الزعم أن السنة مجرد صدى لعواطف النبي – صلى الله عليه وسلم – الشخصية ولا دخل لها في التشريع
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن فضل آل البيت ثابت بالقرآن، قال عز وجل: )إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33)( (الأحزاب), ومن ثم لم تأت السنة – في تكريمهم – بشيء مخالف لما جاء في كتاب الله تعالى، بل أكدته؛ وعليه فلا وجه للطعن في أحاديث فضائل آل البيت الصحيحة.
2) لم يكن إبقاء النبي – صلى الله عليه وسلم – عثمان بن عفان – رضي الله عنه – في المدينة كي يمرض زوجته نوعا من المحاباة، وإنما كان بقاؤه حتما مع بقية الأصحاب، كما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن معه حين خرجوا طالبين عير قريش ما كان يدور بخلدهم أبدا أن الأمر سينتهي إلى القتال، لذا لم ينكر النبي – صلى الله عليه وسلم – على من لم يخرج معه دون عذر، فضلا عمن حبسه العذر، أما إعطاء عثمان سهما من الغنائم دون شهوده القتال فذلك أمر ورد في أكثر من غزوة مع غير واحد من الصحابة.
3) ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – لأكل الضب عمل جبلي، لا تطالب الأمة بفعل مثله، فهو ليس موضوعا للتشريع، وكونه – صلى الله عليه وسلم – لم يحرمه دليل على أن السنة ليست ميولا شخصية له، وإنما هي تشريع رباني معصوم من الأهواء، ملزم لكل المسلمين في كل زمان ومكان.
التفصيل:
أولا. فضل آل البيت ثابت بالقرآن قبل السنة:
إن الله اصطفى محمدا – صلى الله عليه وسلم – لحمل آخر رسالات السماء إلى الأرض، وهيأ له أسباب النصر والتوفيق في أداء دعوته كي لا يحول الأعداء دون تبليغ الرسالة للخافقين. وذلك بتكريمه – صلى الله عليه وسلم – وإجلاله، ومن مستلزمات هذا التكريم تكريم أهله وذويه لحكمة جليلة، وهي ألا يؤتى من قبلهم، مما يكون له أثر ليس بالهين على مسار الدعوة.
وأعظم ما كرم الله به آل بيته – صلى الله عليه وسلم – أنه طهرهم من الرجس، فقال عز وجل: )إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33)( (الأحزاب), والرجس في الأصل القذر الذي يلوث الأبدان، واستعير هنا للذنوب والنقائص الدينية؛ لأنها تجعل عرض الإنسان في الدنيا والآخرة مرذولا مكروها كالجسم الملوث بالقذر، واستعير التطهير لضد ذلك وهو تجنيب الذنوب والنقائص كما يكون الجسم أو الثوب طاهرا.
ثم أنعم القرآن في صون آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – من الرجس بالتعبير بالإذهاب المفيد للإنجاء والإبعاد، وقد أخذ صيغة الفعل المضارع الدالة على تجدد الإرادة واستمرارها، وإذا أراد الله أمرا قدره إذ لا راد لإرادته[1]، ولا شك في أن هذا التطهير الرباني تكريم – ما بعده تكريم – لآل بيت رسول الله الأتقياء الأنقياء، الوارد بصريح العبارة في كتاب الله العظيم، الذي لا يأتيه الباطل أبدا.
وما أتت به السنة من تكريم عام لهم جميعا، أو خصصت التكريم بأحدهم – ما هو إلا تأكيد لما أتى في كتاب الله، أو تخصيص له، وكثيرا ما أكدت السنة الكتاب وخصصت عامه. فقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة رضي الله عنها: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين؟ أو سيدة نساء هذه الأمة»[2], كان عن علم أطلعه الله عليه، وأوحى به إليه، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يتأثر قط في الإخبار عن الله بعواطفه الشخصية؛ لأنه معصوم من ذلك.
والرسالة المحمدية مرتكزة على العدل حتى مع ذوي القربى، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم – المفترى عليه محاباته آل بيته – يقول لأحبهم إليه فاطمة رضي الله عنها: «يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها»[3]. بل إنه – صلى الله عليه وسلم – في إنكاره على قريش لشفاعتهم في المرأة المخزومية التي سرقت أقسم قائلا: «والذي نفسي بيده، لو فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها»[4], مقعدا بذلك لمبدأ العدل المطلق، شافيا لما قد يعتري القلوب المريضة من تساؤلات، كمن يقول – مثلا – ماذا لو سرق أحد من آل بيته أيقطع يده؟ فاستشرف النبي – صلى الله عليه وسلم – السؤال دون أن يسأل، وأجاب عنه، مغلقا الباب أمام أصحاب الهوى.
