الزعم أن وصف القرآن للناصية بالكذب لا إعجاز فيه
وجه إبطال الشبهة:
لقد اكتشف العلماء حديثًا أن الفص الأمامي أو الجبهي للمخ (Frontal lobe)”جبهة الإنسان وناصيته” ـ هو المسئول عن اتخاذ القرار والتحكم في الأقوال بجعلها صادقة أو كاذبة، والتحكم في الأفعال بجعلها خطأ أو صوابًا، كما لاحظ العلماء أن تلك المنطقة هي المسئولة عن الكفر والإيمان، وهذا ما أشار إليه بوضوح قوله تعالى:)ناصية كاذبة خاطئة(16)( (العلق)، وقد أوضح هذا المفسرون، وهذا لا شك إعجاز علمي رائع، فلم الطعن والتشكيك؟!
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
لقد اكتشف العلماء حديثًا أن الفص الجبهي أو الأمامي ((The Frontal lobeللمخ هو المسئول عن الصدق والكذب، والصحة والخطأ، والكفر والإيمان، وغير ذلك مما يجعله مركزًا لقيادة الإنسان وتوجيهه.
ولكن ماهو الفص الجبهي للمخ؟ وأين يقع؟ وما هي تلك الوظائف العديدة التي يقوم بها؟
إن مخ الإنسان يتكون من كتلة بالغة التعقيد من الخلايا والأنسجة العصبية الممتدة من الحبل النخاعي الشوكي والمحتواة في داخل الجمجمة، وتنقسم هذه الكتلة العصبية بالغة التعقيد إلى ثلاث وحدات رئيسة على النحو الآتي:
- البصلة المخية (النخاع المستطيل Medulla Oblongata) وتصل المخ بالحبل العصبي المركزي المعروف باسم الحبل النخاعي الشوكي (The Spinal Cord) ليكونا معًا الجهاز العصبي المركزي (The Central Nervous System)، ويقوم النخاع المستطيل بتنظيم عدد من وظائف الأعضاء الأساسية والتنسيق بينها، وذلك من مثل: التنفس، ضغط الدم، دقات القلب وغيرها، ويعرف باسم الجزء الأسفل أو الخلفي من المخ (The Hindbrain).
- المخيخ (The Cerebellum): ويوجد فوق النخاع المستطيل مباشرة، ويعرف أحيانًا باسم الجزء الأوسط من المخ (The midbrain)، ويقوم بالتنسيق بين العمليات العضلية المعقدة من مثل: انتصاب القامة، وحركات الأطراف.
ويكون كل من النخاع المستطيل والمخيخ ما يعرف باسم جذع المخ (The brainStem).
- المخ (The Cerebrum): ويعرف باسم الجزء الأمامي من المخ (The forebrain) ويمثل أكبر الأجزاء الثلاثة حجمًا، وتتركز فيه كل عمليات تلقي المعلومات من جميع مراكز الحس في الجسم، وكما تتركز فيه مراكز تحليل هذه المعلومات، والتنسيق بينها وتكاملها، وكذلك تتركز فيه مراكز جميع الأنشطة العقلية والسلوكيات الذكية، ويتغطى المخ بطبقة سميكة نسبيًّا من الخلايا العصبية تعرف باسم المادة الرمادية (The Gray Matter)، ويربطها مع بعضها البعض ومع باقي أجزاء الجهاز العصبي المركزي طبقة خيطية دقيقة توجد أسفل منها وتعرف باسم المادة البيضاء (The White Matter) وتعرف الطبقتان باسم غطاء المخ (The Cerebal Cotex) ويتعرج سطح المخ بالعديد من الطيات المقعرة والمحدبة المتداخلة في بعضها البعض بشكل فائق التعقيد.
ويقسم المخ ذاته إلى أربعة فصوص رئيسية (لكل منها وظائفه الخاصة به) كما يلي:
- الفص الجبهي أو الأمامي (The Frontal Lobe)([1]): ويقع في الجزء الأمامي من المخ ممثلًا أكبر أجزائه، ويعتبر مركز التحكم في معظم الأنشطة الذهنية، من مثل: الحواس والعواطف والمشاعر والذاكرة والنطق واللغة، وفي حركة معظم أجزاء الجسم، وتتركز أغلب هذه الصفات في غطاء مقدمة هذا الفص الأمامي (The per – frontal Area) الذي يعرف باسم غطاء مقدمة الفص الجبهي للمخ ( Cortex The per – frontal) ويقع هذا الغطاء خلف الجبهة تمامًا في المسافة بين العينين ومنبت شعر الرأس؛ ولذلك فهو المقصود بالتعبير القرآني (الناصية).
