الفهم الخاطئ لحوار الله مع الملائكة حول استخلاف آدم عليه السلام في الأرض
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن الفهم الصحيح للحوار الذي جرى بين الله وملائكته من شأنه أن يقوم الأفهام المغلوطة؛ وذلك أنه حوار خرج مخرج الاستشارة التعليمية، بيد أن الله – عز وجل – أراد به إطلاع الملائكة على حكمة استخلاف آدم في الأرض.
2) سؤال الملائكة لربهم: )قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: 30) ليس اعتراضا، وإنما كان طلبا لمعرفة الحكمة من استخلاف غيرهم في الأرض.
3) لم يستشر الله – عز وجل – ملائكته في استخلافه خليفة في الأرض، وغاية ما في الأمر أنه أخبرهم بشيء قدره.
4) السجود لآدم – عليه السلام – كان طاعة لأمر الله تعالى وتكريما لآدم – عليه السلام – في الوقت نفسه، هذا فضلا عن أن السجود في اللغة من معانيه: التحية، ومن ثم فلا يحمل على سجود العبادة الذي يقتضي الإشراك بالله، وهذا لا يمكن أن يكون بأمر الله.
5) إبليس ليس من الملائكة كما يفهم بعض الجاهلين، ولكنه مخلوق من النار؛ لأنه من الجن، قال سبحانه وتعالى: )إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه( (الكهف:٥٠)، وقال: )خلقتني من نار( (الأعراف: ١٢)، لذلك صدرت منه المعصية؛ ولو كان من الملائكة ما عصى؛ لأنهم مجبولون على طاعة الله، قال تعالى عن الملائكة: )لا يعصون الله ما أمرهم( (التحريم: ٦).
التفصيل:
أولا. الفهم الصحيح لحوار الله مع الملائكة:
يقول الله سبحانه وتعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون (30)( (البقرة) حوار تثقيفي حول الواقع الجديد الذي أراد – عز وجل – إيداعه في الأرض التي لم يكن لها أي دور في الوجود الحركي آنذاك، وربما كان للملائكة فيها بعض الدور في مهماتها التي أوكلها الله إليهم في النظام الكوني:
(إني جاعل في الأرض خليفة) يملك العقل، والإرادة، وحرية الحركة، وإمكانات الإبداع، وتنوع الإنتاج، لينظم لها حركتها، وليدبر أوضاعها، ويصنع فيها مجتمعاتها التي تمتلئ بها ساحاتها، فيكون الإنسان في الأرض تماما مثل الملائكة في السماء، مع أن الإنسان مسئول عن أعماله، بينما الملائكة مجبولون على الطاعة.
(قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، من هذا النوع الإنساني الذي يعيش الصراع بين العقل والغريزة في شخصيته، ويختزن عناصر النزاع والخلاف، والرغبة في التدمير، والأنانية في التملك، والتسلط في ذاته، مما يؤدي إلى الإفساد المادي والمعنوي، وإلى سفك الدماء، فتعيش الأرض من خلال هذه التعقيدات والاهتزازات في جو من الحروب المفسدة والمدمرة للمدن والبشر معا، مما يبعدها عن السلام الموحي بالخير، والمحبة والصفاء، والمساعدة على الحق في روحانية الإيمان، وحركية التقوى، والقرب منك: (والكلام جار على لسان حال الملائكة)، فيحل محل ذلك الحقد والعداوة والبغضاء والتنازع والتقاطع، وينفتح الواقع على الباطل في ضراوة الشر، وقسوة الجريمة، وقذارة الشعور، وسقوط العقل.
وإذا كانت حكمتك – والكلام في معناه للملائكة – من استخلاف الإنسان في الأرض أن يسبحك ويقدس لك ويعبدك، باعتبار أن العبادة هي غاية خلق من تخلقه، فإننا لن نبلغ كنه الحقيقة العميقة فيها؛ لأن الكون لا يعيش الفراغ من هذه الجهة: )ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك( الأرض والسماء، حتى يتحول الكون من حولنا إلى تسبيح وانفتاح عليك في كل مواقع القرب إليك، وربما خيل إلينا أننا أقرب إلى الخلافة من هذا المخلوق الجديد؛ لأننا نطيعك، ولا نعصيك، وهو يخلط الطاعة بالمعصية، والاستقامة بالانحراف، مما يجعل النتائج سلبية في حركته، بينما هي إيجابية في وجودنا.
