الزعم أن القرآن نابع من ذات النبي – صلى الله عليه وسلم – ويمثل نفسيته وعقله
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن الغرض الرئيس الذي يقف وراء كثرة خلوات الرسول – صلى الله عليه وسلم – يتمثل في التأمل في صنع الله، بعيدا عن المجتمع الجاهلي وما كان يحدث فيه من مساوئ ومنكرات، وليس في ذاك ما يؤهل لتأليف قرآن، ثم إنه لم يكن بدعا من الرسل في ذلك التخلي عن المنكرات ولا ذاك التجنب للمعاصي.
2) إن الحوار الأول الذي دار بين محمد – صلى الله عليه وسلم – وجبريل عليه السلام: “اقرأ”، “ما أنا بقارئ” يدل على أن اللقاء كان بين ذاتين منفصلتين تمام الانفصال: ذات النبي – صلى الله عليه وسلم – وذات جبريل عليه السلام.
3) إن القرآن الكريم لا يعكس شخصية الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا في أفراحه ولا في أحزانه ولا في انفعالاته، ولا حتى فيما يدور في خلده وعقله، وإذا كان الأمر كما زعموا – جدلا – فلقد توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة في عام واحد؛ فلماذا لم توجد في القرآن إشارة إلى هذا الحدث مع عظم تأثيره في شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – ونفسيته؟!
4) ليس كل ما في الوحي الإلهي – قرآنا وسنة – مما يمكن أن يستنبطه العقل؛ بل فيه من الغيبيات وأخبار الأمم السابقة والحقائق العلمية ما لايمكن أن يدركه عقل بشر بالغا من الذكاء ما بلغ.
5) إن قدرة الملك على التشكل بالصور البشرية محل اتفاق أهل الأديان جميعا، وليس النبي – صلى الله عليه وسلم – بدعا من الرسل في ذلك؛ بل هو ما حدث بالفعل مع سيدنا إبراهيم وسيدنا لوط – عليهما السلام -.
التفصيل:
أولا. لقد كانت كثرة خلوات الرسول – صلى الله عليه وسلم – للتأمل في صنع الله بعيدا عن المجتمع الجاهلي وما فيه من مساوئ ومنكرات:
في البداية لا بد أن نشير إلى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن بدعا في هذا الصدد من الرسل وبعض الصديقين الذين اعتزلوا للتأمل في صنع الله بعيدا عن مساوئ أقوامهم ومنكراتهم ومفاسدهم؛ فزكريا – عليه السلام – كان يعتزل قومه، ومريم الصديقة كانت تعتزل قومها، وكل منهما أوتي في عزلته فضلا وآيات من الله، زكريا بشر في خلوته بيحيى بعد عقم، ومريم أنجبت رسول الله عيسى – عليه السلام – ومحمد – صلى الله عليه وسلم – تلقى في تلك الخلوة مراسم الرسالة الخالدة، إنها خلوات كانت بتدبير من ذي الجلال والإكرام، وليست لطلب ملذات الدنيا، ولا الهروب من معاناة ظروف الحياة.
وإذا كان ذلك كذلك؛ فإن المغرضين الحاقدين لا يعجبهم هذا؛ فقد سكتوا عن عزلتي زكريا ومريم، وتناولوا عزلة رسول الإسلام بالتشويه؛ لأنه رسول الإسلام، ويقيننا أن عزلة زكريا وعزلة مريم لو كانتا من وقائع السيرة الإسلامية لما سكتوا عنهما، ولقال المغالطون النصارى في عزلة مريم ما قاله اليهود فيها من قبل: )لقد جئت شيئا فريا (27)( (مريم)، ولطعنوا في نسب عيسى – عليه السلام – ورموا أمه الطاهرة بالفحشاء )كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا (5)( (الكهف)([1]).
لقد كان رسول الله – قبل البعثة – يحب الانزواء عن قومه؛ لما كان يراهم عليه من عبادة الأصنام، فكان يخلو – صلى الله عليه وسلم – بنفسه، وقوي عنده حب الخلوة للتفكر في آلاء الله بعد زواجه بخديجة، فكان يصعد إلى غار حراء شهرا من كل عام يخلو فيه بنفسه ويعبد الله، وزاد عنده حب الخلوة أكثر لما قرب موعد البعثة.
