الطعن في حديث التلبينة
وجه إبطال الشبهة:
أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن التلبينة تعمل على تخفيف حدة الانفعال والحزن والاكتئاب؛ لما تحتوي عليه من عناصر تعمل على ذلك؛ إذ ثبت أن الاكتئاب هو خلل كيميائي ناتج عن نقص العناصر؛ مثل البوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها، ولما كانت التلبينة غنية بهذه العناصر كان من الطبيعي أن تعالج الاكتئاب، كما أنها تعمل على تقليل الكوليسترول في الدم، فهي بذلك علاج لأمراض القلب والشيخوخة والسكر والضغط، وتقي من سرطان القولون، فهل بعد هذا يقال عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن التلبينة خرافة وترهات؟!
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
أثبت الباحثون أن الحزن والاكتئاب هو خلل كيميائي، وأن هناك مواد لها تأثير في تخفيف الاكتئاب والحزن؛ مثل البوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة والميلاتونين وبعض عناصر فيتامين (ب) المركب والسيراتونين.
وقد ثبت أن الشعير يحتوي على عنصري البوتاسيوم والماغنسيوم، ويؤدي نقصهما إلى سرعة الغضب والانفعال والشعور بالاكتئاب والحزن، وضبط البوتاسيوم والماغنسيوم له تأثير في تخفيف الاكتئاب، وذلك عن طريق تأثير هذين العنصرين على بعض الموصِّلات العصبية، وهو ما أشار إليه الباحثون بقولهم: يؤدي إلى تخفيف الاكتئاب؛ إذ يشعر الإنسان بالميل إلى الاكتئاب عند تأخر العمليات الفسيولوجية للموصِّلات العصبية، وهذا من أهم أسبابه نقص فيتامين (ب) المركب؛ وهو مما يساعد على التخلص من الاكتئاب والتخفيف منه.
إن علاج نقص مضادات الأكسدة- مثل فيتامين (هـ)- له تأثير فعّال في علاج حالات الاكتئاب والشيخوخة، وخاصة لدى المسنين، والشعير يحوي كمية كبيرة من مشابهات فيتامين (E) و (A) المضادين للأكسدة.
ويحتوي الشعير على الحمض الأميني تريبتوفان (tryptophan)، الذي يسهم في تخليق أهم الناقلات العصبية، وهي السيروتونين (serotonin)، والتي تؤثر بشكل واضح في الحالة النفسية والعصبية للمريض([2]).
ومن بين ما توصلت إليه العلوم فيما يخص الشعير الأخضر- وهو أقل أهمية من حبوب الشعير الخضراء- أنه يساعد على بناء الدم؛ لغناه بالحديد، وتمثيل الكريات الحمراء من أهم ما يجعل الجسم يُنشط جيدًا؛ ولذلك فالشعير يحد من انخفاض الضغط وفقر الدم والأنيميا، والكريات الحمراء هي التي توزع الأكسجين على الجسم، وتزيل السموم منه؛ ولذلك فالشعير الأخضر يحد من السرطانات.
ويحتوي الشعير كذلك على فيتامين (س) بكمية تعادل خمسة أضعاف الكمية الموجودة في الحوامض، ويحتوي على الكالسيوم بكمية ضعف الكمية الموجودة بالحليب، وكمية الحديد الموجودة في الشعير الأخضر تفوق الكمية الموجودة بالسبانخ خمس مرات، ويحتوي الشعير الأخضر على كل الفيتامينات والأملاح المعدنية والكلوروفايل والكاروتينات والفلافونويدات، وكمية كبيرة من حمض الفوليك، ليكون الشعير الأخضر من المواد التي يجب على النساء الحوامل تناولها؛ لأن حمض الفوليك ضروري للنمو الجيد للجنين، خصوصًا نمو المخ في أثناء الأشهر الأولى من الحمل.
وعلاوة على هذه التركيبة الغنية والهائلة، فإن الشعير الأخضر يحتوي على الإنزيمات الضرورية للتأكسد والاستقلاب داخل الجسم، وهناك مكونات أخرى تدخل في التركيب الدقيق للشعير الأخضر؛ منها مكون الأكسدة للدهنيات (succinate)، ومكون (O-glycosylsoritexin)، وبعض الإنزيمات الأخرى التي تساعد على ضبط المفاعلات الكيماوية داخل الجسم، ويعرف الشعير في علم الطب الغذائي بأنه منشط للكريات الحمراء، ومحفز لتجديدها، ومطهر للدم.
