الطعن في حديث: «لا يُجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن»
وجه إبطال الشبهة:
إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن» صريح كل الصراحة في أن اللبن هو الوحيد الذي يغني عن الطعام والشراب، وهذا ما توصل إليه علم الأغذية حديثا؛ حيث أثبت أن اللبن هو أكمل الأغذية، رغم أنه ينقصه قليل من العناصر الغذائية، ولكن بالرغم من هذا يُعد أفضل من أي غذاء منفرد آخر، فلا توجد أي مادة غذائية يمكن أن تقارن مع اللبن من حيث قيمته الغذائية المرتفعة؛ وذلك لاحتوائه على جميع العناصر الغذائية الأساسية التي لا يستغني عنها جسم الإنسان في جميع مراحل نموه وتطوره، وليس فقط مرحلة الطفولة الأولى كما يدَّعون؛ ومن ثم يوصي الأطباء بشربه يوميًّا، فلِمَ الطعن والتشكيك في هذا الحديث المعجز؟!
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
أثبتت الأبحاث والتجارب العلمية حديثًا أن اللبن يمد جسم الإنسان بمجموعة كبيرة جدًّا من العناصر والمركبات الغذائية الحيوية المهمة؛ فهو سائل معقد التركيب جدًّا؛ إذ يحتوي على أكثر من مائة مادة، من أهمها:
- الماء:
يكون الماء ما يقرب من 85: 90% من ألبان جميع الثدييات؛ ومن ثم فهو الوسط الذي يجعل باقي مكونات اللبن في صورة غروية؛ مثل البروتين، أو صورة مستحلبة؛ مثل الدهون، أو صورة ذائبة؛ مثل الأملاح واللاكتوز، ونشاط الإنزيمات لا بد أن يكون في صورة مائية، وعملية الحليب لا يمكن إجراؤها إلا في صورة مائية، ومعلوم أن الماء له دور مهم وحيوي في حياة الإنسان؛ حيث إن له وظائفه الفسيولوجية في الجسم الإنساني، وهو يمثل ثلثي الجسم تقريبًا.
- البروتينات:
يُعد اللبن موردًا مهمًّا وجيدًا للبروتينات ذات القيمة الغذائية المرتفعة؛ فكمية البروتين الموجودة في لتر من اللبن تعادل كمية البروتين الموجودة في خمس بيضات، أو في نصف كيلو جرام من اللحم الأحمر، أو في ثلثي كيلو جرام من لحم السمك، وتمد بروتينات اللبن جسم الإنسان بمقادير وتركيزات عالية من الأحماض الأمينية الأساسية، التي تزود الجسم بالطاقة الحرارية، وبناء الأنسجة والخلايا في أعضاء الجسم المختلفة([1]).
- الدهنيات:
تُعد دهون اللبن من أهم مكوناته؛ وذلك لقيمته الغذائية المرتفعة، فتحتوي جليسريدات دهن اللبن على معظم الأحماض الأساسية الضرورية، وهذه لا يمكن تصنيعها في الجسم، ووجودها ضروري لصحة جسم الإنسان، وتوجد في دهون اللبن مواد مصاحبة له؛ مثل الفوسفوليبيدات والكاروتين وفيتامينات (أ، د، هـ، ك)، وكذلك مادة الكوليسترول، وهي مادة ضرورية لصحة خلايا الجهاز العصبي في الإنسان، كما أن دهون اللبن هي السبب في الطعم اللذيذ للبن ومنتجاته؛ كالقشدة والزبد والجبن.
ويوجد الدهن في اللبن في حالة مستحلب، وعلى شكل كريات صغيرة جدًّا لا تُرى إلا بميكروسكوب قوي، ومتوسط قطر كل كرة دهنية نحو ثلاثة من الألف من المليمتر، ووجود الدهن على هذه الصورة يسهل كثيرًا من عملية الهضم والامتصاص، ومن المعلوم أن الـحبيبات الدهنية الصغيرة التي قطرها 0,5 من الميكرون تمر من جدار الأمعاء دون الحاجة إلى هضمها وتحويلها إلى أحماض دهنية وجليسرين.
