توهم تناقض القرآن بشأن وسيلة شفاء الصدور
وجه إبطال الشبهة:
المراد بشفاء الصدور في الآيتين مختلف؛ إذ إن:
-
-
- المراد بالشفاء في الآية الأولى، تطهير الأرواح عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة.
- المراد بالشفاء في الآية الثانية، قتل الأعداء وخزيهم والنصرة عليهم.
-
التفصيل:
معنى شفاء الصدور في الآيتين مختلف:
- فالمراد بالشفاء في الآية الأولى: تطهير الأرواح عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة:
من المسلم به أن القرآن الكريم يهذب الباطن عن العقائد الفاسدة، والأخلاق الذميمة، ويهذب الظاهر عن فعل ما لا ينبغي، ويحلي النفس بالعقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة المستعدة لما حصل لها من الكمال الظاهر والباطن؛ فالقرآن واعظ بما فيه من الترغيب والترهيب، أو بما فيه من الزجر عن المعاصي، وشاف لما في الصدور من الأدواء المفضية[1] إلى الهلاك: كالجهل والشك والشرك والنفاق وغيرها، ويرشد ببيان ما يليق وما لا يليق إلى ما فيه النجاة والفوز بالنعيم الدائم، أو موصل إلى ذلك، وسبب الرحمة للمؤمنين الذين آمنوا به وامتثلوا ما فيه من الأحكام.
وجاء عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: ” شفاءان: العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور “[2].
- أما المراد بالشفاء في الآية الثانية: قتل الأعداء وخزيهم والنصرة عليهم:
عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة قالا: كان في صلح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الحديبية بينه وبين قريش: أن من شاء أن يدخل في عقد النبي – صلى الله عليه وسلم – وعهده دخل فيه، ومن شاء أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: ندخل في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: ندخل في عقد قريش وعهدهم، دخلت خزاعة وبنو بكر في تلك الهدنة نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهرا، ثم إن بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم وثبوا على خزاعة الذين دخلوا في عقد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعهده ليلا بماء لهم يقال له “الوتير” قريب من مكة، فقالت قريش: ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوا عليهم بالكراع[3] والسلاح فقاتلوهم معه؛ للضغن[4] على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وركب عمرو بن سالم عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأبيات أنشده إياها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “نصرت يا عمرو بن سالم”، فما برح حتى مرت غمامة في السماء، فقال رسول الله: “إن هذه السماء لتشهد بنصر بني كعب”، وأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الناس بالجهاد وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم[5].
ومن هذا الحديث وضح لنا أن بني بكر وقريشا قد خانوا العهد مع النبي – صلى الله عليه وسلم – وحلفائه من بني خزاعة، فأنزل الله – عز وجل – أمرا بالقتال: )قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين (14)( (التوبة)، جزاء لما فعلوا؛ ليكون هذا القتال عذابا لهم وخزيا، ويكون على الجانب الآخر شفاء لصدور بني خزاعة – بعدما حدث لهم -، ولكون النصرة مدار القصد كان أثره إذهاب الغيظ من القلب الذي هو أخص من الصدر، وقد أنجز الله تعالى جميع ما وعدهم به على أجمل ما يكون[6].
الخلاصة:
ليس هناك أي وجه للتناقض بين الآيتين اللتين معنا؛ وذلك لأن:
- الشفاء في الآية الأولى المراد به: تطهير الأرواح عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة.
- الشفاء في الآية الثانية المراد به: قتل الأعداء من قريش وبني بكر، وخزيهم والنصرة عليهم، وذلك لنقضهم العهد مع النبي – صلى الله عليه وسلم – والإغارة على حلفائه من بني خزاعة ليلا، فهذا القتل والخزي يكون شفاء لصدور بني خزاعة.
(*) دعوة للتفكير، موقع الكلمة.
[1]. المفضية: المؤدية.
[2]. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (17/ 250)، تفسير سورة النحل، آية (69).
[3]. الكراع: اسم يجمع الخيل والسلاح.
[4]. الضغن: الحقد.
[5]. انظر: سيرة ابن هشام (2/ 393). عيون الأثر، ابن سيد الناس (2/ 182). السيرة النبوية، ابن كثير (3/ 527).
[6]. انظر: مفاتيح الغيب، الرازي. الكشاف، الزمخشري ، عند تفسير الآية.