي مجانبة النبي – صلى الله عليه وسلم – في بعض اجتهاداته للأولى، إقامة الدليل على بشرية الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعبوديته لله تعالى، وأنه مع كونه رسولا وهو أفضل الخلق، لم يتجاوز أن يكون عبدا يصيب ويخطئ، كما يصيب البشر ويخطئون، وذلك حتى لا يضل المسلمون في إطرائه، ولا يغلوا في إجلاله، كما ضل النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام[9].
- البرهنة على أمانة الرسول في إبلاغ الرسالة:
إن رجوع النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الصواب الذي أرشده إليه مولاه دون أن يبدي غضاضة، ودون أن يكتم شيئا مما أوحي إليه من تسجيل الأخطاء عليه، أو توجيه العتاب إليه، أو إرشاده للأولى والأحسن – أنصع دليل على عصمته – صلى الله عليه وسلم – وأمانته، وعلى صدقه في كل ما يبلغ، وعلى أن القرآن ليس من تأليفه ووضعه، لكنه تنزيل العزيز الرحيم[10].
كانت هذه بعض الحكم من مجانبة بعض اجتهادات النبي – صلى الله عليه وسلم – الأولى، ولكننا نؤكد في النهاية أن النبي – صلى الله عليه وسلم – معصوم في اجتهاده، فليس اجتهاده كاجتهاد أحد من الأمة؛ لأن الله يتولاه دائما فلا يقره على خطأ في الأمور الاجتهادية، وهنا يزداد الذين آمنوا إيمانا به، وثقة بكل ما صدر عنه؛ لأن إقراره – صلى الله عليه وسلم – على خطأ هو إقرار ضمني بمساواة الخطأ بالصواب، والحق بالباطل، فما دامت الأمة مأمورة من الله باتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما يقول ويفعل، فلا بد أن يبين الله له وجه الصواب، وقد يكون مع هذا البيان لون من ألوان العتاب[11].
والغاية في النهاية هي أن يصل حكم الله إلى الأمة وتتبعه، فهي الأمة الخاتمة التي كتب الله لها حمل رسالته إلى يوم الدين، وإذا كان الأمر كذلك فإن الأمة ملزمة بكل ما بلغه وما فعله – صلى الله عليه وسلم – مما جاء في السنة المطهرة، وما فيها من اجتهاداته صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يتضح جليا بطلان ما زعمه المغرضون من أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اجتهد وأخطأ في بعض الأمور لأنه – صلى الله عليه وسلم – معصوم من الخطأ واجتهاده كان تشريعا وإرشادا للأمة.
ثالثا. إن حديث تأبير النخل لا علاقة له بالتشريع، فهو في أمور المعاش:
إن حب الصحابة للنبي – صلى الله عليه وسلم – وحرصهم على اتباعه دفعهم إلى السمع والطاعة لكل ما يقوله – صلى الله عليه وسلم – دون أن يسألوا عما إذا كان ذلك وحيا، أي أمرا تشريعيا أم أنه في أمور المعاش التي يعول فيها على الرأي والخبرة؟ فهم أعلم بأمور دنياهم والمرجع يكون إليهم فيها كما قال تعالى: )فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (7)( (الأنبياء)، وحديث تأبير النخل رواه مسلم وغيره، ووردت فيه ثلاث روايات عند مسلم نذكرها حتى يتبين المعنى منها، وهي:
- عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: «مررت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقوم على رؤوس النخل، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئا، قال: فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا، فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل»[12].
- عن رافع بن خديج، قال: «قدم نبي الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة، وهم يأبرون النخل، يقولون: يلقحون النخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه، قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه، فنفضت، أو فنقصت، قال: فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي، فإنما أنا بشر. قال عكرمة: أو نحو هذا قال المعفري: فنفضت. ولم يشك»[13].
- عن عائشة رضي الله عنها، وعن ثابت، عن أنس «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مر بقوم يلقحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا، قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم»[14].