- سكر اللبن (اللاكتوز):
هذا السكر لا يوجد إلا في اللبن، وثلث الطاقة التي تستمد من اللبن ترجع إلى اللاكتوز، ودرجة حلاوة سكر اللاكتوز أقل كثيرًا من سكر العنب؛ فسكر اللبن ضعيف الحلاوة لا يزيد عن 15% من حلاوة سكر القصب([2]).
“ويمتاز سكر اللبن عن غيره من الكربوهيدرات الأخرى بقدرته على التخمر الذي يُعد ذا أهمية نافعة في التغذية، كما أنه يؤثر على غشاء المعدة المخاطي؛ نظرًا لقلة ذوبانه، كذلك فإن احتواء سكر اللبن على سكر الجالاكتوز يزيد منأهميته؛ إذ يعتبر هذا السكر أساس تكوين الجالاكتوز في أغشية المخ والخلايا العصبية، وينفرد سكر اللبن أيضًا بقدرته على تنشيط نمو أنواع مفيدة من بكتيريا حمض اللاكتيك، والتي يمكن أن تحل محل بعض البكتيريا التعفنية في القناة الهضمية، كما يساعد الحامض المتكون- نتيجة نشاط الميكروبات النافعة- على تمثيل الكالسيوم وامتصاصه وبعضالمعادن الأخرى”([3]).
- الفيتامينات:
يحتوي اللبن على جميع الفيتامينات، إلا أن بعضها يوجد بنسبة ضئيلة جدًّا، أما أنواع الغذاء الأخرى التي تحتوي على نسب مرتفعة من بعض الفيتامينات فإنها تكون غير محتوية على فيتامينات مهمة أخرى، أما اللبن فيحتوي على جميع أنواع الفيتامينات([4]).
وهذه الفيتامينات هي مواد تساعد الجسم على الاستفادة من الغذاء والوقاية من الأمراض، وتوجد بعض فيتامينات اللبن ذائبة في الدهن، وهي فيتامينات (أ، د، هـ، ك)، والبعض الآخر ذائبًا في ماء اللبن، وهي فيتامينات (ب1، ب2، ج)، وكذلك الكولين؛ ومن ثم فاللبن يُعد مصدرًا جيدًا لكل هذه الفيتامينات، لا سيما فيتامين (أ) الذي يوجد بنسبة كبيرة في اللبن([5]).
- الأملاح المعدنية:
اللبن مصدر مهم للأملاح المعدنية اللازمة لجسم الإنسان، وهي مهمة للعظام والأسنان وتنظيم الضغط الأسموزي وتنشيط عناصر الجسم، ومن أهم الأملاح المعدنية في اللبن: أملاح الكالسيوم والفوسفور والماغنسيوم، ويوجد في اللبن من المعادن الصوديوم والبوتاسيوم والكلور والكبريت، إلا أن اللبن يحتوي على قدر ضئيل من الحديد، كما يوجد في اللبن آثار من المعادن الأخرى؛ مثل المنجنيز والنحاس واليود والزنك والفلور ومعادن أخرى([6])، وبالإضافة إلى ما سبق، فإن اللبن يحتوي على كثير من الإنزيمات أو الخمائر التي تساعد على هضم الطعام وامتصاصه([7]).
