الطعن في حديث لطم موسى ملك الموت
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن حديث لطم موسى لملك الموت في أعلى درجات الصحة، رواه الثقات العدول من أئمة الإسلام والحديث، ونسبة عبد الرزاق – أحد رواته – للتشيع لا تقدح في روايته، وغمز أبي هريرة – رضي الله عنه – برواية الإسرائيليات إغفال للحق، وقصد لغير سبيل المؤمنين، فقد أجمعت الأمة على حفظه وعدالته؛ لتواتر عدالته – وعموم الصحابة – عن الله ورسوله، فلا يسعنا إلا أن نسلم بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرد بمجرد استشكال العقل القاصر له.
2) إن تمثل ملك الموت في صورة بشر أمر غير مستغرب ولا ممتنع؛ فقد دلت نصوص القرآن والسنة على ظهور الملائكة في صورة البشر بما يخفي حالهم على الأنبياء – فضلا عن عموم الناس – ولا يلزم من ذلك خروج الملك عن ملكيته, وفقء موسى لعين الصورة البشرية التي تمثل فيها ملك الموت رد فعل طبيعي يتصف بالشرعية مع رجل غريب اقتحم بيته بغير إذنه يطلب روحه.
3) إن كراهية الموت أمر جبلي فطر الله الناس عليه، ولو سلمنا بأن موسى – عليه السلام – كره الموت – مع أن المدقق يرى خلاف ذلك – فإن ذلك لا يشينه، فقد سمى الله الموت في القرآن مصيبة وبلاء، وقد أقر النبي – صلى الله عليه وسلم – قول أصحابه: “كلنا يكره الموت”، وبين لهم أن كراهية الموت ليست هي كراهية لقاء الله، ونهاهم عن تمني الموت، ومع كل هذا فموسى – عليه السلام – لم يخرج عن بشريته لكونه نبيا مرسلا.
4) إن لطم موسى – عليه السلام – لملك الموت لا يعد اعتراضا من موسى على قضاء الله؛ لثبوت عدم معرفته لملك الموت ابتداء، دل على ذلك اختياره جوار ربه في المرة الثانية لما خير بين الموت والبقاء، وليس هذا اضطرابا في الآجال كما يزعم المشككون؛ فقد سبق في علم الله أن قبض موسى – عليه السلام – لا يكون إلا بعد هذه المراجعة والتخيير، وإن لم يطلع الله ملك الموت على ذلك أولا.
التفصيل:
أولا. الحديث في أعلى درجات الصحة، وتلقته الأمة بالقبول والتسليم:
حديث صك كليم الله – موسى عليه السلام – لملك الموت رواه الثقات العدول أئمة الإسلام والحديث؛ فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما[6]، وأحمد في مسنده[7]، وعبد الرزاق في مصنفه، والنسائي في سننه[8]، والبغوي في شرح السنة، وابن جرير في تاريخه، وابن حبان في صحيحه[9]، والحاكم في المستدرك على الصحيحين[10]، وغيرهم.
وقبل أن نعرض للكلام في الحديث، وجب علينا ابتداء أن نذكر نص الحديث – الذي هو موضع الإشكال لدى أصحاب الفكر السطحي – بنص ألفاظ رواته، ومخرجيه؛ إذ إن ذلك هو الأساس الذي ينبني عليه كل ما بعده، ونكتفي في هذا المقام برواية الشيخين (البخاري ومسلم)؛ لكونهما يغنيان في إثبات الصحة، وألفاظ القصة عن غيرها.
قال الإمام البخاري: حدثنا محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: «أرسل ملك الموت إلى موسى – عليهما السلام -، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر».
وقال الإمام مسلم: حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد – قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدثنا – عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: «أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكه، ففقأ عينه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه، وقال: ارجع إليه، فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم مه؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر».
وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاء ملك الموت إلى موسى – عليه السلام – فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى – عليه السلام – عين ملك الموت، ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله – عز وجل – فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد الله إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي، فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت. قال فالآن من قريب، رب أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله، لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر».
ومن خلال هذا العرض الموجز لروايات البخاري ومسلم نجد أن الحديث لم يروه من الصحابة إلا أبو هريرة، وأنه كان مرة يصرح في أوله برفعه للنبي صلى الله عليه وسلم، ومرة كان يستغني عن ذلك بما في آخره من الدلالة على رفعه، وأنه بالوجهين (الوقف والرفع) لم يأت في الصحيحين وسنن النسائي إلا من طريق عبد الرزاق، وهذا في بداية الأمر قد جعل بعض المغالطين يلمز سند الحديث بحجة أن عبد الرزاق متهم بالتشيع، وأن أبا هريرة كان يحمل من كعب الأحبار.
وللجواب عن هذه المغالطات نقول: إن انفراد الصحابي بالحديث لا يؤثر في صحة الحديث، وجماهير علماء الأمة لا يشترطون تعدد رواة الحديث للقول بصحته، وفي هذا المعنى يقول السيوطي في ألفيته:
وليس شرطا عدد ومن شرط
رواية اثنين فصاعدا غلط
أي: ليس تعدد الرواة شرطا في صحة الحديث[11].
وقال الحافظ أبو محمد ابن حزم: “إذا روى العدل عن مثله خبرا حتى يبلغ به النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته، والقطع به… سواء روي من طريق أخرى، أم لم يرو إلا من تلك الطريق”[12].
وقال الإمام ابن القيم: “ولا ترد أحاديث الصحابة، وأحاديث الأئمة الثقات بالتفرد، فكم من حديث تفرد به واحد من الصحابة، ولم يروه غيره، وقبلته الأمة كلها! ولا نعلم أحدا من أهل العلم قديما ولا حديثا قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابي واحد لم يقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع، ومن تبعهم في ذلك أقوال لا يعرف لها قائل من الفقهاء، وقد تفرد الزهري بنحو تسعين حديثا لم يروها غيره، وعملت بها الأمة، ولم يردوها بتفرده”[13].
فإذا كان تفرد مطلق الصحابي بحديث ليس بعلة يرد بها، فكيف بما تفرد به أحفظهم باتفاق، وهو أبو هريرة[14]؟!
قال السيوطي:
والمكثرون في رواية الأثر
أبو هريرة يليه ابن عمر[15]
أما عن كون المنفرد بالحديث أبو هريرة، وغمزه بتلقي الإسرائيليات عن كعب الأحبار، مع كونه يروي بالمعنى وليس هو من الفقهاء.
فأما الجواب عن تلقيه من كعب الأحبار فمن وجوه:
الأول: أنه لم يثبت قط عن أبي هريرة أنه حمل رواية إسرائيلية، ونسبها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – على أنها حديث نبوي، ولقد وجد الصحابة والتابعون في أبي هريرة – رضي الله عنه – صحابيا، حافظا، محققا، مدققا، إذا ناقشه أحد ثبت أنه الحافظ، وإذا روجع في مسألة ثبت أنه الراسخ، ولم يجربوا عليه خطأ ولا كذبا، وإنما وجدوا فيه عكس ذلك، يتحرى ويحتاط، ويعظم حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كل الإعظام[16].
