الطعن في أمانة أبي هريرة رضي الله عنه
وجها إبطال الشبهة:
1) إن عمر – رضي الله عنه – كان لا يترك الصحابة في أعمالهم على الولايات كثيرا حتى لا يدنسهم العمل أو تؤثر السياسة على قلوبهم، وكان يشاطرهم أموالهم تنزها وأخذا بالأحوط لا عن ريبة، ثم إن دعوة الخليفة عمر بن الخطاب أبا هريرة – رضي الله عنهما – للإمارة مرة أخرى بعد عزلة دليل قاطع وبرهان ساطع على أمانة أبي هريرة وعلى ثقة الخليفة فيه.
2) الرواية التي تفيد أن الخليفة عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة مردودة؛ لعدم وجود سند متصل يثبت صحتها، مع وجود الروايات الصحيحة التي تخالفها.
التفصيل:
أولا. أمانة أبي هريرة وثقة عمر فيه:
بداية نشير إلى أن “رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد أرسل أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين لينشر الإسلام، ويفقه المسلمين ويعلمهم أمور دينهم، فحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأفتى الناس”[1].
وفي عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – استعمله على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: “أستأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه؟ فقال أبو هريرة، فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، قال: فمن أين هي لك؟ قلت: خيل نتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فنظروا، فوجدوا كما قال”، وفي رواية عنه: “خيل لي تناتجت، وسهام لي اجتمعت، فأخذ مني اثني عشر ألفا”[2].
وفي رواية أن عمر قال لأبي هريرة: “كيف وجدت الإمارة يا أبا هريرة؟ قال بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين، فقال: أظلمت أحدا، قال: لا، قال: أأخذت شيئا بغير حقه؟ قال: لا، قال: فما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفا، قال: من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر، قال: فانظر رأس مالك ورزقك فخذه واجعل الآخر في بيت المال”[3].
والمتأمل في مثل هذه الروايات وغيرها مما ذكر في قصة عزل أبي هريرة عن البحرين يجد أن سبب عزل الخليفة عمر بن الخطاب لأبي هريرة هو “اشتغاله بالتجارة وكسبه بعض المال الذي يستطيع أن يكسبه أي شخص، غير أن الولاة والإداريين والخلفاء – آنذاك – لم يكونوا يملكون شيئا… فكثير من الولاة كانوا يذهبون إلى الولايات التي تم تعيينهم فيها وهم لا يملكون سوى قربة مملوءة بالماء، ويرجعون – أيضا – كما ذهبوا، ومن شذ عن هذه القاعدة كان كثيرا ما يعزل، هذا ولم يجمع أبو هريرة رأس ماله الصغير – هذا – عن طريق الرشوة أو عن طريق سوء استغلال سلطته”[4]، وإنما عن تجارته، فضلا عن أن أبا هريرة لم يكن الرجل الوحيد الذي عزله عمر بن الخطاب وشاطره ماله؛ “فلقد عزل عمر أبا موسى الأشعري عن البصرة وشاطره ماله، وعزل الحارث بن كعب بن وهب وشاطره ماله، وعزل سعد بن أبي وقاص عن العراق وشاطره ماله، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. إذن؛ فعمر لم يتهم أبا هريرة ولم يشاطره ماله وحده، بل تلك كانت سياسة عمر – رضي الله عنه – مع ولاته؛ كي لا يطمع امرؤ في مال الله، ويحذر الشبهات.
وكان لا يعزل ولاته عن شبهة، بل من باب الاجتهاد وحسن رعاية أمور المسلمين، فلما عزل المغيرة بن شعبة عن كتابة أبي موسى، قال له المغيرة: أعن عجز أم خيانة يا أمير المؤمنين؟
قال: لا عن واحدة منهما، ولكني أكره أن أحمل فضل عقلك على العامة”[5].