التركيب الكيميائي التقريبي للبن الأبقار
التركيب
النسبة
ماء (مليلتر/100مليلتر)
87.2
طاقة (كيلو كالوري/100مليلتر)
66.0
إجمالي المواد الصلبة (جم/100مليلتر)
12.8
بروتين (جم/100مليلتر)
3.5
دهن (جم/100مليلتر)
3.7
سكر اللبن (جم/100مليلتر)
4.9
رماد (جم/100مليلتر)
0.7
البروتينات (النسبة المئوية لإجمالي البروتينات)
كازين
82.0
بروتينات مصل اللبن
18.0
النيتروجين الخالي من البروتين (مليجرام/100مليلتر)
النسبة المئوية لإجمالي النيتروجين
6.0
الأحماض الأمينية الأساسية (مليجرام/100 مليلتر)
هيستيدين
95.0
إيسوليوسين
228.0
ليوسين
350.0
ليسين
277.0
مسثيونين
88.0
فينيلانين
172.0
ثريونين
164.0
تريبتوفان
49.0
فالين
245.0
الأحماض الأمينية غير الأساسية
أرجينين
129.0
ألانين
745.0
الحامض الاسبارتيكي
166.0
سيستين
32.0
حامض الغلوثامي
680.0
غليسين
11.0
برولين
250.0
سيرين
160.0
تيروسين
179.0
المعادن الرئيسة في اللتر الواحد
كالسيوم (مليجرام)
1160.0
فوسفور (مليجرام)
920.0
صوديوم
22.0
بوتاسيوم
35.0
كلورايد
29.0
ماغنسيوم (مليجرام)
120.0
سلفر (مليجرام)
300.0
معادن توجد بكميات قليلة جدًّا في اللتر الواحد
كروم (ميكروجرام)
8 ـ 13
منغنيز (ميكروجرام)
20 ـ 40
نحاس (ميكروجرام)
300
زنك (مليجرام)
3 ـ 5
أيودين (ميكروجرام)
10 ـ 200
سيلينيوم (ميكروجرام)
5 ـ 50
حديد (مليجرام)
0.5
الفيتامينات في اللتر الواحد
فيتامين أ (وحدة دولية)
1025 ـ 1690
فيتامين (م.ج)
440
ريبوفلافين (م.ج)
1750
نياسين (م.ج)
940
بيريدوكسين (م.ج)
640
بانتوثينيت (م.ج)
3.46
فولاسين (م.ج)
4
فيتامين ج مليجرام
11 ـ 21
فيتامين د (وحدة دولية)
14 ـ 3
فيتامين هـ مليجرام
0.4
فيتامين ك (م.ج)
60
لقد ثبت أن اللبن أكمل الأغذية من الناحية البيولوجية، رغم أنه ينقصه قليل من العناصر الغذائية، وعلى الرغم من ذلك يُعد أفضل من أي غذاء منفرد، ولا توجد مادة غذائية أخرى يمكن أن تقارن مع اللبن من حيث قيمته الغذائية المرتفعة؛ وذلك لاحتوائه على المواد الغذائية الأساسية الضرورية التي لا يستغني عنها جسم الإنسان في جميع مراحل نموه وتطوره؛ كالبروتينات والكربوهيدرات والسكريات والدهون والمعادن والفيتامينات، واللبن يمد جسم الإنسان بمجموعة كبيرة جدًّا من هذه العناصر والمركبات الغذائية الحيوية المهمة.
وجاء في كتاب “الأطعمة والأغذية” ما نصه: “يعتبر الحليب أكثر غذاء متكامل وُجد على سطح الأرض؛ حيث إنه صُمِّم ليكون غذاء لكل مولود للحيوانات اللبونة؛ كالبقر والغنم والماعز والإنسان، وبذلك فإنه يؤمِّن كميات كافية من الغذاء… وما يثير العجب أن عناصر الحليب الغذائية تكون بحالة جاهزة للهضم، ولا يضيع منها أثناء الامتصاص في الأمعاء إلا النزر اليسير، والحليب ليس غذاء مفيدًا للأطفال فحسب، بل هو غذاء عظيم لكل جيل”([8]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث الشريف:
لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى القيمة الغذائية للبن، وأنه يقوم مقام غيره من الأطعمة والأشربة، فقال في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما : «من أطعمه الله طعامًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه؛ فإني لا أعلم ما يُجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن»([9])، وفي رواية عند أبي داود: «… فإنه ليس شيء يُجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن»([10]).
وحول هذا الحديث أثار المشككون شبهتهم قائلين: إن الحليب لا يقوم مقام غيره من الأطعمة والأشربة؛ وذلك لافتقاره إلى بعض العناصر الغذائية، ويذهب بعضهم إلى أن اللبن غير ملائم للتغذية البشرية، وأنه ضار جدًّا بالصحة، خاصة بعد عمر السنتين.
والجواب عن هذا من خلال ما يأتي:
إن الحديث واضح كل الوضوح في أن اللبن هو الغذاء الوحيد الذي يُجزئ عن الطعام والشراب؛ أي يغني عنهما.
قال القرطبي معلقًا: “قال علماؤنا: فكيف لا يكون ذلك وهو أول ما يغتذي به الإنسان، وتُنمى به الجثث والأبدان، فهو قوت خلي عن المفاسد، به قوام الأجسام”([11]).
