توهم تناقض القرآن بشأن طلب الرسول أجرا على تبليغ الرسالة
وجوه إبطال الشبهة:
1) الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يطلب أجرا على تبليغ الرسالة، وذلك شأن الرسل جميعا.
2) معنى الأجر في آية سور ة الفرقان: أنه الاستجابة للنبي – صلى الله عليه وسلم – والإيمان والطاعة، فهذا بمنزلة الأجر للنبي – صلى الله عليه وسلم – وليس أجرا حقيقيا له، أو أن معناه: الإنفاق في سبيل الله والبذل والتضحية، وهذا بمثابة الأجر للنبي – صلى الله عليه وسلم – كذلك.
3) ذكر العلماء عدة تفسيرات لمعنى الأجر في آية سورة الشورى منها: لا أسألكم إلا أن تودوني وتكفوا أذاكم عني مراعاة للقربى بيننا، أو لا أسألكم إلا أن تحفظوني في قرابتي وأهل بيتي من بعدي وتكفوا عنهم، أو أن تتوددوا إلى الله بالطاعة، أو أن تصلوا أرحامكم، وكل هذا لا يعد أجرا على تبليغ الدعوة.
التفصيل:
أولا. الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يطلب أجرا على تبليغ الرسالة، وذلك شأن الرسل جميعا:
ينفي الله تعالى عن نبيه – صلى الله عليه وسلم – أنه يطلب أجرا على تبليغ الرسالة والوحي، وبهذا لا يكون قد أثقل عليهم بهذا الأجر إثقالا، امتنعوا بسببه عن الإيمان به واتباعه، قال تعالى: )أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون (40)( (الطور).
فإن “أم” استفهامية، والاستفهام فيها بمعنى النفي، أي: لست تطلب أجرا على تبليغ الرسالة. وفي سورة “ص” أمر الله تعالى نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يقول للناس: إنه لا يسألهم على تبليغ القرآن والوحي أجرا فقال تعالى: )قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (86)( (ص). وفي سورة سبأ يقول تعالى: )قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد (47)( (سبأ).
وشأن النبي – صلى الله عليه وسلم – في عدم طلب الأجر على تبليغ الرسالة والوحي، هو شأن الرسل جميعا، فلم يطلب واحد منهم على التبليغ أجرا فهذا نوح – عليه السلام – يقول لقومه: )ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله( (هود: ٢٩). وهذا نبي الله هود – عليه السلام – يقــول لقومــه: )يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الــذي فطرنــي أفلا تعقلــون (51)( (هود). وفي سورة الشعراء يقول كل من نوح وهود وصالح ولوط وشعيب – عليهــم الصــلاة والسـلام جميعـا: )وما أسألكــم عليـه من أجر إن أجــري إلا على رب العالميـــن (109)( (الشعراء: ١٠٩، 127، 145، 164، 180). فجميع الرسل – عليهم الصلاة والسلام – لم يطلبوا أجرا من أقوامهم على تبليغ رسالات الله إليهم[1].
ثانيا. معنى الأجر في سورة الفرقان:
ففي آية سورة الفرقان قد يفهم منها أن فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا هو أجر للرسول – صلى الله عليه وسلم – على التبليغ، والأمر ليس كذلك، فالحقيقة أن ذلك ليس أجرا للرسول – صلى الله عليه وسلم – من قومه، وإنما صور بصورة الأجر، فاتخاذ السبيل إلى الله عز وجل – الذي هو على الأصح تقربهم إلى الله بالإيمان والطاعة – يعد بمنزلة الأجر له، أما أنه أجر حقيقي له – صلى الله عليه وسلم – فلا، بل هو في الحقيقة أجر لهم، فباتباعهم دينه ينالون كرامة الدنيا والآخرة.
وقد فسر بعض العلماء اتخاذ السبيل إلى الله بأنه: الانفاق من المال والتصدق منه، وهذا لا يعني طلب الأجر والمال منهم، بل إن المعنى: لا أطلب من أموالكم جعلا خاصا لنفسي، لكن من شاء إنفاقها لوجه الله فليفعل[2].
