الزعم أن حديث الحمَّى يتنافى مع المعارف الطبية الحديثة
وجه إبطال الشبهة:
أثبت الطب الحديث أن الحمَّى هي ارتفاع درجة حرارةالجسم، ورغم أن للحمى أسبابًا كثيرة، إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعةللحرارة تؤثر على منطقة المهاد، وأن العلاج يكون بخفض درجة الحرارة، وذلك عن طريقمخفِّضات الحرارة، كالماء والإسبرين والكينين؛ لذا كان استعمال الماء البارد هوالواسطة العلاجية الأولى، التي يحث الإطباء على اللجوء إليها سريعًا عند الإصابةبالحمى، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
أثبت العلم الحديث أن تشخيص الحمى يكون بارتفاع في درجةحرارة الجسم بالقياس الفموي (C 37)، معاعتبار الفروق الطبيعية لكثير منا، وتتراوح في 95% منهم
بين 36.3: 37.1 في الفترة الصباحية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة بالمخ، وثبات
درجة الحرارة في معدلاتها الطبيعية محكوم بمركز ما تحت المهاد (Hypothalamus)،
الذي يحتوي على مراكز التحكم الحراري (Thermoregulatory control Center a thermostate).
وتحتوي هذه المنطقة من المخ على خلايا عصبية تستشعر درجةحرارة الدم؛ ففي حالة انخفاض درجة حرارة الدم ترسل إشارات إلى العضلات تسبب توترًاعصبيًّا وارتفاعًا في درجة الحرارة، وإشارات إلى الأوعية الدموية بالجلد فتسببانقباضها وانتصاب الشعر والقشعريرة، ويحول ذلك دون فقدان الحرارة من الجسم إلىأقصى درجة، ويحدث العكس عند ارتفاع درجة الحرارة، فترتخي العضلات وجدران الأوعيةالسطحية، مما يترتب عليه فقدان الحرارة من الجسم؛ أي إن الترموستات الحراري مضبوطضبطًا ربانيًّا على نظم درجة الحرارة عند (37 cه).
وتحدث الحمى في حالة حدوث عدوان على جسم الإنسان، سواءعن طريق خلايا بكتيرية أو سرطانية أو فيروسات أو فطريات أو أي جروح أو أمراضداخلية؛ حيث تلتف البلاعم والخلايا المناعية حول المكان المصاب أو العضو المريض،وتتفاعل مع تلك الأجسام الغريبة، وتتولد عن هذه المعارك الشرسة مواد تُسمى”بيروجينات” (Pyrogens).
والجدير بالذكر أن المكان المصاب عند حدوث العدوان تنبعثمنه إشارات ونبضات عصبية إلى سائر مراكز الجسم وأعضائه المختلفة، وذلك على مستوىالمراكز الرئيسة في الجسم، وهو الاستنفار العام الذي يُسمى بـ “الاستجابةالعصبية الغددية الصموية” (Neuro Endocimal Respones)، وأول هذه المراكز هو المخ (الرئيس).
وتتابع تفاعلات الأيض الاستقلابي في الجسم كله (Metabolic changes)، وتتداخل وتتوافق وتتكامل الوظائف الكلوية والكبدية والرئتين والجهازالدوري والجهاز المناعي الذي يعنينا في هذا البحث بصفة خاصة، والذي ثبت في السنواتالأخيرة المعدودة مشاركاته اللامحدودة على المستوى العضوي والمستوى الخلوي للجسدكله، ما من شأنه شحن كل مقدرات الجسد وطاقاته من شتى الاتجاهات لإسعاف الجزءالمصاب، وعلى قدر حاجته تمامًا؛ أي إن التداعي الجسدي بالاستنفار المناعي والعضويوحدوث الحمى يكون بمعايير منضبطة وغاية في الدقة.
