توهم تناقض القرآن الكريم حول معنى قليل وثلة
وجه إبطال الشبهة:
لا تعارض بين الآيتين كما يدعي هؤلاء؛ إذ إن:
-
-
- قوله سبحانه وتعالى: )وقليل من الآخرين (14)( في خصوص السابقين.
- قوله سبحانه وتعالى: )وثلة من الآخرين (40)( في خصوص أصحاب اليمين.
-
التفصيل:
الفهم الصحيح لمعنى الآيتين:
- قوله تعالى: )وقليل من الآخرين( في خصوص السابقين:
ظاهر القرآن والذي يفهم من سياق الآيات أن المقصود بقوله سبحانه وتعالى: )وثلة من الآخرين( أن ممن ينعمون بالجنة وما فيها فئة قليلة من الآخرين الذين سبقوا بالإذعان إلى الله وتصديق رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهم السابقون، والسابقون من الأمم الماضية الذين سبقوا إلى تصديق رسلهم وأنبيائهم، أكثر من السابقين من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -، ولا غرابة في هذا؛ لأن الأمم الماضية أمم كثيرة، وفيها أنبياء ورسل كثير، فلا مانع أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم – عليه السلام – إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها[1].
- قوله تعالى: )وثلة من الآخرين( في خصوص أصحاب اليمين:
دل ظاهر القرآن الكريم وسياق الآيات أن المقصود بقوله سبحانه وتعالى: )وثلة من الآخرين( أصحاب اليمين وهم أهل الحسنات، أو الذين يأخذون كتابهم بيمينهم يوم القيامة، ويحتمل أن يكونوا من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم؛ لأن الثلة[2] تتناول العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر، مع أن كليهما كثير، وكون قوله سبحانه وتعالى: )وثلة من الآخرين( في خصوص أصحاب اليمين؛ فلأن الله سبحانه وتعالى قال: )فجعلناهن أبكارا (36) عربا أترابا (37) لأصحاب اليمين (38) ثلة من الأولين (39) وثلة من الآخرين (40)( (الواقعة).
ومما يستأنس به لهذا القول، حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي ذكره أبو هريرة إذ قال: لما نزلت: )ثلة من الأولين (13) وقليل من الآخرين (14)( (الواقعة) شق ذلك على أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فنزلــت: )ثلة من الأولين (39) وثلة من الآخرين (40)( (الواقعة)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، بل ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة – أو شطر أهل الجنة – وتقاسمونهم النصف الثاني»[3].
وبهذا البيان اتضح لنا أن قوله سبحانه وتعالى: )وقليل من الآخرين( في خصوص السابقين من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -، وقوله سبحانه وتعالى: )وثلة من الآخرين( في خصوص أصحاب اليمين من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وذلك واضح من سياق الآيات، وبذلك يبطل الزعم القائل: إن هناك تناقضا بين هاتين الآيتين[4].
الخلاصة:
لا تعارض بين الآيتين كما يدعي هؤلاء، وذلك لأن:
- الموضع الأول يخص السابقين من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -، والسابقون من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة، ولا غرابة في ذلك؛ لأن الأمم الماضية أمم كثيرة، وفيها أنبياء ورسل كثير، فلا مانع أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم – عليه السلام – إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها.
- الموضع الثاني في خصوص أصحاب اليمين، وظاهر الآيات أن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليسوا أكثر من أصحاب اليمين من هذه الأمة؛ لأنه تعالى عبر عن أصحاب اليمين من هذه الأمة بقوله: )وثلة من الآخرين(، فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم؛ لأن الثلة تتناول العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر.
(*) رد مفتريات على الإسلام، د. عبد الجليل شلبي، دار القلم، الكويت، ط1، 1405هـ/ 1982م.
[1]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج17، ص200 بتصرف.
[2]. الثلة: الجماعة من الناس.
[3]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ (9069)، وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[4]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج17، ص200، 201. وانظر: الدر المنثور، السيوطي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1983م، ج8، ص19. أضواء البيان، الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1992م، ج7، ص770, 771.