توهم اضطراب القرآن الكريم في صوغ المركب العددي وتمييزه
وجوه إبطال الشبهة:
الأصل في تمييز العدد المركب “اثني عشر” أن يأتي مفردا منصوبا موافقا لمعدوده في نوعه، لكن غير المتأمل في قوله عز وجل: )وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما( (الأعراف: ١٦٠)، يظن أن فيه مخالفة للقاعدة، حيث يتوهم اضطراب القرآن في تأنيث العدد وجمع المعدود، ويظن أن الصواب أن يقال: “اثني عشر سبطا”، ونرد على هذا بالآتي:
1) وجه بعض النحاة تأنيث العدد )اثنتي عشرة( في الآية، بأن السبط كالقبيلة، أو الجماعة، أو الفرقة، أو الطائفة، وكل هذه الأسماء مؤنثة؛ ولذلك أنث جزئي العدد المركب.
2) ومن التوجيهات القوية لتأنيث العدد )اثنتي عشرة(، أن تمييزه جمع تكسير، والتمييز إذا جمع جمع تكسير صار مؤنثا؛ لأنهم يقولون: كل جمع تكسير مؤنث.
3) وقيل: تأنيث العدد هنا نظرا إلي “أمما”، وليس إلى “أسباطا”.
4) وقيل: إن “أسباطا” ليس تمييزا للعدد المؤنث )اثنتي عشرة(، وإنما هو بدل من العدد نوعه “بدل كل من كل”، والتمييز هنا محذوف؛ أي: “اثنتي عشرة فرقة”؛ ولذلك جاء العدد مؤنثا؛ لأن تمييزه مؤنث.
5) وجه بعض النحاة جمع تمييز العدد في قوله تعالي: )اثنتي عشرة أسباطا أمما(، والذي كان حقه الإفراد، بأنه روعي فيه المعني دون اللفظ، وهذا كثير الورود في القرآن الكريم.
التفصيل:
أولا. وجه بعض النحاة تأنيث العدد في الآية الكريمة، بأن السبط في بني إسرائيل كالقبيلة عند العرب، يعني أنه أراد بالأسباط القبائل؛ ولذلك أنث جزئي العدد المركب )اثنتي عشرة(، وقيل: تأويل السبط: الجماعة، أو الفرقة، أو الطائفة[1]؛ لذلك تحتم تأنيث العدد المركب، ومثله قول الشاعر:
وإن قريشا كلها عشر أبطن
وأنت بريء من قبائلها العشر
فذهب بالبطن إلي القبيلة والفصيلة؛ فلذلك أنثها، والبطن مذكر[2].
ثانيا. يدل لفظ “اثنتي” علي التأنيث، و “عشرة” كذلك؛ لأننا نقول: جاءني رجلان اثنان، وامرأتان اثنتان، أي: اثنان للذكور، واثنتان للإناث، والعدد “اثنتي عشرة” عدد مركب مثل أحد عشر، وتمييزه يكون دائما مفردا؛ ولذلك يقول الحق: )أحد عشر كوكبا( (يوسف: ٤)، وقد أنث العدد “اثنتي عشرة” علي الرغم من أن المذكور هنا “سبط”، وهو مذكر، لكن المفرد المذكر إذا جمع صار مؤنثا؛ لأنهم يقولون: “كل جمع تكسير مؤنث”، هذا فضلا عن أن المراد بالأسباط: القبائل – على قول من قال بذلك – ومفردها قبيلة، وهي مؤنثة[3].
ثالثا. إن السبط في قوله تعالى: )اثنتي عشرة أسباطا أمما( مذكر، لكن بعده أمما، فذهب التأنيث إلى “أمما”، ولو قال: “اثني عشر” لتذكير “السبط”، جاز عند الفراء.
رابعا. إن “أسباطا” ليس تمييزا؛ لأنه جمع، وإنما هو بدل من )اثنتي عشرة(، ونوعه: بدل كل من كل، والتمييز محذوف، أي: “اثنتي عشرة فرقة”، ولو كان “أسباطا” تمييزا عن )اثنتي عشرة( لذكر العددان، ولقيل: “اثني عشر” بتذكيرهما؛ لأن السبط واحد مذكر من الأسباط، كما أنه لو كان تمييزا لكان مفردا. وقد جاء في قول عنترة:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة
سودا كخافية[4] الغراب الأسحم[5][6]
خامسا. وجه بعض النحاة جمع تمييز العدد في قوله تعالي: )اثنتي عشرة أسباطا أمما(، والذي كان حقه الإفراد، بأنه روعي فيه المعنى دون اللفظ، وهو كثير الورود في القرآن الكريم، ويبدو أن هؤلاء الطاعنين في سلامة القرآن الكريم، يجهلون هذه الأساليب في القرآن الكريم خاصة، وفي اللغة العربية عامة، ويتشبثون بظواهر العبارات؛ حبا في ترويج ما يريدون ترويجه من الشبهات الواهية.
الأسرار البلاغية في الآية الكريمة:
من خلال العرض السابق تبين لنا أن التمييز محذوف، ولهذا الحذف في الآية غرض بلاغي هو “الاستغناء عن التمييز المفهوم من السياق – قبيلة أو فرقة – وإثبات ما ليس مفهوما ولا معهودا للمخاطبين به، وهو الأسباط، فالعرب تعرف القبيلة، ولا تعرف السبط الذي هو مرادف لمعنى القبيلة عند اليهود. كما أن مجيء “أسباط” بصيغة الجمع ليناسب معنى التقطيع والفرقة”[7].
(*) عصمة القرآن وجهالات المبشرين، إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، مصر، 2004م. الأخطاء اللغوية في القرآن، إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، مصر.
www.saaid.net. www.Islameyat.com. www.answering.islaming.
[1]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص190.
[2]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج7، ص303.
[3]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج7، ص4392، 4393 بتصرف.
[4]. الخافية: جمع الخوافي، وهي الصغيرات من ريش جناح الطائر.
[5]. الأسحم: الأسود.
[6]. إعراب القرآن الكريم وبيانه، محيي الدين الدرويش، دار الإرشاد، دمشق، 1408هـ/ 1988م، ج3، ص476، 477.
[7]. البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، مطابع النصر الحديثة، الرياض، 1954م، ج4، ص406.