فأين تلك المحاباة المزعومة؟! أين هي والنبي – صلى الله عليه وسلم – يفضل الفقراء والمساكين على أقرب الناس إليه، فهذا هو علي بن أبي طالب يخبرنا أن فاطمة رضي الله عنها اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحنه، فبلغها أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتي بسبي، فأتته تسأله خادما فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم، فقال: على مكانكما، حتى وجدت برد قدمه على صدري فقال: «ألا أدلكما على خير مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، فإن ذلك خير لكما مما سألتماه»[5].
وهذا الحديث صريح في بابه، ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – منع ابنته – وهي أحب الناس إليه – خادما يكفيها شقاء الأشغال المنزلية؛ نظرا لأنه آثر أهل الصفة والمساكين والأرامل بالمال والسبي[6].
ولو كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتبع هواه ويقدم المنح لأهله – كما يزعم الزاعمون – لما آثر أهل الصفة على أحب الناس إليه وهي ابنته، وقد قال لها في رواية أخرى: «والله لا أعطيكهما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم. ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم»[7].
وعليه فإن السنة ليست – كما يزعمون – منحا وامتيازات من قبل النبي – صلى الله عليه وسلم – لآل بيته، وإنما هي تشريع لازم دائم، ولا مجال فيها للتفرقة بين المسلمين، ولا محاباة لأحد، ولو كان ألصق الناس به وأحبهم إليه – فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما قولهم إن النبي – صلى الله عليه وسلم – متأثر في سنته بالعصبية القبلية؛ إذ جعل سبطيه الحسن والحسين رضي الله عنهما سيدي شباب أهل الجنة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»[8]، قول مردود؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يدخل أحدا الجنة، فضلا عن أن يجعله سيدا فيها، ولكن الله هو الذي يدخل من يشاء من عباده جنته، وأنه – عز وجل – أخبر نبيه – صلى الله عليه وسلم – بهذا، فأخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – الناس، ولو أن هناك مجالا للمحاباة في السنة لكانت فاطمة رضي الله عنها أولى، فالحسن والحسين داخلان فيما دخلت فيه أمهما، من عدم نفع الرسول – صلى الله عليه وسلم – لها في الآخرة، وأنه لا يملك لها من الله ضرا ولا نفعا.
ونقول لهؤلاء المغرضين الذين اعتبروا النبي – صلى الله عليه وسلم – متأثرا بالعصبية لأهله يرفعهم على الناس: ألا يعد عدم استطاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – إنقاذ عمه أبي طالب من النار أكبر الأدلة على كذب دعواهم؟! مع الوضع في الاعتبار ما لأبي طالب من محبة في قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – ومع ذلك فلم يملك أن يجعله يسلم، لذلك أنزل الله تعالى قوله: )إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين (56)( (القصص), حسبهم هذه الآية ترد عليهم وتفند شبهتهم.
وإذا أضفنا إلى ما سبق تقريره أن آل البيت لا يرثون النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة»[9], ومعلوم أن الصدقة لا تجوز عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد»[10].
إذا أضفنا ذلك وغيره مما لم نذكره واستوعبناه بنظرة محررة عن أي أسبقية؛ ظهر لنا بجلاء أن السنة إن هي إلا تشريع رباني على لسان النبي – صلى الله عليه وسلم – وليست – كما يزعم هؤلاء – امتيازات ومنح أعطاها النبي – صلى الله عليه وسلم – آل بيته، بل إن آل البيت أنفسهم حرموا دون سائر المسلمين ميراث مورثهم – أي النبي صلى الله عليه وسلم – ومنعت عنهم الزكاة، فأين المحاباة المزعومة في هذا؟! ومن ثم فلا دخل لعواطف النبي – صلى الله عليه وسلم – في التشريع كما زعم هؤلاء.
ثانيا. لا محاباة في إعطاء النبي – صلى الله عليه وسلم – عثمان – رضي الله عنه – سهما من غنائم بدر:
إن قولهم: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يحابي أهله وذويه على حساب المسلمين، مستدلين بإعطاء النبي – صلى الله عليه وسلم – عثمان بن عفان سهما في غنائم بدر وهو لم يشهدها – قول يفتقر إلى الموضوعية؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – حين خرج هو وأصحابه ما كان خروجهم إلا لأخذ عير قريش فقط، ولم يكن في حسبانهم أنهم سيدخلون في قتال مع قريش.
لذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم حين أرادوا الخروج لأخذ أموال القافلة في بادئ الأمر: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها»[11], فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعزم على أحد بالخروج, بل ترك الأمر للرغبة المطلقة؛ ولذلك مكث كثير من الصحابة في المدينة وهم يحسبون أن مضي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا الماضية، حيث كانت تنتهي بعودة المسلمين دون قتال؛ ولذا لم ينكر الرسول – صلى الله عليه وسلم – على أحد بدون عذر، فكيف بمن له عذر كتطبيب زوجته؟!
