الزعم أن عثمان – رضي الله عنه – أهان القرآن وأضر بالمسلمين حين جمعهم على مصحف واحد
وجها إبطال الشبهة:
1) ما فعله عثمان من جمع المسلمين على مصحف واحد وإحراق ما عداه من الصحائف كان إجراء موفقا وضروريا لتيسير حفظ القرآن وتلاوته، ودرء الفتنة والخلاف بين القراء؛ على أن أحدا من جماعة الصحابة لم يخالفه حين جمع ولم يعترض عليه حين أحرق ما سواه.
2) ثمة فرق بين جمع أبي بكر – رضي الله عنه – للقرآن، وجمع عثمان – رضي الله عنه – المسلمين على مصحف، والواقف على دافع هذا وذاك يدرك طبيعة اختلاف تلك الدوافع في الحالتين، ويعلم ميزات الجمع الأول التي لا تلغي أهمية الجمع الثاني ولا تقلل من ميزاته وضرورته هو الآخر.
التفصيل:
أولا. لم يخرج عثمان – رضي الله عنه – عن الإجماع حين نسخ المصحف الإمام:
من المعلوم أن عثمان – رضي الله عنه – لم يكتب نسخته التي تنسب إليه منفردا، وإنما شكل لجنة من كبار أصحاب رسول الله هم: زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الله بن الحارث بن هشام، ولم يستبدل قرآنا بقرآن كما يزعم الزاعمون؛ وإنما الذي قامت به اللجنة – بتوجيه منه – أنها وحدت قراءة القرآن الكريم بلهجة واحدة، فالقرآن نزل بلهجات العرب تيسيرا لتلاوته وحفظه، فلما استقر حفظ القرآن وحد الناس على قراءة واحدة ولم يأمر بإلغاء القراءات الأخرى، بل أمر بحرق النسخ الأخرى غير المجمع عليها.
وعجيب أن يتخذ بعض المغرضين من أمر عثمان – رضي الله عنه – بتحريق ما عدا المصاحف التي كتبها وأرسلها إلى الأمصار ذريعة للطعن فيه، مع أنه لم يفعل ما فعل إلا بموافقة من الصحابة.
وقد كان بدهيا بعد أن أتم عثمان – رضي الله عنه – نسخ المصاحف، وأمضاها إلى الأمصار، أن يحجب كل ما خالفها، فأمر من كان عنده شيء مما عداها من الصحف التي كانوا يكتبون فيها القرآن أن يحرقه، حتى لا يأخذ أحد إلا بتلك المصاحف التي حصل عليها إجماع الصحابة، وهذا ما جاء عن أنس بن مالك، قال: «حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق»[1].
وقد اختلفت الروايات في تحديد ما فعله عثمان – رضي الله عنه – بالمصاحف التي كانت عند المسلمين؛ فرواية البخاري السابقة: وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال الحافظ: في رواية الأكثر: (أن يخرق) بالخاء المعجمة. وفي رواية الإسماعيلي: (أن تمحى أو تحرق) [2]. من حديث أنس بن مالك: وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به، فذلك زمان حرقت المصاحف بالعراق بالنار. [3] وهذه الرواية صريحة في أن ما فعلوه إنما هو إحراق تلك الصحف بالنار؛ إذهابا لها، وصونا لها عما قد تتعرض له من كل ما لا يليق بها.
وأورد البخاري أيضا من طريق أبي قلابة: فلما فرغ من المصحف، كتب إلى أهل الأمصار، أني قد صنعت كذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم، قال ابن حجر: والمحو أعم من أن يكون بالغسل أو التحريق، وأكثر الروايات صريح في التحريق، فهو الذي وقع، ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شيء من ذلك.
وقد جزم القاضي عياض بأنهم غسلوها بالماء، ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها[4].
نخلص مما سبق أن ما صح من الآثار السابقة – في الصحيح وغيره – أن عثمان – رضي الله عنه – أحرق المصاحف، وأن أحدا من الصحابة لم ينكر عليه ذلك، وقد اتفق الصحابة – رضي الله عنه – مع عثمان على ما أراد من تحريق المصاحف التي كانوا يكتبونها، فاستجابوا له وحرقوا مصاحفهم.
