الزعم أن القرآن يثبت غروب الشمس في عين ماء وطين
وجه إبطال الشبهة:
ليس هناك أدنى تعارض بين النص القرآني والحقائق العلمية؛ ذاك أن حديث القرآن هنا هو عن الرؤية البصرية لذي القرنين؛ ولهذا قال: “وجدها”، ولم يثبت القرآن ذلك على أنه حقيقة علمية، فمنتهى أفق بصره (ذو القرنين) قد جعله يرى اختفاء الشمس (غروبها) في هذه البحيرة (العين الحمئة)، وذلك مثل من يجلس منا على شاطئ البحر عند غروب الشمس، فإن أفق بصره يجعله يرى قرص الشمس يغوص -رويدًا رويدًا- في قلب ماء البحر.
التفصيل:
لقد اتهم بعض المتوهمين القرآن الكريم بأنه ذكر أن الشمس تغرب في الأرض نفسها، وذلك في قوله تعالى: )حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة((الكهف: ٨٦)، وتجاهلوا أن في مثل هذا المقام يقول القائل في أي لغة: “رأيت الشمس تغرب في البحر” مثلاً، مع أن القائل قد يكون أعلم الجغرافيين والفلكيين، وإنما هذا التعبير بحسب ما يبدو لنظر الواقف على ساحل البحر.
وامتدادًا لما سبق نقول:
- القرآن الكريم لم يقل: إن الشمس تغرب في عين حمئة، بل نقل وصف ذي القرنين لمشهد غروب الشمس؛ ولهذا قال: “وجدها” ولم يثبت ذلك على أنه حقيقة كونية، وفي هذا يقول مصطفى صادق الرافعي: “فلفظة (وجدها) هنا سر الإعجاز؛ فإن الآية لا تقرر حقيقة مغرب الشمس حتى يقال إنها خالفت العلم، وإنما تصف الآية حالة قائمة بشخص معين، كما يقول القائل: (نظرت إلى السماء فوجدت الكواكب كل نجم كالشرارة)، فهذا صحيح فيوجدانه هو لا في الحقيقة، ولو كان القرآن كلام إنسان في ذلك الزمن، لجعلها حقيقة مقرَّرة مفروغًا منها، ولقال: كانت الشمس تغرب… إلخ”.
فلا يجوز نسبة قول ذي القرنين وتعبيره البلاغي إلى ما يرشد إليه القرآن الكريم من حقائق العقائد، والشواهد الكونية، فالآية ليست مطلقة المعنى، بل مقيدة بشخص ذي القرنين، وما قاله ذو القرنين ليس فيه ما يخالف العقل؛ لأنك إذا كنت متجهًا غربًا وأمامك جبل، فإنك سوف تجد الشمس تغرب خلف الجبل، قطعًا لا يفهم أحد من ذلك أن الشمس تختبئ حقيقة خلف الجبل، وإن كان الذي أمامك بحيرة، فستجد أيضًا الشمس تغرب في البحيرة.
فذو القرنين وصل إلى العين وقت غروب الشمس، فوجدها تغرب في تلك العين، وعندما نقول: وجدها تغرب خلف الجبل أو وجدها تغرب في العين، فذلك الأمر بالنسبة إليه -كما سبق بيانه- فإن ما رآه ذو القرنين لم يكن غروبًا حقيقيًّا في العين الحمئة، ودليل ذلك أيضًا: أن سياق القصة –عقلاً- ينفي إيمانه بأن الشمس تغرب في عين حمئة، وذلك لسببين:
الأول:ذو القرنين كان يتحدَّث مع السكان الموجودين قرب تلك العين الحمئة، فلو كان يقصد أن الشمس تدخل في العين حقيقة، فهل سيتكلم مع قوم حول الشمس الساخنة وهم يعيشون حياة طبيعية؟!
الثاني:لما وصل ذو القرنين إلى مطلع الشمس، يفترض به -بحسب تلك الشبهة- أن يجد الشمس تطلع من عين حمئة بدلاً من أن يجدها تطلع علىقوم، فلماذا قال: إنها طلعت على قوم، ولم يقل أشرقت من عين حمئة؟!
- قال تعالى -بعد تلك الآية الكريمة-: )حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا (90)((الكهف)، فذو القرنين وجدها تطلع على قوم، هل يفهم أحد من ذلك أنها تطلع على ظهورهم؟! أو أنها ملامسة للقوم؛ لأن الله تعالى يقول: )وجدها تطلع على قوم( (الكهف:90)؛ الواضح أنها بالنسبة لذي القرنين كانت تطلع على أولئك القوم، وهذهالآية أيضًا مقيدة بما رأى ذو القرنين، وما ينطبق على هذه الآية ينطبق على التيقبلها.