وقد ثبت بالتجربة أن الناصية (غطاء مقدمة الفص الجبهي للمخ) تتحكم في الإرادة، والمشاعر والأحاسيس، والقدرة على التخطيط، واتخاذ القرارات، والحكم على الأشياء والتمييز بينها، والتفاعل مع الآخرين، والتبصر في الأمور، والثبات العاطفي، والقدرة على ضبط السلوك، وعلى مواجهة المشاكل، وعلى الشعور بالمسئولية، وغير ذلك من الوظائف العقلية العليا والصفات المحددة لشخصية الإنسان الفرد.
رسم تخطيطي يوضح موقع الناصية في المسافة بين العينين ومنبت الشعر
ويأتي خلف تلك المقدمة الجبهية أو الناصية بقية الفص الأمامي للمخ، ويقع في غطائه مراكز التحكم في حركة مختلف أجزاء جسم الإنسان؛ ولذا يعرف باسم غطاء الجزء المخي المرتبط بالحركة (TheMotorAssociaionCortex)؛ وبالإضافة إلى تحكمه في التنسيق بين حركات مختلف أجزاء الجسم، يقع فيه مركز التخيل (The Imagination Center)، وفي وسطه مركز التحكم في الكلام وفي الحدس والتوقع (منطقة بروكا Broca’s Area)([2]).
كما أن التوجيه الإرادي للنظر في اتجاه محدد يقع في الفص الجبهي، فهناك في الفص الجبهي ما يماثل منطقة بروكا من تلفيف القشرة الحركية، وهي منطقة تختص بتحريك العينين، ومنطقة فوقها تختص بتحريك الرأس بحركة دائرية، وكلا المنطقتين توجه النظر وتركزه في اتجاه معين وفق حركة إرادية، وهاتان المنطقتان توجهان قشرة الحركة الأولية (Primary Motor Cortex) لإدارة الرأس وتركيز العينين في اتجاه محدد.
وكذلك التحكم الإرادي لحركة جميع أجزاء الجسد يقع في الفص الجبهي؛ فقد أثبتت الأبحاث أن المنطقة الحركية الإضافية والمنطقة قبل الحركية تعملان باعتبارهما منشئتين للوظيفة الحركية، وتخزنان برامج الحركة التي تعتبر جزءًا من التخطيط الخاص بتحكم مجموعة معينة من العضلات على القيام بحركة طوعية؛ كذلك يمكن الاستنتاج أنه كما هو الحال فيما يتعلق بالنطق واختيار الألفاظ وتحريك الرأس والعينين، فإن قشرة الفص الجبهي أو الناصية هي المختصة بالتحكم الواعي للقيام بعمل طوعي أو عدم القيام به، مما يتطلب تحريك بعض أجزاء الجسد أو كله.
كما يقع التناسق بين حركة النطق وحركات الجسم في الفص الجبهي؛ كما توصل العلم إلى أن قشرة المخ في الفص الجبهي تتحكم في سلوك الإنسان([3]).
رسم يوضح أجزاء المخ الرئيسة
- الفص الجداري (The Parietal Lobe): ويقع في قمة المخ، خلف الفص الجبهي مباشرة، وبه مراكز التوجيه المكاني، والتمييز بين الأشكال والأحجام والتضاريس المختلفة، وبه مراكز الاتجاهات، ومراكز القدرات الحسابية، ومراكز التعبير عن العواطف وفهمها.
- الفص الصدغي (The Temporal Lobe): ويوجد أسفل الفص الجداري، وبه مراكز التحكم بالسمع وفي كل من ذاكرتي الكلام والأصوات.
- الفص الخلفي (The Occipital Lobe): ويقع في خلف المخ، وفي قاعدته مركز الإبصار، وفوقه منطقة القراءة والذاكرة البصرية، والمنطقة المصاحبة للرؤية، والتي إذا تعرضت للتلف فإن صاحبها يرى ولكنه لا يستطيع التمييز بين ما يراه([4]).
- جهاز كشف الكذب يوضح وظيفة الناصية:
لقد فكر فريق من العلماء في سنة 2006م في إيجاد وسيلة لمعرفة المنطقة المسئولة عن الكذب في الإنسان، وكان هدفهم من هذه التجربة أن يخترعوا أو يصمموا جهازًا يكشف الكذب عند الإنسان، فاللصوص والمجرمون البارعون في الكذب كانوا يتحايلون على كل الأجهزة التي اخترعها العلماء سابقًا، والأجهزة السابقة كانت تقيس نبرة الصوت وتقيس دقات القلب، وتقيس أيضا كمية العرق التي يفرزها الإنسان، وعندما يبدأ الإنسان بالكذب فإن شيئًا ما سيضطرب وإما أن يحدث تسريع في دقات القلب، وإما أن تحدث زيادة في الإفرازات العرقية لدى الإنسان، أو يحدث تنفس سريع.