أما عن مشاطرة عمر – رضي الله عنه – لمال أبي هريرة – رضي الله عنه – فليس فيه – أيضا – ما يطعن في أمانة أبي هريرة، أو ما يدل على أنه قد حصل على هذا المال من طريق غير مشروع؛ فقد كان هذا النظام “مقاسمة الولاة أموالهم” أمرا احتياطيا في زمن عمر – رضي الله عنه – حيث شعر عمر بنمو الأموال لدى بعض الولاة، فخشي أن يكون الولاة قد اكتسبوا شيئا من هذه الأموال بسبب ولايتهم، وقد علق ابن تيمية على فعل عمر هذا قائلا: “وكذلك محاباة الولاة في المعاملة من المبايعة، والمؤاجرة والمضاربة، والمساقات والمزارعة، ونحو ذلك هو من نوع الهدية؛ ولهذا شاطر عمر بن الخطابـ رضي الله عنه – من عماله من كان له فضل ودين، لا يتهم بخيانة، وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا لأجل الولاية من محاباة وغيرها، وكان الأمر يقتضى ذلك؛ لأنه كان إمام عدل، يقسم بالسوية”[6]، وقد قام عمر رضي الله عنه “بمشاطرة أموال عماله ومنهم: سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعمرو بن العاص، وكان – رضي الله عنه – يكتب أموال عماله، إذا ولاهم، ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك، وربما أخذه منهم، بل قام – أيضا – بمشاطرة بعض أقارب الولاة لأموالهم، إذا ما رأى مبررا لذلك؛ فقد أخذ من أبي بكرة نصف ماله، فاعترض أبو بكرة قائلا: إني لم آل لك عملا، فقال عمر: ولكن أخاك على بيت المال وعشور الأبلة، فهو يقرضك المال تتجر به”[7].
وكتاب عمر – رضي الله عنه – إلى العلاء الحضرمي يؤكد سياسته مع جميع ولاته وعماله؛ فقد جاء في كتابه: “سر إلى عتبة بن غزوان – كان واليا على البصرة – فقد وليتك عمله، واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لم أعزله ألا يكون عفيفا صليبا شديد البأس، ولكنني ظننت أنك أغنى عن المسلمين في تلك الناحية منه، فاعرف له حقه، وقد وليت قبلك رجلا فمات قبل أن يصل، فإن يرد الله أن تلي وليت، وإن يرد الله أن يلي عتبة فالخلق والأمر لله رب العالمين”[8].
“كما كان عمر بن الخطاب يستعمل رجالا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثل: عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، ويدع من هو أفضل منهم مثل: عثمان بن عفان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ونظرائهم؛ لقوة أولئك على العمل والبصر به، ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له، وقيل له: مالك لا تولي الأكابر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: أكره أن أدنسهم بالعمل”[9].
وليس أدل على أمانة أبي هريرة في الإمارة وفي غيرها من استدعاء عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – له مرة أخرى للإمارة ولكنه أبى.
“قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: أستأثرت بهذه الأموال، فمن أين لك؟ قال: خيل نتجت، وأعطية تتابعت، وخراج رقيق لي، فنظر فوجد كما قال، ثم دعاه ليستعمله فأبى، فقال: لقد طلب العمل من كان خيرا منك، قال: ومن؟ قال: يوسف، قال: إن يوسف نبي الله، ابن نبي الله، وأنا أبو هريرة ابن أميمة، وأخشى ثلاثا؛ أن أقول بغير علم، أو أقضي بغير حكم أو يضرب ظهري أو يشتم عرضي، وينزع مالي”[10].
وقد روى هذه القصة – أيضا – الحافظ ابن كثير في “بدايته”[11]، وسوف نسوقها في الوجه القادم؛ فعمر بن الخطاب قد عرض الإمارة مرة أخرى على أبي هريرة لكنه أبى، والسؤال: لو أن عمر – رضي الله عنه – يتهم أبا هريرة – كما يزعم هؤلاء – أكان يعرض عليه الإمارة مرة أخرى، وسيرة الفاروق في تشدده مع الولاة معروفة؟![12].
لقد كان من سياسة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – المتميزة في الحكم “متابعة الولاة والعمل، ومساءلتهم لأدنى ما يرفع عنهم، أو يقال ضدهم، مهما علت مراتبهم، وسمت منازلهم في السبق إلى الإسلام، والفضل فيه؛ لذا نراه يحاسب أبا هريرة ويحاسب من هو دونه، ومن هو أعلى منه في مراتب الصحبة والفضل، كسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أحد السابقين الأولين للإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة ومجابي الدعوة منهم”[13]، وكان عمر – رضي الله عنه – قد عزله عن إمرة الكوفة، وقال بعد ذلك في وصيته لأهل الشورى: «إن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة…»[14].
فمساءلة عمر بعض ولاته وعزلهم أحيانا كانت سياسة منه، وليست بالضرورة إدانة لمن يعزلهم، ولعله أراد أن يسن بها سنة لمن بعده من الخلفاء والأمراء.
وعليه فإن عزل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لعماله من الصحابة ومنهم أبو هريرة – رضي الله عنه – لم يكن عن خيانة لهم، وإنما هو احتياط يتخذه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وتخوف على أصحابه من أن يكون الناس راعوهم في تجارتهم ومكاسبهم لأجل الإمارة، فكان يأخذ منهم ما يأخذ ويضعه في بيت المال؛ لتبرأ ذممهم، ثم يعطيهم بعد ذلك من بيت المال بحسب ما يرى من استحقاقهم، فيكون حلا لهم بلا شبهة.