- )مغرب الشمس( (الكهف:86)، هل هو ظرف زمان، أم ظرف مكان؟ من الجائز أن:)مغرب الشمس( (الكهف:86)، هنا يقصد به: الوقت واللحظة التي تغربفيها الشمس، كالمغرب المذكور في الحديث الشريف: «إنما أجلكم -في أجل من خلا من الأمم- ما بين صلاة العصرإلى مغرب الشمس…»([1])، فيكون المعنى: ذو القرنين وصل إلى العينالحمئة، وقت الغروب، فتراءى له أن الشمس تغرب في تلك العين، ثم وصل إلى قوم آخرين وقت شروقها.
- لم يزعم أحد أن الشمس حين تغرب تدخل داخل بئر، ولو فهم العرب ذلك من القرآن الكريم لأنكروه.
- غروب الشمس لا يعني دخولها في الأرض -حتى في تعبيرنا الحالي- وفي لغة العرب: غربت الشمس، وغربت القافلة، وغربت السفينة تأتي بمعنى واحد، وهو: اتجهت غربًا. فعندما نقول: غرب طير في البحيرة، وغربت الطائرة في المحيط، وغربت السفينةفي البحر، وغربت الشمس في البحيرة؛ يعني اتجهت غربًا -بالنسبة للشخص الذي ينظرإليها- ولا يعني أنها دخلت في البحيرة.
وهذا ما يصرح به علماء النصارى أنفسهم؛ فقد قال القس منسي يوحنا معقِّبًا على وقف الشمس ليشوع (كما ورد في يشوع 10/ 12ـ 13): “الكلام بحسب مقتضى الظاهر، والفلكيون المحدثون القائلون بدوران الأرض يقولون: (أشرقت الشمس وغربت)؛ لأن في ذلك اختصارًا وبيانًا للناظرين، وإلا لاضطررنا أن نقول (معبرين عن غروبالشمس): دارت الأرض حتى بعد مكاننا عن الشمس، فحجبت عنا الشمس لكروية الأرض”([2]).
- وثمة شواهد عديدة يتحدث فيها أصحابها عن سقوط الشمس أو غوصها أو غروبها في البحر أو في السهل، أو ما إلى هذا وذاك من مثل: غربت الشمس وراء الأفق، وغربت الشمس في المحيط، وغربت الشمس في البحر. وفي اللغة الإنجليزية:
- The sun sinks down into the sea.
- The sun sank slowly into the sea.
ومهما كان الإنسان عالـمًا؛ فإنه لا يتحاشى أمثال هذه التعابير المعهودة للبشر، فكذلك القرآن الكريم فإنه جرى عليها. ومن ثم؛ فإن معنى قوله تعالى: )وجدها تغرب في عين حمئة((الكهف:86)؛ أي: خيل له أنها تغرب في العين، كما يخيل ذلك لكل من وقف على ساحل البحر وقت الغروب؛ فإنه يرى الشمس كأنها تغيب في البحر.
- وفي هذا الصدد يجب ألا نغفل مبدأ النسبية؛ فنحن عندما نقف على سطح الأرض نرى القمر يدور حول الأرض، فنقول: إن القمر يدور والأرض ثابتة، ولكن إذا صعدنا ووقفنا على سطح القمر فسنرى الأرض هي التي تدور حول القمر، فنقول: إن الأرض تدور والقمر ثابت!
وعندما يخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم حول قصة أصحاب الكهف، فيقول: )وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (17)( (الكهف)، إنما يصور له الموقف فيما لو نظر أحد إلى هذا الكهف ماذا سيرى بعينيه، فالشمس تطلع وتغرب حسب ما يراه الإنسان (وترى). أما عندما يحدثنا القرآن عن حقيقة كونية فإن الله يقول: )والشمس تجري(
(يس:38)، وقد ثبت أن حركة الشمس في السماء هي حركة اهتزازية أشبه بإنسان يجري!
هكذا تبدو أرضنا من على سطح القمر، ولو كانت هناك مخلوقات تعيش على القمر سوف يرون الشمس تطلع وتغرب وتتحرك وتدور حول القمر، وسوف يظنون أن القمر ثابت والأرض هي التي تدور حوله؛ لأن الحركة هنا نسبية! الشيء نفسه يحدث عندما نقف على الأرض فنرى الشمس والقمر والنجوم والكواكب تدور حول الأرض، والحقيقة أن الأرض هي التي تدور
فالله عز وجل عندما يحدثنا عن حركة الشمس والقمر ليس ضروريًّا أن يعطينا درسًا في الفيزياء، ولكن تكفي الإشارة القرآنية التي لا تناقض العلم مهما تطور.