ولكن الكذابين المحترفين كانوا يتحايلون على كل هذه الأجهزة، فتجدهم يجلسون بكل هدوء ولا يظهر عليهم أي أثر أثناء التحقيق معهم، وبالتالي أثبتت كل هذه الأجهزة فشلها، فلجأ العلماء في هذه التجربة الجديدة إلى الدماغ، وقالوا: لا بد أن يكون فيه منطقة مسئولة عن الكذب قد تكون في أسفل الدماغ أو في الجهة اليمنى أو اليسرى أو الأمامية؛ فأحضروا من أجل هذا الهدف ما يسمى بـ “جهاز المسح الوظيفي” الذي يعمل بالرنين المغناطيسي (FMRA).
صورة لجهاز المسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهو جهاز مخصص لقياس نشاط أي منطقة من مناطق الدماغ بطريقة الموجات المغناطيسية
- ما مهمة هذا الجهاز وكيف يعمل؟
إنه عبارة عن جهاز يرصد نشاط الدماغ؛ حيث يوضع المريض ويحاط دماغه بقرص معين وتوضع خلف هذا القرص الأجهزة المربوطة مع أجهزة الكمبيوتر، ويعمل هذا الجهاز دون أن يمس الإنسان، إنما هي صور تؤخذ بموجات كهرومغناطيسية فقط، فالدماغ كما نعلم في حالة نشاط دائم، والله تبارك وتعالى الذي خلق الإنسان قسم دماغه إلى مناطق، فكل منطقة لها عمل ولها وظيفة محددة، وعندما قام العلماء بتجربة هذا الجهاز (الرنين المغناطيسي) وطلبوا من إنسان أن يكذب، فالذي حدث أنهم لاحظوا وجود نشاط كبير في المنطقة الأمامية العليا من الدماغ ـ أي في منطقة الناصية ـ وناصية الرأس هي أعلى منطقة الرأس.
ولاحظوا أيضا أن هذه المنطقة يجري فيها الدم بسرعة؛ لأن عمليات كثيرة تتم بها أثناء الكذب، فخرجوا بنتيجة مؤداها: أن المنطقة الأمامية العليا من الدماغ هي المسئولة عن الكذب، وربما كان الاكتشاف الأهم أنهم وجدوا أن الإنسان عندما يكون صادقًا فإنه لا تكاد أية منطقة في دماغه تكون ذات نشاط؛ أي إنه لا يصرف أية طاقة تذكر.
صورة لمنطقة الناصية
لاحظ العلماء أن النشاط يكون أكبر ما يمكن في منطقة الناصية أثناء الكذب، بينما لم يلاحظوا نشاطا يذكر أثناء الصدق، وهذا ما جعلهم يعتقدون أن الدماغ قد فطر على الصدق!
- الكذب يتطلب طاقة أكبر:
لقد خرج العلماء بنتيجة أخرى هي أن عملية الكذب تتطلب إسرافًا في الطاقة؛ فالإنسان عندما يكون صادقًا لا يصرف أية طاقة من دماغه، وعندما يكذب فإنه يصرف طاقة كبيرة بسبب هذا الكذب، وطبعًا هذه النتائج نتائج يقينية لأنهم رصدوا حركة الدم داخل هذا الدماغ في الخلايا العصبية للدماغ، ووجدوا أن المنطقة الأمامية ـ منطقة الناصية ـ تزداد نشاطًا بشكل كبير أثناء عملية الكذب.
- مركز الخطأ في الناصية:
بعد ذلك قام العلماء في جامعة (ميشيغان) الأمريكية أيضًا في عام 2006م بإجراء تجربة فريدة من نوعها أرادوا بها أن يعالجوا ظاهرة الخطأ، فالإنسان عندما يقوم باتخاذ القرارات، فإنه قد يتخذ قرارًا مصيبًا وقد يتخذ قرارًا خاطئا، فأرادوا أن يعلموا ما هي المنطقة المسئولة عن الخطأ في الدماغ فماذا فعلوا؟ لجئوا إلى الجهاز نفسه ـ أي (FMRA) جهاز المسح الوظيفي بالرنين المغناطيسي ـ وجاءوا بأناس وأخبروهم بأن يرتكبوا أخطاء متنوعة، وكانت نتيجة البحث الذي نشرته مجلة علم الأعصاب حديثًا، أن المنطقة الأمامية العليا ـ أي منطقة الناصية ـ هي المسئولة عن الخطأ لدى الإنسان؛ لأنهم لاحظوا نشاطًا كبيرًا يحدث في هذه المنطقة أثناء ارتكاب أي خطأ، وكلما كان الخطأ أكبر كان النشاط أكبر لهذه المنطقة([5]).
