الطعن في كون الوجه مرآة للنفس
وجه إبطال الشبهة:
أثبت العلم حديثًا أن الوجه مرآة النفس؛ حيث توصل إلى أن بالوجه خمسًا وخمسين عضلة نستخدمها دون إرادة أو وعي في التعبير عن العواطف والانفعالات، وتحيط بتلك العضلات أعصاب تصلها بالمخ، وعن طريق المخ تتصل تلك العضلات بسائر أعضاء الجسم، لذلك ينعكس على وجهك كل ما يختلج في صدرك، أو تشعر به في أي جزء من جسمك، وإذا حاول الإنسان أن يخفي ما يؤثر عليه فلا يمكنه أن يحتفظ بذلك دائمًا، ويتشكل وجهه تدريجيًّا على الرغم منه؛ وفقًا لحالات شعوره، وهذا يتطابق تمام المطابقة مع قوله سبحانه وتعالى:)سيماهم في وجوههم من أثر السجود((الفتح: ٢٩)، وقوله: )وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم (58) ((النحل).
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
مع تقدم الدراسات النفسية ومعرفة العلاقة بينها وبين قضايا التشريح وعلم النفس وعلم وظائف الأعضاء ـ وذلك بعد اكتشاف المعدات والأدوات والوسائل المعينة على الكشف والرصد ـ قد توصل الإنسان إلى معرفة الصلة الكائنة بين ما يحصل من استجابات عضلية وعصبية وغير ذلك؛ كآثار ونتائج لما يحصل للإنسان من أحوال مفرحة أو مزعجة، وأن ذلك كله يؤثر على تروية الوجه بالدم نقصانًا وزيادة، ويؤثر على توتر الأربطة والأعصاب، وكذا على شد العضلات بمستويات وكيفيات تتناغم مع طوارئ الأحداث ونوعيتها، لدرجة أنه قد قرر علماء النفس: أن الوجه مرآة النفس.
وفي هذا السياق نورد ما يقوله الدكتور “جايلورد هاروز”: إن وجهك هو رسولك إلى العالم، ومنه يمكن أن يتعرف الناس على حالك، بل يمكنك إذا نظرت إلى المرآة أن تعرف حالتك تحديدًا، وأن تسأل وجهك عما يحتاج إليه، فتلك الحلقات السوداء التي تبدو تحت العينين تدل دلالة واضحة على احتياج الإنسان إلى التغذية، وتنقية الجو الذي يعيش فيه، فهو يفتقر إلى الغذاء والهواء.
وأما هذه التجاعيد التي تُظهر بوضوح مدى ما أصاب الإنسان من سنين، فهي علامات على كيفية سير حياة صاحب الوجه.
والطب الحديث يقرر أن بالوجه خمسًا وخمسين عضلة نستخدمها دون إرادة أو وعي في التعبير عن العواطف والانفعالات، وتحيط بتلك العضلات أعصاب تصلها بالمخ، وعن طريق المخ تتصل تلك العضلات بسائر أعضاء الجسم.
وكذلك ينعكس على الوجه كل ما يختلج في صدرك أو تشعر به في أي جزء من جسمك؛ فالألم يظهر واضحًا أول ما يظهر على الوجه، والسعادة مكان وضوحها وظهورها هو الوجه، وكل عادة حسنت أو ساءت تحفر في الوجه أثرًا عميقًا؛ لذلك فإن الوجه هو الجزء الوحيد من جسم الإنسان الذي يفضح صاحبه وينبئ عن حاله، ولا يوجد عضو آخر يمكن به قراءة ما عليه الإنسان.
بل إن العلماء يقولون بإمكان قراءة طبع الشخص وخلقه من تجاعيد وجهه؛ فأهل العناد وقوة الإرادة الذين لا يتراجعون عن أهدافهم من عادتهم زم الشفاه، فيؤدي ذلك إلى انطباع تلك الصورة، حتى حين لا يضمرون عنادًا.
