توهم تناقض القرآن بشأن مصير من اتخذ غير الإسلام دينا ً
وجها إبطال الشبهة:
1) الإسلام توحيد الله، وعقيدته عقيدة كل الأنبياء، وشريعة ختمت بها الشرائع السماوية، فوجب على كل أتباع الرسالات السابقة اتباعها.
2) من آمن بعيسى – عليه السلام – واتبعه فهو مسلم، فإذا بعث محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يسعه إلا اتباعه.
التفصيل:
أولا. الإسلام هو دين التوحيد، وعقيدة كل الأنبياء، وشريعة ختمت بها الشرائع السماوية، فوجب على كل أتباع الرسل السابقين اتباعها:
الإسلام هو إخلاص الدين لله بالتوحيد، وهو إسلام الوجه لله تعالى، فلن يقبل الله من أحد دينا غير الإسلام، وهو في الآخرة من الذين وقعوا في الخسران مطلقا قال عز وجــل: )ومن يبتغ غير الإســلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخــرة مــن الخاسريــن (85)( (آل عمران)، فقد رفض الله – سبحانه وتعالى – دين من أراد دينا سوى دين الله، ذلك الدين الذي أنزل به كتبه، وأرسل به رسله، وهو عبادته وحده لا شريك له، والذي استسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها، فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرها، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع[1].
فالإسلام بوصفه عقيدة هو دين جميع الأنبياء والمرسلين قال سبحانه وتعالى: )إن الدين عند الله الإسلام( (آل عمران: 19)، وقال عن إبراهيم: )وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل( (الحج: ٧٨)، وقال سبحانه وتعالى: )ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132)( (البقرة)، وقال سبحانــه وتعالــى: )قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن لــه مسلمــون (136)( (البقرة).
أما الإسلام كشريعة – قواعد وأحكام وآداب -، فقد حوى بعض مضامين شرائع الرسالات السابقة وخالفها في بعض آخر، وهو – بهذا المفهوم – الرسالة الخاتمة التي جاء بها محمد – صلى الله عليه وسلم -، ووجب على الخلق أجمعين من يوم أن تصلهم دعوته أن يؤمنوا به ويطرحوا ما هم عليه من شرائع ومذاهب، وبالتالي فلن يقبل منهم بعد بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم – سوى الإيمان برسالته – الإسلام – عقيدة وشريعة، ومن ابتغى غيره باء بالخسران المبين.
فكل من آمن بنبيه وأطاعه فله الجنة، وأما بعد بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد نسخت شريعته الشرائع ونسخ دينه الأديان، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فهذا معنى الآية الأخرى.
ويؤيد ذلك ما جاء عن سلمان أنه قال: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أهل دين كنت معهم، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم فنزلت: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62)( (البقرة)[2]، وقال السدي: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62)( (البقرة) نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، بينما هو يحدث النبي إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيا. فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله: “يا سلمان، هم من أهل النار”، فاشتد ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية[3].
فكان إيمان اليهود: أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى – عليه السلام – حتى جاء عيسى، فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكا، وإيمان النصارى: أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد، فمن لم يتبع محمدا منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا.
وهذا لا ينافي ما جاء عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس)إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62)( (البقرة)، فأنزل الله بعد ذلك: )ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)( (آل عمران)، فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا، إلا ما كان موافقا لشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – بعد أن بعثه به، فأما قبل ذلك، فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة؛ فاليهود: هم أتباع موسى – عليه السلام – الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم[4]، فلما بعث عيسى وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى، فلما بعث الله محمدا خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقا.
ومن النصوص الصريحة في هذا الباب حديث أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»[5].
ثانيا. من آمن بعيسى – عليه السلام – واتبعه فهو مسلم، فإذا بعث محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يسعه إلا اتباعه:
في الآية: )وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة( (آل عمران: ٥٥)، يقول الله – سبحانه وتعالى – لعيسى ابن مريم: إنني ناصر من اتبعك على الإسلام على الذين كفروا إلى يوم القيامة، وقيل: إن النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة، فليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهم فوق اليهود في شرق أو غرب، فهم – أي اليهود – في كل بلد مستذلون، وقيل: إن عيسى مرفوع عند الله، ثم ينزل قبل يوم القيامة، فمن صدق عيسى ومحمد – عليهما السلام – وكان على دينهما، لم يزالوا ظاهرين على من فارقهم إلى يوم القيامة[6].