- الناصية مسئولة عن الكفر والإيمان:
لقد كانت المفاجأة أن المنطقة المسئولة عن الكذب والصدق في الدماغ، هي ذاتها المسئولة عن الكفر والإيمان، وهي المنطقة الأمامية من الدماغ أو منطقة الناصية، وتحديدًا ما يسمى (VMPC)أوventral medial prefrontal cortex.ويقوم العلماء في جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvaniaاليوم بدراسة الموجات الاهتزازية التي يبثها الدماغ، ومنهم الدكتور”KnightRobert” الذي قام بدراسة دقيقة للدماغ باستخدام جهاز المسح بالرنين المغناطيسي الوظيفيfMRI، وباستخدام موجات غاما التي يبثها الدماغ، يقول هذا الباحث: إن الموجات التي يبثها دماغ الإنسان تتغير مع طريقة تفكيره، تتغير أثناء الكذب وأثناء الخطأ، وأثناء الإيمان بشيء ما، أو خلال إنكار شيء ما.
لقد وجد العلماء أيضًا أن هذه المنطقة تنمو أثناء الإيمان عندما يعيش الإنسان حالة من الاندماج مع معتقدات معينة، ولكن في حالة الممارسات السيئة والاضطرابات في العقيدة وعدم الإيمان بالله، فإن هذه المنطقة “تتآكل” مع الزمن ويقل عدد خلايا الدماغ فيها وتصبح أصغر حجمًا، وبالتالي تزداد الاضطرابات النفسية لدى هؤلاء، ويزداد لديهم القلق والإحباط، وربما يسهل عليهم الانتحار([6]).
- مركز الإبداع والقيادة:
وقد قام بعض العلماء حديثًا بتجربة أرادوا أن يعرفوا من خلالها مكان القيادة لدى الإنسان؛ ففي دراستهم لعمليات الإبداع والإدراك لدى الإنسان، وبهدف تطوير مدارك هذا الإنسان قالوا لا بد أن نبحث عن المنطقة المسئولة عن اتخاذ القرارات وعن الإبداع، التي تتحكم في نجاح الإنسان وفشله؛ فقاموا بإحضار بعض الناس وطلبوا منهم أن يتخذوا بعض القرارات المهمة، وجعلوهم أيضًا يفكرون تفكيرًا إبداعيًّا؛ فوجدوا ـ بعد أخذ القياسات من الجهازFMRI ـ أن منطقة الناصية أيضًا تنشط عندما يتخذ الإنسان قرارًا حاسمًا في حياته، وعندما يفكر تفكيرًا إبداعيًّا؛ أي عندما يحاول أن يستكشف ويتفكر ويتدبر أو أن يفعل أشياء فيها إبداع؛ ومن ثم فإن منطقة الناصية هي المسئولة عن هذا الأمر كذلك([7]).
يتبين من الشكل أن منطقة الناصية تنشط أثناء الأعمال الإبداعية، وكذلك أثناء اتخاذ القرارات الكبيرة في حياة الإنسان، وهي بحق من أهم مناطق الدماغ
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه آيات القرآن الكريم:
لقد أشارت الآيات القرآنية منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان إلى أن الناصية ـ لا سيما الفص الأمامي الجبهي منها ـ تتحكم في الإرادة والمشاعر والأحاسيس والقدرة على التخطيط واتخاذ القرارات والحكم على الأشياء والتمييز بينها والتفاعل مع الآخرين والتبصر بالأمور… إلخ.
وكل هذه المهام التي تقوم بها الناصية واضحة في قوله تعالى: )ناصية كاذبة خاطئة (16)((العلق)، وفي قوله تعالى:)ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها((هود: ٥٦)، وقد جاء العلم مؤخرًا بأحدث الأجهزة والمعدات ليبرهن على تلك الحقيقة القرآنية، وقد تعرض المفسرون لهذه الآيات وكانت لهم بعض الأقوال والإشارات التي يقترب بعضها من تلك الحقيقة العلمية، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فنحن لا نحمِّل هؤلاء العلماء والمفسرين ما ليس بوسعهم فعله أو إدراكه في تلك الآونة التي لم تشهد هذه الثورة العلمية والتكنولوجية التي نشهدها في الوقت الحاضر.