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه “بمنزلة الوالد يعطف ويشغف ويؤدب ويشدد، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – قد عرفوا له ذلك، وقد تناول بدرته بعض أكابرهم كسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب، ولم يزده ذلك عندهم إلا حبا.
فأهل العلم والإيمان ينظرون على ما جرى من ذلك نظرة غبطة وإكبار لعمر ولمن أدبه عمر، وأهل الأهواء ينظرون نظرة طعن على أحد الفريقين”[15].
وفي النهاية نقول لهؤلاء: إن عمر – رضي الله عنه – لم يشك في أمانة أبي هريرة عند عزله عن إمارة البحرين، وإلا لما طلب منه أن يتولى إمارتها ثانية، إنما الشك في القلوب المريضة.
ثانيا. رواية مردودة لا يحتج بها.
إن الرواية التي تفيد أن الخليفة عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة – رضي الله عنهماـ مردودة؛ لأنها ذكرت بلا سند، بل تخالف روايات أخرى صحيحة مسندة؛ فلقد توكأ هؤلاء المشككون على رواية ذكرها ابن عبد ربه بغير سند؛ ليتهموا أبا هريرة ويدعوا أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ضربه؛ لخيانته الأمانة وسرقته أموال المسلمين، ويحسن بنا أن نذكر تلك الرواية التي اعتمدوا عليها، وفيها:
“ثم دعا – أي عمر – أبا هريرة، فقال له: علمت أني استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار، قال: كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت، قال: حسبت لك رزقك ومؤنتك، وهذا فضل فأده، قال: ليس لك ذلك، قال: بلى والله، وأوجع ظهرك، ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه، ثم قال: ائت بها، قال: أحتسبها عند الله، قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا”[16].
فهذه الرواية التي استشهدوا بها خالية من السند، ولو كان لها سند لأمكننا أن نتعرف من خلاله على حالتها من الصحة أو الضعف.
على أن “الصحيح المسند الذي ورد في مصادر كثيرة جدا بأسانيد صحيحة، في حلية الأولياء، وطبقات ابن سعد، وتاريخ الإسلام، والإصابة، وفي عيون الأخبار “[17] وغيرها يؤكد خلاف هذه الرواية الغير مسندة.
ومنها ما رواه ابن كثير، قال: “قال عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: أستأثرت بهذه الأموال أي عدو الله وعدو كتابه؟ فقال أبو هريرة: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكن عدو من عاداهما، فقال: فمن أين هي لك؟ قال: خيل نتجت، وغلة ورقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فنظروا، فوجدوه كما قال، فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال له: تكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك، طلبه يوسف – عليه السلام – فقال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى ثلاثا واثنتين، قال عمر: فهلا قلت خمسة؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم، أو يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي”[18] والسند من أصح الأسانيد، وفي “فتوح البلدان” من طريق يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين… فذكر أول القصة ونحوه، وفيه “فقبضها منه” والسند صحيح أيضا، وأخرجه – أيضا – من طريق أبي هلال الراسبي عن ابن سيرين عن أبي هريرة، فذكر نحوه إلا أنه وقع فيه “اثنا عشر ألفا”، والصواب الأول؛ لأن أبا هلال في حفظه شيء، وفيه “فلما صليت الغداة قلت: اللهم اغفر لعمر، قال: فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك “[19].
وفي “تاريخ الإسلام” للذهبي، قال همام بن يحيى: “حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طليحة أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين، فقال: أظلمت أحدا؟ قال: لا، فما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفا، قال: من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر، قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال”[20].
فكأنه “قدم لنفسه بعشرين ألفا فقاسمه عمر كما كان يقاسم سائر عماله، فذكر ابن سيرين العشرة الآف المأخوذة لبيت المال “[21].
وهكذا يتبين لنا أن هذه الروايات المسندة الصحيحة لم يرد فيها ضرب عمر بن الخطاب لأبي هريرة – رضي الله عنهما – وأنى لعمر أن يضرب أبا هريرة وهو يعرف مكانته ومنزلته، وإلى جانب هذا لم يرد في الروايات الصحيحة المعتمدة شيء من ذلك.
هذا وجه الحق الذي أخفاه هؤلاء، فقد نقلوا رواية واحدة عن العقد الفريد لابن عبد ربه – مع أنها مردودة لعدم وجود سند لها؛ إذ وجدوا فيها ما يوافق أهواءهم، ولم يتعرضوا لبقية الروايات صحيحة السند التي تخالف ذلك وتبين الحقيقة، وبذلك نجزم بأن عمر لم يضرب أبا هريرة كما زعم هؤلاء، وأنى لعمر أن يضرب صحابيا مثل أبي هريرة – رضي لله عنهما.