ويبدو أن طائفة كانت قد قالت في عثمان ما قاله أصحاب هذه الدعوى، فحذرهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – من أن يقولوا في عثمان شيئا فقال: “يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعا “، وقال – رضي الله عنه -: ” والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل. [5] وعن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقق عثمان – رضي الله عنه – المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد[6].
وقد رد عثمان – رضي الله عنه – الصحف التي كتبت زمن أبي بكر – رضي الله عنه – إلى حفصة بعد كتابة المصاحف دونما إحراق؛ كما في حديث أنس بن مالك أنه قال: «حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة»[7].
وإنما أبقى عثمان – رضي الله عنه – تلك الصحف؛ لأنه كان قد وعد حفصة – رضي الله عنها – أن يردها إليها، ولأمنه على تلك الصحف ما لا يأمنه على غيرها؛ فعن أنس بن مالك قال: «فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان».[8] وعليه يحتمل أن يكون عثمان – رضي الله عنه – أبقاها وفاء بما وعدها دون غيرها، ويحتمل أنه أبقاها لاحتمال الرجوع إليها؛ لأنها كانت أصلا لمصاحفه، وانعقد عليها إجماع الصحابة، وأما غيرها فقد تكون مخالفة لمصاحفه؛ فتكون سببا للاختلاف.
وعن سالم بن عبد الله «أن مروان بن الحكم لما تولى إمرة المدينة في خلافة معاوية – رضي الله عنه – كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها، قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها، أرسل مروان بالعزيـمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشققت، فقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول: قد كان شيء منها لم يكتب»[9].
وفي رواية: ففشاها وحرقها، مخافة أن يكون في شيء من ذلك اختلاف لما نسخ عثمان – رضي الله عنه. وفي رواية: فغسلها غسلا، ولا يبعد أن يكون مروان قد فعل بالصحف جميع ما ذكر من التمزيق والغسل والتحريق. قال ابن حجر: “ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق، ثم غسل، ثم تحريق”[10].
ومن نافلة القول بيان مدلول هذه الرواية، وتقرير كونها تأكيدا لما ارتآه عثمان – رضي الله عنه – منذ ردح من الزمان، فلو كان فعله هذا من غير طائل، ولم يؤت ثماره، ولم يجن منه المسلمون سوى الضرر، والمصحف سوى الإهانة، لو كان هذا صحيحا؛ فلماذا تابعه فيه غيره من الأئمة بعد وفاته وانقضاء إمرته؟! أليس في هذا الفعل إقرار صريح من الأمة بوجاهة ما صنع عثمان – رضي الله عنه؟! إنه تأكيد على أن في هذا ما يصون القرآن لا ما يهينه، وقد أجمعت عليه الأمة ولم يخرج على ذاك أحد، ولو حدث أن أحدا اعترض؛ فلماذا لم يرد لنا عنه نبأ؟! وإذا كان الأمر إجماعا من الأمة التي لا تجتمع على ضلالة كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – نتساءل: أعلى عثمان – رضي الله عنه – يتقولون؟ أم في إجماع الأمة يطعنون؟!
نخلص من هذه التساؤلات إلى أن عثمان – رضي الله عنه – لم يبق على نسخته الخاصة ويفضلها على سائر النسخ لهوى في نفسه؛ بل كلف لجنة من كبار الصحابة، أمثال: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الحارث بن هشام، وقد أحسن – رضي الله عنه – بذلك صنعا. ولم يستبدل قرآنا بقرآن وحده بمعزل عن المسلمين حسبما زعموا.
ثانيا. مزايا جمع القرآن في عهدي أبي بكر وعثمان والفرق بين الجمعين:
كان لجمع القرآن في عهد أبي بكر – رضي الله عنه – منزلة عظيمة بين المسلمين؛ وامتاز بمزايا عديدة، منها:
- أنه جمع القرآن على أدق وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي.
- حصول إجماع الأمة على قبوله، ورضي جميع المسلمين به.
- بلوغ ما جمع في هذا الجمع حد التواتر، إذ حضره وشهد عليه من الصحابة – رضي الله عنهم – ما يزيد على عدد التواتر.