وقال سبحانه وتعالى: )قال إني أعلم ما لا تعلمون (30)( لأنكم تعرفون من الأشياء ظواهرها، ولا تنفذون إلى بواطنها؛ فقد تكون هناك بعض المفاسد في التقديرات الوجودية المتصلة بالكون، والإنسان، ولكن المصالح كامنة فيها، وحاصلة في إيجابياتها، وذلك من خلال النظام الكوني المحدود الذي لا تجد فيه خيرا إلا ومعه شر، كما لا تجد فيه شرا إلا وهناك خير في داخله، لتكون المعادلة هي غلبة هذا الجانب على ذلك في مسألة أفضلية الوجود على العدم، أو أفضلية العدم على الوجود.
إن مشكلتكم هي أنكم لا تملكون الوعي الكامل الشامل المنفتح على كل حقائق الكون في حركة الخلق والوجود، ولذلك فإنكم تعرفون جانبا واحدا من الصورة، ولا تعرفون الجوانب كلها، وسوف تعلمون من نتائج هذا الخلق كثيرا من الأشياء التي تضيف إلى علمكم علما وإلى وعيكم سعة وشمولا.
ولقد أثبت سلفنا الصالح صفة الكلام لله – عز وجل – من غير تعطيل ولا تشبيه ولا تأويل:)ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11)( (الشورى).
من الخليفة: آدم أم النوع الإنساني كله؟
الظاهر من الآية الكريمة أنه النوع الإنساني؛ لأمرين:
الأول: أن آدم الشخص محدود بمدة زمنية معينة ينتهي عمره بانتهائها، فكيف يمكنه القيام بهذا الدور الكبير الذي يشمل الأرض كلها ويتسع لكل هذه المرحلة الممتدة من الحياة.
الثاني: أن الملائكة قد وصفوا هذا الخليفة بأنه يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، وهذا الوصف لا ينطبق على آدم، بل ينطبق على بعض الجماعات التي يتمثل فيها النوع الإنساني في مدى الحياة.
وقد نلاحظ في هذا المجال أن هذا، اللفظ “الخليفة” قد استخدم في خطاب بعض الأنبياء والناس في أكثر من آية. وربما نستطيع من هذا، أن نستوحي الفكرة القائلة بأن تعليم آدم الأسماء ليس تعليما دفعيا، بل هو تعليم القابلية والإعداد بالشكل التدريجي الذي تواجهه البشرية في السلم التطوري للعلم.
وقد يتساءل بعضهم: إن الله حدد في بعض الآيات الكريمة الاستخلاف للمؤمنين، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: )وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم( (النور: 55)، فكيف تقول: إن المراد بالخليفة النوع الإنساني كله؟
والجواب: أننا قد قلنا إن الخليفة هو النوع الإنساني في مقابل التحديد بشخص آدم، فإن الخلافة على قسمين: عامة، وخاصة. أما العامة: فهي التي جعلها الله للنوع الإنساني بشكل عام في مقابل الفصائل الأخرى من الموجودات الحية من خلال ما منحه من الطاقات والخصائص العامة التي يستطيع أن يستخدمها فيما يريده الله، أو فيما يمكن أن يصل به إلى رضاه، وأما الخاصة: فهي الولاية والسيطرة على الآخرين بشكل مباشر، وهو ما تعبر عنه هذه الآية التي توحي بأن الله سيمكن للمؤمنين في الأرض، ويمنحهم السلطة الفعلية، كما منح آدم من قبلهم، فلا تنافي بين ما ذكرناه وبين معنى الآية.