وبتقدم علم الأغذية في العصر الحديث استطعنا أن نفهم المغزى العلمي من هذا الحديث؛ فقد توصل هذا العلم إلى أن اللبن هو الوحيد من بين الأغذية الذي يحتوي على جميع المواد والعناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، فهو يحتوي على البروتينات والكربوهيدرات والدهون، بالإضافة إلى الكالسيوم وفيتامين (D)، ومواد غذائية أخرى كثيرة.
واللبن غذاء سهل الهضم؛ فالدهون فيه على شكل جزيئات صغيرة جدًّا لا تحتاج إلى جهد كبير في الأمعاء لتجزئتها، فهي دهون تكاد تكون مهضومة، وسكر اللبن سكر ثنائي سهل الهضم أيضًا، يتحول في الجسم إلى جلوكوز وفركتوز، وهذا النوع من السكر في اللبن يسمى “سكر اللاكتوز”، ولا يوجد في أي طعام آخر، ولما كان اللبن أغنى الأغذية بالكالسيوم فإن وجود اللاكتوز أنسب السكريات التي تساعد على امتصاصه، وهو سهل الهضم أيضا؛ لذا قال علماء التغذية: عناصر اللبن الغذائية جاهزة للهضم ولا يضيع منها أثناء الامتصاص في الأمعاء إلا النزر اليسير، فهي عناصر كاملة وسهلة، ولا يوجد شيء منها يضيع ويخرج برازًا أو بولاً إلا شيء يسير جدًّا، والباقي كله يستفيد منه جسم الإنسان، أما بروتين اللبن فهو بروتين حيواني يحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية.
ومن ثم، فلا نجد غذاء غير اللبن فيه كل هذه العناصر الغذائية، فهو كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن»، ولا يستطيع علم الأغذية في عصرنا الحاضر أن يزيد على ذلك شيئًا([12]).
يقول الدكتور علي أحمد الشحات: “والحقيقة أن اللبن أكمل الأغذية من الناحية البيولوجية، رغم أنه ينقصه قليل من العناصر الغذائية، ولكن رغم ذلك يعد أفضل من أي غذاء منفرد وحيد، ولا توجد أي مادةغذائية أخرى يمكن أن تقارن مع اللبن من حيث قيمته الغذائية المرتفعة؛ وذلك لاحتوائه على المواد الغذائية الأساسية الضرورية؛ التي لا يستغني عنها جسم الإنسان في جميع مراحل نموه وتطوره، فاللبن يُعد من أحسن الأغذية للأطفال والناشئين والبالغين والمسنين على السواء، فعلاوة على أنه ينفع الصغار في حياتهم المقبلة، ويكسبهم مناعة ضد كثير من الأمراض، فإنه أيضًا يفيد الكبار كثيرًا لقيمته الغذائية المرتفعة.
ويعداللبن ومنتجاته من المواد الغذائية الضرورية المهمة للإنسان في معظم بلاد العالم؛فحيث يستعمل سكان خط الاستواء في الجنوب ألبان الماعز والإبل في غذائهم، نجد أن لبنالغزلان يستعمله سكان الإسكيمو في الشمال، ولبن الخيول يستعمل في آسيا، ولبنالجاموس يشربه سكان أفريقيا وشبه القارة الهندية، ولكن يلاحظ أن الاستعمال الشائع إنما هو لألبان البقر والغنم في معظم بلاد العالم، مع أن ألبان الأنواع المختلفة تحتوي على العناصر نفسها، ولكن تختلف في نسبها وخواصها”([13]).
ومن الأمثلة على ذلك اهتمام البلغار والأتراك باستعمال اللبن، لا سيما اللبن الزبادي؛ حيث لا تخلو منه أي مائدة في أي وجبة؛ ولذلك يمتاز البلغاريون والأتراك باحتفاظهم بقوتهم وحيويتهم ونشاطهم التناسلي، وجميع مظاهر الشباب في سن متقدمة جدًّا؛ فعدد الذين يتجاوزون المئة حسب آخر إحصاء أكثر من ستة عشر في المليون، في حين أنه لا يعمر إلا تسعة في كل مليون في الولايات المتحدة الأمريكية، وهؤلاء التسعة أقل حيوية ونضرة وشبابًا من نظرائهم البلغار والأتراك.