فسماح النبي – صلى الله عليه وسلم – لعثمان بن عفان بالبقاء بجوار زوجته – التي هي ابنة النبي صلى الله عليه وسلم – ثم إعطاؤه سهما من الغنائم ليس من المحاباة في شيء، وما زعمه أصحاب هذه الشبهة مردود من وجهين:
الأول: أن بقاء عثمان بجوار زوجته لرعايتها، والقيام على شئونها، أمر لم يختص به عثمان وحده، بل كان متبعا مع جميع المسلمين، فكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يمنع كل مسلم له قريب مريض – زوجة أو أم – من الخروج معه، ثم يأمره بالبقاء مع قريبه لتطبيبه ورعايته. ومثاله ما جاء في الصحيح أن رجلا جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فاستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد»[12]، والحديث صريح في الإذن للرجل بأن يبقى لرعاية والديه على الرغم من أنه جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – يستأذنه في الجهاد، فدله – صلى الله عليه وسلم – على ما هو أفضل منه في حقه، وفي الحديث دليل واضح يرد ويدحض قول كل من زعم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حابى عثمان بن عفان لأنه زوج ابنته.
الثاني: ليس في إعطاء النبي – صلى الله عليه وسلم – عثمان بن عفان سهما، وهو لم يحضر معه الغزوة، دليل على أنه – صلى الله عليه وسلم – حاباه لقربه، وإنما هو شيء جرت عادة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يفعله، فلربما أعطى أحد الصحابة سهما، وهو لم يحضر معه الغزوة من الأساس، كما صنع مع الأشعريين لما قدموا من خيبر مع جعفر[13]؛ إذ أعطاهم من غنائم سرية لم يشاركوا فيها، فاتضح من هذا أن لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يعطي من يشاء من أصحابه ما يشاء من الغنائم حسب تقديره صلى الله عليه وسلم.
يقوي ذلك ويعضده ما حدث في غزوة حنين من أمر توزيع الغنائم على المسلمين, إذ زاد النبي – صلى الله عليه وسلم – أشراف مكة وكبراء العرب زيادة جعلت الأنصار يغضبون, حتى قال رجل من الأنصار: «إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله»[14], وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك «أن ناسا من الأنصار قالوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين أفاء الله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي قريشا ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم…»[15].
والشاهد من الحديث أن الأنصار قاتلوا قتالا شديدا ومع ذلك لم يأخذوا شيئا، وهذا ليس ظلما لهم، وإنما لمصلحة الإسلام العامة، يقول ابن القيم معلقا: “ومعلوم أن الأنفال لله ولرسوله يقسمها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها في هؤلاء – أي الذين أخذوا الغنائم من المؤلفة قلوبهم – لمصلحة الإسلام العامة، لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل، ولما عميت أبصار ذي الخويصرة التميمي وأضرابه عن هذه المصلحة والحكمة – قال له قائلهم: اعدل فإنك لم تعدل، وقال مشبهه: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، ولعمر الله: إن هؤلاء من أجهل الخلق برسوله – صلى الله عليه وسلم – ومعرفته بربه، وطاعته له وتمام عدله، وإعطائه لله، ومنعه لله، ولله – عز وجل – أن يقسم الغنائم كما يحب، وله أن يمنعها الغانمين جملة كما منعهم غنائم مكة، وقد أوجفوا عليها بخيلهم وركابهم، وله أن يسلط عليها نارا من السماء تأكلها، وهو في ذلك كله أعدل العادلين وأحكم الحاكمين، وما فعل ما فعله من ذلك عبثا، ولا قدره سدى، بل هو عين المصلحة، والحكمة والعدل والرحمة”[16]، وعلاوة على ما ذكره ابن القيم نضيف أن سيدنا عثمان – رضي الله عنه – كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش؛ إذ قد كفى الإمام هم التفكير في ابنته. فضلا عن أنها كانت بإذنه فأسهم له بخلاف غيره.
من هذا كله يتبين أنه – صلى الله عليه وسلم – حين أعطى عثمان بن عفان سهما من الغنائم، لم يكن ذلك عن غرض نفسي أو محاباة له، وإنما أعطاه من نصيبه في الخمس، أو من أموال الغنائم غير الخمس لمصلحة يراها صلى الله عليه وسلم.
ثالثا. إن ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – أكل الضب لا يعني أنه حرمه؛ فهو من باب الأفعال الجبلية:
إن السنة هي ما أثر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قول أو فعل أو تقرير، لكن أي هذه السنة يعتبر حجة في التشريع ومصدرا له؟ وأيها يدخل في العادات الجبلية وطرائق العيش؟ إن هذا الميدان يشيع الجهل بحقائقه بين جمهور غفير من المثقفين فضلا عن غيرهم[17].