يقول الخطابي – رحمه الله – عن اختلاء النبي – صلى الله عليه وسلم – في غار حراء: والخلوة يكون معها فراغ القلب وهي معينة على الفكر، ومقطع لدعاوى الشغل، والبشر لا ينفك عن طباعه ولا يترك مألوفه من عاداته إلا بالرياضة البليغة والمعالجة الشديدة، فلطف الله بنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – في بداية أمره فحبب إليه الخلوة وقطعه عن مخالطة البشر؛ ليتناسى المألوف من عاداتهم ويستمر على هجران ما لا يحمد من أخلاقهم، وألزمه شعار التقوى وأقامه في مقام التعبد بين يديه ليخشع قلبه وتلين عريكته([2]) لورود الوحي؛ فيجد منه مرادا سهلا، ولا يصادفه حزنا([3])، فجعلت هذه الأسباب مقدمات لما أرصد له من هذا الشأن ليرتاض بها ويستعد لما ندب إليه، ثم جاءه التوفيق والتبشير وأخذه بالقوة الإلهية، فجبرت منه النقائص البشرية وجمعت له الفضائل النبوية([4]).
إن من يزور غار حراء يدرك ما معنى الخلوة فيه شهرا كاملا، إنها انقطاع عن الدنيا وعن الناس بما هم عليه من جشع وتكالب على الدنيا وانحراف في السلوك، ويدرك ما معنى التأمل في آلاء الله في ذلك المكان المرتفع حيث الهدوء التام، والإشراف على الأودية والجبال، والإطلال عن بعد على الكعبة المشرفة، إن التأمل فيه لا يعني سوى السمو بالروح وتطهير النفس من أدرانها، استعدادا لحمل الرسالة الخالدة، هدية السماء للأرض([5]).
ثم إن قريشا كانت تفعل ذلك، كما كانت تصوم عاشوراء، وإنما لم ينازعوا النبي – صلى الله عليه وسلم – في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره؛ إذ إن المقيم فيه يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت؛ لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش، وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه، فتابعه على ذلك من كان يتأله([6])، فكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يخلو مكان جده، فسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم([7]).
فإذا كان هذا حال بعض الناس قبله، فلماذا لم يخرجوا إلينا بمثل ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – من القرآن الكريم؟!! إن هذه فرية ليس لها دليل تستند عليه.
ثانيا. الحوار الأول بين محمد – صلى الله عليه وسلم – وجبريل عليه السلام: “اقرأ”، “ما أنا بقارئ” يدل على أن اللقاء كان بين ذاتين منفصلتين تمام الانفصال: ذات النبي – صلى الله عليه وسلم – وذات جبريل عليه السلام:
في البداية يجب أن ننبه إلى أن وقوع الوحي لجميع الأنبياء – عليهم السلام – ومنهم نبينا صلى الله عليه وسلمـ أمر ثابت، وليس في الوحي ما يخالف العقل أو المنطق، بل وقوعه جائز عقلا، لاستحالة تلقي البشر التشريعات الإلهية عنه – عز وجل – دون واسطة، فلا بد من وجود واسطة، وهو ملك مقرب ينزل بالتشريعات من عند الله على من يصطفيه من خلقه. فإن سلمتم بهذا فلا بد أن تسلموا بنزوله على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وجميع الأنبياء قبله، ويلزم من ذلك التسليم بكل ما جاء به، وإلا للزم التشكيك في نزول الوحي على جميع الرسل والأنبياء السابقين، وأن ما جاءوا به هرطقات وخرافات وحيل نفسية واعتقادية لا دخل للوحي فيها، وهكذا نجد أن ظاهرة الوحي معروفة لدى أتباع الأديان الثلاثة، كما أنه من المعروف أيضا أن النبوة والوحي ظاهرتان متلازمتان([8]).
لقد بين الله – سبحانه وتعالى – أن الوحي أمر خارج عن نفس النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس نابعا من داخلها، بل حمله جبريل – عليه السلام – من عند الله إليه، كما قال سبحانه وتعالى: )وإنه لتنزيل رب العالمين (192) نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسان عربي مبين (195)( (الشعراء).
فحامل الوحي ملك منفصل عن ذات محمد – صلى الله عليه وسلم – ليس خيالا فيها، وله من الصفات ما بينها الله في قوله سبحانه وتعالى: )إنه لقول رسول كريم (19) ذي قوة عند ذي العرش مكين (20) مطاع ثم أمين (21) وما صاحبكم بمجنون (22) ولقد رآه بالأفق المبين (23) وما هو على الغيب بضنين (24) وما هو بقول شيطان رجيم (25)( (التكوير)([9]).