الثاني: أن الصحابة – وعلى رأسهم أبو هريرة – مجمعون على الحذر من رويات أهل الكتاب، بل لقد بلغ الأمر بالصحابة أنهم كانوا إذا سألوا أهل الكتاب عن شيء فأجابوا عنه خطأ ردوا عليهم خطأهم، وبينوا لهم وجه الصواب فيه[17].
الثالث: أن جمهور المحدثين مجمعون على أن كعب الأحبار من الرواة الثقات، ولم يعلم عليه كذب قط، فقال فيه الذهبي: “حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء”[18].
وأما غمز أبي هريرة بعدم الفقه: فيكفيه أن حفاظ الأمة – منهم ابن حزم وابن القيم – لما انتصبوا لترتيب أهل الفتوى جعلوا أبا هريرة مساويا للخليفتين أبي بكر وعثمان – رضي الله عنهما – في الاندراج في الدرجة الوسطى، وهي الطبقة الثانية عندهم[19].
وأما كون الحديث لم يأت في الصحيحين إلا من طريق عبد الرزاق، وهو ملموز بالتشيع، وقد اختلط في أواخر عمره، فالجواب عن ذلك:
أن الحافظ في مقدمة الفتح قد أتى في ترجمة عبد الرزاق بما لا يدع مجالا لطاعن في أن يرد روايته بشبهة تافهة، فقال عنه: أحد الحفاظ الأثبات، صاحب التصانيف، وثقه الأئمة كلهم إلا العباس بن عبد العظيم الغنبري وحده، فتكلم بكلام أفرط فيه، ولم يوافقه عليه أحد، وقد قال أبو زرعة الدمشقي: قيل لأحمد: من أثبت في ابن جريج، عبد الرزاق أم أحمد بن أبي بكر البرساني؟ فقال: عبد الرزاق.
وقال عباس الدوري عن ابن معين: كان عبد الرزاق أثبت في حديث معمر من هشام بن يوسف، وقال يعقوب بن أبي شيبة عن علي بن المديني قال: قال لي هشام بن يوسف: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا. وقال ابن عدي: رحل إليه ثقات المسلمين، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع، وهو أعظم ما ذموه به، أما الصدق فأرجو أن يكون لا بأس به.
قلت – أي ابن حجر: احتج به الشيخان في جملة من حديث من سمع قبل الاختلاط، سمع منه أحمد بن شبويه فيما حكى الأثرم عن أحمد وإسحاق الديري، وطائفة من شيوخ أبي عوانة، والطبراني ممن تأخر إلى قرب الثمانين ومائتين[20].
فكل منصف يرى أن عبد الرزاق من الحفاظ الأثبات، وأنه موثق عند الأئمة كلهم إلا عباس العنبري الذي جازف في الطعن على عبد الرزاق بما لم يوافقه عليه أحد، وأن ثقات الناس رحلوا إليه، وما نسب إليه من التشيع لا يطعن في عدالته ولا يخرجه عن الصدق، وكونه تغير بعد عماه، فالشيخان – البخاري ومسلم – لم يحتجا إلا بالمروي عنه قبل الاختلاط، وأنهما – وبقية الستة الذين اتفقوا على الاحتجاج به – لم يحتجوا به إلا لما ثبت عندهم وعند الجمهور من كمال حفظه وثقته إلى وقت تغيره، وأن الشيخين لم يحتجا إلا بما رواه الثقات عنه قبل التغير. في الوقت الذي نفى الإمام أحمد عنه تهمة التشيع، وهو من كبار تلاميذه[21].
ومع هذا كله فقد حل لنا ابن الصلاح هذا الإشكال في وصف حال رواية صاحب البدعة حيث قال: “ذهب الكثير أو الأكثر إلى قبول رواية غير الداعية لبدعته، وهو أعدل المذاهب وأولاها، فإن كتب الأئمة طافحة بالرواية عن غير الدعاة من المبتدعة، وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم في الأصول وغيرها”[22].
وبعد هذا كله لا شك أن كل من كانت عنده معرفة وإنصاف إذا استحضر مبلغ حفظ الشيخين (البخاري ومسلم) ومعرفتهما بعلم الحديث عند أهل المعرفة به، ثم ضم لذلك ما اتفق عليه الحفاظ الثلاثة؛ ابن الصلاح والنووي وابن حجر، من الجزم بأن جميع ما في الصحيحين من حديث الرواة الذين حدث لهم اختلاط، هو من حديثهم المروي عنهم قبل حدوث الاختلاط لهم.
فإن ذلك يلجئه إلى أن يطمئن لذلك ويجزم به، ويحكم برفض احتمال وقوع شيء من أحاديث المختلطين فيها بعد اختلاطهم، لا الحديث الذي نحن بصدده ولا غيره[23].
وبعد أن أثبتنا صحة الحديث ينبغي أن ننبه على أن هذا الحديث – وغيره من الأحاديث – يجب الإيمان به من باب الإيمان بالغيب، طالما أنه ثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مروي عن الثقات العدول، أئمة الإسلام والحديث، كالبخاري ومسلم، وأحمد والنسائي وغيرهم. وتلقته أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – بالقبول، وآمن به الصحابة، وتلقاه الخلف عن السلف، وبناء على هذا، فالواجب علينا في مثل هذه النصوص الصحيحة الإيمان بها كما جاءت، وعدم تأويلها بما يخرجها عن ظاهرها لمجرد استشكالها، فمن ظهر له المعنى فذاك، وإلا فليتهم عقله وفهمه.
سئل أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه عن هذا الحديث في جملة من أحاديث الصفات، فقال أحمد: كل هذا صحيح، وقال إسحاق: هذا صحيح ولا يدفعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي[24].
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي: ونؤمن بأن ملك الموت أرسل إلى موسى – عليه السلام – فصكه ففقأ عينه، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينكره إلا ضال مبتدع أو ضعيف الرأي[25].
لذا يجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم ـوصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا، ونعلم أنه حق وصدق، يستوي في ذلك ما عقلناه وما جهلناه، وما لم نطلع على حقيقته ومعناه.
ومع هذا فإن جزمنا وإقرارنا بصحة هذا الحديث وصدق ناقليه لا يمنعنا من الجواب عما أثير حوله من شبهات واعتراضات، وهذا ما نوضحه في الصفحات الآتية إن شاء الله.
ثانيا. تمثل الملك في صورة بشر غير ممتنع، وخفاء حاله على موسى جعله يدافعه على أنه غريب معتد:
ثبت في الكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال، وقد يراهم الناس ويظنون أنهم من بني آدم، كما في قصة إبراهيم عليه السلام: )هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون (25) فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين (26) فقربه إليهم قال ألا تأكلون (27) فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم (28)( (الذاريات)، فلو علم حالهم ابتداء لما وسمهم بالنكارة، ولا قدم لهم طعاما، ولا أوجس منهم خيفة.
وقال عز وجل: )ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب (77) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد (78) قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد (79)( (هود)، وقال عز وجل: )فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17)( (مريم).
وكذلك ما ثبت عن عمر بن الخطاب قال: «بينما نحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام…»الحديث.
وفيه «قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل. قلت: الله ورسوله أعلم. قال: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»[26].