وبإمعان النظر في الروايات يظهر أن الحديث في رواياته الثلاث لم يتضمن نهيا عن تأبير النخل، وكل ما صدر عنه – صلى الله عليه وسلم – حسب الرواية الأولى قوله: «ما أظن يغني ذلك شيئا»، وحسب الرواية الثانية قوله: «لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا»، وحسب الرواية الثالثة قوله: «لو لم تفعلوا لصلح».
وقد ترجم النووي لهذا الباب بعنوان: “باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره – صلى الله عليه وسلم – من معايش الدنيا على سبيل الرأي”. وهذه الترجمة تدل على أن ما يذكره النبي – صلى الله عليه وسلم – من أمور الدنيا ولم يقصد به شيء من أمور التشريع لا يدخل تحت طائلة الأمر والنهي الشرعي، إنما هي أمور المعاش التي تكتسب بالخبرة والتجربة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «ما أظن يغني ذلك شيئا، فتركوه، فأخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به».
وفي رواية: «إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر»، وفي رواية: «أنتم أعلم بأمر دنياكم». قال العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأي» أي: من أمر الدنيا ومعاشها لا على التشريع، فأما ما قاله باجتهاده – صلى الله عليه وسلم – ورآه شرعا يجب العمل به، وليس إبار النخل من هذا النوع، بل من النوع الذي قبله… قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبرا، وإنما كان ظنا كما بينه في هذه الروايات، قالوا: ورأيه في أمور المعايش وظنه كغيره، فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في ذلك”[15].
فالمسألة إذن ترجع إلى التجربة والخبرة ولا علاقة لها بالوحي من قريب أو بعيد، ومن المعلوم أن الأمور التي تقوم عليها معايش الناس وحياتهم الدنيوية لا صلة لها بالوحي إلا فيما يتصل بها من حل وحرمة وإباحة، وأما كيفية مزاولتها والقيام بها فذلك متروك للخبرة والتجربة يزاولونها حسب ما ألفوا وتعودوا… ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم تكن له سابقة خبرة بتأبير النخل، ولما رآهم يفعلون ذلك، قال لهم: لو تركوه لصلح، إما على هيئة الاستفهام، وإما على الاقتراح المبني على عدم التجربة ولم يكن لذلك من صلة بالتشريع لا أمرا ولا نهيا، لذلك قال لهم لما تركوه ولم يصلح: «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
وتركهم لتأبير النخل يدل على شدة حبهم للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقوة حرصهم على اتباع كل ما يصدر عنه من قول، سواء كان حكما تشريعيا أو لم يكن.
ثم إن الدليل على أنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينههم، وإنما ظن أنه لا داعي لفعل ذلك التأبير، ما ورد في الرواية الأولى من قوله «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه».
وبهذا يتبين أن مسألة تأبير النخل خارجة عن إطار الأحكام الشرعية فلا يقال إن النبي – صلى الله عليه وسلم – اجتهد فيها وأخطأ فهو من أمور الدنيا والمعاش لا أمور الدين والتشريع.
رابعا. لم يصدر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – اجتهاد في أنواع الحج أو قطع الإذخر أو موقع بدر:
- القران في الحج:
إن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد بقوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي»[16] أن يؤكد على جواز القران بين الحج والعمرة؛ وذلك لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أدى فريضة الحج مرة واحدة قارنا، وأراد أن يعلم المسلمين أن الحج يصح قرانا كان أو إفرادا أو تمتعا، ولذلك قال قولته تلك، فلربما فهم البعض من فعله وجوب التمتع، وإن كان الناس معه في حجة الوداع لم يقرنوا كلهم كما قرن – صلى الله عليه وسلم – بل منهم من قرن الحج بالعمرة كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ومنهم من أفرد وأهل بالحج فقط، ومنهم من تمتع بالعمرة إلى الحج، والنبي في ذلك كله شاهد، ومقر للجميع ولم ينكر على أحد منهم، وهذا مما يدل أيضا على أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت…» ليس رجوعا عن اجتهاد سابق؛ إذ إنه كان قد أقر من أهل بحج، أو بحج وعمرة أي المفرد والمقرن، ولم ينه عن ذلك مع كونه شاهدا ومع كونه قارنا، فكيف يقال: إنه رجوع عن اجتهاد خاطئ مع أنه تأكيد لما سبق إقراره ومع أنه ليس مما يوصف بالاجتهاد حتى يحكم عليه بالصواب والخطأ، ومن الذي يحكم على اجتهاده صلى الله عليه وسلم؟
وحتى يتبين الأمر نوضح بشيء من الإيجاز أنواع الحج، وأن الصحابة – رضي الله عنهم – قد فعلوا الأنواع الثلاثة وأقرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم ينكر على أحد منهم، مما يدل على أنها كانت موجودة جميعا في حجة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأن قوله – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت…» لم يكن رجوعا عن اجتهاد خاطئ بل تأكيدا لما سبق أن أقره عام حجة الوداع، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالحج، فأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة لم يحلوا حتى كان يوم النحر»[17].