يقول الأستاذ ابن نبي مبينا استقلال ظاهرة الوحي عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم: “ومن الواجب أن نذكر مدى التباعد الرئيس البين في الحوار بين الذات المتكلمة الآمرة الحازمة، والذات المخاطبة المضطربة المجفلة – “ما أنا بقارئ” مثال على الإجفال([10]) – إن هذا التباعد يصور لنا عملية نفسية أخرى مختلفة تماما عن الأولى، ولكنها متحدة معها في الزمن، إن هاتين الحالتين – أي التباعد الجوهري والاتحاد الزمني – متعارضتان سواء تصورناهما في مجال واحد للذات، أم في مجالين مختلفين: الشعور واللاشعور، فهناك بالضرورة تعدد في الذوات، وهو تعدد لا يمكن أن تضمه وحدة نفسية، فنحن مضطرون لهذا أن نقرر ازدواج الذات كما يحدث في أي حوار عادي، وبين هاتين الذاتين اللتين تتحاوران تنجلي الذات المحمدية كشاهد واع ومؤرخ صادق للواقع الذي نحلله”.
ومن المعروف أن الاستقلال بين هاتين الذاتين قد تجاوز لحظة الوحي، فكان حقيقة مصاحبة لنزول القرآن أي مدة ثلاث وعشرين سنة كاملة، ومن ملامح ذلك نزول آيات كثيرة تلوم النبي – صلى الله عليه وسلم – على بعض المواقف الدعوية أو الشخصية التي وقفها، وهذا يؤكد عدم تحكمه في محتوى الوحي أو في زمانه، ومن أمثلته ما حدث حين حدد النبي – صلى الله عليه وسلم – للمشركين وقتا لإجابتهم عن سؤالهم وسؤال اليهود عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فتأخر نزول الوحي حتى تأثر النبي لذلك، ورجا نزول القرآن، ثم نزلت الإجابة وفيها تعليم وعتاب له، قال سبحانه وتعالى: )ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله( (الكهف). ونزل في هذه الحادثة قوله – سبحانه وتعالى – الذي يؤكد ما ذهبنا إليه قبل قليل: )وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا (64)( (مريم) واستنادا إلى مثل هذه المعلومات اليقينية، تأكد استمرار الانفصال بين الوحي والنبي – صلى الله عليه وسلم – حتى نهاية رسالته. ويواصل الأستاذ ابن نبي حديثه قائلا: “وسنجد فيما بعد وإلى النهاية أن الذات المحمدية لن تتحدث مع الذات المتكلمة حين تخاطبها، وهذا الصمت في ذاته جدير بالملاحظة؛ لأنه يسجل إدراك الرسول – صلى الله عليه وسلم – النهائي أمام الظاهرة التي سيقف منها منذ ذلك الحين موقف التسليم” ([11]).
وهناك دليل آخر على انفصال الذاتين وهو أن القرآن في نظمه البديع لو كان من عند محمد – صلى الله عليه وسلم – لما جاء في أعلى درجات البلاغة والسمو، والوحي يفاجئه وهو بين قومه، فإذا فارقه جبريل تلا عليهم ما تلقاه، فكيف يمكن في هذه اللحظات أن يخلو إلى نفسه لينمق نوعا من الكلام يدعي أنه وحي من الله، وقد حدث مثل ذلك في المرأة التي جادلته في شأن زوجها الذي ظاهر منها، فإن الحوار بينه وبينها لم يكد ينتهي حتى جاء الوحي من الله مقررا الحكم في هذه المسألة: )قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله( (المجادلة: ١)، فهل كانت له خلوة مع نفسه جود فيها هذا الكلام، مع أن عائشة كانت تمشط رأسه، وهو يتلقى هذا الوحي([12])؟!
ثالثا. القرآن الكريم لا يعكس شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم:
إن القرآن الكريم لا يعكس شخصية النبي – صلى الله عليه وسلم – لا في أفراحه ولا في أحزانه ولا في انفعالاته، ولا حتى ما يدور في خلده وعقله؛ فلقد توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة في عام واحد، وحزن عليهما حزنا شديدا حتى سمي ذلك العام بعام الحزن، فهل يوجد في القرآن أي إشارة لكل هذا؟ فلو كان القرآن – كما يزعمون – نابعا من ذاته – صلى الله عليه وسلم – لظهرت تلك المشاعر فيه.
ثم إن القرآن في بعض المواقف كان يخالف رأي الرسول – صلى الله عليه وسلم – بل كان يعاتبه ويلومه على أفعاله، كعتابه في موقفه من الرجل الأعمى: عبد الله بن أم مكتوم، قال سبحانه وتعالى: )عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2)( (عبس).