وقد أدرك الرياضيون في شمال أوربا أهميته، فصاروا يتخذونه غذاء ضروريًّا يعينهم على ممارسة الرياضة، ولا سيما رياضة المصارعة، وقد عرف العرب اللبن قبل الغرب بمدة طويلة؛ حيث لم تعرف عادة شرب اللبن عند الغرب إلا بعد الحروب الصليبية، والآن يستهلك الغرب أضعاف الكمية التي يستهلكها العرب، وذلك بعد أن أثبت العلم الحديث مدى أهمية اللبن الغذائية([14]).
والناظر فيما سبق يجد أن خبراء التغذية لا يطلقون على الحليب لفظ “مشروب”، بل يطلقون عليه “غذاء الحليب”؛ فهو بالفعل غذاء مثالي متكامل لكافة المراحل العمرية، وليس فقط لمرحلة الطفولة الأولى التي قبل السنتين كما يدَّعي مثيرو الشبهة؛ لأن هذا الكلام عار تمامًا عن الصحة العلمية، بل لا يصح عقلاً، فلو سألنا اليوم علماء الغرب وأطباءه: ما هو أفضل غذاء للصغار والكبار والشيوخ؟ فسيجيبون على الفور بأنه اللبن، وهذا ليس كلامًا، بل هي دراسات وتجارب مؤكدة، فهل غذاء يحتوي على تلك العناصر الغذائية المتكاملة السريعة الهضم والامتصاص لا يكون مفيدًا لكل الناس؟!
ليس هذا فحسب، فقد أوضحت دراسة علمية متخصصة نشرتها الدورية الأمريكية للتغذية الطبية أن تناول البالغين لكوب من اللبن على الأقل يوميًّا يحد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والكلى بنسبة تصل إلى 40%، وقد شملت هذه الدراسة قياس أداء الكلى لوظائفها لدى أكثر من خمسة آلاف شخص في الولايات المتحدة والنرويج، تتراوح أعمارهم بين 45 و 84 عامًا.
وأظهرت الدراسة أن الذين تناولوا كوبًا من الحليب قليل أو خالي الدسم أو منتجاته بصفة يومية تقلصت لديهم مخاطر الإصابة بفشل كلوي بنسبة 37%، مقارنة بالذين تناولوا كميات أقل من اللبن أو لم يتناولوه على الإطلاق.
وقالت: إن العناصر الغذائية الرئيسية الموجودة في بروتينات الألبان- مثل: فيتامين (د) والماغنسيوم والكالسيوم- قد تسهم في تحقيق فوائد كبيرة للقلب، وكشف باحثون في مستشفى همرسميث في لندن ومستشفى لستر العام أن حليب البقر المنتج في الأيام الأولى لولادة البقرة يساعد في علاج الكثير من أمراض المعدة المعتادة.
ويقول العلماء: إن بإمكان مادة بوفاين كولوستروم الموجودة بكثرة في حليب البقر أن تعالج الكثير من الأمراض والتوعكات التي تصيب المعدة، ويضيف العلماء: إن هذا الحليب الخاص يمكن أن ينقذ حياة آلاف المرضى سنويًّا.
ويذكر البروفيسور ري بلايفورد- أستاذ الجهاز الهضمي في مستشفى همرسميث في لندن- أن حليب البقر في الأيام الأولى للولادة هو غذاء طبيعي جيد، وأن هذا الاكتشاف يعتبر اكتشافًا مثيرًا([15]).
وهذه الحقائق العلمية أيضًا قد أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح: «عليكم بألبان البقر؛ فإنها تَرُمُّ ([16]) من كل الشجر، وهو شفاء من كل داء»([17]).
ومن أجل ذلك كله، فإن الأطباء يوصون كل الناس بتناول الحليب يوميًّا، فهل بعد هذا يدَّعون أن حليب الأنعام غير ملائم للتغذية البشرية، خاصة بعد عمر السنتين؟!