وفي رواية أخرى للبخاري أيضا عن عائشة قالت: خرجنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، فقدمنا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى يحل بنحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه…»[18].
ومن هذه الأحاديث الصحيحة يتبين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حج قارنا، إلا أنه أمر من كان قد حج من أصحابه ولم يسق الهدي أن يتحلل وأن يجعلها عمرة، أما هو فلم يتحلل؛ لأنه قد ساق الهدي ولبد رأسه، وقد أخذ بعض العلماء أن التمتع هو أفضل أنواع الحج وهو قول ابن عباس؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – تمناه كما في الحديث الذي معنا: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأحللت ولجعلتها عمرة»[19]، والمقصود أن يتمتع بالحج إلى العمرة.
ومن جملة هذه الأحاديث يتضح أن الحج والعمرة على ثلاثة أقسام:
الأول: الإقران: وذلك بأن يلبي بالحج والعمرة معا فإذا وصل إلى مكة طاف وسعى، وظل على إحرامه حتى ينتهي من أعمال العمرة والحج معا.
الثاني: التمتع: وصفته أن يهل بالعمرة في أشهر الحج «لبيك اللهم بعمرة» على أن يحج في نفس العام، فإذا انتهى من أداء العمرة تحلل فحلق شعره أو قصره، ولبس ثيابه وأبيح له كل شيء كان محظورا عليه بسبب الإحرام فإذا كان يوم التروية (وهو الثامن من ذي الحجة) أهل بالحج.
الثالث: الإفراد: وهو أن يهل عند الميقات بالحج فقط ويبقى محرما حتى تنتهي أعمال الحج[20].
وهكذا طابت نفوس الحجاج الذين أدوا الفريضة بأية طريقة من هذه الطرق الثلاث، ولا خطأ هنا في أي نوع، بل هو تشريع إسلامي عظيم الشأن، ولو كان ثمة خطأ لنهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن القران لكنه لم ينه عنه، ولا يزال المسلمون يحجون قارنين إلى يومنا هذا، دون أدنى نكير من أحد، قولا واحدا[21].
- مسألة الإذخر:
أما فيما يتعلق بزعمهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رجع عن رأيه في قطع شجر الإذخر، فالحق أنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينه عنه ابتداء ليرجع عن هذا النهي.
وكان نص كلامه – صلى الله عليه وسلم – في هذه المسألة أنه قال عن مكة: «لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف. فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر»[22]. فهل يفيد هذا نهي عن قطع الإذخر، أو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أخطأ في اجتهاده وصحح له العباس رضي الله عنه؟ ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصدر الحكم، ويسكت قليلا، ثم يستثني منه ما يشاء، وكثيرا ما فعل – صلى الله عليه وسلم – هذا، ومن ذلك قوله: «والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأ غزون قريشا، ثم قال: إن شاء الله»[23].
كذلك فالعباس – رضي الله عنه – طلب استثناء الإذخر لحاجة الناس إليه، فاستكمل النبي – صلى الله عليه وسلم – كلامه قائلا: «إلا الإذخر». فليس في هذا اجتهاد من النبي – صلى الله عليه وسلم – وإنما هو تشريع منه – صلى الله عليه وسلم – ولا يشترط في الاستثناء أن ينويه من أول الكلام، وقبل فراغه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لو كان ناويا لاستثناء الإذخر من أول كلامه، أو قبل تمامه، لم يتوقف استثناؤه له على سؤال العباس له ذلك، وإعلامه أنهم لا بد لهم منه لقينهم وبيوتهم[24]، وهذا بلا ريب فيه من الفقه وتعليم الأمة أن الحاكم والمجتهد قد ينسى أمرا ويذكره أحد من الناس به، فيستذكر ويستدرك الأمر، وما كان سهوه – صلى الله عليه وسلم – في الصلاة من الله إلا إرشادا وتربية وتعليما للأمة من بعده.