فمن خلال هذه النصوص نستطيع أن نجزم بأن الملائكة قد تظهر في صورة بشر، وأن أمرهم قد يخفى على الأنبياء أنفسهم.
وبناء عليه، فلا يستغرب أن يخفى حال ملك الموت على موسى، كما خفي حال غيره من الملائكة على إبراهيم ولوط ومريم وغيرهم.
ومما يؤيد هذا ما يلي:
- سياق الحديث، فإنه يدل على أن موسى – عليه السلام – حين لطم ملك الموت لم يكن يعرفه، وذلك أنه لما جاءه في المرة الثانية وعرف أنه رسول من عند الله لم يصنع به ما صنع في المرة الأولى، بل سلم الأمر واختار الموت، ولو كان قد عرفه في المرة الأولى لصنع به في المرة الثانية ما صنع في الأولى.
ولهذا يقول ابن حبان: “لو كانت المرة الأولى عرف موسى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه منه وعلمه به”[27].
- وأما كون الملائكة يتمثلون بصور مختلفة مما أقدرهم الله عليها؛ كصور الرجال مثلا، فيراهم بعض الأنبياء فلا يعرفونهم، بل يظنونهم من بني آدم، هذا ما ثبت في الكتاب والسنة؛ كما في قصة إبراهيم – عليه السلام – مع أضيافه، فإنه لم يعرفهم ابتداء، حتى إنه أوجس منهم خيفة.
ومثله لوط – عليه السلام – فإنه لو عرف الملائكة حين أتوه في آدميين لما خاف عليهم من قومه.
وقد قال – سبحانه وتعالى – عن مريم: )فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (18)( (مريم).
وفي السنة ما يدل على هذا أيضا؛ كما في حديث جبريل المتقدم ذكره حين أتى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعرفه في أول الأمر، ولا عرفه أصحابه.
- ما المانع أن تقتضي حكمة الله عزوجل أن يتمثل ملك الموت بصورة رجل، ويأمره أن يدخل على موسى بغتة، ويقول له مثلا: سأقبض روحك، وينظر ماذا يصنع؟ لتظهر رغبة موسى في الحياة وكراهيته للموت، فيكون في قص ذلك عبرة لمن بعده وعظة.
وبناء على هذا فإن ملك الموت قد أتى موسى – عليه السلام – في صورة بشرية، ولم يعرفه موسى – عليه السلام – فلطمه لأنه رآه آدميا قد دخل داره بغير إذنه يريد نفسه، فدافع موسى – عليه السلام – عن نفسه مدافعة أدت إلى فقء عين ملك الموت، وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دارغيره بدون إذنه.
فقد جاء في شريعتنا جواز فقء عين الناظر في الدار بغير إذن صاحبها؛ كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقئوا عينه» [28]، فما المانع أن يكون ذلك كذلك في شريعة موسى عليه السلام؟ فمن المعلوم أن الشرائع تتفق في بعض الأحكام، لا سيما أن موسى – عليه السلام – لم يلم على هذا الفعل، مع أن الأنبياء لا يقرون على خطأ، وقد رد الله تعالى لملك الموت عينه[29].
فموسى – عليه السلام – في داره، الباب مغلق، والنافذة مغلقة، فجأة وجد رجلا في البيت، من أين دخل هذا الرجل؟ لا بد أن هذا الرجل قد دخل صائلا، والصائل: هو الذي يهجم على الناس في البيوت، أو يهجم على الناس عموما، فموسى وجد رجلا يصول عليه، ويقول له: أجب ربك، أجب ربك، معناها: سلم روحك؛ يعني يريد أن يقتله، فما كان من موسى – عليه السلام – إلا أن دفع هذا الصائل، ودفع الصائل مشروع حتى لو أدى الأمر إلى قتله، فهو جائز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد»[30].
فما كان من موسى – عليه السلام – إلا أن فقأ عينه، وهذا حد الذي ينظر في بيوت الناس بغير إذن، فضلا عن أن يدخل بقدميه؛ لحديث سهل بن سعد قال: «اطلع رجل من جحر في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي – صلى الله عليه وسلم – مدرى يحك بها رأسه، فقال: لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر»[31].
فموسى – عليه السلام – مع هذا الرجل الصائل المتهجم على بيته لم يفعل أكثر من الحكم الشرعي، وهو المدافعة التي كان مؤداها فقء العين.
وإلى القول بأن موسى – عليه السلام – لم يكن يعرف ملك الموت في المرة الأولى ذهب ابن خزيمة، وابن حبان، والخطابي، والبغوي، والمازري، والقاضي عياض، وابن الجوزي، وابن كثير، وابن الوزير، والقسطلاني، والمعلمي اليماني، واستحسنه القرطبي[32].
قال ابن حبان: “كان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى – عليه السلام – عليها، وكان موسى غيورا، فرأى في داره رجلا لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي يتصور بها، لا الصورة التي خلقه الله عليها… ولـما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته بغير أمره، أنه لا جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الجمة الواردة فيه… كان جائزا اتفاق الشريعة بشريعة موسى، بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحا له، ولا حرج عليه في فعله، فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيا بأمر آخر، هو أمر اختبار وابتلاء، فلما علم موسى كليم الله أنه ملك الموت، وأنه جاءه بالرسالة من عند الله، طابت نفسه بالموت، ولم يستمهل، وقال: الآن، فلو عرف موسى في المرة الأولى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به”[33].
ومن هنا يعلم أن مجيء ملك الموت كان في صورة يمكن فقء البشر لعينها، هذه الصورة لا تستلزم خروج الملك عن ملكيته.
وفي هذا المعنى يقول العلامة المعلمي اليماني – رحمه الله: “الجسد المادي الذي يتمثل به الملك ليس جسده الحقيقي، وليس من لازم تمثله فيه أن يخرج الملك عن ملكيته، ولا أن يخرج ذاك الجسم المادي عن ماديته، ولا أن تكون حقيقة الملك إلى ذاك الجسم كنسبة أرواح الناس إلى أجسامهم، فعلى هذا، لو عرض ضرب أو طعن أو قطع لذاك الجسم لم يلزم أن يتألم بها الملك، ولا أن تؤثر في جسمه الحقيقي”[34].
قال القاضي محمد العلوي: “إن ملك الموت جاء في صورة يمكن فقء البشر لعينها، والمعهود في مجيء الملك للبشر هو مجيئه له على صورة البشر، كما قال تعالى: )فتمثل لها بشرا سويا (17)(، وكما أفادته النصوص القرآنية التي ذكر فيها مجيء الملائكة لإبراهيم وللوط وداود، وكذا نصوص الأحاديث التي ذكر فيها مجيء جبريل – عليه السلام – لنبينا صلى الله عليه وسلم، وبه تبين أن فقأ العين هنا هو على ظاهره، وأنه وقع في الصورة البشرية التي جاء ملك الموت عليها، وهو ممكن غير متعذر إلا في الصورة الملكية الأصلية النورانية البعيدة عن ذلك، إذ لم يعهد مجيء الملائكة للبشر فيها. أما رؤية نبينا – صلى الله عليه وسلم – لجبريل على صورته الأصلية في السماء مرة، وبين السماء والأرض أخرى، فهي خارجة عن مجيء الملك الذي عليه مدار الحديث هنا، وبمجموع هذا الذي قررناه يكون قد حل استشكال صك موسى لعين الملك، وحصول فقء عين الملك من أثره”[35].