وكعتابه له في مسألة أسرى بدر قال سبحانه وتعالى: )ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم (67) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68)( (الأنفال).
وكعتابه له – صلى الله عليه وسلم – في مسألة الإذن للمنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، قال سبحانه وتعالى: )عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين (43)( (التوبة).
فلو كان القرآن الكريم نابعا من ذاته – صلى الله عليه وسلم – لما ظهر فيه مثل ذلك العتاب على تلك التصرفات؛ لأن طبع البشر أن يخفوا أخطاءهم وتقصيرهم، ولا يذكروها في مؤلفاتهم، وبهذا يظهر أن القرآن الكريم ليس من صنعه وإنما هو خارج عن ذاته صلى الله عليه وسلم.
ومما يؤكد أن القرآن لا يعكس شخصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه في أكثر الأوقات لا يذكر شيئا عنه ويتجرد تماما من الإشارة إليه، وعندما يورد شيئا عنه فلكي يحكم عليه أو يضبط سلوكه أو يسيطر عليه، وفيما يتعلق بأفراحه وأحزانه نعلم كم كان حزنه لوفاة أبنائه وأصدقائه، فهل نجد في القرآن أقل صدى لهذا؟
ولكن بمجرد أن يتعلق الموضوع بسلوك أخلاقي نرى التعارض جليا بين السلطة التشريعية والنفس الخاضعة المستسلمة كما يتعارض التشدد مع التساهل، والصراحة القصوى مع الحياد.
وليس أدل على أن القرآن ليس من عند محمد – صلى الله عليه وسلم – من اشتداد حاجة الرسول إلى شيء منه، فلا يجده إلا بعد مدة من الزمن، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – تمر به بعض المواقف المحرجة يحتاج فيها إلى القرآن لحسم الموقف فلا يجد، مثال ذلك ما حل به – صلى الله عليه وسلم – من الضيق والحرج عندما رماه المنافقون في أهل بيته السيدة عائشة – رضي الله عنها – فلم يستطع – صلى الله عليه وسلم – أن يفعل شيئا حتى جاءه الوحي ببراءة أهله، وقطع بذلك ألسنة المروجين والخائضين، فلو كان القرآن من عنده لأعلن منذ اللحظة الأولى براءتها وحسم الموقف([13]).
وبهذا يتبين لنا أن القرآن هو كلام الله المعجز المنزل على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وأنه ليس أفكارا مدخرة في عقله – صلى الله عليه وسلم – صدرت عنه في حالة انفعاله كما يزعمون.
رابعا. ليس كل ما في الوحي الإلهي – قرآنا وسنة – مما يمكن أن يستنبطه العقل، أومما يدركه الوجدان والشعور:
إن في الوحي جانبا كبيرا من المعاني النقلية البحتة التي لا مجال فيها للذكاء والاستنباط، ولا سبيل إلى علمها لمن غاب عنها إلا بالدراسة والتلقي والتعليم أو المعاصرة.
ومن هذه الجوانب، ما جاء في الكتاب والسنة من أنباء ما قد سبق، وما فصلاه من تلك الأنباء على وجهه الصحيح كما وقع.
أيقولون إن التاريخ يمكن وضعه – أيضا – بإعمال الفكر ودقة الفراسة؟ أو يخرجون إلى المكابرة العظمى فيقولون: إن محمدا قد عاصر تلك الأمم الخالية، وتنقل فيها قرنا قرنا، فشهد هذه الوقائع مع أهلها شهادة عيان، أو أنه ورث كتب الأولين، فعكف على دراستها حتى أصبح من الراسخين في علم دقائقها؟
إنهم لا يسعهم أن يقولوا هذا ولا ذاك؛ لأنهم معترفون مع العالم كله بأنه – صلى الله عليه وسلم – لم يكن من أولئك ولا هؤلاء، قال سبحانه وتعالى: )تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين (49)( (هود). وقال سبحانه وتعالى: )وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون (48)( (العنكبوت).
فسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – كان رجلا أميا، نشأ بين قوم أميين أربعين سنة من عمره، لم تظهر عليه فيها أمارات من علوم ومعارف تقارب ما جاء به القرآن والسنة، ثم يطلع علينا بين عشية وضحاها، فيكلمنا بما لا عهد له به، ويبدي لنا من أخبار تلك القرون الأولى ما أخفاه أهل العلم في كتبهم وحجبوه عن الناس، أفي مثل هذا يقول مثيرو الشبهة: إنه استوحى عقله واستلهم ضميره([14])؟
ولنتأمل قوله تعالى مخاطبا نبيه – صلى الله عليه وسلم – ومبينا هذه الحقيقة: )ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (44)( (آل عمران)، )ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون (102)( (يوسف)، )وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين (44)( (القصص)، )نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين (3)( (يوسف).