- أنه اقتصر في جمع القرآن على ما ثبتت قرآنيته من الأحرف السبعة، بثبوت عرضه في العرضة الأخيرة، فكان شاملا لما بقي من الأحرف السبعة، ولم يكن فيه شيء مما نسخت تلاوته[11].
ولقد حظي هذا الجمع برضى المسلمين وإجماع الصحابة – رضي الله عنهم – ولقي منهم العناية، فقد حفظت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر – رضي الله عنه – حتى وفاته، ثم انتقلت إلى عمر – رضي الله عنه – حتى توفي، ثم كانت بعد ذلك عند ابنته حفصة زوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم، فطلبها منها عثمان – رضي الله عنه، فنسخ منها المصاحف إلى الأمصار ثم أرجعها إليها، فكانت الصحف المجموعة في عهد أبي بكر – رضي الله عنه – هي الأساس لنسخ المصاحف في زمن عثمان – رضي الله عنه؛ وفي هذا ما يدل على مكانة الجمع الأول، وأصالة النسخ العثماني في الوقت ذاته. قال ابن حجر: وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر – رضي الله عنه – من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله وينوه بعظيم منقبته؛ لثبوت قوله – صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها»[12] [13].
مزايا جمع القر آن في عهد عثمان – رضي الله عنه:
كان نسخ القرآن في المصاحف في زمن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – تحقيقا لوعد الله – عز وجل – بحفظ كتابه العزيز، قال – سبحانه وتعالى: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر)، فقد وحد هذا الجمع صف المسلمين وكلمتهم، ورد عنهم ما كان محدقا بهم من الفتنة العظيمة، واجتث بذور الشقاق من بينهم.
ومزايا النسخ العثماني وجمع المسلمين على مصحف كثيرة، يمكن تلخيص بعضها فيما يأتي:
- مشاركة جميع من شهد الجمع من الصحابة فيه، وإشراف الخليفة عليه بنفسه.
- بلوغ من شهد هذا الجمع وأقره حد التواتر.
- الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحادا.
- إهمال ما نسخت تلاوته، وما لم يستقر في العرضة الأخيرة.
- ترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن بخلاف صحف أبي بكر – رضي الله عنه، فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
- كتابة عدد من المصاحف التي تجمع القراءات المختلفة التي نزل بها القرآن.
- تجريد هذه المصاحف من كل ما ليس من القرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة من تفسير للفظ، أو بيان لناسخ أو منسوخ، أو نحو ذلك.
ولقد حظي الجمع العثماني برضى من شهده من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – والتابعين، وقطع الله به دابر الفتنة التي كادت تشتعل في بلاد المسلمين، إذ جمعهم – رضي الله عنهم – على ما ثبتت قرآنيته، فانتهى بذلك ما كان حاصلا من الاختلاف بين المسلمين. وقد عد جمع القرآن في المصاحف في زمن عثمان – رضي الله عنه – من أعظم مناقبه؛ فعن عبد الرحمن بن مهدي قال: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر، ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف[14].
الفرق بين الجمعين:
من نافلة القول أن نعيد ما سبق ذكره، من أن أصل الجمعين اللذين حدثا في خلافتي أبي بكر وعثمان – رضي الله عنهما – كان واحدا، هو الوثائق الخطية التي حررت في حضرة النبي – صلى الله عليه وسلم – إملاء من فمه الطاهر على كتبة الوحي، ثم تلاوتها عليه، وإقرارها كما تليت عليه، وهي التي نراها الآن في المصحف الشريف المتداول بين المسلمين لم تدخل عليها أية تعديلات.
وكان الهدف من الجمع الأول في خلافة أبي بكر – رضي الله عنه – هو جمع تلك الوثائق المتفرقة في مكان واحد منسقة السور والآيات، دون نقلها في مصحف حقيقي جامع لها، فهذا الجمع بلغة العصر مشروع جمع لا جمع حقيقي في الواقع؛ ولهذا عبر عنه أحد العلماء بأنه أشبه ما يكون بأوراق وجدت متفرقة في بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فربطت بخيط واحد، مانع لها من التفرق مرة أخرى.