وعلى هذا فإن موسى لما رأى رجلا لا يعرفه قد دخل عليه بغتة، وقال ما قال، حمله حب الحياة على الاستعجال بدفعه، ولولا شدة حب الحياة لتأنى وقال: من أنت وما شأنك؟ ونحو ذلك، ووقوع الصكة وتأثيرها كان على ذاك الجسد العارض، ولم ينل الملك بأس. فأما قوله في القصة: “فرد الله عليه عينه” فحاصله: أن الله تعالى أعاد تمثيل الملك في ذاك الجسد المادي سليما، حتى إذا رآه موسى قد عاد سليما مع قرب الوقت، عرف لأول وهلة خطأه أول مرة [36].
ومن قال: إن الله لم يقتص لملك الموت من موسى، فهذا دليل على جهله، ومن أخبره أن بين الملائكة وبين الآدميين قصاص؟! ومن قال: إن ملك الموت طلب القصاص من موسى، فلم يقاصصه الله منه، وقد أخبرنا الله تعالى أن موسى قتل نفسا، ولم يقاصص الله منه لقتله!…
أما القول بأن العين التي فقأها موسى – عليه السلام – إنما هي تمثيل وتخييل، لا حقيقة لها؛ لأن ما تنتقل الملائكة إليه من الصور ليس على الحقائق، وإنما هو تمثيل وتخييل، فالجواب عنه: أن هذا يقتضي أن كل صورة رآها الأنبياء من الملائكة فإنما هي مجرد تمثيل وتخييل لا حقيقة لها، وهذا باطل، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد رأى جبريل على صورته التي خلق عليها سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض، ففي الصحيحين من حديث عائشة، «أنها سألته عن قوله عز وجل: )ولقد رآه بالأفق المبين (23)( (التكوير)، )ولقد رآه نزلة أخرى (13)( (النجم)، فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض»[37].
ولهذا قال القرطبي: هذا القول لا يلتفت إليه؛ لظهور فساده، فإنه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له، وهو قول باطل بالنصوص المنقولة والأدلة القطعية.
ثم إن هذا القول – أيضا – لم يزل الإشكال؛ لأنه يمكن أن يقال: إذا كان قد علم أنه ملك، وأن ذلك تخييل، فلماذا يلطمه، ويقابله بهذه المقابلة؟! هذا مما لا يليق بالنبي؟[38].
ومن خلال هذا العرض الموجز يمكن القول بأن تمثل ملك الموت في صورة البشر أمر غير مستغرب ولا مستنكر؛ إذ دلت نصوص القرآن والسنة على ذلك، وأن الملك قد يأتي في صورة لا يعرفها النبي، فكان لطم موسى لرجل دخل بيته بغير إذنه، ولا يعرفه، يطلب روحه، أمرا طبيعيا له مسوغ شرعي، ثم إن فقء العين غير مستبعد مادام قد وقع على الصورة البشرية التي تصور فيها الملك، ووقوع الصلة وتأثيرها – وإن كان على حقيقته – وقع على الجسد العارض الذي تصور فيه الملك، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية؛ ليرجع إلى موسى على كمال صورته، فيكون ذلك أقوى في اعتباره.
ثالثا. كراهية الموت أمر جبلي، وقد سماه الله في القرآن مصيبة، وموسى لم يكره الموت، وإن حصل لا يعيبه؛ لأنه لم يخرج على بشريته بنبوته:
تعسر على بعض المغالطين فهم حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واستشكلوا قول ملك الموت – عليه السلام – لرب العزة سبحانه وتعالى: «لقد أرسلتني إلى رجل يكره الموت»، فلما أعياهم فهمه، جعلوا عقولهم حاكمة على النص بالضعف والنكارة، قالوا: إن عباد الله الصالحين لا يكرهون الموت، فكيف يكرهه نبي من أولي العزم؟!
وهذا أقل ما يقال عنه أنه نظر إلى النصوص بنظرة سطحية، ثم أعمل فيها عقله القاصر.
فمن تأمل ألفاظ هذا الحديث، ثم تقصى نصوص القرآن والسنة، لن يجد غضاضة في وجود جواب على هذه الاستشكالات المتهافتة، فليس في الحديث ما يدل دلالة قاطعة على أن موسى يكره الموت، بل إن آخر الحديث دل دلالة واضحة على أن موسى آثر جوار ربه على طول البقاء، وذلك عندما خير بين طول البقاء، وبين الموت.
وقول ملك الموت في موسى: «لا يريد الموت» هو مبلغ علمه من ظاهر ما صدر له منه، حيث قابل أمره له بالإجابة لربه بصكه له، وفقئه لعينه. ولكن قد تبين من قول موسى في آخر الحديث «الآن» تمام محبته للقاء ربه؛ لتعجله موته بعد تمكينه من تأخيره إلى غاية أبعد، تبين من ذلك أن موسى في الواقع بخلاف ما تراءى منه لملك الموت من كونه لا يريد الموت.
وقد علم الله تعالى – الذي لا تخفى عليه خافية – أن كليمه موسى ليس هو كما ظنه ملك الموت؛ وإنما هو على الحالة التي اختارها أخيرا في قوله: «فالآن»، وعلم الله تعالى بذلك منه – الظاهر أنه – هو الذي لأجله أمر ملك الموت برجوعه إليه، وبتخييره بين طول الحياة أو الموت، وينبغي للمسترشد هنا أن يتذكر بهذا المقال من أحد كبار رسل الملائكة، وهو ملك الموت في كليم الله ورسوله موسى نظيره من الملائكة كلهم أو جلهم في أصل البشر آدم عليه السلام، الواقع في قوله عز وجل: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون (30)( (البقرة)، فهذا الذي ظنته الملائكة بآدم – عليه السلام – هو نظير ما ظنه ملك الموت هنا بموسى عليه السلام، وما أجاب الله تعالى الملائكة به في هذه الآية هو عين الجواب لملك الموت، وهو المستفاد مما اختاره موسى أخيرا، وبه يتضح سقوط التمسك بقول الملك هنا في موسى على إشكال هذا المحل، من حيث كونه لا يليق بموسى عليه السلام.
ثم إن عدم انتصاف الله تعالى له من موسى، ولو بالعتاب، وثناؤه تعالى عليه بعد ذلك في قوله عز وجل: )واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا( (مريم: ٥١)، كل ذلك دل على أن الله تعالى يعلم أن ما اعتقده الملك لا حق له فيه في الواقع. وقد تحقق ذلك من جهة أن ما صنعه موسى تأبى رتبته في الرسالة والتكليم اللذين اصطفاه الله بهما أن يسام بقصد الاعتداء فيه، بل اللائق بذلك أن يحمل صنيعه على أنه لم يقصد إلا أن يدافع عن نفسه وعن روحه ممن تسور عليه منزله بدون إذنه، ورام بسلب روحه في حال كونه لم يعرف أنه ملك الموت، ولا أتاه بعلامة صدقه في كونه جاء من عند الله، التي هي التخيير بين الموت والحياة الذي عهد به الله تعالى لأنبيائه قبل قبض أرواحهم، كما جاء في الموطأ والصحيحين وغيرهما، كما أنه لا يلزم من نبوة موسى علمه بكل من يجيء إليه من ملائكة الله[39].