يقول ابن كثير في تفسيره: )ناصية كاذبة خاطئة (16)((العلق)، يعني: ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها([8]).
ويقول القرطبي: “)ناصية كاذبة خاطئة (16)((العلق)، ؛ أي: ناصية أبي جهل كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها، والخاطئ معاقب مأخوذ، والمخطئ غير مأخوذ، ووصف الناصية بالكاذبة الخاطئة، كوصف الوجوه بالنظر في قوله تعالى:)إلى ربها ناظرة (23)((القيامة)، وقيل: أي صاحبها كاذب خاطئ، كما يقال: نهاره صائم وليله قائم؛ أي: هو صائم في نهاره ثم قائم في ليله”([9]).
ويقول ابن عاشور: “ووصف الناصية بالكاذبة والخاطئة مجاز عقلي، والمراد: كاذب صاحبها خاطئ صاحبها؛ أي: آثم، ومحسن هذا المجاز أن فيه تخييلا بأن الكذب والخطء باديان من ناحيته، فكانت الناصية جديرة بالسفع”([10]).
ويقول صديق حسن القنوجي: ” )كاذبة(؛ أي: في قولها، )خاطئة( في فعلها”([11]).
- الأحاديث النبوية التي تعضد الآيات فيما ذهبت إليه:
فهناك بعض الأحاديث النبوية التي أشارت إلى الناصية وعظمت من شأنها، من ذلك الحديث النبوي الذي أخرجه أحمد في مسنده، قال: «حدثنا يزيد، أنبأنا فضيل بن مرزوق، حدثنا أبو سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي ـ إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجًا، قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها»([12]).
3) وجه الإعجاز:
إن ما أشارت إليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من وصف دقيق للناصية، وما تقوم به من دور في اتخاذ القرار والتحكم في الأقوال والأفعال بالصدق أو الكذب والتحكم في الإرادة والمشاعر والأحاسيس، إلى غير ذلك مما توصل إليه العلم الحديث ـ لأصدق دليل على أن ذلك القرآن من عند رب العالمين، فلا غرابة إذًا أن يسبق كل المعارف المكتسبة بأكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولا يمكن أن يكون صناعة بشرية، ولا يقول بذلك عاقل، فالحمد لله على نعمة الإسلام ونعمة القرآن وبعثة سيد الأنام.
(*) منتدى: الملحدين العرب www.el7ad.com.
[1]. وهو يحتوي على خمسة مراكز عصبية تختلف فيما بينها من حيث الموقع والوظيفة، وهي:
1 ـ مركز الحركة الأولي (Primary Motor Area): ويقوم بتحريك العضلات الإرادية للجهة اليسرى من الجسم.
2 ـ مركز الحركة الثانوي الأمامي (Secondary Motor Area): ويقوم بتحريك العضلات الإرادية للجهة اليمنى من الجسم.
3 ـ الحقل العيني الجبهي (Frontal Eye Field): ويقوم بالتحريك المتوافق للعينين إلى الجهة المقابلة.
4 ـ مركز بروكا لحركات النطق (Motor Speech Area of Broca): ويقوم بتنسيق الحركة بينالأعضاء التي تشترك في عملية الكلام، كالحنجرة واللسان والوجه.
5 ـ القشرةالأمامية الجبهية (Pre-Frontal Cortex): وتقع مباشرة خلف الجبهة وهي تمثل الجزءالأكبر من الفص الأمامي للمخ، وترتبط وظيفتها بتكوين شخصية الفرد ولها أيضًا تأثيرفي تحديد المبادرة (Initiative) والتمييز (Judgement). (مصدر القرار في الناصية، مقال منشور بموقع: مكنون الإعجاز العلمي www.maknoon.com).
[2]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص373: 376.
[3]. الناصية ووظيفة الفص الجبهي للدماغ، دراسة إعجازية لسورة العلق، د. محمد يوسف سكر، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[4]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص375، 376.
[5]. القيادة والإبداع والكذب والخطأ، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[6]. ناصيتي بيدك، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[7]. القيادة والإبداع والكذب والخطأ، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[8]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج4، ص528.
[9]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج20، ص125، 126.
[10]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج7، ج15، ص450.
[11]. فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق حسن القنوجي، مرجع سابق، ج7، ص508.
[12]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود، (5/ 266: 268)، رقم (3712). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.