لقد قال الله عز وجل وهو يتحدث عن كيفية تكون اللبن: )وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين (66)((النحل)، فهذه الآية تخاطب البشر كما هو واضح من سياقها، ولا تخص مرحلة عمرية للإنسان دون مرحلة، وهي تصف اللبن بأنه خالص سائغ للشاربين.
وحتى لا يقع الإنسان في خيبة أمل وهو يسمع هذه الآية أو الحديث الذي قبلها، ولا يجد الفائدة الكاملة من اللبن كما ذكر، فإنه ينبغي أن يفرق بين اللبن الحقيقي الذي أراده ربنا عز وجل، واللبن المغشوش الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة.
وللحصول على فوائد الحليب كاملة يجب مراعاة الأمور الآتية:
- أجود ما يكون الحليب حين يحلب، ثم لا يزال تنقص جودته بمرور الوقت.
- أفضله ما يُؤخذ بعد ولادة الماشية بأربعين يومًا.
- أحسن أنواعه ما اشتد بياضه، وطاب ريحه.
- ألذه طعمًا ما كان فيه حلاوة يسيرة، ودسومة متوسطة، وقوامًا معتدلاً بين الرقة والغلظة.
- أزكاه ما حلب من ماشية صحيحة سليمة معتدلة اللحم([18]).
وعليه، فإذا كان الحليب بهذه القيمة الغذائية والعلاجية فلا يحق لهؤلاء الطاعنين أن يزعموا أن هناك بدائل صحية له؛ كحليب فول الصويا أو القمح أو الأرز، بدعوى أن البقر أو الأنعام يتم إعطاؤها أدوية وهرمونات، فينعكس ذلك سلبًا على الحليب، وذلك لما يأتي:
أولاً: إننا لا ننكر أن هناك هرمونات وأدوية كيماوية تُعطى للبقر أو الأنعام- بصفة عامة- بنسبة ما، إلا أنه في المقابل هناك من البقر والأنعام ما لا يتغذى إلا على الأغذية الطبيعية دون إضافة أي شيء إليها، فلِمَ التعميم في الحكم؟! والأمر ليس حكرًا على هذا، فإن تلك البدائل النباتية التي يتكلمون عنها هي أيضًا عرضة للتسميد الكيماوي.
فأين المشكلة إذا؟! هل هي في الحليب الطبيعي ذاته، أم فيما قد يدخل عليه من تغيير بشري في أساس تكوينه؟! وهذا الأمر ينطبق على أي شيء.
ثانيًا: إن تلك البدائل النباتية لا تقوم مقام الحليب الحيواني الطبيعي؛ فمثلاً حليب الصويا أقل احتواء على معادن الكالسيوم والماغنسيوم والبوتاسيوم وفيتامين (D) مقارنة بالحليب البقري، فحينما تحتوي التقديمة الواحدة من حليب الصويا على 10 ملجم فقط من الكالسيوم، تحتوي التقديمة الواحدة من الحليب البقري على نحو 300 ملجم من الكالسيوم؛ لذلك يلجأ مصنعو حليب الصويا إلى تدعيمه بالكالسيوم.
كما أكدت الدراسات أن الجسم يمتص الكالسيوم الموجود في حليب الصويا بنسبة أقل من 25% مقارنة بالحليب البقري؛ لذلك يؤكد خبراء التغذية على إمكانية إدخال حليب الصويا ضمن النظام الغذائي الصحي، لكن مع مراعاة عدم اعتباره بديلاً للحليب الحيواني؛ مثل البقري والجاموسي وحليب الماعز([19]).
وهكذا يتجلى لنا بوضوح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى قيمة اللبن الغذائية المتميزة، وذلك في زمن لم يكن يدرك الناس وقتئذٍ تركيب اللبن وما يحتوي عليه من عناصر الغذاء ومركباته الحيوية المهمة التي لا تجتمع في شراب غيره، ثم لـمـا تقدم العلم وتوافرت الأجهزة توصل العلماء والباحثون إلى اكتشاف هذه المواد الغذائية التي يحتوي عليها اللبن من البروتينات والكربوهيدراتوالسكريات والدهون والمعادن والفيتامينات، وغير ذلك.