من أجل ذلك نستطيع القول بأن موسى – عليه السلام – لا يكره الموت حقيقة، وإنما خرج ذلك من ملك الموت – عليه السلام – بمقتضى فهمه لما وجده من رد فعله في المرة الأولى.
ولو سلمنا جدلا لهؤلاء أن في الحديث دلالة على كراهية موسى – عليه السلام – للموت، فإن ذلك لا يقدح فيه – عليه السلام – وذلك لأن كراهية الموت أمر جبلي فطر الله الناس عليه، ولا يعاب الإنسان على كراهيته للموت.
وقد دلت على ذلك شواهد ونصوص متعددة نذكر منها:
- أن الله سمى الموت في القرآن مصيبة، وذلك في قوله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين (106)( (المائدة).
قال القرطبي: “سمى الله تعالى الموت في هذه الآية مصيبة، قال علماؤنا: والموت وإن كان مصيبة عظمى، ورزية كبرى، فأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وترك التفكر فيه، وإن فيه لعبرة لمن اعتبر، وفكرة لمن تفكر”[40]، وسماه الله – عز وجل – ابتلاء، فقال: )ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155)( (البقرة).
فلا شك لدى كل عاقل أن كراهية المصيبة والبلاء أمر جبلي فطر الله الناس عليه، حتى قال أحد الشعراء في كراهية الموت:
قامت تشجعني هند فقلت لها
إن الشجاعة مقرون بها العطب
لا والذي منع الأبصار رؤيته
ما يشتهي الموت عندي من له أدب
وقالت الحكماء: الموت كريه[41].
- ومن السنة ما رواه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته»[42].
والشاهد من هذا الحديث قوله جل وعلا: «ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته».
قال الحافظ ابن حجر معلقا على هذا الحديث: يقول الخطابي: التردد في حق الله غير جائز، والبداء عليه في الأمور غير سائغ، ولكن له تأويلان:
أحدهما: أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه، وفاقة تنزل به، فيدعو الله فيشفيه منها، ويدفع عنه مكروهها، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا، ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه، ولا بد من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله؛ لأن الله قد كتب الفناء على خلقه، واستأثر بالبقاء النفسه.
والثاني: أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترددي إياهم في نفس المؤمن، كما روي في قصة موسى، وما كان من لطمه عين ملك الموت، وتردده إليه مرة بعد أخرى، قال: وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد، ولطفه به وشفقته عليه.
وقال الكلاباذي ما حاصله: إنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات، أي: عن الترديد بالتردد، وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب، إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت، فيقبض على ذلك، قال: وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت، فضلا عن إزالة الكراهة عنه، فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه ويكره الله مساءته، فيزيل عنه كراهية الموت؛ لما يورده عليه من الأحوال، فيأتيه الموت وهو له مؤثر، وإليه مشتاق…
قوله: «يكره الموت وأنا أكره مساءته» في حديث عائشة: «أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته»، زاد ابن مخلد عن ابن كرامة في آخره: «ولا بد له منه»، ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب، وأسند البيهقي في “الزهد” عن الجنيد سيد الطائفة قال: الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه، وليس المعنى أني أكره له الموت؛ لأن الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته.
وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي، وهو مفارقة الروح للجسد، ولا تحصل غالبا إلا بألم عظيم جدا؛ كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو يموت، فقال: “كأني أتنفس من خرم إبرة، وكأن غصن شوك يجر به من قامتي إلى هامتي”، وعن كعب أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا، فلما كان الموت بهذا الوصف، والله يكره أذى المؤمن، أطلق على ذلك الكراهة، ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة؛ لأنها تؤدي إلى أرذل العمر، وتنكس الخلق[43].
فدل ذلك على أن المؤمن المقرب من الله جل وعلا يكره الموت، وأن الله – سبحانه وتعالى – يكره الإساءة إليه، فيحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده – عز وجل – فيحب لقاء ربه، فيحب الله لقاءه.
وبناء على هذا، فاستغراب بعضهم من كراهية موسى – عليه السلام – للموت بعدما جاءه ملك الموت ورع باهت وتعسف، فكراهية الموت قد جبله الله – سبحانه وتعالى – في كل إنسان، فمن طبيعة ابن آدم أن يكره الموت كائنا من كان، ولا غرابة أن يكرهه موسى عليه السلام، وهو لا يخرج عن إنسانيته وبشريته.
- ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت؟ فكلنا يكره الموت. فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه»[44].
والشاهد في هذا الحديث قول عائشة: «كلنا يكره الموت»، وليس هذا قول عائشة وحدها، بل قول عموم الصحابة حال قول رسول الله هذا الحديث.
قال ابن حجر: “وقع في رواية حميد بلفظ: «فقلنا يا رسول الله»، فيكون أسند القول إلى جماعة، وإن كان المباشر له واحدا، وهي عائشة. وكذا وقع في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى التي أشرت إليها، وفيها: «فأكب القوم يبكون، وقالوا: إنا نكره الموت، قال: ليس ذلك».
وقال ابن الأثير في النهاية: المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة، وطلب ما عند الله، وليس الغرض منه الموت؛ لأن كل الناس يكرهه، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله؛ لأنه إنما يصل إليه بالموت.
قال الطيبي: يريد أن قول عائشة: إنا لنكره الموت، يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت، وليس كذلك؛ لأن لقاء الله غير الموت؛ بدليل قوله في الرواية الأخرى: «والموت دون لقاء الله»[45]، لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبر عنه بلقاء الله.
وقد سبق ابن الأثير إلى تأويل لقاء الله بغير الموت الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام فقال: ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته؛ لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة، قال: ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوما بحب الحياة، فقال: )إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون (7)( (يونس).
وقال الخطابي: معنى محبة العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهة بضد ذلك”[46].
وقال النووي: “معنى الحديث: أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه، وما أعد له، ويكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله؛ لينتقلوا إلى ما أعد لهم، ويحب الله لقاءهم، أي: فيجزل لهم من العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه؛ لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم، أي: يبعدهم عن رحمته وكرامته، ولا يريد ذلك بهم، وهذا معنى كراهيته – عز وجل – لقاءهم”[47].
ومن خلال عرض أقوال أهل العلم في هذا الحديث يتبين جهل من جعل هذا الحديث بعينه حجة؛ ليستشكل به على كراهية موسى – عليه السلام – للموت، واكتفى بطرف الحديث دون تمامه، ثم غاب عن عقله القاصر مراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من محبة لقاء الله، وبورع باهت وتعنت سخيف راح يدلل على نكارة متن الحديث بقوله: “إن الصالحين يحبون لقاء الله”.
أضف إلى كل هذا نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن تمني أي إنسان الموت لضر أصابه، كما جاء عند الشيخين وغيرهما من حديث أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي»[48].