وعندما تصل البيروجينات عن طريق الدم إلى المخ- حيثترموستات الحرارة تحت المهاد- يتأثر بها المركز، وتتغير درجة ضبط الحرارة إلى درجةأعلى من ذلك وفقًا لدرجة التفاعلات الأيضية الخلوية وتركيز البيروجينات كنتيجةللمعارك الدائرة بين الجهاز المناعي، مع اختلاف قدرات هذا الجهاز من شخص لآخر وقوةالأجسام المعادية، وترتفع درجة حرارة الاستقلاب الأيضي في الخلايا، وترتفع نسبةالأدرينالين في الأنسجة، خاصة السطحية، وكذلك الجهاز الدوري بتأثير زيادة إفرازالثيروكسين والثريونين من الغدة الدرقية؛ استجابة لزيادة إفراز منشط الغدة الدرقية.
وبارتفاع درجة حرارة الجسم يستمر استنفار كافة الأجهزةوالأعضاء بصورة متتابعة، وذلك في خدمة العضو الذي تم الاعتداء عليه والموضع الذيتنبعث منه إشارات الاستغاثة، ويمكن تصوير هذه الأحداث بمصداقية الطب الحديث بمايأتي:
- Call uponeach other.
- Threaten tofall.
- Even collaps (due to the catabolic events)([1]).
ويعرف الألماني بلز الحمى فيقول: هي عبارة عن انفعال عاميطرأ على الوظائف الحيوية، يضاف إليه سرعة غير طبيعية لبعض أعمال الجسد، وسرعة غيرعادية للنبض، وزيادة للحرارة الغريزية، واضطراب للمجموع العصبي والهضمي.
والحمى في حقيقتها ليست مرضًا قائمًا بنفسه، بل هي نتيجةمجهود عظيم يبذله الجسم ليتخلص بسببه من مرض، ويرجع التوازن الجسدي لحالته الأولى،ومن أعراضها: ارتفاع درجة الحرارة، فقد تبلغ 42 درجة بدلاً من 37، ويزداد النبض من60 أو 70 إلى 120 وقد يزيد عن ذلك, ويشعر المصاب بحرارة وقشعريرة متعاقبتين، ويضافإلى هذا العطش, وفقد الشهية, وجفاف الجلد, وقلة عرقه, وألم في الرأس، وتعكر فيالبول, وشعور بالضجر, فيشعر المريض بأنه تعب متكسر الأعضاء كئيب, وقد يعتريه هذيانأحيانًا([2]).
ورغمأن للحمى أسبابًا كثيرة، إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعةللحرارة تؤثر على منطقة تحت المهاد، وتحدث الرعشة وتقلص العضلات، فتزيد من ارتفاعالحرارة، ومن أشهر أسبابها: ضربة الشمس والملاريا والأنفلونزا ونوبات البرد والحمىالتيفية والمالطية وغيرها، والمعالجة بالكمادات الباردة والماء المثلج نوع مهم منالعلاج للأعراض ذاتها، وإذا كانت الأدوية النوعية المضادة للحميات الإنتانية لم تُكتشفإلا في القرن التاسع عشر، وكذلك مخفضات الحرارة، كالأسبرين والكينين، فقد كاناستعمال الماء البارد هو الواسطة العلاجية الأولى([3]).
وقد تؤدي الإصابة بالحمى إلى هياج شديد، ثم هبوط عاموغيبوبة تكون سببًا في الوفاة؛ ولذا كان لزامًا تخفيض هذه الحرارة المشتعلة بالجسمفورًا حتى ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ، وليس لذلك وسيلة إلا وضع المريض في ماءأو عمل كمادات من الماء البارد والثلج؛ حيث إنه إذا انخفضت شدة هذه الحرارة عادالجسم كحالته الطبيعية بعد أن ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ([4]).
ومسألة التبريد أدركها الطب الحديث، وعرف أن علاج مريضالحمى يكون بتخفيض حرارته، فعمل الطب الحديث على تصنيع الأسبرين والكينين وغيرهامن الأدوية الحديثة؛ إذ توجد ثلاث مجموعات من الأدوية التي يمكن أن تسهم في خفضدرجة الحرارة، وهي:
- الكورتيزونات.
- المسكنات (NSAIDS).
- Acetaminophen)) Paracetamol.
ورغم أن تأثير الكورتيزونات كخافض للحرارة، إلا إننا لانستخدمه؛ لأعراضه الجانبية، وخاصة أنه يضعف المناعة، ولأن الأغلب أنها من إصابةعدوى، فلا يُنصح باستخدامها.