ثالثا. معنى الأجر في سورة الشورى:
أما قوله تعالى في سورة الشورى: )قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى( (الشورى: ٢٣)، لا ينبغي أن يفهم منه أن المودة في القربى أجر له – صلى الله عليه وسلم – على التبليغ؛ فقد ذكر العلماء في معناها أقوالا يبعد كل قول منها أن المودة في القربى أجر للرسول – صلى الله عليه وسلم – نكتفي منها بما يأتي:
- أن معنى الآية: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في قرابتي التي بيني وبينكم فتكفوا أذاكم عني، وتمنعوني من أذى الناس كما تمنعون كل من كان بينكم وبينه قرابة مثل قرابتي منكم.
فقد كان له – صلى الله عليه وسلم – في كل بطون قريش قرابة، فإذا سألهم مودته والانتصار له من أذى الناس لم يكن ذلك أجرا على التبليغ في الحقيقة؛ إذ هو حق القريب على قريبه، إذ كل إنسان يوده أهل قرابته، ويكفون عنه أذى الآخرين.
وقد انتصر للنبي – صلى الله عليه وسلم – ودافع عنه عمه أبو طالب – وهو كافر – ولم يكن ذلك أجرا له على التبليغ، وإذا كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا يسأل أجرا إلا هذه المودة – وهي ليست بأجر – تحقق أنه لا يسأل أجرا.
- أن المعنى: كف الأذى عن قرابتي وأهل بيتي من بعدي وحفظي فيهم، وهذا ليس أجرا؛ لأن المودة بين المسلمين واجبة، وأحق بها قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- أن المعنى: إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى وتتقربوا له بالطاعة والعمل الصالح، والتقرب إلى الله تعالى ليس أجرا على التبليغ.
- أن المعنى: إلا أن تتوددوا إلى قراباتكم وتصلوا أرحامكم، وصلة الإنسان رحمه ليست أجرا على التبليغ[3].
وبناء على هذه الآراء، فقد ثبت لدينا، عدم وجود أي تناقض بين الآيات التي استدل بها هؤلاء على زعمهم.
الخلاصة:
- لقد نفى الله تعالى عن نبيه – صلى الله عليه وسلم – طلب الأجر على تبليغ الرسالة والوحي، فقال تعالى: )قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (86)( (ص)، وقد كان شأن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك شأن الرسل جميعا، فجميع الرسل – عليهم السلام – لم يطلبوا أجرا من أقوامهم على تبليغ رسالات الله إليهم.
- في قوله تعالى: )قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا (57)( (الفرقان) المراد بكلمة “أجر” – في الحقيقة – ليس أجرا للرسول – صلى الله عليه وسلم – فتقربهم إلى الله بالإيمان والطاعة يعد بمنزلة الأجر له – صلى الله عليه وسلم – أما أنه أجر حقيقي فلا، وقد يجوز أن يكون اتخاذ السبيل هو الإنفاق من المال، وهذا لا يعني طلب الأجر، بل إنفاقه لوجه الله تعالى.
- أما قوله: )ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى( (الشورى: ٢٣)، لا ينبغي أن يفهم منه أن المودة في القربى أجر له – صلى الله عليه وسلم – فقد ذكر العلماء عدة تفسيرات للآية منها:
o لا أسألكم عليه أجرا، إلا أن تودونى في قرابتى التي بينى وبينكم، فكفوا أذاكم عنى.
o لا أسألكم أجرا، لكن أذكركم الله في قرابتي، فاحفظوني فيهم.
o لا أسألكم أجرا، ولكن توددوا إلى الله بالطاعة والعمل الصالح.
o لا أسألكم أجرا، ولكن توددوا إلى قراباتكم وصلوا أرحامكم.
وكل هذه التفسيرات تثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأخذ أجرا على تبليغ الدعوة للناس كما زعم أصحاب هذه الدعوى الباطلة.
(*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م.
[1]. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص34، 35.
[2]. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص34، 35.
[3]. البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م، ص35: 37 بتصرف يسير.