أما التجاعيد الباكرة حول العينين فترجع إلى كثرة الضحك والابتسام، وأما العميقة فيما بين العينين فتدل على العبوس، والخطباء ومن على شاكلتهم من محامين وممثلين تظهر في وسط خدودهم خطوط عميقة تصل إلى الذقن، وكذا الكتبة على الآلة والخياطون ومن يضطرهم عملهم إلى طأطأة الرأس تظهر التجاعيد في أعناقهم، وتتكون الزيادات تحت الذقن.
ولقد بين علم الكيمياء الحياتية أن الحزن وما يصاحبه من عوارض عضوية في الجسم ناتج عن مواد كيميائية هرمونية وغير هرمونية تفرزها خلايا الجسم وتصبها في الدم بتحريض من الجهاز العصبي، فالعلاقة بين النفس والبدن وثيقة جدًّا، وبقدر ما تترفع النفس عن أهوائها ونزواتها، وتعلقها المرضي بالأشياء الدنيوية الزائلة ـ وهي الجنس والولد والمال والسلطان ـ تسعد الروح ويرتاح البدن؛ لذلك فإنه غالبًا ما يصاحب الحزن المرضي، والقلق النفسي الدائم مضاعفات في الدورة الدموية والقلب والرئتين، والجهاز الهضمي والبولي، وجهاز المناعة، ومختلف أعضاء الجسم([1]).
ويقول الدكتور”ألكسيس كاريل” الحائز على جائزة نوبل في الطب والجراحة: إن شكل الوجه يتوقف على الحالة التي تكون عليها العضلات المنبسطة التي تتحرك داخل الدهن تحت الجلد، وتتوقف حالة هذه العضلات على حالة الأفكار.
حقًّا؛ إن كل إنسان يستطيع أن يضفي على وجهه التعبير الذي يريد، ولكن يحتفظ دائمًا بهذا القناع، ويتشكل وجهنا تدريجيًّا على الرغم منا؛ وفقًا لحالات شعورنا، ومع التقدم في السن يصبح صورة مطابقة لمشاعر الشخص برمته ورغباته وآماله، ويعبر الوجه أيضًا عن أشياء أعمق من نواحي نشاط الشعور؛ فيمكن للمرء أن يقرأ فيه ـ فضلًا عن رذائل الشخص وذكائه ورغباته وعواطفه وأكثر عاداته تخفيًّا ـ جبلة جسمه، واستعداده للأمراض العضوية والعقلية، فالواقع أن مظهر الهيكل العظمي والعضلات والدهن والجلد وشعر الجسم يتوقف على تغذية الأنسجة، وتغذية الأنسجة محكومة بتركيب الوسط الداخلي؛ أي بأنواع نشاط الأجهزة الغددية والهضمية، وعلى ذلك فمظهر الجسم يدلنا على حالة الأعضاء، والوجه بمثابة ملخص للجسم كله؛ فهو يعكس الحالة الوظيفية للغدد الدرقية، والمعدة والأمعاء، والجهاز العصبي في آنٍ واحد، وهو يدلنا على النزعات المرضية لدى الأفراد([2]).
يقول الدكتور أحمد عبده عوض: إن وجه الإنسان هو الشاشة البيضاء التي تظهر عليها آثار ما يعتمل في داخل الإنسان من مشاعر، فلا نجد صعوبة في أن نرى عليها الإحساس بالرضا والاطمئنان، كما نرى عليها مشاعر السعادة والحزن والغضب والخوف، وأحيانًا تكون هذه المشاعر أقوى من أن تقنع بالظهور على شاشة الوجه، فتدفع الجسم كله أو بعضه، أو القيام بحركات عصبية تعبر عنها فعلًا سواء في الفرح أو الحزن.
وإذا أردنا أن نتتبع مشاعر الإنسان في محاولة لمعرفة مصدرها، وكيف تعبر عن نفسها، فإننا سنجد أمامنا أولًا الجوارح، ثم الأعصاب التي تنقل إلى المخ ما نراه أو نسمعه مبهجًا كان أو محزنًا؛ فتنطلق منه إشارات أو أوامر ـ هكذا يقول العلم ـ محصلتها في النهاية تلك المشاعر التي نراها بوضوح على شاشة الوجه، أو في صورة حركات عصبية معبرة عنها، وكل هذا يحدث في ثانية أو بعض ثانية.