إننا نرى الشمس تغرب وتتحرك، ولكن الحقيقة أن الأرض هي التي تدور،
ولكننا لا نرى دورانها وهذا من رحمة الله بنا
والآيات القرآنية تتحدث بوضوح عن حركة الشمس والقمر وكل الأجرام السماوية، وذلك في قوله تعالى: )وكل في فلك يسبحون(40)((يس)([3]).
- المقصود بالعين الحمئة:
وأما المقصود بالعين الحمئة فهي العين التي اختلط فيها الماء بالطين، وقيل: إنها من الحمأة وهو الطين الأملس، وقيل: حمئة؛ أي: عين حامية (حارة)، فهل توجد عين حامية في قطب الأرض، حيث بلغ ذو القرنين؟
قد يبدو من المستغرب الكلام عن براكين في هذا الجو البارد، لكن بالنسبة لدرجة حرارة الحمم التي تخرج من باطن الأرض -والتي تصل إلى 1200 درجة- فإن برودة القارة القطبية تعتبر لا شيء، فالقارة القطبية تحتوي على براكين نشطة كثيرة.
فإذا نشطت البراكين وقذفت بالحمم البركانية على الجليد، فإن مساحات هائلة من الثلج تذوب حول فوران البركان مكونة بحيرات مائية قد تسبب فيضانًا مائيًّا صخريًّا (تدفق الطين) حارقًا متدفقًا، كما أن هذه الحمم المندفعة تتأثر بدورها بالثلج المذاب، فعند ارتطامها بالماء تحدث فوضى عارمة وتتجزَّأ.
ويحدث تدفق طيني صخري من جانب البركان يوجد نوعين: نوع يحتوي على أكثر من 3 – 5 % من الصلصال، ونوع آخر يحتوي على نسبة أقل من 3 – 5% من الصلصال، وهذا النوع ينتج من اختلاط ثلج مذاب من صخور بركانية([4]).
ومن ثم؛ فلا يصح التوهم بأن القرآن يقرر أن جرم الشمس صغير حتى تهبط حقيقة في بحر من بحار الأرض؛ لأن التعبير (وجدها تغرب في عين حمئة) قائم على النسبة إلى سكان الأرض كما ترى العين، نحو قوله تعالى:) قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب( (البقرة: 258)، وعلى هذا اتفق الجمع الغفير من المفسرين سلفًا وخلفًا.
قال ابن الجوزي:”ربما توهم متوهم أن هذه الشمس على عظم قدرها تغوص بذاتها في عين ماء، وليس كذلك، وإنما وجدها تغرب كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طرفه أن الشمس تغيب في الماء؛ وذلك لأن ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان”([5]).
وقال القرطبي:”ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربًا ومشرقًا حتى وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافًا مضاعفة، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض؛ ولهذا قال: )حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا (90)((الكهف)، ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم”([6]).
وقال الألوسي:)حتى إذا بلغ مغرب الشمس(؛ أي: منتهى الأرض من جهة المغرب، بحيث لا يتمكن أحد من مجاوزته، ووقف كما هو الظاهر على حافة البحر المحيط الغربي الذي يقال له أوقيانوس… وجرم الشمس أكبر من جسم الأرض بأضعاف مضاعفة، فكيف يمكن دخولها في عين ماء في الأرض؟ وهو مدفوع بأن المراد: وجدها في نظر العين كذلك؛ إذ لم ير هناك إلا الماء، لا أنها كذلك حقيقة، وهذا كما أن راكب البحر يراها إذا لم ير الشط كأنها تطلع من البحر وتغيب فيه… الذي في أرض ملساء واسعة يراها أيضًا كأنها تطلع من الأرض وتغيب فيها؛ فالشمس على ما هو الحق لم تزل سائرة طالعة على قوم، غاربة على آخرين بحسب آفاقهم([7]).
ونخلص مما سبق إلى أنه لا تناقض بين النص القرآني والثابت من حقائق العلوم.
(*) منتدى: المسيحيين المغاربة www.movmegod.com. القرآن ونقض مطاعن الرهبان، د. صلاح عبد الفتاح الخالدي، دار القلم، دمشق، ط1، 1428هـ/ 2007م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأنبياء، باب: ما ذُكر عن بني إسرائيل، (6/ 571، 572)، رقم (3459).
[2]. شبهة غروب الشمس في عين حمئة، د. عبد الرحيم الشريف، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.
[3]. دوران الأرض هل يخالف ظاهر القرآن؟ عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: الجمعية الفلكية بجدةwww.jassis.net.
[4]. العين الحمئة بين القرآن والمكتشفات الحديثة، د. نهى طه مصطفى أبو كريشة، مقال منشور بملتقى: حفاظ الوحيين www.alwhyyn.net.
[5]. زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1404هـ، ج5، ص186.
[6]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج11، ص49-50.
[7]. روح المعاني، الألوسي، مرجع سابق، عند تفسير هذه الآية.