الزعم أن القرآن الكريم زيف قصة مائدة عيسى عليه السلام
وجوه إبطال الشبهة:
1) القرآن الكريم لم ينقل عن الإنجيل، ولو سلمنا جدلا أنه منقول عنه لنقل ما في الإنجيل من خرافات لا تتفق مع العقل، وهذا لم يحدث، وأن ما ثبتت حجته كالقرآن حجة على ما لم تثبت حجته كالإنجيل.
2) الأناجيل والتوراة تثبت طلب الحواريين آية المائدة من السماء، فكيف ينكرها هؤلاء؟!!
3) تفاصيل قصة المائدة، ونزول سورة باسمها دليل على صدق القرآن، وتزييف الكتب السابقة المحرفة، التي أثبت القرآن تحريفها وتبديلها بأيدي البشر.
التفصيل:
أولا. القرآن حجة على الإنجيل الذي لم تثبت حجته:
لم تأت في الأناجيل آية تثبت أن القرآن الكريم مأخوذ من مصدر آخر، إذ لو كان القرآن مقتبسا من أي مصدر لنقل خرافاتهم كما هي، أو على الأقل لما تخلص مما تحمله من أمور لا يقبلها عقل عاقل، وإلا فأي الأمرين أبعد في الاستحالة العقلية: أن يتحول الخبز إلى جسد المسيح، والخمر إلى دمه، كما جاء في إنجيل متى: “وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز، وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: «خذوا كلوا. هذا هو جسدي». وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا: «اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي»”. (متى 26: 26ـ 28)، هل هذا يقبله عاقل؟ أن يكون الخبز جسدا، والخمر المسكر دما؟!
إن المعترض غير دارس للإنجيل وغير دارس للتوراة؛ وذلك لأن في إنجيل يوحنا أن الحواريين طلبوا آية من السماء فقالوا له: “فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ماذا تعمل؟ آباؤنا أكلوا المن في البرية، كما هو مكتوب: أنه أعطاهم خبزا من السماء ليأكلوا”. (يوحنا 6: 30، 31). إنهم طلبوا مائدة من السماء؛ لأنهم قالوا: “آباؤنا أكلوا المن في البرية” بعد قولهم: “فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك”؟ واستدلوا على أكل آبائهم للمن بقولهم: “مكتوب – في التوراة – أنه أعطاهم خبزا من السماء ليأكلوا”، وهذا يدل على أن آباءهم أكلوا المن والسلوى في سيناء. والنص هو: “وأمطر عليهم منا للأكل، وبر السماء أعطاهم”. (المزمور 78: 24).
فهل نزل المن من السماء؟ وقد سماه داود عليه السلام “مائدة” في قوله عنهم: “فوقعوا في الله. قالوا: هل يقدر الله أن يرتب مائدة في البرية”؟ (المزمور 78: 19).
فمعنى نزوله من السماء: أنه من جهة الله لا من جهة إله آخر، ونص إنجيل يوحنا يبين أنهم طلبوا مائدة من السماء، فقد قال: “أنه أعطاهم خبزا من السماء ليأكلوا”؛ فإذا بارك الله في طعام من الأرض ليشبع خلقا كثيرا، فإنه يكون مائدة من السماء، كالمن النازل من السماء، وهو لم ينزل من السماء، وإنما كان على ورق الشجر، وكالسلوى.
ومن أعجب العجب: أن مؤلف الإنجيل قال كلاما عن المسيح في شأن محمد رسول الله لا يختلف اثنان في دلالته عليه صلى الله عليه وسلم، وقد استدل المسيح فيه عليه – صلى الله عليه وسلم – بنص في الإصحاح الرابع والخمسين من سفر إشعياء.