أما الجمع في خلافة عثمان – رضي الله عنه – نسخا ونقلا لما في الوثائق الخطية، التي حررت في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأقرها بعد تلاوتها عليه، وجمعها في مصحف واحد في مكان واحد، وإذا شبهنا الوثائق الأولى بقصاصات ورقية مسطر عليها كلام، فالجمع في خلافة عثمان – رضي الله عنه – هو نسخ ذلك الكلام المفرق في القصاصات في دفتر واحد ويمكننا أن نجمل أسباب ذلك الجمع – التي تقف بنا على أهميته – فيما يأتي:
- توحيد المصحف الجماعي واستبعاد مصاحف الأفراد؛ لأنها لم تسلم من الخلل. وقد تم ذلك على خير وجه.
- القضاء على القراءات غير الصحيحة، وجمع الناس على القراءات الصحيحة التي قرأ بها النبي – صلى الله عليه وسلم – في العرضة الأخيرة على جبريل – عليه السلام – في العام الذي توفي فيه.
- حماية الأمة من التفرق حول كتاب ربها، والقضاء على التعصب لقراءة بعض القراء على قراءة قراء آخرين.
وفي جميع الأزمنه فإن القرآن يؤخذ سماعا من حفاظ مجودين متقنين، ولا يؤخذ عن طريق القراءة من المصحف؛ لأن الحفظ من المصحف عرضة لكثير من الأخطاء، فالسماع هو الأصل في تلقي القرآن وحفظه؛ لأن اللسان يحكي ما تسمعه الأذن؛ لذلك نزل القرآن ملفوظا ليسمع، ولم ينزل مطبوعا ليقرأ.
نعود فنقول: إن الفرق بين الجمعين حاصل من وجهين:
الأول: طبيعة الجمع وما تم فيه، فجمع أبي بكر – رضي الله عنه – كان تنسيقا للوثائق الخطية التي حررت في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – على صورتها الأولى حسب ترتيب النزول سورا وآيات. وجمع عثمان – رضي الله عنه – كان نقلا جيدا لما في الوثائق الخطية في مصحف واحد أطلق عليه: “المصحف الإمام”.
الثاني: من حيث الهدف من الجمع وهو في جمع أبي بكر – رضي الله عنه: حفظ الوثائق النبوية المفرقة في نسق واحد مضموما بعضها إلى بعض، منسقة فيه السور والآيات كما هي في الوثائق، لتكون مرجعا حافظا لآيات الذكر الحكيم، وهو في جمع عثمان – رضي الله عنه: جمع الأمة على القراءات الصحيحة التي قرأها النبي – صلى الله عليه وسلم – في العرضة الأخيرة على جبريل – عليه السلام، أما المتون – النصوص – التي نزل بها الوحي الأمين فظلت على صورتها الأولى، التي حررت بها في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم.
فالجمعان البكري والعثماني شكلا منظومة بالغة الإحكام والدقة في تحقيق مقتضى قوله – سبحانه وتعالى: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر)، ولكل منهما طبيعته وأهدافه التي وفق لتحقيقها [15]، وإقرارنا بميزات الأول لا يلغي أهمية الثاني، وتعديد آثار الثاني لا ينكر فضل الأول؛ فكلاهما أحسن للمسلمين وما أضر، وصان القرآن ولم يهن، وليس من العرفان أن نقابل الإحسان – من هذا الجيل الفريد الذي أقام من نفسه سدنة قائمين بأمر الله – بغير الإحسان، فإن كانوا خلوا من قبلنا ودالوا فليبق فينا حسنهم وطيب ذكرهم جزاء ما قدموا، والشاعر يقول:
دول أحاديث الرجال وتنقضي
ويبقى حديث الفضل والحسنات
الخلاصة:
- اختلف المسلمون في عهد عثمان – رضي الله عنه – في قراءة القرآن؛ نظرا لدخول عدد كبير من غير العرب إلى الإسلام، واختلاف القراء واللهجات مما كان فيه خطر كبير على القرآن الكريم.