ويُعد الشعير غنيًّا بالأملاح المعدنية، ومن بينها البوتاسيوم الذي يوجد فيه بكمية هائلة، ويفيد البوتاسيوم في خفض ارتفاع الضغط، ويحتوي الشعير على كل الفيتامينات، خصوصًا مكون فيتامين (ب) بكل أنواعه، ويفيد في تهدئة الأعصاب، وبعض المكونات الكيماوية الطبيعية الأخرى، ويوجد الكلوروفايل على أعلى مستوى في الشعير الأخضر، وكذلك مكون البيتاكاروتين أو البروفايتمن (أ)، والشعير هو المادة الغذائية الوحيدة من بين الحبوب والنشويات التي تساعد على خفض الوزن والوقاية من السمنة.
وبهذه الخصائص يكون الشعير الغذاء الذي لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لتغذية المرضى والأطفال والنساء، ونظرًا لتركيبته الغنية بالأملاح الثنائية من الكالسيوم فالشعير يحد من أثر الكورتيكويدات بالنسبة لمتناولي هذه العقاقير([3]).
ومن أحدث ما توصل إليه علماء النفس لعلاج الاكتئاب النفسي المصاحب للشيخوخة في المؤتمر العالمي العاشر للطب النفسي بمدريد عام 1996م- أن إعطاء جرعات مكثفة من مجموعة معينة من العقاقير التي تعرف باسم “مضادات الأكسدة” تساعد في شفاء حالات الاكتئاب لدى المسنين في فترة زمنية قصيرة تتراوح بين شهر وشهرين.
الشعير واحتواؤه على مادة الميلاتونين:
لقد كشف العلم الحديث عن أن الشعير يحتوي على نسبة عالية من مادة الميلاتونين، والتي تفرز- في الأساس- من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ (Brain) خلف العينين.
أهمية الميلاتونين للإنسان:
- تقي الإنسان من الإصابة بأمراض القلب.
- تعمل على تخفيض نسبة الكوليسترول في الدم.
- تساعد على خفض ضغط الدم المرتفع.
- تعمل على الوقاية من شلل الرعاش عند كبار السن.
- تزيد من كفاءة الجهاز المناعي بالجسم.
- تقي الإنسان من اضطرابات النوم؛ كالأرق.
- تعالج حالات الاكتئاب، وتعمل على تأخير ظهور الشيخوخة.
- لها دور فعال في علاج السرطان.
كما ثبت في بعض التجارب أن تناول مادة التربتوفان- التي يحتوي عليها الشعير- يساعد على التغلب على الأرق وتحسن النوم([4]).
وأشار التقرير العلمي المنشور بجريدة الأهرام (10/ 5/ 1996م) إلى أن الشعير من ضمن الأغذية التي يجب على المكتئب تناولها، وزيادة الكمية المأخوذة منها([5]).
كما نشرت مجلة ليبيدز عام 1985م مقالاً حول فوائد الشعير وغيره من النباتات في معالجة ارتفاع كوليسترول الدم، جاء فيه: لقد قام خبراء من قسم الزراعة في أمريكا بإجراء بحوث على الشعير، فتبين أنه يحتوي على ثلاثة عناصر كلها تقوم بخفض كوليسترول الدم.
كما قامت شركات كثيرة في الغرب بتعبئة زجاجات بماء الشعير، وعُرفت باسم (Barleywater)، وقامت شركات الأدوية بتصنيع كبسولات تحتوي على زيت الشعير([6]).
كما أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستويات الكوليسترول في الدم، وذلك من خلال عدة عمليات حيوية تتمثل فيما يلي:
- تتحد الألياف المنحلة الموجودة في الشعير مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة؛ فتساعد على خفض نسبته في الدم.
- ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض دسمة تُـمتص من القولون، وتتداخل مع استقلاب الكوليسترول؛ فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.
- تحتوي حبوب الشعير على مركبات كيميائية تعمل على خفض معدلات الكوليسترول في الدم؛ مثل مادة بتاجلوكان (B – Glucan) التي تتحد مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة والأحماض الصفراوية؛ مما يقلل وصوله إلى تيار الدم، كما يعد وجودها ونسبتها في المادة الغذائية محددًا لمدى أهميتها وقيمتها الغذائية ورفع القدرة المناعية للجسم.
- تحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامينات (هـ) (Tocotrienol)، التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكوليسترول؛ ولهذا السبب تشير الدلائل العلمية إلى أهمية فيتامين (هـ)- الذي طالما عُرفت قيمته لصحة القلوب- إذا تم تناوله بكميات كبيرة، وعلى هذا النحو يسهم العلاج بالتلبينة في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب- خاصة شرايين القلب التاجية- فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية (Heartlnfarction)، واحتشاء عضلة القلب (Lsehemia)، وأعراض نقص التروية، أما المصابون فعليًّا بهذه العلل الوعائية والقلبية فتسهم التلبينة- بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية- في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية.
وتشير نتائج البحوث إلى انخفاض نسبة الكوليسترول العام بنسبة 10%، وانخفاض نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة (ldl) إلى 8%، وارتفاع نسبة الكوليسترول عالي الكثافة (hdl) إلى 16%.
والشعير يكبح جماح ضغط الدم لسببين:
- يحتوي على كمية وافرة من عنصر البوتاسيوم؛ حيث يخلق هذا العنصر التوازن اللازم بين الملح والماء داخل الخلية.
- الشعير مُدِرّ للبول؛ مما يقلل من ضغط الدم.
والشعير ينظم امتصاص السكر في الدم؛ مما يحد من ارتفاع السكر المفاجئ؛ لاحتواء أليافه المنحلة القابلة للذوبان على بكتينات تكون مع الماء هلامًا لزجًا يبطئ من هضم النشويات والسكريات وامتصاصها، كما أنه قليل السعرات غني بالألياف المنحلة وغير المنحلة؛ مما يقلل من الرغبة في تناول الأطعمة السكرية وغيرها؛ وهذا يساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم([7]).
وبالجملة، فإن العلم الحديث قد أثبت أهمية الشعير في الوقاية من أمراض عديدة، منها:
- أمراض القلب:
فقد كشف العلم الحديث عن أن الشعير يحتوي على بعض المركبات الكيميائية
التي تساعد على خفض نسبة الكوليسترول؛ لذلك فإن حبوب الشعير تُعد علاجًا للقلب ومقوية له.
- أمراض ضغط الدم:
أكدت الأبحاث على أهمية الشعير لمرضى ضغط الدم؛ لاحتوائه على عنصر البوتاسيوم الذي يخلق توازنًا بين الملح والماء داخل الخلية، ويُعد البوتاسيوم من أهم الأدوية في جميع الرعايات المركزة على مستوى العالم لمرضى ضغط الدم، وعند اللزوم يتم حقن البوتاسيوم عن طريق الوريد، والشعير أيضًا له خاصية إدرار البول، حتى إن هناك أدوية مستخلصة منه تعمل على إدرار البول، وهي أشهر الأدوية المستعملة لمرضى ضغط الدم([8]).
- علاج للسرطان وتأخر الشيخوخة:
تمتاز حبة الشعير بوجود مضادات الأكسدة؛ مثل فيتامين (E) و A))، وقد توصلت الدراسات الحديثة إلى أن مضادات الأكسدة يمكنها منع وإصلاح أي تلف بالخلايا يكون بادئًا أو محرضًا على نشوء ورم خبيث؛ إذ تلعب مضادات الأكسدة دورًا في حماية الجسم من الشوارد الحرة ( (Freeradicalsالتي تدمر الأغشية الخلوية، وتدمر الحمض النووي (DNA)، وقد تكون المتهم الرئيسي في حدوث أنواع معينة من السرطان وأمراض القلب، بل وحتى عملية الشيخوخة نفسها.
ويؤيد حوالي 9 من كل 10 أطباء دور مضادات الأكسدة في مقاومة الأمراض، والحفاظ على الأغشية الخلوية، وإبطاء عملية الشيخوخة، وتأخير حدوث مرض الزهايمر.
وقد حبا الله الشعير بوفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار، والميلاتونين هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، ومع تقدم الإنسان في العمر يقل إفراز الميلاتونين.
وترجع أهمية هرمون الميلاتونين إلى قدرته على الوقاية من أمراض القلب، وخفض نسبة الكوليسترول في الدم، كما يعمل على خفض ضغط الدم، وله علاقة أيضًا بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه، ويزيد الميلاتونين من مناعة الجسم، كما يعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة، وله دور مهم أيضًا في تنظيم النوم والاستيقاظ.