ويقول المعترض: ولعل قصة القرآن عن نزول مائدة من السماء نشأت عن عدم فهم بعض فقرات الإنجيل الواردة في متى 26، ومرقس 24، ولوقا 22، ويوحنا 13. وغرضه من قوله هذا أن لا يعرف المسلمون موضع المائدة من الأناجيل؛ لأنها بصدد كلام من المسيح في شأن محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وموضعها الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا[1].
ثانيا. الأناجيل تثبت طلب الحواريين آية من السماء وهي المائدة:
المائدة لا تكون مائدة إلا إذا كان عليها طعام، فإن لم يكن عليها طعام، فهي طاولة، وخوان، تقول: ماد أي أطعم وأعطى، والمائدة تميد ما عليها، أي تعرض ما عليها من أنواع الطعام، ويسمى الطعام أيضا مائدة تجاوزا؛ لأنه يؤكل على المائدة، وعن مائدة عيسى يأتي في إنجيل متى: “وأما يسوع فدعا تلاميذه وقال: «إني أشفق على الجمع، لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون. ولست أريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا[2] في الطريق» فقال له تلاميذه: «من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار، حتى يشبع جمعا هذا عدده؟» فقال لهم يسوع: «كم عندكم من الخبز؟» فقالوا: «سبعة وقليل من صغار السمك». فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض، وأخذ السبع خبزات والسمك، وشكر وكسر وأعطى تلاميذه، والتلاميذ أعطوا الجمع. فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة، والآكلون كانوا أربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد. ثم صرف الجموع وصعد إلى السفينة وجاء إلى تخوم مجدل”. (متى 15: 32 – 39).
وفي إنجيل لوقا يشترط المسيح للمائدة، فيقول: “إذا صنعت غداء أو عشاء فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلا يدعوك هم أيضا، فتكون لك مكافاة. بل إذا صنعت ضيافة فادع: المساكين، الجدع[3]، العرج، العمي، فيكون لك الطوبى إذ ليس لهم حتى يكافوك، لأنك تكافى في قيامة الأبرار”. (لوقا 14: 12 – 14)[4].
وفي إنجيل يوحنا: “وكان الفصح، عيد اليهود، قريبا. فرفع يسوع عينيه ونظر أن جمعا كثيرا مقبل إليه، فقال لفيلبس: «من أين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء؟» وإنما قال هذا ليمتحنه، لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل. أجابه فيلبس: «لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا». قال له واحد من تلاميذه، وهو أندراوس أخو سمعان بطرس: «هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟» فقال يسوع: «اجعلوا الناس يتكئون». وكان في المكان عشب كثير، فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف. وأخذ يسوع الأرغفة وشكر، ووزع على التلاميذ، والتلاميذ أعطوا المتكئين. وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا. فلما شبعوا، قال لتلاميذه: «اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء». فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر، من خمسة أرغفة الشعير، التي فضلت عن الآكلين. فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم”! (يوحنا 6: 4 – 14)[5].
ومما يستفاد من هذه الروايات أنهم كانوا صياما، وأن المدعوين هم الفقراء والمحتاجون، والدرس المستفاد هو ما قاله الناس: “هذا حقا هو النبي الآتي إلى العالم”.
ثالثا. تفاصيل قصة المائدة التي نزلت من السماء في القرآن:
وأما رواية القرآن فتأتي في سورة المائدة، وتسمى السورة باسم هذا الحدث الفريد، والمعجزة الخارقة، فلما آمن الحواريون وأشهدوا عيسى بإسلامهم، وكانوا في صيام، سألوه أن يدعوهم إلى طعام من عند الله، قالوا: )إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين (113) قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين (114) قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين (115)( (المائدة).
وقولهم: )هل يستطيع ربك( ليس شكا في الله، ولكن بمعنى: هل يطيعك ربك إن سألته أن ينزل عليك مائدة؟ وما كان ينبغي أن يسألوه هذا السؤال؛ إنما لأنهم كانوا في ابتداء استنصارهم، ولذلك رد عليهم عيسى: )إن كنتم مؤمنين (112)( لـما سمع غلطهم وتجويزهم على الله ما لا يجوز؛ لأنهم كحواريين خلصاءه وأنصاره، كما قال: )من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار( (آل عمران: 52).