فكيف يقال: إن الصالحين يحبون الموت؟! إن الصالحين يحبون لقاء الله، نعم. ولكن – كما ذكرنا – اللقاء غير الموت، ولما كان الموت وسيلة للقاء الله، ولا يتم اللقاء إلا به، عبر عن الموت باللقاء، فخفي على أصحاب الفكر السطحي.
رابعا. لطم موسى لملك الموت ليس اعتراضا؛ لاستشكال الأمر عليه ابتداء، وكان الأمر أولا على الابتلاء والاختبار، لا على الإمضاء:
كان من جملة الطعون الموجهة لهذا الحديث أن بعض هؤلاء الطاعنين استشكل هذا الحديث من حيث إن موسى – عليه السلام – قد لطم ملك الموت؛ إذ كيف يجوز أن يفعل نبي الله هذا الصنيع بملك من ملائكة الله، جاءه بأمر من أمره، فيستعصي عليه ولا يأتمر له؟! ثم كيف يخالف الملك أمر ربه، فيعود إليه دون أن ينفذ أمره بقبض روح موسى عليه السلام؟!
وقد عنون ابن حبان لهذا الحديث بقوله: “ذكر خبر شنع به على منتحلي سنن المصطفى – صلى الله عليه وسلم – من حرم التوفيق لإدراك معناه”[49].
ووصف هؤلاء رد فعل موسى – عليه السلام – بصك ملك الموت بأنه اعتراض على قضاء الله وقدره.
والحق الذي ينبغي المصير إليه أن صك موسى ملك الموت في المرة الأولى ليس من قبيل الاعتراض كما فهمه المشككون، وغاية الأمر أن موسى – عليه السلام – استشكل عليه الأمر ابتداء؛ لعدم معرفته ملك الموت، فكان تصدقه مع رجل غريب تسور بيته بغير إذنه طالبا سلب روحه تصدقا طبيعيا.
يقول الخطابي – مقررا هذا القول: “لما دنا موسى – عليه السلام – حين وفاته – وهو بشر يكره الموت طبعا، ويجد ألمه حسا – لطف له – أي الله – بأن لم يفاجئه بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه قهرا وقسرا، لكن أرسله إليه منذرا بالموت، وأمره بالتعرض له – على سبيل الامتحان – في صورة بشر… فلما نظر نبي الله موسى – عليه السلام – إلى صورة بشرية هجمت عليه من غير إذن، يريد نفسه ويقصد هلاكه، وهو لا يثبته معرفة، ولا يستيقن أنه ملك الموت ورسول رب العالمين فيما يراوده منه، عمد إلى دفعه عن نفسه بيده وبطشه، فكان ذلك سببا لذهاب عين الصورة التي تمثل فيها ملك الموت، وقد امتحن غير واحد من الأنبياء صلوات الله عليهم بدخول الملائكة عليهم في صورة البشر، كدخول الملكين على داود في صورة الخصمين لما أراد الله – عز وجل – تعريفه بذنبه، وتنبيهه على ما لم يرضه من فعله، وكدخولهم على إبراهيم – عليه السلام – حين أرادوا إهلاك قوم لوط فقال: )قوم منكرون (62)( (الحجر)، وقال: )فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة( (هود: ٧٠) وكان نبينا – صلى الله عليه وسلم – أول ما بدئ بالوحي يأتيه الملك فيلتبس عليه أمره، ولما جاءه جبريل – عليه السلام – في صورة رجل، فسأله عن الإيمان لم يثبته، فلما انصرف عنه تبين أمره، فقال: «هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم»[50]، فكذلك كان أمر موسى – عليه السلام – فيما جرى من مناوشته ملك الموت، وهو يراه بشرا، فلما عاد الملك إلى ربه – عز وجل – مستثبتا أمره فيما جرى عليه، رد الله – عز وجل – عليه عينه، وأعاده رسولا إليه بالقول المذكور في الخبر؛ ليعلم نبي الله – صلى الله عليه وسلم – إذا رأى عين ملك الموت المفقوءة سليمة صحيحة أنه رسول بعثه الله لقبض روحه، فاستسلم حينئذ لأمره، وطاب نفسا بقضائه، وكل ذلك رفق من الله – عز وجل – به، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه والانقياد لمورد قضائه”[51].
فالقول بأن هذا اعتراض من موسى قول مغلوط تخالفه الحقائق، ويخالفه مفهوم النصوص السوية المستقيمة.
هذا في الوقت الذي علم موسى – عليه السلام – أن الأنبياء مخيرون قبل موتهم بالضرورة، فاستبعد أن يأتيه ملك الموت بهذه الطريقة، وعلى هذه الصفة دون تخيير.
ودلت على ذلك أخبار صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها ما رواه الشيخان عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده في الجنة، ثم يحيا أو يخير. فلما اشتكى وحضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة، غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى. فقلت: إذا لا يجاورنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا، وهو صحيح»[52].
وعنها – رضي الله عنها – قالت: «سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة. وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فعلمت أنه خير»[53].
قال الحافظ ابن حجر: “قولها: «كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير»، ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية، وصرحت به في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو صحيح يقول: «إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير. وهو شك من الراوي، هل قال: يحيى أو يخير»[54].
وبناء على هذه الدلائل الواضحة كان من الثابت أن يخير موسى عند موته إذا جاءه الملك، فلما جاءه بغير هذه الصفة التي يعرفها، ولا بما استقر عنده من التخيير قبل الموت، استبعد أن يكون هذا ملك الموت، فكيف يقال: إن لطمه له كان اعتراضا قبل أن يقرر معرفة موسى لملك الموت ابتداء؟! وأنى له ذلك حين يقف على قول موسى في آخر الحديث – لما خير بين طول البقاء وبين الموت في المرة الثانية: «الآن»؟ أي أنه آثر جوار ربه على طول البقاء، وذلك بعد مجيء الملك على الهيئة التي تجعله يتيقن بأن هذا ملك من قبل الله.
والقول بأن موسى قد لطم ملك الموت وهو يعرفه؛ لأنه لم يخيره فيه نظر من وجهين:
الأول: أنه من المستبعد جدا أن يصدر هذا الفعل من كليم الرحمن تجاه ملك الموت – الذي هو رسول رب العالمين – وهو يعرفه، فإن هذا مما ينزه عنه الأنبياء.
الثاني: أن هذا الجواب ليس فيه حسم لمادة الإشكال؛ لأن الله تعالى أخبر عن الملائكة أنهم: )لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6)( (التحريم)، فلماذا خالف ملك الموت أمر الله هنا، فلم يخير موسى عليه السلام؟
ولهذا قال ابن حجر عن هذا الجواب: “فيه نظر؛ لأنه يعود أصل السؤال، فيقال: لم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط”[55]؟!
وبناء على هذا الشرط نستطيع أن نرد على قول من قال بأن فعل موسى – عليه السلام – كان اعتراضا على حكم الله وقضائه.