- علاج ارتفاع السكر:
تحتوي الألياف المنحلة- القابلة للذوبان- في الشعير على صموغ بكتينات تذوب مع الماء، لتكون هلامات لزجة تبطئ من عمليتي هضم المواد الغذائية في الأطعمة وامتصاصها؛ فتنظم انسياب هذه المواد في الدم، وعلى رأسها السكريات؛ مما ينظم انسياب السكر في الدم، ويمنع ارتفاعه المفاجئ عن طريق الغذاء.
ويعضِّد هذا التأثير الحميد للشعير على سكر الدم أن عموم الأطعمة الغنية بالألياف- منحلة وغير منحلة- فقيرة الدسم وقليلة السعرات الحرارية في معظمها، بينما لها تأثير مالئ يقلل من اندفاعنا لتناول الأطعمة الدسمة والنهم للنشويات الغنية بالسعرات الحرارية.
ولأن المصابين بداء السكري أكثر عرضة لتفاقم مرض القلب الإكليلي، فإن التلبينة الغنية بالألياف تقدم لهم وقاية مزدوجة لمنع تفاقم داء السكري من ناحية، والحول دون مضاعفاته الوعائية والقلبية من ناحية أخرى، وهكذا يمكننا القول بثقة: إن احتساء التلبينة بانتظام يساعد المرضى الذين يعانون من ارتفاع السكر في دمهم.
- مليِّن ومهدِّئ للقولون:
والجدير بالذكر أن الشعير غني بالألياف غير المنحلة، وهي التي لا تنحل مع الماء داخل القناة الهضمية، لكنها تمتص منه كميات كبيرة وتحبسه داخلها؛ فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها؛ مما يسهِّل حركة هذه الكتلة ويسرِّعها عبر القولون، وهكذا تعمل الألياف غير المنحلة الموجودة في الحبوب الكاملة- غير المقشورة- وفي نخالة الشعير على التنشيط المباشر للحركة الدودية للأمعاء؛ وهو ما يدعم عملية التخلص من الفضلات.
كما تعمل الألياف المنحلة باتجاه الهدف نفسه؛ إذ تتخمر هلامات الألياف المنحلة بدرجات متفاوتة بواسطة بكتيريا القولون؛ مما يزيد من كتلة الفضلات، وينشط الأمعاء الغليظة؛ وبالتالي يسهِّل عملية التخلص من الفضلات ويسرِّعها.
وأظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون؛ حيث استقر الرأي على أنه كلما قل بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء قلت احتمالات الإصابة بالأورام السرطانية، ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتيريا القولون للألياف المنحلة ووجود مضادات الأكسدة بوفرة في حبوب الشعير([9]).
ومن فوائد الشعير الأخرى أنه مقوًّ عام للأعصاب ومليِّن ومرطِّب ومنشِّط للكبد، ويوصف الشعير لأمراض الصدر والضعف العام، وبطء النمو لدى الأطفال، وضعف المعدة والأمعاء والكبد، وضعف إفراز الصفراء، كما يوصف لالتهاب الأمعاء، وكذلك أمراض التيفود، وأمراض التهاب المجاري البولية، والحميات، وارتفاع ضغط الدم.
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما جاء به الحديث الشريف:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «التلبينة مجمة لفؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن»([10])، وهذا الحديث إعجاز علمي فريد؛ إذ كان الأطباء النفسيون في الماضي يعتمدون على التحليل النفسي ونظرياته في تشخيص الأمراض النفسية، واليوم مع التقدم الهائل في العلوم الطبية يفسر أطباء المخ والأعصاب الاكتئاب على أنه خلل كيميائي، كما يثبت العلم الحديث وجود مواد تلعب دورًا في التخفيف من حدة الاكتئاب؛ كالبوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها، وهذه المواد تجتمع في حبة الشعير التي وصفها نبي الرحمة بأنها تذهب ببعض الحزن.
ويلاحظ هنا أن الدراسات العلمية تستخدم عبارة “التخفيف ببعض الحزن”، وهذه دلالة واضحة على دقة التعبير النبوي الذي أُوتي جوامع الكلم.
يقول ابن القيم: وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق الناضج، لا الغليظ النيئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يُطبخ صحاحًا والتلبينة تُطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.
ثم قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: «مجمة لفؤاد المريض» يُروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه مريحة له؛ أي تريحه وتسكنه، وهي من الإجمام، وهو الراحة، وقوله: «تذهب ببعض الحزن» قد يقال- وهو الأقرب- : إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية.