وذكر أنه لما تأكد لعيسى – عليه السلام – عناد بني إسرائيل وإصرارهم على الكفر، أراد أن يميز بين أنصاره الذين آمنوا به من الكافرين، فقال لهم: من منكم ينصر دين الله، ويساعدني على تبليغ ما أمرت به؟ فقال أصفياؤه وخلصاؤه – وكانوا اثني عشر رجلا، وهم الحواريون -: نحن أنصار الله المخلصون لدعوته والمؤمنون بما جئت به، فاشهد بذلك لنا يوم القيامة، ثم توجهوا إلى الله أن يكتبهم مع الذين شهدوا بوحدانيته، وأقروا بربوبيته، واتبعوا رسول الله، قال سبحانه وتعالى: )فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52)( (آل عمران)، وقد دعا الله أتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – أن ينصروا دين الله، كما فعل الحواريون، قال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين (14)( (الصف).
فأمر هؤلاء الحواريين أن يؤمنوا بالله وبرسوله عيسى – عليه السلام -، فقالوا: آمنا، واشهد بأنا مسلمون لك واشهد يا عيسى بأننا مسلمون لله، قال سبحانه وتعالى: )وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون (111)( (المائدة) [7].
وقيل: إن المراد من قوله سبحانه وتعالى: )وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة( (آل عمران: ٥٥)، أنه جاعلهم فوقهم في كثير من مصالح الدنيا؛ لأن ذلك يصح الاشتراك فيه، دون ما يتصل بأمر الآخرة لأن ذلك مما لا يصح الاشتراك فيه بين المسلم والكافر، ولذلك قال: )ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (55)( (آل عمران) [8]. أي يوم القيامة، وقد قال عز وجل: )ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)( (النساء)، فهذا في معنى تفضيل المؤمنين على الكافرين.
الخلاصة:
- لا تعارض بين الآيتين؛ إذ الإسلام هو إخلاص الدين لله بالتوحيد، وإسلام الوجه لله – سبحانه وتعالى – هو دين الله الذي أنزل به كتبه، وأرسل به رسله، وهو عبادته وحده لا شريك له، فالإسلام عقيدة، وهو استمرار لعقيدة التوحيد التي تتابع بها الرسل من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
- أما الإسلام شريعة، فقد وافق بعض الشرائع السابقة في بعض الأحكام وخالفها في بعض آخر، وواجب على الخلق أجمعين أن يؤمنوا برسالة الإسلام عقيدة وشريعة – كما جاء بها محمد – صلى الله عليه وسلم – ويدعوا غيرها، ومن ابتغى غير ذلك خاب وخسر.
- الذين اتبعوا عيسى – عليه السلام – على فطرته وسنته هم من أهل الإسلام، وهم الذين ناصروه وآزروه، وهم الذين يصدقون عيسى ومحمدا – عليهما الصلاة والسلام – بعد نزول عيسى من السماء، وهم الحواريون المخلصون لدعوته والمؤمنون بما جاء به.
وقيل: إن المراد أن الله جعل الذين اتبعوا عيسى فوق الذين كفروا في كثير من مصالح الدنيا.
(*) موقع المتنصرين. هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي. موقع إسلاميات.
[1]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/1980م، ج1, ص378.
[2]. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 165)، تفسير سورة البقرة، رقم (633).
[3]. أخرجه ابن ابي حاتم في تفسيره (1/ 166)، تفسير سورة البقرة، رقم (635).
[4]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/1980م، ج1، ص248.
[5]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى جميع الناس (403).
[6]. انظر: الدر المنثور، السيوطي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1983م، ج2، ص227.
[7]. دراسات في القرآن الكريم، د. محمد عبد السلام أبو النيل، دار الفكر العربي، القاهرة، ط2، 1987م، ص218، 219.
[8]. تنزيه القرآن عن المطاعن، القاضي عبد الجبار، تحقيق: د. أحمد عبد الرحيم السايح، المستشار توفيق علي وهبة، مكتبة النافذة، القاهرة، ط1، 2006م، ص86، 87.