ثانيا. استفسار وتعجب لا اعتراض واستنكار:
أخبر الله – سبحانه وتعالى – الملائكة بأنه سيخلق خليفة له في الأرض، فرد الملائكة متعجبين: )أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: 30)، ولا يفهم هذا التساؤل على أنه إبداء رأي أو اعتراض، ولكنه تعجب مما سمعوا على ضوء ما علموا، من صور الإفساد في الأرض، فهم يعلمون من أحوالهم أنهم لا ينقطعون عن عبادة الله تعالى، وقد علموا من بعض أحوال هذا “الخليفة” أنه يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فقابلوا حالهم بحاله، فكان التعجب من أن يستخلف – عز وجل – مكان أهل الطاعة، أهل المعصية، وهو الحكيم الذي لا يدبر إلا الخير، وكأن الملائكة كانوا يتطلعون؛ لأن يعمروا الأرض كما عمروا السماء، وأنكروا أن يوجد خلق يعصي الله ويجحد نعمته، وكان التساؤل لمعرفة ما لا علم لهم به، ويتفرد بعلمه العليم الحكيم، وهم الذين قالوا في نهاية قصة آدم – عليه السلا م – في هذه السورة: )قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)( (البقرة)، ثم إنهم لما عرفوا الحكمة وأمروا بالسجود له سجدوا ولم يعصوا ربهم.
ثالثا. الحكمة من إخبار الله ملائكته باستخلاف آدم في الأرض:
الله تعالى لم يستشر الملائكة كما ظن بعض الجاهلين، فهو سبحانه وتعالى لم يقل: أشيروا علي بمن أخلقه على هذه الأرض ليكون خليفة، ولكنه – سبحانه وتعالى – أخبرهم بما قرره، وأكد أنه دبر هذا وكان أمرا مقدورا، فالأمر لا يحتمل استشارة أو أخذا أو ردا بعد هذا القرار الصادر المؤكد: )إني جاعل( بـ “إن” والجملة الاسمية.
والحكمة في إخبار الله – عز وجل – للملائكة بخلق آدم – عليه السلام – واستخلافه في الأرض، تعليم عباده أن يتشاوروا في أمورهم قبل أن يقدموا عليها، فالشورى مطلوبة في أمور الدين والدنيا، كما قال سبحانه وتعالى: )وأمرهم شورى بينهم( (الشورى: ٣٨). وهذا ما قاله المفسرون، وهم لا يعنون بذلك أن هذا الإخبار استشارة من الله تعالى، بل ينفون ذلك، ويذهبون إلى أن هذا الإخبار جاء على صورة المشورة؛ تعليما للخلق أن يستشيروا في أمورهم.
فلم تكن إذن استشارة؛ فلله العلم كله والحكمة كلها، ولا يحتاج لاستشارة، ولكنه إخبار بعلم لم يكن لدى الملائكة، وهو أن الله سيجعل آدم خليفة في الأرض، وموضوع الإخبار ليس خلق الإنسان ولكن جعله في الأرض خليفة.
وقيل: إنما خاطبهم بذلك من أجل ما ترتب عليه من سؤالهم عن وجه الحكمة من هذه الخلافة، وما أجيبوا به من بعد.
ولولا إعلام الله السابق للملائكة بما سيحدثه الخليفة في الأرض من إفساد وسفك دم لما علموه من أنفسهم، وهذا الإعلام السابق قد يطويه الحوار هنا، ولا يذكره مفصلا، وقد عودتنا حوارات القرآن الكريم في الموضوعات المختلفة، أن تطوي كثيرا من التفاصيل فلا تذكرها؛ اعتمادا على الإجمال وعلى فطنة السامع، وربما تكون كلمة “خليفة” تجمل هذا التفصيل؛ فالخليفة “عن الله” من مهامه الفصل بين المتخاصمين بإقامة العدل بينهم، بشريعة الله تعالى، كما قال سبحانه وتعالى: )يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (26)( (ص)، وهذا يقتضي خصومات وتظالما وفسادا.