فمن أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق في وقت كان يستحيل فيه على الإنسان أن يتوصل إلىما توصل إليه اليوم؟ حيث إنه بعد رحلة شاقة من الدراسة والبحث وصل من خلالها إلى نتائج تتوافق مع ما أخبر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم تمام الموافقة، مما يدل دلالة قاطعة على أن محمدًا رسول الله، وأن ما أخبر به وذكره إنما هو بتعليم الله عز وجل له: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)((النجم)([20]).
3) وجه الإعجاز:
لقد أثبت علم الأغذية حديثًا أن اللبن هو الوحيد من بين الأطعمة والأشربة الذي يحتوي على جميع العناصر الغذائية الرئيسية التي يحتاجها الجسم؛ فهو يحتوي على البروتينات والدهون والكربوهيدرات وجميع الفيتامينات والإنزيمات التي تساعد على هضم الطعام وامتصاصه بسهولة ويسر؛ لذا فهو غذاء مثالي متكامل يغني عن غيره من الأطعمة والأشربة.
وهذه الحقائق العلمية قد أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا في كلمات قليلة دقيقة، فقال: «ليس شيء يُجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن»، فأي إعجاز هذا؟!
(*) شبكة: ابن مريم الإسلامية www.ebnmaryam.com. الحليب وهم الحضارة الإنسانية، مقال منشور بموقع: علاء السيد www.alaalsayid.com.
[1]. انظر: الإعجاز العلمي في قيمة اللبن الغذائية، د. علي أحمد علي الشحات، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنةwww.eajaz.org. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص39: 41. التغذية النبوية في ثمانية أسابيع، د. عبد الباسط محمد السيد، مرجع سابق، ص126، 127.
[2]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص41، 42 بتصرف.
[3]. الإعجاز العلمي في قيمة اللبن الغذائية، د. علي أحمد علي الشحات، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[4]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص42 بتصرف.
[5]. الإعجاز العلمي في قيمة اللبن الغذائية، د. علي أحمد علي الشحات، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[6]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص43 بتصرف.
[7]. انظر: الإعجاز العلمي في قيمة اللبن الغذائية، د. علي أحمد علي الشحات، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنةwww.eajaz.org. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص43.
[8]. اللبن، بحث منشور بموقع: مكنون الإعجاز العلمي www.maknoon.com.
[9]. حسن: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الأطعمة، باب: اللبن، (2/ 1103)، رقم (3322). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3322)، وفي السلسلة الصحيحة برقم (2320)، وفي الجامع الصغير وزياداته برقم (382).
[10]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الأشربة، باب: ما يقول إذا شرب اللبن، (10/ 141)، رقم (3724). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (3730).
[11]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج1، ص127.
[12]. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص36. اللبن في ضوء الطب الحديث، د. هشام إبراهيم الخطيب، بحث منشور بمجلة الوعي الإسلامي، الكويت، 1405هـ، العدد (243)، ص80، 81.
[13]. الإعجاز العلمي في قيمة اللبن الغذائية، د. علي أحمد علي الشحات، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[14]. الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ربيع عبد الرءوف الزواوي، دار الفاروق، القاهرة، ط1، 2008م، ص187، 188 بتصرف. وانظر: الإعجاز العلمي في الإسلام: السنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، مرجع سابق، ص80. كأس من اللبن في الصحة والمرض، د. حسان شمسي باشا، بحث منشور بموقع: الدكتور حسان شمسي باشا www.drchamsipasha.com.
[15]. بطون الأنعام صيدلية من صنع الرحمن، كاوا شفيق صابر، بحث منشور بموقع: الطريق إلى الله: آيات معجزات www.e3jaz.way2allah.com.
[16]. تَرُمُّ: تأكل.
[17]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: الطب، (4/ 446)، رقم (8224). وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (1943).
[18]. بطون الأنعام صيدلية من صنع الرحمن، كاوا شفيق صابر، بحث منشور بموقع: الطريق إلى الله: آيات معجزات www.e3jaz.way2allah.com.
[19]. الحليب أخطاء شائعة وحقائق غائبة، د. مدحت خليل، بحث منشور بموقع: الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع www.ssfcm.org.
[20]. الإعجاز العلمي في قيمة اللبن الغذائية، د. علي أحمد علي الشحات، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.