لا نقول: إن العلم بأسماء بعض الأنبياء والأمم الماضية، وبمجمل ما جرى من حوادث التدمير في ديار عاد، وثمود، وطوفان نوح، وأشباه ذلك – لم يصل قط إلى الأميين، فإن هذه النتف اليسيرة قلما تعزب عن أحد من أهل البدو أو الحضر؛ لأنها مما توارثته الأجيال وسارت به الأمثال، وإنما الشأن في تلك التفاصيل الدقيقة، والكنوز المدفونة في بطون الكتب، فذلك هو العلم النفيس الذي لم تنله يد الأميين، ولم يكن يعرفه إلا القليل من الدارسين، وإنك لتجد الصحيح المفيد من هذه الأخبار محررا في القرآن.
حتى الأرقام.. طبق الأرقام: فترى مثلا في قصة نوح – عليه السلام – في القرآن أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وفي سفر التكوين من التوراة أنه عاش تسعمائة وخمسين سنة، وترى في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة شمسية، وفي القرآن أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين، قال تعالى: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا (25)( (الكهف)، وهذه السنون التسع هي فرق ما بين عدد السنين الشمسية والقمرية.
أفي مثل هذا يقول هؤلاء: إنه استوحى عقله واستلهم ضميره؟ أي منطق يسوغ أن يكون هذا الطور الجديد العلمي نتيجة طبيعية لتلك الحياة الماضية الأمية؟ إنه لا مناص في قضية العقل من أن يكون لهذا الانتقال الطفري سر آخر يلتمس خارجا عن حدود النفس وعن دائرة المعلومات القديمة، وإن ملاحدة الجاهلية وهم أجلاف الأعراب في البادية كانوا في الجملة أصدق تعليلا لهذه الظاهرة، وأقرب فهما لهذا السر من ملاحدة هذا العصر، إذ لم يقولوا كما قال هؤلاء: إنه استقى هذه الأخبار من وحي نفسه، بل قالوا: إنه لا بد أن تكون قد أمليت عليه منذ يومئذ علوم جديدة، فدرس منها ما لم يكن قد درس، وتعلم ما لم يكن يعلم، قال تعالى: )وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست( (الأنعام: ١٠٥)، )وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5)( (الفرقان).
ولقد صدقوا؛ فإنه درسها، ولكن على أستاذه الروح الأمين، واكتتبها، ولكن من صحف مكرمة مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة )قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (16)( (يونس).
ذلك شأن ما في القرآن من الأنباء التاريخية، لا جدال في أن سبيلها النقل لا العقل، وأنها تجيء من خارج النفس لا من داخلها([15]).
أما عن الحقائق الدينية الغيبية فقد يقال: إنها من نوع ما يدرك بالعقل، فيمكن أن ينالها الذكي بالفراسة أو بالروية، وهذا كلام قد يلوح حقا في بادئ الأمر، وسرعان ما ينهار أمام الاختبار، يقول د. محمد عبد الله دراز مفصلا لهذا الجانب: فأما أمر الدين فإن غاية ما يجتنبه العقل من ثمرات بحثه المستقل فيه بعد معاونة الفطرة السليمة له، هو أن يعلم أن فوق هذا العالم إلها قاهرا دبره، وأنه لم يخلقه باطلا، بل وضعه على مقتضى الحكمة والعدالة، فلا بد أن يعيده كرة أخرى، لينال كل عامل جزاء عمله، إن خيرا وإن شرا، هذا هو كل ما يناله العقل الكامل من أمر الدين، ولكن القرآن لا يقف في جانبه عند هذه المرحلة، بل نراه يشرح لنا حدود الإيمان مفصلة، ويصف لنا بدء الخلق ونهايته، ويصف الجنة وأنواع نعيمها، والنار وألوان عذابها، كأنهما رأي عين، حتى إنه ليحصي عدة الأبواب، وعدة الملائكة الموكلة بتلك الأبواب، فعلى أي نظرية عقلية بنيت هذه المعلومة الحسابية وتلك الأوصاف التحديدية؟ إن ذلك ما لا يوحي به العقل ألبتة، بل هو إما باطل فيكون من وحي الخيال والتخمين، وإما حق فلا ينال إلا بالتعليم والتلقين، لكنه الحق الذي شهدت به الكتب واستيقنه أهلها، يقول تعالى: )وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا( (المدثر: ٣١)، )وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان( (الشورى: ٥٢)، )وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (37)( (يونس).