الخلاصة:
- لقد كانت سياسة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن لا يبقي ولاته في حكم الولايات مددا طويلة، بل كان يعزلهم وخاصة إذا كانوا من الصحابة الكرماء الأطهار؛ حتى لا تدنس السياسة قلوبهم فإن طول العمل فيها يقسي القلب، وحتى لا تشغلهم تجاراتهم وأموالهم، ولأنه كان لا بد أن يبقي معه نفر غير قليل منهم، يستشيرهم في أمور المسلمين ويفوضهم في افتاء الناس، فإنه لا يستطيع أن يستغني عنهم جملة ولا أن تكون بطانته من غيرهم، ولو أنه كان يعزلهم تخونا لهم لما أبقاهم في بطانته، بل لعاقبهم وحاسبهم حسابا عسيرا.
- لم يكن أبو هريرة – رضي الله عنه – أول وال يعزله عمر ويشاطره ماله؛ فقد عزل عمر من عماله أفضلهم وشاطرهم مالهم مثل سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأبي بن كعب، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم.
- لو كان عمر بن الخطاب يشك في أمانة أبي هريرة لما طلب منه توليته مرة أخرى بعد عزله، ولأخذ منه ماله كله ولم يبق له شيئا، ولأوقع عليه عقوبة الإخلال بأمانة الوظيفة، ولكن أبا هريرة قد حصل على ماله من تجارته وكسبه الحلال، وقد ثبت ذلك عند عمر والصحابة وتحققوا منه.
- لقد كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يحتاط ويتخوف على أصحابه من أن يكون الناس صانعوهم، فكان يأخذ من مالهم ويضع في بيت المال؛ لتبرأ ذممهم، ثم يعطيهم بعد ذلك مالا بقدر استحقاقهم له، فيكون حلا لهم بلا شبهة.
- الرواية التي استند إليها هؤلاء المغرضون في دعواهم أن عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة جاءت عارية السند، ولو ذكروا سندها لاستطعنا من خلاله الحكم على مدى صحتها. ولعدم وجود سند لها، فهي مردودة لا يحتج بها؛ طالما أن هناك من الصحيح ما ينفيها.
- إن الرواية الصحيحة التي وردت في مصادر كثيرة معتمدة بأسانيد صحيحة؛ مثل: عيون الأخبار، وحلية الأولياء، وتاريخ الإسلام، والإصابة في معرفة الصحابة، وطبقات ابن سعد، وفتوح البلدان وغيرها – لم يرد بها ضرب عمر أبا هريرة، وهذا فيه كفاية للدلالة على بطلان الرواية الأولى التي ذكر فيها ضرب عمر أبا هريرة رضي الله عنهما.
(*) الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، محمد حمزة، المركز الثقافي العربي، المملكة المغربية، ط1، 2005م. دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين، د. محمد محمد أبو شهبة، مطبعة الأزهر الشريف، القاهرة، 1991م.
[1]. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1402هـ/ 1982م، ص86.
[2]. انظر: الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (5/ 252). تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1419هـ/ 1998م، (67/370). سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/612).
[3]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (5/ 252، 253).
[4]. السنة النبوية، محمد فتح الله كولن، دار النيل، القاهرة، ط3، 1425هـ/ 2005م، ص148، 149 بتصرف.
[5]. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1402هـ/ 1982م، ص177 بتصرف.
[6]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (28/ 281).
[7]. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1383هـ/ 1970م، (6/ 704).
[8]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (5/ 279).
[9]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (3/ 263).
[10]. الإصابة في تميز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1383هـ/ 1970م، (7/ 443،442).
[11]. انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (4/ 598).
[12]. دفاع عن السنة ورد شبهات المستشرقين والكتاب المعاصرين، د. محمد أبو شهبة، مطبعة الأزهر الشريف، القاهرة، 1991م، ص169،170 بتصرف.
[13]. الإصابة، ابن حجر، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1383هـ/ 1970م، (2/34).
[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قصة البيعة والاتفاق على عثمان، (7/ 74: 76)، رقم (3700). وانظر: شرح صحيح مسلم، النووي، (3/1029).
[15]. الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، دمشق، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص209 بتصرف.
[16]. العقد الفريد، ابن عبد ربه، تحقيق: أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الإبياري، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2004م، (1/ 53).
[17]. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1402هـ/ 1982م، ص176.
[18]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (4/ 598).
[19]. فتوح البلدان، البلاذري، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، د. ت، (1/ 100).
[20]. تاريخ الإسلام، الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1407هـ/ 1987م، (4/ 356).
[21]. الأنوار الكاشفة، عبد الرحمن اليماني، المكتب الإسلامي، دمشق، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص210، 211.