فكان ينبغي عليهم وهم الذين بلغهم من نبيهم ما يجب لله وما لا يجب، ألا يقولوا ما قالوا، كقول بعضهم لما سألوا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يجعل لهم ذات أنواط[6]، كما كان للمشركين، وهي شجرة كان المشركون يتباركون بها وينوطون[7] بها سلاحهم، ويعكفون حولها، فسألوه أن يجعل لهم مثلها، وكذلك فعل قوم موسى لـما قالوا: )اجعل لنا إلها كما لهم آلهة( (الأعراف: 138).
ولم يكن الحواريون يتعللون لعيسى، فهم مؤمنون عارفون عالمون، وإنما المعنى كما قد تسأل عزيزا لك معروفا، فتقول له: هل تستطيع أن تفعل هذا؟ وأنت تعلم أنه يستطيع، والحواريون علموا ذلك علم دلالة وخبر ونظر، فأرادوا أن يكون علمهم علم معاينة، كما قال إبراهيم: )رب أرني كيف تحيي الموتى( (البقرة: 260).
وكان إبراهيم يعلم علم خبر ونظر، فأراد المعاينة التي لا يدخلها الريب والشك، ومثل ذلك قاله الحواريون: )وتطمئن قلوبنا( (المائدة: ١١٣) تماما، كما قال إبراهيم: )ولكن ليطمئن قلبي( (البقرة: 260).
ثم إن قولهم: )هل يستطيع ربك(تلطف في السؤال، وأدب مع الله تعالى، وكان رد عيسى: )اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112)( (المائدة) لأنه لم يستبشر خيرا بكثرة أسئلتهم واقتراحاتهم لآيات الله؛ لأنه تعالى لا يفعل إلا الأصلح لعباده، فلما نهاهم بينوا سبب سؤالهم، قالوا: “أن نأكل منها” فقد كانوا جوعى، وكما جاء بقصتي الإنجيل، كانوا بالآلاف، ولهم ثلاثة أيام لم يذوقوا طعاما، وكان من ساروا خلفه من أصحابه يدركون حاجة الناس، وأن أكثرهم مرضى وزمنى وعميان، ولم يكن معهم نفقة لفقرهم، فأراد الحواريون سد جوعة الناس، ولتطمئن قلوبهم أنهم صاروا شعب الله، وأنه اجتباهم واختارهم لدعوته، وأن دعوتهم مستجابة عنده، وليستيقنوا قدرة عيسى، وليعلموا أنه قد صدقهم، وليشهدوا لله بالواحدانية ولعيسى بالرسالة والنبوة، واقتنع عيسى فدعا ربه، ونزلت المائدة، قيل كان نزولها يوم أحد وكانت عيدا لأولهم وآخرهم، فكفت أولهم وآخرهم، وكانت آية منه تعالى ودلالة وحجة.
واشترط عليهم أن يكون إيمانهم بعدها كاملا، فإن شهدوا المائدة وعاينوها، وعرفوا المعجزة ولمسوها ونظروها، فما لهم حجة بعدها أن يداخلهم الريب، وإلا فمن يشك بعدها فله العذاب الشديد، قيل: له الدرك الأسفل من جهنم، وفيه العذاب الشديد، وعد به ثلاثة: المنافقون، وآل فرعون، ثم المكذبون لعيسى بعد نزول المائدة[8].