وقد جعل الخالق سبحانه وتعالى عضلات الوجه صغيرة ومنتشرة على نحو يجعلها تغطي كل أجزاء الوجه، وأنها تأتي من عظام الرأس وتندغم في لحم الوجه مختفية تحت طبقة رقيقة من الدهن، وتختلف تمامًا عن سائر عضلات الجسم، وهذه العضلات تؤدي هذا الدور بكفاءة([3]).
2) التطابق بين ما أثبته العلم الحديث وما أشارت إليه الآيات الكريمات:
من عظمة كتاب الله سبحانه وتعالى أنه أشار إلى كثير من الحقائق العلمية التي تتحدث عن خلق الإنسان وأسرار جسمه البديع، وهذه الحقائق تحقيقًا لقوله سبحانه وتعالى:)سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق( (فصلت: ٥٣).
ونتوقف هنا لاستجلاء الآيات التي تختص بدلالة قسمات الوجه على واقع الإنسان، وأنها ترجمة حقيقية لما تنطوي عليه نفسه من خلال ما يطلق عليه اسم سيما الإنسان، أو قسمات وجهه ومحياه، ومن تلك الآيات قوله سبحانه وتعالى: )سيماهم في وجوههم من أثر السجود((الفتح:29)، وقوله سبحانه وتعالى: )تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (273)((البقرة)، وقوله: )ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم( (محمد: ٣٠).
من الدلالات اللغوية في الآيات:
“السِّيما، والسِّيماء، والسِّمة، والسُّومة: العلامة”([4])، وقال الليث: والسيماء ياؤها في الأصل واو، وهي العلامة التي يعرف بها الخير والشر… وفيه لغة أخرى السيماء بالمد([5]).
من أقوال المفسرين في الآيات:
يقول الإمام الطبري: “قوله سبحانه وتعالى: )سيماهم في وجوههم من أثر السجود((الفتح:29)؛أي: علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم، ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها؛ لما كان من سجودهم له في الدنيا.
وقال آخرون: ذلك أثر يكون في وجوه المصلين، مثل أثر السهر، الذي يظهر في الوجه مثل: الكلف والتهيج والصفرة، وما أشبه ذلك مما يظهره السهر والتعب في الوجه، ووجهوا التأويل في ذلك إلى أنه سيما في الدنيا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله ـ تعالى ذكره ـ أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود، ولم يخص ذلك على وقت دون وقت، وإذا كان ذلك كذلك ، فذلك على كل الأوقات، فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الإسلام، وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته، وآثار عناء فرائضه وتطوعه، وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به، وذلك الغرة في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثر السجود”([6]).
ويقول صاحب الظلال: “)سيماهم في وجوههم من أثر السجود((الفتح:29) ؛ سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية. ومن ذبول العبادة الحي الوضيء اللطيف، وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله: )من أثر السجود((الفتح:29)، فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة. واختار لفظ السجود؛ لأنه يمثل حالة الخشوع والخضوع والعبودية لله في أكمل صورها، فهو أثر هذا الخشوع، أثره في ملامح الوجه؛ حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة، ويحل مكانها التواضع النبيل، والشفافية الصافية، والوضاءة الهادئة، والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلا”([7]).
وقال ابن كثير: “والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه؛ فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته”([8]).
“وقوله سبحانه وتعالى:)للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (273) ( (البقرة)فيه دليل على أن للسيما أثرًا في اعتبار من يظهر عليه ذلك”([9]).
وقال السعدي: “قوله سبحانه وتعالى: )تعرفهم بسيماهم( (البقرة:273) ؛ أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله سبحانه وتعالى:)يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف( (البقرة:273) ؛ فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن المتفرس فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم”([10]).