وينصح الأطباء باستخدام المسكنات (NSAIDS) أو الأسبرين؛ لأنهما أقوى تأثيرًا على درجة حرارة الجسم، مثل أسبرينديكلوفيناك صوديوم، إيبوبروفين، وأشهر الأدوية المستخدمة للكبار فولتارين، بروفين،وللأطفال دولفن، بروفين.
أما الأسبرين فيزيد الحذر مع الأطفال؛ وذلك لتأثيرهالجانبي، ويكون الخيار الأفضل حينذاك هو الباراسيتامول؛ لأنه آمن وفعال مقارنةبباقي خافضات الحرارة([5]).
ومن هذا يتبين أن العلم الحديث قد كشف أن التبريد بالماءيفيد في معالجة كل الحميات الإنتانية، وأول ما ينصح به الطبيب اليوم هو عملالكمادات بالماء البارد على رأس المحموم.
وقد أكد الدكتور صادق علي عبد العال- استشاري صحةالأطفال بجامعة القاهرة ومستشار وزير الصحة- على أن من يتولى طفلاً ارتفعت درجةحرارة جسمه فجأة أن يتوخى الحذر في سرعة استخدام مخفضات الحرارة, مشيرًا إلى أنهناك عدة خطوات طبية لا بد أن تتخذها الأم لخفض حرارة الطفل قبل التفكير فياستخدام مخفضات الحرارة.
وأول هذه الخطوات التخفف قليلاً في ملبس الطفل، وفتحمنافذ الغرفة وتهويتها بشرط ألا يقع سرير الطفل في تيار هواء بالغرفة, فضلاً عنضرورة تناول الطفل للأعشاب الطبيعية، مثل الكراوية والينسون أو حتى المياه.
وأوصى هذا الطبيب بضرورة غسل وجه الطفل وأطراف جسمه-الذراعين والأرجل- بالماء الفاتر، وذلك بمعدل كل نصف ساعة، بالإضافة إلى غسلالرأس بالكامل بالماء الفاتر بمعدل كل ساعة؛ وذلك حتى تتحاشى الارتفاع العاليلدرجة حرارة رأس الطفل، وما يعقبه من تشنجات عصبية وتشنجات حرارية، ويجب عدمالاستحمام بالكامل؛ خوفًا من الإصابة بالالتهاب الرئوي([6]).
ويذهب الدكتور حكمت فريحات- اختصاصي في الطب العام- إلىفائدة استخدام الماء في علاج الحمى، فيقول بعد النصح بالذهاب إلى الطبيب:”لكن بانتظار الوصول إلى الطبيب, وخاصة في المناطق النائية التي يصعب فيهاالوصول إلى الطبيب بسهولة، فإن على الأم أن تعمل بسرعة فائقة على مكافحة ارتفاعدرجة حرارة جسم طفلها, وتعمل على خفضها للوقاية من حدوث المضاعفات, فيجب عدمالسماح للسخونة بالاستمرار لأكثر من بضع دقائق، وإلا أحدثت أضرارًا للمخ, و يلاحظ الجميعأن الإنسان البالغ والكبير عندما يُصاب بالسخونة يظهر عليه الخراف أو ما يُعرف بـ”الهتورة والتخريف”، فما بالكم بالطفل الصغير؟ وأفضل طريقة لمكافحةالسخونة وخفض درجة حرارة الجسم المرتفعة هي استخدام الماء البارد على جميع الجسم،وخاصة البطن والرأس, وهي المستخدمة في المستشفيات الجامعية”([7]).
هذا وإن لتبريد الحمى بالماء طرقًا عديدة، نذكر منها:
- اللف بالكمادات الباردة: كالمناشف وقطع القماش المبللةبالماء البارد؛ حيث تُلف أجزاء من البدن، كالجبهة والرأس والأطراف، أو يُلف البدنكله، وتُستعمل هذه الطريقة لخفض حرارة المحمومين المصابين بحمى ضربة الشمس أوالحمى التيفودية وغيرها, وخاصة عند ارتفاع درجة الحرارة الشديدة أو المترافقةبهذيانات، ويُكرر اللف مرة كل 3: 4 ساعات، ولا يجوز تطبيق اللف الكامل عندالمصابين بآفة قلبية أو رئوية، بل يُكتفى بالكمادات الموضعية الباردة للتخفيف منشدة الحرارة.