- قام عثمان – رضي الله عنه – بنسخ الصحف التي كانت عند أم المؤمنين حفصة إلى سبعة مصاحف بالاستعانة بزيد بن ثابت، وبعض الصحابة، وأوصى برد المختلف فيه إلى لهجة قريش؛ لأنه نزل عليهم، وبهذا وحد المسلمين على مصحف واحد، ونسق واحد، وأمر بإحراق ما عدا ذلك من الصحف.
- ذكر المؤرخون والمفسرون في جمع عثمان للقرآن على نسق واحد، أنه كان عملا حاسما للفتنة، وحافظا للقرآن من عهده وحتى عصرنا الحاضر، ولم ينفرد بالنسخ وحده، بل شكل لجنة من الصحابة وأشرف عليهم بنفسه، ولم يخرج عليه أحد حين أحرق باقي النسخ، ولو كان في ذلك ما يهين المصحف أو ما يضر عامة المسلمين لما أجمع الصحابة الكرام عليه.
- العلة من حرق عثمان – رضي الله عنه – للنسخ الأخرى هي توحيد المسلمين على نسخة واحدة يرجعون إليها إذا اختلفوا في قراءة القرآن لتجميع شملهم وتوحيد كلمتهم، وهذا تصرف حكيم من عثمان – رضي الله عنه – عند من يفهم بحق لماذا صنعه، أما المغرض فلا يرى في الحق حقا ولا يقدر لصاحب الخير خيره، فعثمان – رضي الله عنه – قضى على الفتنة في مهدها وحفظ كيان الأمة بحفظ أسباب وحدتها إلى يوم القيامة.
- ثمة فرق بين طبيعة الجمع البكري والجمع العثماني من جهة، والدافع وراء كل منهما من جهة ثانية، والهدف المرتجى من جهة ثالثة، وكل هذه الفروق من شأنها أن تبين ضرورة الجمع العثماني واستكمال منظومة الحفظ.
- إننا لا ننكر مزايا الجمع البكري لكننا في الوقت ذاته نقر بأهمية الجمع العثماني، ونحن إذ نعدد عظيم آثاره وبالغ نفعه بالمسلمين والقرآن لا نجحد فضل المرحلة السابقة عليه (الجمع البكري).
- كان من الأولى بهؤلاء – لو أنصفوا – أن يعترفوا بالجهد الذي بذله عثمان – رضي الله عنه – في هذا الشأن ويعدوه منقبة من مناقبه – وغني ذو النورين عن اعترافهم – بدلا من أن يتخذوه مطعنا عليه مخالفين بذلك حقائق التاريخ الثابتات.
(*) اضمحلال الإمبراطورية الرومانية، إدوارد جيبون، ترجمة: محمد سليم سالم، مراجعة: محمد أبو ريدة، دار الكتب المصرية، القاهرة، د. ت. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م. الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، د. محمد ياسين مظهر، ترجمة: سمير عبد الحميد، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م. شبهات في كتاب “القرآن وعلومه في مصر” والرد عليها، محمد عطا أحمد يوسف، مطبعة النيل، القاهرة، د. ت.
[1]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن (4702).
[2]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، القاهرة، طـ1، 1407هـ/ 1987م، ج8، ص636.
[3]. أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، كتاب جمع عثمان ـ رضي الله عنه ـ المصاحف، باب أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى (57).
[4]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، القاهرة، طـ1، 1407هـ/ 1987م، ص636.
[5]. أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، كتاب جمع عثمان ـ رضي الله عنه ـ المصاحف، باب لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرا (62).
[6]. أخرجه القاسم بن سلام في فضائل القرآن، باب تأليف القرآن وجمعه ومواضع حروفه وسوره، أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم (460).
[7]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن (4702).
[8]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن (4702).
[9]. إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، كتاب جمع عثمان ـ رضي الله عنه ـ المصاحف، باب فقلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف (69)، وابن كثير في فضائل القرآن، كتاب عثمان ـ رضي الله عنه ـ للمصاحف (1/ 39).
[10]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، القاهرة، طـ1، 1407هـ/ 1987م، ج8، ص636.
[11]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج1، ص211 بتصرف.
[12]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم،باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى (6975).
[13]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، القاهرة، طـ1، 1407هـ/ 1987م، ج8، ص636.
[14]. أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر (36).
[15]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص22: 24 بتصرف.