- موقع الجيش في غزوة بدر:
أما عن اختياره – صلى الله عليه وسلم – لمكان نزول جيشه في معركة بدر فإن الحديث الذي روي عن الحباب بن المنذر ضعيف، رواه ابن إسحاق، قال: حدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح، قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ثم نغور[25] ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. فنهض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية”[26].
وهذا الحديث ضعفه الإمام الألباني لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة[27].
ولو افترضنا – جدلا – صحته فإنه لا تقوم به حجة على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اجتهد وأخطأ ثم رجع عن اجتهاده إلى رأي الحباب؛ إذ ليس رأيا للنبي – صلى الله عليه وسلم – أو اختيارا منه، والدليل على ذلك أن الحباب بن المنذر عندما سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – قائلا: «يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله، ليس لنا أن نقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة»[28].
أجابه صلى الله عليه وسلم«إنه الرأي والحرب والمكيدة». ولم يقل إنه رأيي – أي ما تطلبته الحرب ومكيدة الأعداء، وليس رأيا شخصيا للنبي صلى الله عليه وسلم – ولما عرض الحباب رأيه فضله النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا ريب أن هذا الموقف لا صلة له باجتهادات النبي ولا بالعصمة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يجتهد هنا ومن ثم لم يخطئ، وإنما كانت مهمته – صلى الله عليه وسلم – هي اختيار الأصلح من الآراء، فإن كان ثمة اجتهاد منه – صلى الله عليه وسلم – فهو اختياره – صلى الله عليه وسلم – لرأي الحباب وأخذه به، وهو اجتهاد صائب موفق لا ريب.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن أمور الحرب والمكيدة هي من باب السياسة والمعايش التي لا نص فيها ولا وحي على التفاصيل، وإنما وردت فيها قواعد كلية صالحة لكل زمان ومكان وكل حال، وتركت التفاصيل الجزئية لأهل الخبرة في كل عصر ومصر، وهم الموكول إليهم الاجتهاد فيها لأنهم أهل الذكر في ذلك كما قال تعالى: )فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (7)( (الأنبياء)، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – للحباب: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»؛ أي ليس هذا من أمور التشريع التي لا اجتهاد معها بل هو من الأمور التي يجب الاجتهاد والتشاور بشأنها مع أهل الرأي والخبرة. والله أعلم.
وعليه فالمسائل الثلاث السابقة ليست من اجتهاد النبي – صلى الله عليه وسلم – في شيء، ومن ثم فلا مجال للحكم عليها ووصفها بالخطأ أو الصواب.
خامسا. بناء النبي – صلى الله عليه وسلم – قواعد القضاء:
إن الحكمة من قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن قضيت له من حق أخيه شيئا» هي إرساء لمبادئ القضاء من اعتماد القضاة على الحجج وقرائن الحال الظاهرة، والحديث كما جاء في رواية البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له به قطعة من النار»[29].
أفاد العلماء من قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن قضيت له من حق أخيه شيئا» أنه – صلى الله عليه وسلم – يرسي مبدأ هاما من مبادئ القضاء في الإسلام، وهو اعتماد القضاة في حكمهم على الحجج الظاهرة، وقرائن الحال الواضحة، دون الاستناد إلى الإلهام.
فمن المقاصد الربانية من إرسال النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يكون قدوة يقتدى به، قال عز وجل: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة( (الأحزاب: ٢١)، وهذا يقتضي أن تكون سنته – صلى الله عليه وسلم – منهجا للحياة، وألا يكون بها ما لا يستطيع البشر العاديون تطبيقه.
