توهم تناقض القرآن بشأن إفراد المشرق والمغرب وتثنيتهما وجمعهما
وجه إبطال الشبهة:
القرآن يخاطب الناس جميعا على كافة مستوياتهم؛ الأمي والمثقف والجاهل والعالم، وبناء على هذا جاءت:
1) صيغة الإفراد خطاب للناس كافة.
2) صيغة التثنية خطاب لمن له حظ من الثقافة.
3) صيغة الجمع خطاب للعالم بقوانين الفلك وشكل الأرض.
التفصيل:
القرآن يخاطب الناس جميعا على تفاوت حظهم من العلم:
يشير د. البوطي إلى أن الصيغ الثلاث عن المشرق والمغرب متكاملة في الوصف العلمي، ولا يوجد بينها أي تناقض عند من له أدنى بصيرة، فالقرآن الكريم يخاطب الناس عامة بكل مستوياتهم؛ الأمي منهم والجاهل، والإنسان المثقف والعالم المتخصص، ولكي ينال كل فريق من هؤلاء ما يفيده ويتفق مع مستوى ثقافته وعلمه، كانت الحكمة الربانية قاضية بأن يكون في حديث القرآن ما يتناسب مع فهم الجاهل والأمي، والمثقف والعالم، وهذا هو شأن القرآن في خطابه للناس دائما، وعلى عكس ما يتوهمه الجاهلون – أو المتجاهلون – يكون هذا من أجلى الأدلة الناطقة بإعجاز القرآن. وبناء على هذا نجد أن:
- صيغة الإفراد خطاب للعامة:
يقول الله سبحانه وتعالى: )رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا (9)( (المزمل)، هذا خطاب للناس جميعا على اختلاف درجاتهم العلمية؛ لأن ما يصلح أن يكون خطابا للعامي الجاهل لا يصلح أن يكون خطابا لمن فوقه، وهو يتضمن المعلومة البسيطة المرئية للناس جميعا، وهي أن للشمس مشرقا تشرق منه كل يوم، ولها أيضا مغرب تغيب فيه، ولا يختلف في ذلك أدنى مستوى من الثقافة.
- صيغة التثنية خطاب للمثقفين:
ويقول الله عز وجل: )رب المشرقين ورب المغربين (17)( (الرحمن) فهذا خطاب مباشر لمن كان له زاد من الثقافة يبصره بموضع الشمس من الأرض أو العكس، فهؤلاء يعلمون أن الشمس كلما طلعت تكون مشرقا لمن هي مقبلة إليهم، ومغربا لمن هي أدبرت عنهم، وكما ينطبق عليها هذا الوصف إذ تكون بازغة في المشرق، ينطبق عليها الوصف ذاته إذ تكون مدبرة في المغرب، إذن فهما مشرقان ومغربان[1]، “أو أن آية التثنية مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغربهما، أو مشرق الشمس والقمر ومغربهما”[2].
- صيغة الجمع خطاب للعلماء المختصين:
يقول الله سبحانه وتعالى: )فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون (40)( (المعارج)، فهذا خطاب لمن أوتي مزيدا من العلم بقوانين الفلك، وشكل الأرض، فالآية الكريمة تقول لنا: إن الشمس أينما كانت تكون مشرقا لمن هي مقبلة إليهم، ومغربا لمن هي مدبرة عنهم.
ونظرا لدوران الأرض حول الشمس، فإن إشراقها يتجدد للناس والبلدان التي تطلع عليها من جديد، فهي تظل في إشراق ومغيب، ومن ثم فإن بقاع الأرض تتقاسمها مشارق الأرض ومغاربها دون توقف، إذن فهي مشارق ومغارب.
كما تتضمن الآية الكريمة معنى آخر، وهو أن الأرض تزاور[3]عن الشمس ما بين صيف وشتاء، بحيث تتدرج الشمس متنقلة في مطالع متعددة من الأرض؛ كي يقصر نهار الشتاء، وتتدرج فيها عكسيا؛ كي يطول نهار الصيف، إذن فهي مطالع، أي: مشارق متعددة للشمس ما بين كل صيف وشتاء[4].
الخلاصة:
لا يوجد أدنى تعارض بين قوله سبحانه وتعالى: )رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا (9)( (المزمل)؛ وقوله عز وجل: )رب المشرقين ورب المغربين (17)( (الرحمن)، وقوله عز وجل: )فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون (40)( (المعارج)؛ لأن القرآن الكريم لم يختص بأمة بعينها، وإنما جاء للناس كافة، بكل مستوياتهم العلمية، وبناء عليه:
- قوله عز وجل: )رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا (9)( (المزمل)، يناسب الناس جميعا على اختلاف درجاتهم العلمية؛ فللشمس مشرق تطلع منه، ولها مغرب تغيب فيه.
- قوله عز وجل: )رب المشرقين ورب المغربين (17)( (الرحمن)، يخاطب من كان له حظ من الثقافة والعلم يجعل له دراية بموقع الشمس من الأرض، والعكس.
- قوله عز وجل: )فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون (40)( (المعارج) يخاطب من من الله عليه بمعرفة قوانين الفلك؛ فإشراق الشمس يتجدد لمن تطلع عليهم من جديد، ومغربها يتجدد أيضا لمن تدبر عنهم.
(*) لا يأتيه الباطل، د. محمد سيعد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1428هـ/ 2007م. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م.
[1]. لا يأتيه الباطل، د. محمد سيعد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص39، 40.
[2]. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص266.
[3]. لا يأتيه الباطل، د. محمد سيعد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص39، 40.
[4]. تزاور: تميل وتبتعد.