فواضح من عموم هذه الآيات وتفسيراتها أنها تشير إلى حقيقة مفادها أنه من خلال استجلاء سيما الإنسان، وقسمات وجهه فإنه تحصل لنا ترجمة بالوجه ـ في مقاطعه وملامحه وحالته من الإشراق أو غيره ـ لما يعتمل في أعماق نفسه، ولما يستكن بين جوانح ذلك الإنسان؛ مما يمكن أن نعبر عنه بأن الوجه ترجمان النفس، فمثلًا قول الله سبحانه وتعالى: )وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم (58)((النحل) يدل على أن الجاهلين الذين انحرفت فطرتهم ولم تعد تتقبل مقادير الله التي تخالف أهواءهم، قد صاروا يمقتون ولادة الأنثى لهم؛ بحيث كان وجه أحدهم يكاد ينطق بتلك الكراهية لشدة ظهور آثار الحزن وعلامات الحسرة والأسى على وجهه لدى ولادة تلك الأنثى، وهكذا سطرت الآية الكريمة هذه الحقيقة.
وبالمقابل نجد أن الإنسان الذي تحصل له مسرة، ويمر بحال من الابتهاج فإن وجهه يكاد يفصح عما هو عليه من السرور والبهجة، وذلك من خلال تهلل قسمات وجهه، والإشراقة التي تعلوه، ولقد جاء ذكر ذلك في كتاب الله سبحانه وتعالى ضمن عدة نصوص، منها قوله سبحانه وتعالى عن المصلين الذين يتبتلون لربهم، ويستروحون نسائم القرب من مولاهم؛ فتحصل لهم طمأنينة القلب وانشراح الصدر، وبالنتيجة يترجم هذا الحال على قسمات الوجه، قال سبحانه وتعالى: )سيماهم في وجوههم من أثر السجود((الفتح:29)، وعلى الطرف المناقض، فإن الإنسان الكافر ـ بما يتفاعل في خبيئة نفسه من الكنود والجحود والشك والضلال ـ يكاد وجه أحدهم ينطق بذلك كله، قال سبحانه وتعالى: )تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر((الحج: ٧٢).
نعم لقد دلت نصوص القرآن الكريم على هذه الناحية بشكل يشعر أنها حقيقة وليست من قبيل المجاز؛ وذلك بعبارات الإثبات وعبارات التقرير والتأكيد، وهنا يخطر ببال الإنسان ما كان عليه واقع علماء الفراسة في القديم؛ حيث كانوا يستدلون بالظاهر على الباطن، ولكننا نسارع هنا لنقول: إن هذا الاستدلال من أولئك العلماء بالفراسة إنما كان يعتمد على آثار ومقارنات دون دليل ومعيار مادي يمكن الترجمة عنه بأسلوب تجريبي منضبط ومطرد، في حين أن الحقيقة التي دلت عليها نصوص القرآن الكريم قد استطاع العلم الآن أن يقدم البراهين عليها([11]).
حيث استطاع العلم الحديث أن يتعرف على الإنسان من ملامح وجهه، وتغير الملامح مرتبط بتغير الخوالج النفسية، وربما نستدل على المجرم من تفاعلات أعصاب وجهه، وربما يظهره وجهه من ملامح تتبدى في صورة مرئية يلحظها الرائي له، ويستفاد من ذلك في علوم الإجرام والأنثروبولوجيا، كما أثبت العلم أن إحساس الفرد بالأسى أو بالأسف أو بالندم أو بالفرح أو بالحزن إنما يكشف عنه من خلال وجهه([12]).
أما عن قول المدعين بأن كثيرًا من الناس يستطيع أن يخفي في صدره ما لا يبديه على وجهه؛ فتراه يبتسم لك وهو أشد ما يكون كراهية لك كالمنافقين.