ولأن الغيب من علم الله – عز وجل – قد يطلع عليه أحد رسله، دون سائر البشر، قال عز وجل: )عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول( (الجن) – شرع الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يحكم بالظاهر وقرائن الأحوال دون الاستناد إلى الإلهام؛ لأنه تعالى يريد أن يرسي منهج القضاء في الإسلام، ويضمن ديمومة هذا المنهج إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فشرع الحكم بالظاهر؛ لأن الإلهام لا يتيسر لكل قاض، وإنما هو من خصوصيات النبوة.
وهذا ما أراد أن يؤكده – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار»[30]، فهو بذلك مؤصل لمنهج حياة الأمة كاملة في بلاد مترامية لا يجمعها إلا دين الإسلام.
جاء في فتح الباري: “قال ابن التين: هو – أي الحديث – خطاب للمقضي له، ومعناه: أنه أعلم من نفسه هل هو محق أم مبطل؟ فإن كان محقا فليأخذه، وإن كان مبطلا فليتركه فإن الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه”[31].
ثم ذكر ابن حجر عدة فوائد في هذا الحديث نذكر منها:
- إثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطن حرام عليه.
- أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم.
- ثم ذكر الحكمة في قضاء النبي – صلى الله عليه وسلم – بالظاهر مع أن الله قادر أن يطلعه على بواطن الأمور وحقائقها، فقال: “والحكمة في ذلك مع أنه كان يمكن إطلاعه – صلى الله عليه وسلم – بالوحي على كل حكومة – أنه لما كان مشرعا كان يحكم بما شرع للمكلفين ويعتمده الحكام بعده، ومن ثم قال: «إنما أنا بشر»، أي: في الحكم بمثل ما كلفوا به”، وإلى هذه النكتة أشار المصنف (البخاري) بإيراده حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة [32]، حيث حكم – صلى الله عليه وسلم – بالولد لعبد بن زمعة وألحقه بزمعة، ثم لما رأى شبهه بعتبة أمر سودة أن تحتجب منه احتياطا، ومثله قوله – صلى الله عليه وسلم – في قصة المتلاعنين لما وضعت التي لوعنت ولدا يشبه الذي رميت به: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن»[33]. فأشار البخاري رحمه الله إلى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حكم في ابن وليدة زمعة بالظاهر، ولو كان في نفس الأمر ليس من زمعة ولا يسمى خطأ في الاجتهاد ولا هو من موارد الاختلاف، وسبق البخاري إلى ذلك الشافعي فإنه لما تكلم في حديث الباب قال: “وفيه أن الحكم بين الناس يقع على ما يسمع من الخصمين بما لفظوا به، وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك، وأنه لا يقضي على أحد بغير ما لفظ به… ولعل السر في قوله: “إنما أنا بشر” امتثال قول الله تعالى: )قل إنما أنا بشر مثلكم( (الكهف: ١١٠). أي في إجراء الأحكام على الظاهر الذي يستوي فيه جميع المكلفين فأمر أن يحكم بمثل ما أمروا أن يحكموا به، ليتم الاقتداء به، وتطيب نفوس العباد للانقياد إلى الأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن… “[34].
وقال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: “وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر» معناه: التنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك، وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم، وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر، والله يتولى السرائر فيحكم بالبينة واليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك، ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر… ولو شاء الله تعالى لأطلعه – صلى الله عليه وسلم – على باطن أمر الخصمين، فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين، لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور، ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوى فيه هو وغيره؛ ليصح الاقتداء به، وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن والله أعلم”[35].
ولحكمة الله العظيمة فقد أصل نبيه – صلى الله عليه وسلم – منهج الحياة الميسر لكل من يأتي بعده وحفظ عصمته – صلى الله عليه وسلم – في الوقت نفسه من أن تمس.
لكن الفهم الخاطئ للحديث مع خبث الغرض كانا وراء هذا الطعن في شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن ثم في سنته، ولكن هيهات أن يضر غبارهم السماء وقد تعهد الله بحفظ دينه ممثلا في القرآن الكريم والسنة النبوية.
الخلاصة:
- إن النبي – صلى الله عليه وسلم – معصوم في اجتهاده، فإما أنه لا يخطئ ابتداء، وإما أنه لا يقر على خطأ إن وقع منه (لو جاز لنا أن نسميه خطأ) فيأتي التصويب والسداد من الله لرسوله؛ لأن الله ما كان ليترك خطأ يقع من نبيه المبلغ عنه ولا يصوبه، فتقع الأمة فيه.