ويتطرق د. محمد عبد الله دراز إلى الحديث عن أنباء المستقبل، موضحا أنه لا سبيل إلى اليقين فيها إلا بالوحي الصادق قائلا: أما النبوءات الغيبية فهل تعرف كيف يحكم فيها ذو العقل الكامل؟ إنه يتخذ من تجاربه الماضية مصباحا يكشف على ضوئه بضع خطوات من مجرى الحوادث المقبلة، جاعلا الشاهد من هذه مقياسا للغائب من تلك، ثم يصدر فيها حكمه محاطا بكل تحفظ وحذر، قائلا: “ذلك ما تقضي به طبيعة الحوادث لو سارت الأمور على طبيعتها، ولم يقع ما ليس في الحسبان”. أما أن يبت الحكم بتا ويحدده تحديدا حتى فيما لا تدل عليه مقدمة من المقدمات العلمية، ولا تلوح منه أمارة من الأمارات الظنية العادية – فذلك ما لا يفعله إلا أحد رجلين: إما رجل مجازف لا يبالي أن يقول الناس فيه: صدق أو كذب، وذلك هو دأب جهلاء المتنبئين من العرافين والمنجمين، وإما رجل اتخذ عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده، وتلك هي سنة الأنبياء والمرسلين، ولا ثالث لهما إلا رجلا روى أخباره عن واحد منهما، فأي الرجلين تراه في صاحب هذا القرآن حينما يجيء على لسانه الخبر الجازم بما سيقع بعد عام، وما سيقع في أعوام، وما سيكون أبد الدهر، وما لن يكون أبد الدهر؟ ذلك وهو لم يتعاط علم المعرفة والتنجيم، ولا كانت أخلاقه كأخلاقهم تمثل الدعوى والتقحم، ولا كانت أخباره كأخبارهم خليطا من الصدق والكذب، والصواب والخطأ، بل كانت مع براءته من علم الغيب وقعوده عن طلبه وتكلفه، يجيئه عفوا ما تعجز صروف الدهر وتقلباته في الأحقاب المتطاولة أن تنقض حرفا واحدا مما ينبئ به: )إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)( (فصلت).
إن العقول البشرية لها في إدراك الأشياء طريق معين تسلكه، وحد محدود تقف عنده ولا تتجاوزه، فكل شيء لم يقع تحت الحس الظاهر أو الباطن مباشرة، ولم يكن مركوزا في غريزة النفس، إنما يكون إدراك العقول إياه عن طريق مقدمات معلومة توصل إلى ذلك المجهول، إما بسرعة كما في الحدس، وإما ببطء كما في الاستدلال والاستنباط والمقايسة، وكل ما لم تمهد له هذه الوسائل والمقدمات لا يمكن أن تناله يد العقل بحال، وإنما سبيله الإلهام، أو النقل عمن جاءه ذلك الإلهام([16]).
وبعد هذا البيان الشافي لا يسعنا – ولا يسع أي منصف – إلا التسليم بأن ما جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – من قرآن كريم هو وحي من الله – عز وجل – نزل به جبريل الأمين على قلبه – صلى الله عليه وسلم – لينذر قوما ما أتاهم من نذير من قبله؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
خامسا. إن قدرة الملك على التشكل بالصورة البشرية محل اتفاق أهل الأديان جميعا:
لقد نزل الملائكة على إبراهيم – عليه السلام – ضيفا مكرمين وقدم لهم عجلا حنيذا([17]) ولم يعرف أنهم ملائكة إلا حين أفصحوا له عن حقيقة أمرهم، قال سبحانه وتعالى: )هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين (26) فقربه إليهم قال ألا تأكلون (27) فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم (28)( (الذاريات).
وأتت الملائكة لوطا في صورة شباب بهي الطلعة جميل المنظر، قال سبحانه وتعالى: )ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب (77) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد (78)( (هود).
وبعث الله إلى مريم البتول جبريل – عليه السلام – في صورة بشر سوي يبشرها باصطفائها واصطفاء وليدها، قال عز وجل: )فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17)( (مريم).
وانطلاقا من هذه الحقيقة كان جبريل – عليه السلام – يتنزل على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – في صورة رجل، وقد أخرج البخاري في صحيحه «وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول»([18]).