وقيل: علموا أن ذلك كائن بما رأوه ممن كان قبل آدم من الجن، قاله قتادة. وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفي عام، فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة، فطردوهم إلى جزر البحار. ولعلهم أدركوا ذلك أيضا من طبيعة تكوينه وعناصره التي ركب منها، فهو مخلوق من طين، وهي مادة قذرة متفاعلة، متغيرة لا تثبت على حال، وقال الزمخشري: عرفوا بإخبار من الله، أو من جهة اللوح، أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم المعصومون، وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم.
وسؤال الملائكة عن الحكمة، والتعجب مما عرفوا، لا يعد طعنا في آدم قبل خلقه، ولا غيبة له، فإن الطعن والغيبة تتحقق عندما يكون القصد إظهار منقصة الغير، وليس الأمر كذلك، كما أن إخبارهم عن أنفسهم بقولهم: )ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك( (البقرة: ٣٠) ليس فيه تزكية لأنفسهم؛ فإن التزكية الممقوتة تكون حين يكون الهدف إظهار منقبة النفس، ولكنهم تساءلوا في حدود ما علموا تعجبا، وطلبا لعلم أمور لم يعلموها.
رابعا. سجود الملائكة لآدم – عليه السلام – بأمر من الله طاعة له وتكريما لآدم:
إن سجود الملائكة لآدم – عليه السلا م – ليس شركا كما زعم هؤلاء، ولكنه طاعة لأمر الله – عز وجل – وتكريم لآدم عليه السلا م المخلوق الذي خلقه بيديه، قال سبحانه وتعالى: )وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا( (البقرة: 34)، وكان تكريم آدم بسجود الملائكة له تكريما بأمر الله تعالى، ولا يمنع أن يأمر الله تعالى ملائكته بالسجود لآدم تكريما له، مع أنهم يعبدون الله بالسجود له – سبحانه وتعالى – كما قال عنهم: )إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون (206)( (الأعراف)، وتقديم المعمول على العامل هنا يفيد الحصر، أي أنهم لا يسجدون إلا له سبحانه وتعالى، فإن سجود الملائكة لآدم عليه السلام أمر – فرض – مخصوص، وهو عبادة لله كذلك بامتثالهم أمر ربهم سبحانه وتعالى.
فالسجود إذن كان لأمر الله تعالى، والعمل بالنية، والنية في سجود الملائكة لم تكن عبادة آدم، ولكنها طاعة لأمر الله، وأمر الله لا بد أن يطاع، كما أن في أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم تمام تسخيره تعالى الكون بما في ذلك ملائكته المكرمون، قال سبحانه وتعالى: )وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه( (الجاثية: 13).
والملائكة مطبوعون على طاعة الله، وليس لديهم القدرة على العصيان، قال سبحانه وتعالى: )لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6)( (التحريم)، ولذلك عندما أمرهم الله سبحانه وتعالى أن يسجدوا لآدم – عليه السلام – لم يكن منهم سوى الطاعة لله – عز وجل – فكانت السجدة لآدم، والطاعة لله تعالى وأمره، كما في قوله – سبحانه وتعالى – عن إخوة يوسف عليه السلام: )ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا( (يوسف: ١٠٠)، فإن هذا السجود – أيضا – بأمر الله فالرؤيا التي رآها يوسف، وقصها على أبيه رؤيا حق، وقد علم يعقوب – عليه السلام – تأويلها.
خامسا. إبليس من الجن وليس من الملائكة:
لم يكن إبليس من الملائكة كما ظن بعض الجاهلين؛ إذ لو كان منهم لسجد معهم لآدم عليه السلام، ولكنه أبى أن يسجد، قال سبحانه وتعالى: )إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه( (الكهف: ٥٠)، فقوله سبحانه وتعالى: )كان من الجن(خرجه من جنس الملائكة، وقوله سبحانه وتعالى: )ففسق عن أمر( تأكيد أن إبليس من الجن؛ لأن الجن كالإنسان مخلوق له اختيار، يستطيع أن يطيع، ويستطيع أن يعصي، وما دام له اختيار فإنه ليس من الملائكة؛ إذا إنهم مفطرون على الطاعة، ولذلك فإن الإنس أو الجن الذي يكون قادرا على المعصية ويطيع الله عن طواعية يكون أعلى منزلة من الملك.