- إن لله حكما جليلة في اجتهادات النبي – صلى الله عليه وسلم – ومجانبة بعضها للأولى، منها أنه أراد أن يوضح أن الاجتهاد جائز، ومنها تقرير بشرية النبي صلى الله عليه وسلم.
- لم يخطئ النبي – صلى الله عليه وسلم – في مصير أسرى بدر، وإنما جانب الأولى والأحسن إلى الحسن، فأرشده الله للأولى، وفي هذا دليل على عناية الله بالسنة النبوية؛ لتأتي على أكمل الوجوه وأصوبها.
- تأبير النخل من أمور المعاش التي تؤخذ بالخبرة والرأي، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم ينه عن تأبيرها، وإنما أبدى رأيه في أمور المعاش التي ليست بوحي، والتي لا توصف بالاجتهاد بمعناه الشرعي، ومن ثم لا يحكم عليها بالخطأ أو الصواب الشرعي.
- إن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد بقوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي» التأكيد على إجازة التمتع بين الحج والعمرة، حتى لا يفهم الناس من فعله – صلى الله عليه وسلم – وجوب القران، وليس في هذا الحديث رجوع عن اجتهاد سابق؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – حج وحج معه الناس؛ فمنهم من أقرن، ومنهم من أفرد، ومنهم من تمتع ولم ينكر على أحد، فدل على جواز الأنواع الثلاثة؛ ومن ثم فقوله – صلى الله عليه وسلم – ليس رجوعا عن الإقران بل كان تقريرا وتأكيدا على جوازه؛ إذ إنه كان معمولا به من قبل.
- إن حديث الحباب بن المنذر حديث ضعيف ضعفه الإمام الألباني، وعلى افتراض صحته فلم يكن نزول النبي – صلى الله عليه وسلم – على رأي الحباب بن المنذر في يوم بدر رجوعا عن رأيه الأول؛ لأنه لم يكن هناك رأي من أساسه، فأمور الحرب متروكة للخبرة والرأي كما قال صلى الله عليه وسلم: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة».
- إن إباحته – صلى الله عليه وسلم – قطع الإذخر لا تعد استدراكا من العباس عليه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم ينه عنه ابتداء، وإنما كان – صلى الله عليه وسلم – يصدر الحكم ويسكت قليلا، ثم يستثني منه ما يشاء، والعباس – رضي الله عنه – بطلبه استثناء الإذخر منه لا يعد سببا في استثناء الإذخر أو استدراكا على قول النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس في هذا اجتهاد من النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما هو تشريع منه ولا يشترط في الاستثناء أن ينويه من أول الكلام وقبل فراغه.
- قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار» هو إرساء لمبادئ القضاء في الإسلام، وأن الأحكام تقوم على الظاهر والله يتولى السرائر؛ لأن الله قادر أن يطلع نبيه على بواطن الأمور ولكنه تعليم للأمة بعده، كما أنه تحذير من الكذب والغش في الحجة من أجل إبطال حق أو إحقاق باطل، وهذا من فضائل السنة لا عيوبها.
(*) السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م. كيف ولماذا التشكيك في السنة؟, د. أحمد عبد الرحمن، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1428هـ/ 2005م. تحرير العقل من النقل وقراءة نقدية لمجموعة من أحاديث البخاري ومسلم, سامر إسلامبولي، مطبعة الأوائل، دمشق، 2001م. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية, د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م.
[1]. الإذخر: حشيش أخضر طيب الريح، يطحن ويدخل في الطيب ويتداوى به، وينبت في السهول.
[2]. المقصود: حديث: « إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار ». صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأحكام، باب: موعظة الإمام للخصوم، (13/ 168)، رقم (7169).
[3]. الموافقات، الشاطبي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (4/ 924).
[4]. رد شبهات حول عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ضوء الكتاب والسنة, د. عماد السيد الشربيني، مطابع دار الصحيفة، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص412: 417 بتصرف.