فإن قيل: إذا كان أجل موسى – عليه السلام – قد حضر، فكيف تأخر مدة هذه المراجعة، وقد قال الله عز وجل: )فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (34)( (الأعراف)؟ وإن كان لم يحضر، فكيف جاء الملك لقبض روحه؟
فالجواب: أن أجل موسى لم يكن قد حضر، فلم يبعث إليه ملك الموت في المرة الأولى؛ لكي يقبض روحه، وإنما بعث إليه اختبارا وابتلاء، وليس لأمر يريد الله – عز وجل – إمضاءه، وإنما هو كأمره خليله إبراهيم – عليه السلام – بذبح ابنه ابتلاء وامتحانا، فإنه – عز وجل – لم يرد إمضاء الفعل، ولهذا لما عزم إبراهيم – عليه السلام – على ذبح ابنه، وتله للجبين، فداه الله بالذبح العظيم.
ولو أراد الله تعالى قبض روح موسى حين لطم ملك الموت لكان ما أراد؛ كما قال عز وجل: )إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (40)( (النحل).
وبهذا أجاب ابن خزيمة، وابن حبان، والخطابي، والبغوي، وابن الجوزي، واستحسنه العراقي[56].
وخلاصة الجواب: أن أجل موسى قد كان قرب حضوره، ولم يبق منه إلا مقدار ما دار بينه وبين ملك الموت من المراجعتين، فأمر بقبض روحه أولا، مع سبق علم الله أن ذلك لا يقع إلا بعد المراجعة، والله أعلم[57].
وهذا ما ذهب إليه ورجحه فضيلة الشيخ المحدث أبو إسحاق الحويني فقال: “إن الله – عز وجل – أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: أجب ربك، أمر اختبار وابتلاء، لا أمرا يريد الله جل وعلا إمضاءه، كما أمر خليله – صلى الله على نبينا وعليه – بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه”[58].
إذن فالأقدار مكتوبة في أم الكتاب… والأحداث تتغير وفقا لما هو مكتوب في أم الكتاب، فنزول ملك الموت، ثم رد موسى له… أمر كتبه الله، كما كتب – سبحانه وتعالى – كل ما كان بعد ذلك، حتى رجوع ملك الموت وقبض روح موسى؛ ليكون الأجل المقدر لموسى هو ما كان في الرجوع الثاني للملك.
وبهذا نصل إلى الحقيقة الواضحة الجلية، وهي أن لطم موسى لملك الموت لم يكن من قبيل الاعتراض، يتبين ذلك من موقفه في المرة الثانية من اختياره للموت عندما خير، وقال: «فالآن».
كما أن هذا ليس اضطرابا في الآجال المقدرة، كما زعم بعض المشككين، وقالوا: إن هذا يعارض قوله عز وجل: )فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (34)(، وهذا من أعظم الفرى؛ لأن الأقدار مكتوبة، والآجال مؤجلة، ولا تعارض؛ فالمراجعة التي دارت بين ملك الموت، وبين موسى إنما هي أمر قدره الله تعالى – وإن لم يطلع ملك الموت على هذا – وسبق في علم الله تعالى أن قبض موسى لا يقع إلا بعد المراجعة.
الخلاصة:
- لقد اتفق الثقات من أئمة الإسلام وعلماء الحديث على صحة حديث لطم موسى ملك الموت؛ فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
- إن جماهير علماء الأمة لا يشترطون تعدد رواة الحديث، ما دام الحديث قد جاء عمن يؤمن في دينه، واشتهرت عدالته، فانفراد الصحابي بالحديث – وما نزل في الإسناد من الثقات العدول – لا يؤثر في صحة الحديث.
- لم يثبت قط عن أبي هريرة أنه حمل رواية إسرائيلية ونسبها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – على أنها حديث نبوي، ولقد وجد الصحابة والتابعون في أبي هريرة حافظا ضابطا مدققا، إذا ناقشه أحد ثبت أنه الحافظ، وإذا روجع في مسألة ثبت أنه الراسخ، ولم يجربوا عليه كذبا ولا خطأ.
- يكفي أبا هريرة شرفا أن حفاظ الأمة – كابن القيم وابن حزم – لما انتصبوا لترتيب أهل الفتوى جعلوه مساويا للخليفتين أبي بكر وعثمان في الاندراج في الدرجة الوسطى، وهي الطبقة الثانية عندهم.
- لقد اتفق أئمة الحديث ونقاده على إمامة عبد الرزاق بن همام الصنعاني في الحديث ونقل الرواية، وعلى أن ما نسب إليه من تشيع لا يطعن في عدالته ولا يقدح في روايته، وأن رواية من هو حال عبد الرزاق في الصحيحين، وممن اختلطوا في آخر حياتهم هي من قبيل روايتهم قبل الاختلاط.
- لقد ثبت في الكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال، وقد يراهم بعض الناس، ويظنونهم من بني آدم.
- لا يمنع أن تقتضي حكمة الله عز وجل أن يتمثل ملك الموت بصورة رجل، ويأمره الله أن يدخل على موسى بغتة؛ ليكون بلاء واختبارا لموسى؛ لتظهر رغبته في الحياة، وكراهيته للموت، فيكون في قص ذلك عبرة وعظة لمن بعده.
- لقد كان فقء موسى لعين ملك الموت أمرا طبيعيا، وتصرفا يتصف بالشرعية في مواجهته – عليه السلام – رجلا غريبا اقتحم بيته بغير إذنه يريد نفسه، فدافع موسى عن نفسه مدافعة أدت إلى فقء عين الصورة البشرية التي تمثل فيها ملك الموت.
- إن فعل موسى مع ملك الموت لا جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، وقد اتفقت شريعتنا مع شريعة موسى – عليه السلام – في إسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه.
- إن الصورة المادية التي تمثل بها ملك الموت ليست هي الصورة الحقيقية لملك الموت، فعلى هذا لو عرض ضرب أو طعن في هذا الجسد لم يلزم أن يتألم بها الملك، أو تؤثر على صورته الحقيقية.
- إن قول ملك الموت عن موسى: إنه يكره الموت هو مبلغ علمه من ظاهر ما صدر له منه؛ حيث قابل – عليه السلام – أمر الملك له بالإجابة لربه بصكه له وفقئه لعينه، ولكن قد تبين من قول موسى – عليه السلام – في آخر الحديث «فالآن» ما يفيد محبته تعجيل موته بعد تمكينه من تأخيره إلى غاية بعيدة، فتبين من ذلك أن موسى في الواقع بخلاف ما تراءى منه لملك الموت من كونه لا يريد الموت.
- على افتراض أن موسى كره الموت على الحقيقة، فإن ذلك لا يقدح فيه ولا يشينه؛ لأنه بشر، والله – عز وجل – فطر البشر على كراهية الموت، فقد سمى الموت في القرآن مصيبة وبلاء.
- لقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه عن رب العزة أن الله تبارك وتعالى ما تردد في شيء أكثر من تردده عن قبض روح عبده المؤمن، يكره الموت والله يكره مساءته؛ فدل ذلك على أن العبد المؤمن يكره الموت، ولا غضاضة في ذلك.
- وقد صح عن عائشة وجمع كثير من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قولهم لرسول الله: «كلنا يكره الموت»، فبين لهم رسول الله أن كراهية الموت ليست هي كراهية لقاء الله – عز وجل -، ولكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله لا يتم إلا بها عبر عن لقائه – سبحانه وتعالى – بالموت.