وقيل: إنه أمر بالسجود وحده، وليس مع الملائكة، بدليل قوله سبحانه وتعالى: )ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك( (الأعراف: 12)، وعلى هذا يكون الاستثناء في قوله سبحانه وتعالى: )إلا إبليس أبى واستكبر(نفصلا بمعنى لكن، أي: فسجدوا، لكن إبليس لم يسجد، وقد سمي إبليس بهذا الاسم لطرده من رحمة الله، مأخوذة من “الإبلاس”، ومعناه اليأس والطرد والإبعاد.
كما أن الملائكة خلقت من نور، وإبليس خلق من نار، فإبليس يقول عن نفسه بصريح العبارة في القرآن: )خلقتني من نار وخلقته من طين (12)( (الأعراف)، وقد ثبت في الصحيح: «خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»[1]. والملائكة لا ذرية لهم، ولا تناكح ولا تناسل، بخلاف الجن، فإنهم يتناكحون ويتناسلون ولهم ذرية، قال تعالى عن إبليس: )أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو( (الكهف: ٥٠)، وقد قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين[2].
الخلاصة:
- إن الفهم الصحيح للحوار الذي دار بين الله – عز وجل – وبين ملائكته الكرام في هذا الصدد – يقوم الأفهام المغلوطة التي صدر عنها مثيرو هذه الشبهة.
- لا يفهم تساؤل الملائكة في قوله سبحانه وتعالى: )أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: 30) على أنه إبداء رأي أو اعتراض، ولكنه تعجب مما سمعوا من صور الإفساد في الأرض، وطلب منهم لمعرفة ماخفي عليهم مما لا علم لهم به.
- لم يستشر الله – عز وجل – ملائكته الكرام في استخلافه خليفة في الأرض، وغاية ما في الأمر أنه أخبرهم بما قدره، وإن الحكمة في إخباره إياهم باستخلاف آدم في الأرض هي تعليم العباد أن يتشاوروا في أمورهم قبل أن يقدموا عليها.
- لم يكن تعجب الملائكة وإخبارهم عن الفساد الكائن في الأرض، رجما بالغيب، وإنما علموا ذلك ممن كان قبل آدم من الجن، أو ربما أعلمهم الله – عز وجل – به، كما أنه لا يعد طعنا في آدم – عليه السلام – قبل خلقه، ولا غيبة له.
- إن الامتثال لأمر الله بالسجود لآدم لا يعد شركا بالله عز وجل بل هو طاعة وتسليم، كما أنه تكريم وتعظيم لآدم عليه السلام، وفيه دلالة على أن الملائكة مسخرون لأمر الله رب العالمين كسائر المخلوقات في السماوات والأرض.
- إن إبليس ليس من الملائكة؛ إذ إنهم مطبوعون على طاعة الله في كل أمره، كما أنه مخلوق من نار السموم، فهو من الجن وهي مخلوقات مغايرة للملائكة المخلوقة من نور.
(*) الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/2004م. البيان في تحليل الإشكالات التي تثار حول قصص القرآن، د. عاطف المليجي، مكتبة اقرأ، القاهرة، 2004م. موقع ابن مريم. www.ebnmaryam. موقع إسلاميات. www. islamyat.com.
[1]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة (7687).
[2]. انظر: قصص القرآن، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م. سلسلة القصص القرآني: آدم عليه السلام، حمزة النشرتي، مؤسسة الأهرام، القاهرة، د. ت. قصص الأنبياء، محمد متولي الشعراوي، دار القدس، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م. التفسير الوسيط، سيد طنطاوي، دار الرسالة، القاهرة، ط3، 1407هـ/ 1987م. التفسير الكبير، الرازي، المطبعة البهية المصرية، القاهرة، 1301هـ.