ولعدم مقدرتهم على التفرقة بين أنواع السنة السابقة احتج منكرو السنة بحديث عدم أكل النبي – صلى الله عليه وسلم – الضب مع عدم تحريمه له، على أن السنة ليست تشريعية؛ لأنها لو كانت تشريعية لحرم النبي – صلى الله عليه وسلم – أكل الضب.
وفات هؤلاء أن هذا الفعل – عدم أكل النبي – صلى الله عليه وسلم – الضب – هو فعل جبلي من أفعاله – صلى الله عليه وسلم – ولا يكون موضوعا لمطالبة الأمة بفعل مثله، بل لكل أحد أن يسلك ما يليق بحاله؛ ولذلك لم ينكر النبي – صلى الله عليه وسلم – على من أكل الضب في الواقعة التي نفسها رفض فيها أكله، ولكن قال: «لا آكله ولا أحرمه»[18].
وقد علل – صلى الله عليه وسلم – عدم أكله له حين سأله خالد بن الوليد رضي الله عنه – أحرام هو يارسول الله؟ فقال: «لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»[19]، وليس لأن في أكله إثما أو ضررا.
ولو حرم النبي – صلى الله عليه وسلم – أكل الضب لأنه يعافه لصدق القول بأن السنة مجرد ميول شخصية للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولا دخل لها بالتشريع وحاشاه أن يصنع ذلك – صلى الله عليه وسلم – ولكن هذا هو شأنهم في قلب الحقائق لتوافق أهواءهم، وهو هدم السنة وإنكارها، ولكن الله حال بينهم وبين تحقيق أهدافهم على مر العصور، وبقيت السنة النبوية منارة شامخة سالمة من كل طعن.
الخلاصة:
- لقد كرم الله – عز وجل – آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – وطهرهم من الرجس, فقال عز وجل: )إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33)( (الأحزاب), ومن ثم فإن تفضيل النبي – صلى الله عليه وسلم – لآل بيته كان بوحي من الله له.
- إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان قد قال لفاطمة – رضي الله عنها: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين», فهو الذي قال لها: «يا فاطمة أنقذي نفسك من النار, فإني لا أملك لك من الله شيئا», فليس للنبي – صلى الله عليه وسلم – دخل في رفع شأن أحد أو وضعه, وإن كان كذلك, فلم لم يستطع أن ينقذ عمه أبا طالب من النار.
- إن إعطاء النبي – صلى الله عليه وسلم – عثمان بن عفان سهما من غنائم غزوة بدر – بعيد كل البعد عن المحاباة أو التعصب لذوي القربى؛ لأن عادة النبي – صلى الله عليه وسلم – جرت على أن يعطي بعض الصحابة من غنائم الغزوات حتى وإن لم يشاركوا فيها، فالأمر لا يختص بعثمان فقط.
(*) ضلالات منكري السنة, د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م.
[1]. انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (11/ 14، 15).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاستئذان، باب: من ناجى بين يدي الناس، (11/ 82)، رقم (6285، 6286).
[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: ) وأنذر عشيرتك الأقربين (، (2/ 701)، رقم (491). والبلال هو الماء، ومعنى الحديث: سأصلها ـ أي الرحم، وقد شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة، ومنه بلوا أرحامكم.
[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: إقامة الحدود على الشريف والوضيع، (12/ 88)، رقم (6887).
[5]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فرض الخمس، باب: الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (6/ 248، 249)، رقم (3113).
[6]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (6/ 249).
[7]. صحيـح: أخرجـه أحمـد في مسنـده، مسنـد علي بـن أبـي طالـب، (2/ 149)، رقم (838). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[8]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب: مناقب الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما، (1/ 185)، رقم (4020). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3768).
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (7/ 97)، رقم (3712).
[10]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزكاة، باب: ترك استعمال آل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الصدقة، (4/ 1713)، رقم (2442).
[11]. صحيح: أخرجه ابن إسحاق في السيرة، باب: ندب المسلمين للعير وحذر أبي سفيان، (2/ 171). وصححه الألباني في هامش تخريجه لفقه السيرة للغزالي ص218، برقم (218).
[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الجهاد بإذن الأبوين، (6/ 162)، رقم (3004).
[13]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (6/ 259).
[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: رقم (28)، (6/ 503)، رقم (3405).
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فرض الخمس، باب: ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعطي المؤلفة قلوبهم وفيهم من الخمس ونحوه، (6/ 288)، رقم (3147).
[16]. زاد المعاد في هدي خير العباد, ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (3/ 485).
[17]. انظر: السنة التشريعية وغير التشريعية, الشيخ محمد الفاضل بن عاشور وآخرون، نهضة مصر، القاهرة، ط2, 2005م.
[18]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: الضب، (9/ 580)، رقم (5536).
[19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: الضب، (9/ 580)، رقم (5537).