- لا يصح القول بأن موسى فقأ عين ملك الموت من قبيل الاعتراض على حكم الله؛ وذلك لثبوت عدم معرفة موسى بحقيقة ملك الموت في أول مرة.
- إن أجل موسى – عليه السلام – لم يكن قد حضر في المرة الأولى؛ لكي يقبض الله روحه، وإنما بعث الله ملك الموت إليه اختبارا وابتلاء، وليس أمرا يريد الله إمضاءه بين ملك الموت وبين موسى، بل هو أمر قدره الله تعالى مع سبق علم الله أن أجل موسى لا ينتهي إلا بعد المراجعة، وإن لم يطلع ملك الموت على ذلك أولا.
(*) السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط11، 1996م. أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية، مطبعة صور الحديثة، لبنان، ط2، 1383هـ/ 1964م. مشكلات الأحاديث النبوية، عبد الله القصيمي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 2006م. توضيح طرق الرشاد لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى ـ عليه السلام ـ للملك الموكل بقبض أرواح العباد، محمد بن أحمد العلوي، تحقيق: د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1424هـ/ 2003م.
[1]. اللطم: ضرب الخد وصفحة الجسد ببسط اليد بالكف مفتوحة.
[2]. المتن: الظهر في الناس والدواب، ومتن الثور ظهره.
[3]. ثم مه: استفهام معناه: ثم ماذا يكون، أحياة أم موت؟
[4]. أي: أدنني من الأرض المقدسة حتى يكون بيني وبينها مقدار رمية بحجر.
[5]. الكثيب: الرمل المرتفع.
[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: وفاة موسى وذكره بعد، (6/ 508)، رقم (3407). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى عليه السلام، (8/ 3497)، رقم (6033، 6034).
[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (16/ 65، 66)، رقم (8157). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[8]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الجنائز، باب رقم (121)، (1/ 343)، رقم (2101). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2089).
[9]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: التاريخ، باب: بدء الخلق، (14/ 112)، رقم (6223). وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[10]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، ذكر النبي الكليم موسى بن عمران، (2/ 632)، رقم (4107).
[11]. شرح ألفية السيوطي في الحديث، محمد بن علي بن آدم الإتيوبي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط3، 1424هـ/ 2003م، (1/ 28).
[12]. الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم الظاهري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، (1/ 135).
[13]. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1395هـ/ 1975م، (1/ 295).
[14]. توضيح طرق الرشاد لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى ـ عليه السلام ـ للملك الموكل بقبض أرواح العباد، محمد بن أحمد العلوي، تحقيق: د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص179، 180.
[15]ـ شرح ألفية السيوطي في الحديث، محمد بن علي بن آدم الإتيوبي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط3، 1424هـ/ 2003م، (2/ 213).
[16]. دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م، ص173 بتصرف.
[17]. الإسرائيليات في التفسير والحديث، محمد حسين الذهبي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص56 بتصرف.
[18]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (3/ 489).
[19]. توضيح طرق الرشاد لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى ـ عليه السلام ـ للملك الموكل بقبض أرواح العباد، محمد بن أحمد العلوي، تحقيق: د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص181.
[20]. انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص440. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، أبو الحجاج المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (18/ 52). سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (9/ 563).
[21]. توضيح طرق الرشاد لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى ـ عليه السلام ـ للملك الموكل بقبض أرواح العباد، محمد بن أحمد العلوي، تحقيق: د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص183، 184 بتصرف.
[22]. انظر: علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، ط1، 1401هـ/ 1981م، ص103، 104.
[23]. توضيح طرق الرشاد لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى ـ عليه السلام ـ للملك الموكل بقبض أرواح العباد، محمد بن أحمد العلوي، تحقيق: د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص186، 187 بتصرف.
[24]. انظر: الشريعة، أبو بكر الآجري، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط2، 1423هـ/ 2003م، (2/ 94). التمهيد، ابن عبد البر، تحقيق: عبد الله بن الصديق، مؤسسة قرطبة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، (7/ 147، 148).
[25]. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، ص533.
[26]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، (1/ 140)، رقم (50). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (1/ 292)، رقم (93).
[27]. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1993م، (14/ 112).
[28]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الآداب، باب: تحريم النظر بيت غيره، (8/ 3277)، رقم (5538).
[29]. انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، ص533: 535.
[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المظالم، باب: من قاتل دون ماله، (5/ 147)، رقم (2480). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره، (2/ 554)، رقم (354).
[31]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاستئذان، باب: الاستئذان من أجل البصر، (11/ 26)، رقم (6241). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الآداب، باب: تحريم النظر في بيت غيره، (8/ 3277)، رقم (5537).
[32]. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، ص528.
[33]. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1993م، (14/ 112).
[34]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص214.
[35]. توضيح طرق الرشاد لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى ـ عليه السلام ـ للملك الموكل بقبض أرواح العباد، محمد بن أحمد العلوي، تحقيق: د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص196 بتصرف.
[36]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص215.
[37]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: سورة النجم، (8/ 472)، رقم (4855). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: معنى قوله عز وجل: ) ولقد رآه نزلة أخرى (13) (، (2/ 632)، رقم (432).
[38]. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، ص538.
[39]. توضيح طرق الرشاد لحسم مادة الإلحاد في حديث صك الرسول المكلم موسى ـ عليه السلام ـ للملك الموكل بقبض أرواح العباد، محمد بن أحمد العلوي، تحقيق: د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص203، 204 بتصرف.
[40]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (6/ 352).
[41]. العقد الفريد، ابن عبد ربه، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2004م، (3/ 197).
[42]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: التواضع، (11/ 349)، رقم (6502).
[43]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/ 353، 354) بتصرف.
[44]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، (11/ 364)، رقم (6507). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: من أحب لقاء الله، (9/ 3797)، رقم (6696).
[45]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الذكر والدعاء والاستغفار، باب: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، (9/ 3798)، رقم (6698).
[46]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/ 366: 368).
[47]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3799).
[48]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء بالموت والحياة، (11/ 154)، رقم (6351). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: كراهية تمني الموت لضر نزل به، (9/ 3796)، رقم (6688).
[49]. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1993م، (14/ 112).
[50]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: سؤال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإيمان والإسلام والإحسان، (1/ 140)، رقم (50). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (1/ 292)، رقم (93).
[51]. أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، الخطابي، تحقيق: د. محمد بن سعيد آل سعود، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط1، 1409هـ/ 1988م، (1/ 699، 700).
[52]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووفاته، (7/ 743)، رقم (4437). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل عائشة رضي الله عنها، (8/ 3568)، رقم (6180).
[53]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووفاته، (7/ 743)، رقم (4435).
[54]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (7/ 743) بتصرف.
[55]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (6/ 510).
[56]. انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، (3/ 301).
[57]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (6/ 510).
[58]. إقامة الدلائل على عموم المسائل، أبو إسحاق الحويني الأثري، دار التقوى، القاهرة، ط1، 1429هـ/ 2008م، (1/ 65).