[5]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب: المغازي، باب: غزوة بدر الكبرى ومتى كانت وأمرها، (8/ 474)، رقم (32). وصححه الألباني في تحقيقه كتاب فقه السيرة للإمام الغزالي برقم (236).
[6]. تفسيـر الشعـراوي, محمـد متولـي الشعـراوي، دار أخبـار اليـوم، القاهـرة، 1991م، (8/ 4811).
[7]. ضلالات منكري السنة, د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص533.
[8]. مناهل العرفان في علوم القرآن, محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1417هـ/ 1996م، (2/ 310، 311) بتصرف.
[9]. مناهل العرفان في علوم القرآن, محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1417هـ/ 1996م، (2/ 312).
[10]. مناهل العرفان في علوم القرآن, محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1417هـ/ 1996م، (2/ 313).
[11]. السنة تشريع لازم ودائم, د. فتحي عبد الكريم، دار التوفيقية، القاهرة، 1405هـ/ 1985م، ص33 بتصرف.
[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: وجوب امتثال ما قاله شرعا دون مـا ذكـره ـ صلى الله عليـه وسلـم ـ مـن معايــش الدنيــا، (8/ 3487)، رقم (6011).
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ من معايش الدنيا، (8/ 3487)، رقم (6012).
[14]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: وجوب امتثال ما قاله شرعا دون مـا ذكـره ـ صلى الله عليـه وسلـم ـ مـن معايــش الدنيــا، (8/ 3487)، رقم (6013).
[15]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 3488).
[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: البيهقي، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لو استقبلت من أمري ما استدبرت…”، (13/ 231)، رقم (7229). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج، (5/ 1906)، رقم (2883).
[17]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج، (3/ 493)، رقم (1562). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحـج، بـاب: بيـان وجــوه الإحـرام وأنـه يجــوز الإفـراد والتمتــع، (5/ 1902)، رقم (2869).
[18]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحيض، باب: كيف تهل الحائض بالحج والعمرة، (1/ 499)، رقم (319). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع، (5/ 1900)، رقم (2863).
[19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التمني، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لو استقبلت من أمري…”، (13/ 231)، رقم (7229).
[20]. تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة، عادل بن يوسف العزازي، دار العقيدة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، (2/ 340، 341).
[21]. كيف ولماذا التشكيك في السنة؟، د. أحمد عبد الرحمن، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1428هـ/ 2005م، ص13 بتصرف.
[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: الإذخر والحشيش في القبر، (3/ 253)، رقم (1349). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها، (5/ 2109)، رقم (3244).
[23]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: الحالف يستثني بعدما يتكلم، (9/ 119)، رقم (3321). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2811).
[24]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (3/ 456).
[25]. نغور: نخرب.
[26]. السيرة النبوية، ابن هشام، تحقيق: محمد بيومي، دار الحرم للتراث، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1995م، (2/ 180).
[27]. فقه السيرة، الغزالي، تحقيق: الألباني، دار الدعوة، الإسكندرية، ط6، 1421هـ/ 2000م، هامش ص199.
[28]. السيرة النبوية, د. علي محمد محمد الصلابي، دار الفجر، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، (2/ 13).
[29]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)،كتاب: الشهادات، باب: من أقام البينة بعد اليمن،(5/ 340)، رقم (2680). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، (6/ 2668)، رقم (4393).
[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المظالم، باب: إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، (5/ 128)، رقم (2458). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، (6/ 2668)، رقم (4393).
[31]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (13/ 186).
[32]. يقصد الحديث الثاني الذي أورده البخاري في هذا الباب عن عائشة أنها قالت: « كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فأقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال: ابن أخي، قد كان عهد إلي فيه، فقام إليه عبد بن زمعة، فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال سعد: يا رسول الله، ابن أخي، كان عهد إلي فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو لك ياعبد بن زمعة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، ثم قال لسودة بنت زمعة: احتجبي منه لما رأى شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله تعالى ». [صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأحكام، باب: من قضى له بحق أخيه فلا يأخذه، (13/ 184)، رقم (7182)].
[33]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، (4/ 6)، رقم (2131). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[34]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (13/ 186، 187) بتصرف.
[35]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/ 2669).