ونزول المائدة وطلب عيسى – عليه السلام – من ربه قائلا: )قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين (114)( (المائدة)، دليل على بشرية عيسى – عليه السلام – وأنه عبد الله ورسوله، قال سبحانه وتعالى: )إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112)( (المائدة)، كأن عيسى – عليه السلام – قد قال للحواريين: عليكم بتقوى الله – عز وجل – فلا تسألوه هذه الآية؛ لأنكم ما دتمم أعلنتم الإيمان، فأنتم لا تقترحون على الله آية لإثبات صدق رسوله، وحسبكم ما أعطاه الله لي من آيات لصدق رسالتي، إذ عليكم أن تلزموا أنفسكم بالمنهج الذي أعلنتم إيمانكم به، ولكن الحواريين أجابوا: )قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين (113)( (المائدة).
وكأنهم أرادوا أن يتشبهوا بإبراهيم – خليل الرحمن – عليه السلام – سأل الله – عز وجل – عن كيفية إحياء الموتى، ليطمئن قلبه، لقد آمنوا بعلم اليقين ويريدون الآن الانتقال إلى عين اليقين، لذلك سألوا عن المائدة التي صارت من بعد ذلك حقيقة واضحة. وهكذا نعرف أن هناك فارقا بين أن يؤمن الإنسان لذاته، وبين أن يشهد بالإيمان عن غيره.
ويقول الحق عن استجابة عيسى لطلب الحواريين: )اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين (114)( (المائدة)، وقوله الحق: )مائدة من السماء( لا يعني أن هناك موائد منصوبة في الأرض، ذلك أن الكون كله مائدة فيها من الخير الكثير، والإنسان منا عندما يكد ويكدح، ويستخرج من الأرض الزرع، ويرعى أنعامه، فإنه يأتي إلى زوجه وأولاده بمخزون قد يكفيهم لمدة عام من دقيق وأرز وعسل وسكر وزيت. وقد تأتي الزوجة بشيء من الطير فتدبحه وتطهو معه الخضراوات.
إن قول عيسى هو قول ممتلئ بكل المعاني القيمة، إنه يطلب أن تكون المائدة عيدا يفرح له الأولون والآخرون، وآية من الحق عز وجل، ويعترف بفضل ربوبية الرازق، ويعترف بامتنان أن الحق – عز وجل – خير الرازقين، والمقارنة بين قول الحواريين، وقول عيسى – عليه السلام – تدلنا على الفارق بين إيمان المبلغ عن الله وهو عيسى – عليه السلام – وإيمان الذين تلقوا البلاغ عنه وهم الحواريون، إن إيمان عيسى – عليه السلام – هو الإيمان القوي الناضج، وإيمان الحواريين إيمان لا يرقى لإيمان عيسى عليه السلام، ولقد كانت قوة إيمان عيسى – عليه السلام – نابعة من أنه يتلقى عن الله – عز وجل – مباشرة، صحيح أن الحواريين آمنوا بالبلاغ عن الله – عز وجل – وتم ذلك بواسطة عبده ورسوله عيسى – عليه السلام – ولذلك يعلو الرسول عن المؤمنين ببلاغته؛ ولذلك صحح عيسى – عليه السلام – طلبهم من الله – عز وجل – وهو يدعو ربه، إنه رسول الله مصطفى مجتبى، لذلك يضع الأمور في نصابها[9] فيقول:
)اللهم ربنا( وكلمة: )اللهم( في الأصل هي “يا الله” وعندما كثر النداء، بها حذفنا منها حرف النداء، وعوضنا عنه بميم في آخرها فصارت )اللهم(، وكأن هذا اللفظ تتهيأ به نفس الإنسان لمناجاة الله – عز وجل – في تقديس وثقة في أن الحق يستجيب لعبده، وهو نداء يقوم على حب العبد لمولاه، فلا يوسط بينه وبين اسم ربه أي واسطة، حتى وإن كانت هذه الواسطة حرفا من حروف النداء، ولنا أن نلحظ أن عيسى – عليه السلام – قدم كلام الله بصفة الألوهية، إنه نبي مرسل يعلم تجليات صفة الله – عز وجل – وهي تجليات عبادة من عابد إلى معبود، أما تجليات كلمة )ربنا( فهي تجليات مربوب ورب، إنه يعلم الفارق بين عطاء الألوهية للخلق، وعطاء الربوبية، إن عطاء الألوهية تكليف من معبود إلى عابد، والعابد يطيع المعبود فيما يأمر به وفيما ينهى عنه.