وجاء في السنة الصحيحة أن هذا الرجل اتخذ أكثر من شكل:
- فتارة يأتي على صورة أحسن الناس وجها، وأطيبهم ريحا ولا يعرفه أحد من الصحابة، ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه»([19]).. إلى آخر هذا الحديث.
وقد أتى جبريل على هذه الصورة ليخفى عن الناس في بادئ الأمر، ويتطلعوا إليه في شغف، ويتأملوه في تعجب؛ كي تقوى ملكتهم في تتبع أسئلته وحفظ الجواب عنها؛ ولأن القضية قضية تعليم لهم وبيان، فاتخذت هذا الشكل من الحوار، لفتا للأنظار وترسيخا لحقائق الإيمان.
- وتارة يأتي جبريل – عليه السلام – في صورة بشرية، ويؤم النبي – صلى الله عليه وسلم – عند الكعبة ويعلمه الصلاة ويبين له أوقاتها بدءا ونهاية، وذلك في غداة الليلة المباركة التي وقع فيها الإسراء والمعراج، فعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «نزل جبريل – عليه السلام – فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه”، يحسب بأصابعه خمس مرات»([20]).
- وأحيانا يأتي الملك على صورة أحد الصحابة، وهو دحية الكلبيـ رضي الله عنه – كان من كبار الصحابة، وشهد أحدا وما بعدها، وأعطي شطرا كبيرا من الحسن؛ قال ابن حجر: وكان جبريل – عليه السلام – ينزل على صورته؛ أي: دحية الكلبي، جاء ذلك من حديث أم سلمة، ومن حديث عائشة، وعن يحيى بن معمر عن ابن عمر رضي الله عنهم: «كان جبريل يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – في صورة دحية الكلبي» ([21]).
وفي أحاديث الإسراء ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «عرض علي الأنبياء، فإذا موسى ضرب([22]) من الرجال، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم، فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم، فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم – يعني نفسه – ورأيت جبريل، فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية» ([23]).
وهذا التشكل من الملك بصورة الإنسان لا يعني بحال من الأحوال أنه انقلب عن طبيعته وخرج عن فطرته، ولا يعني أيضا أنه صار له بدنان أو جسمان، ولا علاقة له بتنقل الأرواح في الأجساد.
والفرق بين صورة الوحي في صلصة الجرس وصورة الوحي في تشكل الملك بصورة البشر راجع إلى ضرورة المناسبة بين الملك والرسول بإيجاد العامل المشترك الذي يجمع بينهما؛ حتى يمكن التلقي والتعليم والوعي، ويكون ذلك إما بتقارب الرسول من الملك أو بتقارب الملك من الرسول، والحال الأولى هي الصلصة بحيث تغلب الأوضاع الروحية، وتعلو فوق المدارك الإنسانية، وينخلع الرسول من صورته البشرية في الوعي والإدراك، وهذا الوضع يجعل الرسول في شدة وتكلف ومجاهدة، والحال الثانية: هي تشكل الملك بصورة البشر، ويظل الرسول في مداركه الإنسانية المعتادة، فيسهل التلقي والحوار([24]).
الخلاصة:
- كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يختلي بنفسه في غار حراء؛ ليتأمل في صنع الله – عز وجل – بعيدا عما يعيشه قومه من فساد في العقيدة وفساد في الأخلاق، وتدهور في الحالة الاجتماعية، ثم إنه لم يكن بدعا من الرسل في ذلك، فقد كان سيدنا زكريا – عليه السلام – يعتزل قومه ليتجنب مساوئهم، وكان سيدنا إبراهيم يعتزل قومه ليتأمل في خلق السماوات والأرض؛ حتى يتوصل إلى وحدانية الله سبحانه وتعالى.
- إن الحوار الذي دار بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وبين جبريل عليه السلام: “اقرأ”، “ما أنا بقارئ” يدل دلالة قاطعة على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد تلقى الوحي عن ذات منفصلة أخرى تتمثل في جبريل عليه السلام لذلك ارتجف فؤاد النبي – صلى الله عليه وسلم – وارتعد وعاد إلى خديجة – رضي الله عنها – مذعورا مما حدث له في الغار.
- القرآن الكريم لا يعكس بأي شكل من الأشكال شخصية النبي – صلى الله عليه وسلم – سواء في أفراحه أم في أحزانه، أم فيما مر به من ظروف وأحوال، إذ توفي في عام واحد أبو طالب المدافع الأول عنه وعن دعوته، وخديجة – رضي الله عنها – التي كانت تواسيه بنفسها ومالها، ولم يظهر لذلك أثر في القرآن الكريم، فلو كان القرآن من تأليفه لرصد كل هذه الأحداث في كتابه كما يفعل الكتاب والأدباء.