فللإجابة عن ذلك نقول: حقًّا إن كل إنسان يستطيع أن يضفي على وجهه التعبير الذي يريد، لكن يحتفظ دائمًا بهذا القناع، ويتشكل وجهنا تدريجيًّا على الرغم منا؛ وفقا لحالات شعورنا، ومع التقدم في السن يصبح صورة مطابقة لمشاعر الشخص برمته، ورغباته وآماله، ويعبر الوجه أيضًا عن أشياء أعمق من نواحي نشاط الشعور؛ فيمكن للمرء أن يقرأ فيه ـ فضلا عن رذائل الشخص، وذكائه ورغباته وعواطفه، وأكثر عاداته تخفيًّا ـ جبلة جسمه، واستعداده للأمراض العضوية والعقلية؛ فالواقع أن مظهر الهيكل العظمي والعضلات والدهن والجلد وشعر الجسم يتوقف على تغذية الأنسجة، وتغذية الأنسجة محكومة بتركيب الوسط الداخلي؛ أي بأنواع نشاط الأجهزة الغددية والهضمية، وعلى ذلك فمظهر الجسم يدلنا على حالة الأعضاء، والوجه بمثابة ملخص للجسم كله، فهو يعكس الحالة الوظيفية للغدد الدرقية، والمعدة والأمعاء، والجهاز العصبي في آنٍ واحد، وهو يدلنا على النزعات المرضية لدى الأفراد.
ومن ثم فإن بوسع الملاحظة الدقيقة أن تستنبط ما بداخل جسم الإنسان وروحه من خلال تعابير صفحة وجهه.
وهكذا يصل العلم أخيرًا إلى ما سبق القرآن بتقريره في آياته الشريفة من أن الوجه مرآة النفس، وأن عليه تنعكس حالات الإنسان لا سيما العاطفية منها، وما يتصل بشعوره ووجدانه؛ فمن السهل ملاحظة الأسى والأسف ظاهرين على الوجه بما يخالطه من علامات القناعة والسواد، بعكس السعادة والطمأنينة والإيمان والسكينة؛ إذ تخط على الوجه علامات النور والرضا([13]).
3) وجه الإعجاز:
قرر علماء النفس أن الوجه مرآة النفس، وأنه رسول الإنسان إلى العالم؛ وذلك بناء على ما توصل إليه الطب حديثًا من أن بالوجه خمسًا وخمسين عضلة، نستخدمها دون إرادة أو وعي في التعبير عن العواطف والانفعالات، فتعكس على الوجه كل ما يختلج في الصدر أو يشعر به الإنسان في أي جزء من جسمه، وهذه الحقيقة العلمية قد أخبر عنها القرآن الكريم في أكثر من آية، منها قوله سبحانه وتعالى: )سيماهم في وجوههم من أثر السجود((الفتح:29)،وقوله سبحانه وتعالى: )وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم (58)( (النحل).
(*) موقع: الذاكرة www.alzkera.eu. محمد والمعجزات العلمية في القرآن والحديث، نور الدين أبو لحية، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 1430هـ/ 2009م.
[1]. )سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ( (الفتح:29) ، د. عبد الحفيظ الحداد، بحث منشور بـمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (32)، صفر 1430هـ، ص30، 31.
[2]. الوجه مرآة النفس معجزة علمية، عبد الرازق نوفل، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
[3]. الإشارات العلمية في القرآن الكريم بين العلم والكون والإيمان، د. أحمد عبده عوض، المكتبة القيمة، القاهرة، ص244، 245 بتصرف.
[4]. المخصص، مادة: العلامة.
[5]. تهذيب اللغة، مادة: سام.
[6]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، مرجع سابق، ج22، ص264.
[7]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج6، ص3332.
[8]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج4، ص204.
[9]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج3، ص341.
[10]. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، السعدي، مرجع سابق، ص116.
[11]. )سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ((الفتح:29)، د. عبد الحفيظ الحداد، مرجع سابق، ص30، 31.
[12]. الإشارات العلمية في القرآن الكريم بين العلم والكون والإيمان، د. أحمد عبده عوض، مرجع سابق، ص244.
[13]. الوجه مرآة النفس معجزة علمية، عبد الرازق نوفل، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.