أما عطاء الربوبية فهو – عز وجل – المتولي للتربية، التربية للأجسام والعقول والمواهب، والقلوب، والأقوات. والرب هو رب كل شيء، رب للمؤمن والكافر، والرب يتولى تربية الكافر رغم إنكاره للألوهية، إنه يربي الماديات التي تقيم حياته، ولذلك نجد الحق يقول عن هؤلاء الكافرين )ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (25)( (لقمان).
ويجيب الحق دعاء عيسى ابن مريم عليه السلام: )قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين (115)( (المائد)، وهو سبحانه أراد أن يعطينا معنى التوحيد فقال: )إني منزلها عليكم(، وذلك أن المائدة ستنزل من السماء، ولا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: )فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين (115)( (المائد)[10].
وهكذا أنزل الله المائدة على الحواريين، ثم وعدهم أن من يكفر بعد ذلك فإنه سوف يعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فكيف بهؤلاء ينكرون هذه المعجزة لعيسى – عليه السلام – وهم يعلمون حقيقتها من إنجيلهم كما وضحنا؟!
الخلاصة:
- ما جاء في القرآن الكريم عن قصة المائدة ليس مقتبسا من الكتب السابقة، ولو كان مقتبسا منها لنقل خرافاتهم كما هي، ولوجدنا الخرافات التي لا تتفق مع العقل في القرآن وهذا لم يحدث، بل إن القرآن قد صحح عقيدة أصحاب الإنجيل وعلومهم ومعارفهم وأخطاءهم التي وقعوا فيها فكيف يكون مقتبسا منها ثم يصححها؟!
- الدارس للأناجيل والتوراة، وخصوصا في إنجيل يوحنا وغيره، يرى أن الحواريين قد طلبوا من المسيح – عليه السلام – مائدة من السماء. وهذا موجود في إنجيل متى الإصحاح الخامس عشر، وإنجيل لوقا الإصحاح الرابع عشر فكيف ينكر ما جاء في إنجيلهم؟! وما الهدف من إنكار هذا الحادث العظيم لهذا النبي الكريم؟!
- حديث القرآن عن المائدة عظيم، فقد أنزل الله سورة باسمها، وهذا يدل على أنها حدث فريد ومعجزة خارقة للمسيح – عليه السلام – كما حدث للأنبياء – عليهم السلام – وهذا الحديث يروي أن الحواريين كانوا في صيام، وسألوا عيسى – عليه السلام – أن يدعوهم إلى طعام من عند الله، فقالوا: )يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112)( (المائدة)، وهذا دليل على حدوث المعجزة وأنهم لمسوها ولا حجة لهم بعدها، فمن كان في شك بعدها فله عذاب شديد، وهذا يدل على بشرية عيسى – عليه السلام – حيث إنه دعا الله قائلا: )ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين (114)( (المائدة: 114) فأرجع الإرادة والقدرة والأمر لله الخالق القادر وحده.
(*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي. www.islameyat.com.
[1]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427هـ/2006م، ص511، 512.
[2]. يخوروا: يضعفوا ويسقطوا.
[3]. الجدع: جمع أجدع، وهو من قطعت أنفه أو طرف من أطرافه.
[4]. موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م، ج1، ص1134.
[5]. موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م، ج1، ص1134، 1135.
[6]. الأنواط: العلائق.
[7]. ينوطون: يعلقون.
[8]. موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م، ج1، ص1136، 1135 بتصرف يسير.
[9]. النصاب: المكان الصحيح.
[10]. قصص الأنبياء، محمد متولي الشعراوي، دار القدس للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1426هـ/2006م، ص451: 455 بتصرف.