- الحمام البارد: اقترح براند حمامًا بدرجة 15: 20 للمصابين بالحمى التيفودية؛ فهو يخفض الحرارة،ويدر البول، وينشط الجسم, أما الحمامات الباردة بدرجة 20: 25 فتفيد العصبيين وبعض المحمومين, وخيره ما كانتدرجة حرارته من 25: 32 .
- مغطس الماء البارد: وقد اقترحه (Savil) لتخفيض حرارةالمحموم بوضعه في مغطس ثلثه ماء بدرجته 32: 35 ، ثم يُزاد ماء بارد كل 5 دقائق حتىتصل درجة الماء إلى 15,5, ولا يُستعمل المغطس والحمام الباردان للمصابين بالبرداءوالنزلة الوافدة، ولا المصابين بآفة قلبية أو رئوية([8]).
2) التطابق بينالحقائق العلمية والحديث النبوي الشريف:
لقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي بالماء لمنأصابته الحمى، فقال: «الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء»([9])؛ أي إنالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الماء علاج لمن أصيب بالحمى، ثم خرج علينا أناسيزعمون أن هذا العلاج خاطئ، بل يدل على سمات التفكير البدائي، وبعيد كل البعد عنكلام الأنبياء المتعلق بالوحي الإلهي.
ولكنبالنظر إلى الاكتشافات الطبية الحديثة والدراسات الدائمة على معالجة الحمى يتبينأن الطب قد قرر أن استخدام الماء البارد غسلاً وعلى شكل كمادات يفيد في خفض درجةالحرارة للمصابين بالحمى، وعندما يُصاب الطفل باختلاج بسبب ارتفاع درجة حرارتهنقوم فورًا بوضعه في مغطس بارد لإنزال حرارته، ولا يجوز خفضها كثيرًا بالمغاطس، بلنتابع بالكمادات الباردة بعد المغاطس، وفي حال ضربة الشمس التي هي أكثر الحوادثمشاهدة في الحج يتم اتباع الأسلوب السابق نفسه، كما يمكن وضع قطع من الثلج على جسمالمريض في البداية، ويجري تمسيد الأطراف والجذع لتحسين الدوران الدموي في الجسم،كما يوصي الأطباءُ المرضى بعدم تناول الأسبرين بشكل عشوائي عند ارتفاع درجةحرارتهم، والاكتفاء بالكمادات الباردة في حال الارتفاع القليل للحرارة([10]).
وقد اعتنى العلماء بهذا الموضوع قديمًا وحديثًا، فمنهممن أفرده بكتاب،كالإمام ابن القيم، والحافظ المستغفري، ومنهم من ذكره في كتب الحديث الجامعة،كالإمامين البخاري والترمذي في جامعيهما، والإمام الحاكم في مستدركه، والإمامين أبيداود والنسائي في سننيهما، وغيرهم([11]).
وجاء في “شرح رياض الصالحين”: أن الحمى لهاأدوية علاجية، منها الماء البارد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الحمى منفيح جهنم، وأمرنا أن نطفئها بالماء البارد؛ ولهذا أقر الأطباء في الوقت الحاضر بأنأفضل علاج للحمى البرودة، حتى إنهم يجعلون الإنسان المصاب بالحمى حول المكيفاتالباردة التي لا تضرهم إلى أنيغطونه بخرقة مبلولة بالماء؛ لأن الحمى حرارة كما هو معروف، وهذا الماء يبردهاويطردها، وهو شيء أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أخبر به الرسول صلى اللهعليه وسلم فهو حق، المهم أن الإنسان يصبر ويحتسب على كل الأمراض لا يسبها([12]).