- ليس كل ما في الوحي المنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – مما يستنبطه عقل الإنسان، ولا مما يدركه شعوره ووجدانه؛ لأنه رصد أشياء ما كانت تخطر ببال أحد من البشر في ذلك الوقت، كذلك هناك أمور غيبية لا يستطيع بشر التوصل إليها كالإخبار عن الملائكة والجنة والنار والنعيم والعذاب وكثير من أمور الغيب التي آمنا بها ولم نرها.
- إن قدرة الله – عز وجل – التي تمكن الملك من التشكل بالصورة البشرية محل اتفاق جميع أهل الأديان؛ إذ جاءت الملائكة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – في صورة بشر وقدم لهم عجلا حنيذا، ولم يعرف أنهم ملائكة إلا عندما أخبروه بذلك وبشروه بولده إسحاق، وكذلك جاءت الملائكة لسيدنا لوط – عليه السلام – وكان يظنهم بشرا ممن كرمهم الله لولا أن أخبروه بذلك، وكذلك جاء جبريل – عليه السلام – إلى السيدة مريم ليبشرها بسيدنا عيسى – عليه السلام – فكيف ينكرون إذن رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – دون غيره من الرسل لسيدنا جبريل – عليه السلام – على هيئته البشرية؟!
- إن الوحي المنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – حقيقة لا جدال ولا مراء فيها، وهذا اصطفاء من الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – كما اصطفى غيره من الرسل قبله: )كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم (3)( (الشورى).
(*) الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده، د. محمود ماضي، دار الدعوة، القاهرة، 1416هـ/ 1996م.
[1]. افتراءات المستشرقين على الإسلام، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1413هـ/ 1992م، ص7، 8 بتصرف يسير.
[2]. العريكة: النفس والطبيعة.
[3]. الحزن: من الرجال من خشنت معاملته.
[4]. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي، دار الكتاب المصري، القاهرة، ط2، 1407هـ/ 1986م، ج2، ص319.
[5]. دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، د. محمد رواس قلعه جي، دار النفائس، بيروت، ط3، 1426هـ/ 2006م، ص99، 100.
[6]. يتأله: يتعبد.
[7]. سبل الهدى والرشاد، محمد بن يوسف الصالحي، دار الكتاب المصري، القاهرة، ط2، 1407هـ/ 1986م، ج2 ص319، 320.
[8]. قوانين النبوة، موفق الجوجو، دار المكتبي، دمشق، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص174 بتصرف.
[9]. رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، د. عماد السيد الشربيني، دار الصحيفة، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص306.
[10]. الإجفال: الفزع والانزعاج.
[11]. نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الفكر الاستشراقي المعاصر، د. لخضر شايب، مكتبة العبيكان، السعودية، ط1، 1422هـ/ 2002م، ص471، 472.
[12]. المصطفون الأخيار، الشيخ عطية صقر، دار مايو الوطنية، القاهرة، 1997م، ص125، 126.
[13]. الأدلة على صدق النبوة المحمدية، هدى عبد الكريم مرعي، دار الفرقان، الأردن، 1411هـ/ 1س991م، ص497، 498 بتصرف.
[14]. رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، د. عماد الشربيني، دار الصحيفة، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص305، 306.
[15]. النبأ العظيم، د. محمد عبد الله دراز، دار القلم، الكويت، ط9، 2005م، ص66، 67 بتصرف يسير.
[16]. النبأ العظيم، د. محمد عبد الله دراز، دار القلم، الكويت، ط9، 2005م، ص68: 70 بتصرف يسير.
[17]. الحنيذ: المشوي.
[18]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (3043)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب عرق النبي في البرد وحين يأتيه الوحي (6205).
[19]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامة الساعة (102).
[20]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (3049)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس (1410).
[21]. صحيح: أخرجه ابن راهويه في مسنده، ما يروى عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه (165)، والنسائي في سننه، كتاب الإيمان وشرائعه، باب صفة الإيمان والإسلام (4991)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4991).
[22]. ضرب من الرجال: وسط لا ناحل ولا غليظ مكتز اللحم.
[23]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله إلى السماوات وفرض الصلوات (441).
[24]. النبوة المحمدية: دلائلها وخصائصها، د. محمد سيد أحمد المسير، دار الاعتصام، القاهرة، 1421هـ/ 2000م، ص177: 184 بتصرف يسير.