ثم يقول: وقد تقدم أن ماء الشعير المغلـي- وهو أكثر غذاء من سويقه- نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لـمـا في المعدة، قاطع للعطش، مطفئ للحرارة.
ثم قال: وصفته- ماء الشعير- أن يُؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدارًا ومن الماء العذب الصافي خمسة أمثاله([11])([12]).
وجاء في “فتح الباري”: قال الموفق البغدادي: إذا شئت معرفة منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير، ولا سيما إذا كان نخالة؛ فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذي غذاء لطيفًا، وإذا شرب حارًّا كان أجلى وأقوى نفوذًا وأنمى للحرارة الغريزية، قال: والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة، فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته، خاصة لتقليل الغذاء، والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة، قال: وسماه “البغيض النافع”؛ لأن المريض يعافه وهو نافع له، قال: ولا شيء أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير، وأما من يغلب على غذائه الحنطة فالأَوْلَى به في مرضه حساء الشعير، وقال صاحب الهدي: التلبينة أنفع من الحساء؛ لأنها تُطبخ مطحونة فتخرج خاصية الشعير بالطحن، وهي أكثر تغذية وأقوى فعلاً وأكثر جلاء، وإنما اختار الأطباء النضيج لأنه أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد، ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طُبخ صحيحًا، وبالحزين إذا طُبخ مطحونًا؛ لما تقدمت الإشارة من الفرق بينهما في الخاصية([13]).
وهذه الفوائد الجمة قد أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام، ثم جاء العلم بعد تقدمه لكي يؤكد ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من قبل، فهل نغفل عن هذا الإعجاز العظيم، الذي يبرز اختياره صلى الله عليه وسلم للكلمات: «مجمة لفؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن»؟! فسبحان من علَّمه صلى الله عليه وسلم.
3) وجه الإعجاز:
لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن التلبينة تريح المريض من كثير من متاعبه فقال عنها: «مجمة للفؤاد»، ووصفها علاجًا للحزن فقال: «وتذهب ببعض الحزن»، ثم جاء العلم الحديث وأثبت أنها غنية جدًّا بالعناصر المختلفة، وأن الاكتئاب والحزن يصيبان الإنسان بسبب خلل كيميائي ناتج عن نقص بعض العناصر؛ كالبوتاسيوم والماغنسيوم وغيرهما، وثبت أن التلبينة من أغنى الأطعمة بهذه العناصر؛ ومن ثم فهي من أقدر الأدوية على علاج الاكتئاب والحزن، فدل ذلك دلالة قاطعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وإنما يخبر بما يوحيه الله عز وجل له، وإلا فلماذا لم يصف أي طعام أو شراب آخر للتخفيف من الحزن؟! ومن أخبره أن هذه التلبينة تحتوي على كل هذه العناصر حتى يصفها بأنها مجمة للفؤاد؟!
(*) في الطب النبوي والبلاهة، مقال منشور بموقع:www.thelandofsands.blogspot.com.
[1]. التلبينة: هي حساء من دقيق الشعير بنخالته، يضاف لهما كوب من الماء، وتُطهَى على نار هادئة لمدة خمس دقائق، ثم يضاف لها كوب من اللبن وملعقة من عسل النحل.
[2]. التلبينة غذاء ودواء، مقال منشور بمنتديات: مكتبة المسجد النبوي الشريفwww.mktaba.org.
[3]. التلبينة معجزة في علم التغذية، د. محمد فائد، مقال منشور بموقع: الدكتور محمد فائد www.mfaid.com.
[4]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص816، 817.
[5]. المرجع السابق، ص716.
[6]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، يوسف الحاج أحمد، مرجع سابق، ص800.
[7]. التلبينة: غذاء ودواء، د. رامي عبد الحسيب، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[8]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مرجع سابق، ص814، 815.
[9]. التلبينة طعام، مقال منشور بموقع: ويكيبيديا، الموسوعة الحرةwww.ar.wikpedia.org.
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأطعمة، باب: التلبينة، (9/ 461)، رقم (5417). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: التلبينة مجمَّة لفؤاد المريض، (8/ 3338)، رقم (5662).
[11]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ج4، ص120، 121 بتصرف.
[12]. التلبينة: غذاء ودواء، د. رامي عبد الحسيب، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[13]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج10، ص154، 155.