والحمى التي تصيب الإنسان بالحرارة في جسمه من فيح جهنمكما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أما كيف وصل فيح جهنم إلى بدن الإنسان فإنالمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم؛ تنبيهًا للنفوس على شدة حر النار، وأن هذهالحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرُب منها من حرها كما قيل بذلك.
واعترض بعض الأطباء على هذا الحديث وقالوا: إن اغتسالالمحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك؛ لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارةإلى داخل الجسم، فيكون ذلك سببًا للتلف.
قال الخطابي: غلط بعض من يُنسب إلى العلم فانغمس فيالماء لما أصابته الحمى، فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه، فأصابته علة صعبة كادتتهلكه، فلما خرج من علته قال قولاً سيئًا لا يحسن ذكره، وإنما أوقعه في ذلك جهلهبمعنى الحديث، والجواب أن هذا الإشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر، فيقال لهأولاً: من أين حملت الأمر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية، فضلاًعن اختصاصها بالغسل، وإنما في الحديث الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء، فإن أظهرالوجود أو اقتضت صناعة الطب أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه إياه على جميعبدنه يضره فليس هو المراد، وإنما قصد صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجهينفع، فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به، وهو كما وقع في أمره العائنبالاغتسال وأطلق، وقد ظهر من الحديث الآخر أنه لم يرد مطلق الاغتسال، وإنما أرادالاغتسال على كيفية مخصوصة، وأَوْلَى ما يُحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعتهأسماء بنت الصديق، فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئًا من الماء بين يديه وثوبه،فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها، والصحابي- ولا سيما مثل أسماء التي هي ممنكان يلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم- أعلم بالمراد من غيرها([13]).
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحمى من فيحجهنم، فأبردوها بالماء»؛ يعني: صبوا على المريض ماء يبرده، وهذا من أسباب الشفاءلمن أصيب بالحمى، وقد شهد الطب الحديث بذلك، فكان من جملة علاجات الحمى أنهميأمرون- أي الأطباء- المريض أن يتحمم بالماء، وكلما كان أبرد على وجه لا مضرة فيهفهو أحسن، وبذلك تزول الحمى بإذن الله([14]).
يقول الدكتور إبراهيم حسن الأعصر- إخصائي طب الأطفال-:إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء» لهمغزى كبير في عالم الطب؛ حيث بيَّن الرسول الكريم فائدة الماء في علاج ارتفاع درجةالحرارة عند الأطفال والكبار معًا؛ لأن الأدوية المخفِّضة لدرجة الحرارة لا تعملإذا ارتفعت درجة الحرارة عن 38 درجة ونصف الدرجة؛ لأنها تحترق في الجسم بسرعة، كماأن هذه الأدوية تعمل على زيادة إفراز العرق، مما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة منكلوريد الصوديوم من الجسم.
وأضاف د. الأعصر أن زيادة الأدوية المخفضة للحرارة قدتؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة وليس خفضها، بالإضافة إلى وجود موانع لدى بعض المرضىلاستخدام بعض هذه الأدوية، مثل أنيميا الفول؛ حيث لا يُعطى الأسبرين ومشتقاته.
أما الماء فهو العلاج السريع لخفض الحرارة في حالاتالتشنجات الحرارية وضربات الشمس، كما أن آلية عملها تتركز أساسًا على زيادةالرعشات في الجسم؛ مما يؤدي إلى فقد كميات كبيرة من الحرارة من الجسم، كما أنهاتقلل من إفراز العرق؛ مما يقلل من فقد ملح كلوريد الصوديوم من الجسم.
قال د. الأعصر: إن الماء أيضًا يعمل على توقف لـحظيللتنفس؛ مما يؤدي إلى أخذ شهيق عميق؛ وبالتالي دخول كمية كبيرة جدًّا من الهواءالرطب إلى الجهاز التنفسي لتلطيف درجة الحرارة، وأيضًا شرب الماء ودخوله إلى الجوفيرطب جوف الإنسان([15]).
وقال الدكتور محمود النسيمي في “الطب النبوي والعلمالحديث”: “إن الأدوية النوعية المضادة لعوامل الحميات الإنتانية لم تُعرفقبل القرن التاسع الميلادي، وأن مخفضات الحرارة الشهيرة في الطب الحديث، والتي اكتُشفتباكرًا- كالكينين والأسبرين- لم تنتشر في العالم قبل ذلك القرن؛ ولذا كان استعمالالماء لتبريد الحمى هو الواسطة الأولى، ولقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلىهذه الواسطة الفيزيائية لتلطيف الحميات…”.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحمى من فيح جهنم» هو شدةلهبها وانتشارها، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: «شدة الحر من فيح جهنم»([16])، وفيهوجهان:
أحدهما: أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتُقت من جهنم؛ليستدل بها العباد عليها ويعتبروا بها، ثم إن الله سبحانه وتعالى قدَّر ظهورهابأسباب تقتضيها، كما أن الروح والفرح والسرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله فيهذه الدار عبرة ودلالة، وقدَّر ظهورها بأسباب توجبها.
والثاني: أن يكون المراد التشبيه؛ فشبه شدة الحمىولهبها بفيح جهنم، وشبه شدة الحر به أيضًا؛ تنبيهًا للنفوس على شدة عذاب النار،وأن هذه الحرارة العظيمة مشبَّهة بفيحها، وهو: ما يصيب من قرب منها من حرها([17]).
3) وجه الإعجاز:
إن تبريد الجسم بالماء يفيد في معالجة كل الحمياتالإنتانية، وليس ذلك محصورًا في معالجة ضربة الشمس، وقد نصح النبي صلى الله عليهوسلم باستعمال الماء البارد للحمى؛ لينقص من حرارتها، ويقلل من تأثيرها، وليس هناكمخصص لنوع منها، وهذه النصيحة لا شك أنها من إعجازات النبوة، فنحن اليوم في القرنالعشرين، أليس أول ما ينصح به الطبيب اليوم عمل كمادات بالماء البارد على رأسالمحموم؟! وهو ما سبق به النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام في إعجازنبوي فريد، فسبحان من أرسله وعلَّمه صلى الله عليه وسلم.
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق. موسوعة الإعجازالعلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق.
[1]. الإعجاز العلمي في الأحاديث التي ذكرت الحمى،بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[2]. الحمى: أعراضها وعلاجها، مقال منشور بموقع: صحةوجمال www.sehawegamal.com.
[3]. الإعجاز العلمي في الأحاديث التي ذكرت الحمى،بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[4]. انظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة www.ar.wikipedia.org.
[5]. ما أسباب الحمى لدى المرأة؟ مقال منشور بموقع:إجابات جوجل www.ejabat.google.com.
[6]. الأعشاب الطبيعية تقي طفلك من ارتفاع الحرارة،مقال منشور بموقع: طريق الأخبار www.sehha.akhbarway.com.
[7]. الحمى عند الأطفال، د. حكمت فريحات، مقال منشوربموقع: الطبي www.altibbi.com.
[8]. تبريد الحمى بالماء، د. محمد نزار الدقر، بحثمنشور بموقع: طب الإسلام من صحيح البخاري www.islamimedicine.com.
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب،باب: الحمى من فيح جهنم، (10/ 184)، رقم (5725).
[10]. الإعجاز العلمي في السنة النبوية الصحيحة، محمدسامي محمد علي، دار طيبة، دمشق، ط1، 1430هـ/ 2009م، ص77.
[11]. دراسات في أحاديث الطب النبوي: علاج الحمىبالماء، مقال منشور بموقع: الجلسة الدعوية www.al-jalsa.com.
[12]. شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين،مرجع سابق، ص2049.
[13]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجرالعسقلاني، مرجع سابق، ج10، ص185، 186 بتصرف.
[14]. شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين،مرجع سابق، ص2235.
[15]. لماذا أوصت السنة النبوية باستخدام الماء لعلاجالحمى، مقال منشور بموقع: المحبة الثقافية www.ma7ba.ahlamontada.net.
[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مواقيتالصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر، (2/ 20)، رقم (533).
[17]. تبريد الحمى بالماء، د. محمد نزار الدقر، بحثمنشور بموقع: طب الإسلام من صحيح البخاري www.islamimedicine.com.