توهم تناقض القرآن حول طبيعة الأرض وشكلها
وجها إبطال الشبهة:
1) الحقائق العلمية تقر وجود هذه الأشكال كلها للأرض، وهذا لا يعارض – مطلقا – كونها كروية بيضاوية.
2) اختلاف زاوية النظر يؤدي إلى اختلاف الرؤية وليس اختلاف الحقيقة أو الطبيعة.
التفصيل:
أولا. الحقائق العلمية تقر هذه الأوصاف كلها، وكلها بمعنى واحد:
إن المتأمل في الآيات الكريمة التي تدور حول مد الأرض وبسطها وسطحها، ودحوها، يجدها كلها تثبت كروية الأرض، يقول ابن حزم الظاهري[1]: إن أحدا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم – رضي الله عنهم – لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها، قال تعالى: )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل( (الزمر: ٥)، وهذا أوضح بيان في تكوير بعضه على بعض، مأخوذ من: كور العمامة، وهو إدارتها، وهذا نص على تكوير الأرض[2].
وهذا ما أكده الشنقيطي في كتاب ” أضواء البيان”؛ إذ يقول: والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا استخدم النص القرآني لفظة “يكور”؟ والجواب: إنك لو جئت بشيء ولففته حول كرة، فتقول: إنك كورت هذا القماش مثلا، أي: جعلته يأخذ شكل الكرة الملفوف عليها، ومعنى قوله تعالى: )يكور( أي: يجعلهما يحيطان بالكرة الأرضية، ومن إعجاز القرآن أن الليل والنهار مكوران حول الأرض في كل وقت.
وألفاظ “المد” و “البسط” و “السطح” و “الدحو” لا تبعد عن هذا المعنى، بل تدور في فلكه، فقولــه تعالــى: )كيف سطحت (20) ((الغاشية) آية ثابتة؛ لأن حروفها مع إجماع المفسرين على تكويرها، فإنها ترى مسطحة، أي: من النقطة التي هي في امتداد البصر، وذلك يدل على سعتها وكبر حجمها؛ لأن الجرم المتكور إذا بلغ من الكبر والضخامة حدا بعيدا، يكاد سطحه يرى مسطحا من نقطة النظر إليه.
أما قوله تعالى: )والأرض بعد ذلك دحاها (30)( (النازعات)، فقد اختلف المفسرون في معنى “دحاها”، لكن بعد تأمل قول المفسرين نجده متفقا في مجموعه بأن “دحاها”: مهدها وسهل الحياة عليها، وذكر لوازم التمكين من: الحياة عليها، وإخراج الماء والمرعى، ووضع الجبال، وهو المتفق مع نصوص القرآن في قوله تعالى: )ألم نجعل الأرض مهادا (6)( (النبأ).
أما إذا انتقلنا إلى كتب اللغة نجدها كلها تنص على أن الدحو: بمعنى: البسط، والرمي، والإزالة، والتمهيد، فالبسط والتمهيد والرمي بالحجر المستدير في الحفرة الصغيرة معان مشتركة، وكلها تفسر “دحاها” بمعنى: بسطها ومهدها.
كل ما له طول وعرض له امتداد، والشيء الذي لا امتداد له هو الخط:
إن كل ما له طول وعرض له امتداد، والشيء الوحيد الذي لا امتداد له هو الخط بمعناه الهندسي، ومعنى هذا أن المراد بالامتداد الذي يصف القرآن به الأرض، كما في قوله: )والأرض مددناها( (ق: ٧) هو الامتداد الكلي، أي: الامتداد الذي لا ينتهي بحرف أيا كانت وجهتك من الأرض، فلو سرت إلى أقصى الغرب لا تصل من الأرض إلى حافة لها، كذلك لو سرت إلى أقصى الشرق أو الشمال أو الجنوب، فما تفسير ذلك؟
إن الأرض ذات انحناء مستمر لا نهاية ولا حد له، وذلك يعني أن الانحناء المستمر ينتهي بدائرة يتلاقي فيها الطرفان، فكان هذا التعبير القرآني؛ تبصيرا وتعليما للجاهلين بأن الأرض ليست قطعة كونية ذات حواف، وإنما هي مستديرة، والشيء المستدير لا حواف له[3].
وإذا رجعنا إلي كلام من نظر في علم الهيئة من المسلمين، فإنا نجدهم متفقين على أن شكل الأرض مستدير، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الأفلاك مستديرة، قال تعالى: )ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر( (فصلت: ٣٧) وقال: )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)( (يس).
قال ابن عباس: في فلكه مثل فلكة المغزل، وهكذا هو في لسان العرب، الفلك: الشيء المستدير والجسم المستدير متشابه الجوانب والنواحي، ليس بعضه مخالفا لبعض، ولا خلاف بين العلماء حول أن السماء على مثال الكرة، وأنها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدورة الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين، أحدهما في الشمال، والآخر في الجنوب.
فكرة الأرض مثبتة في وسط السماء كالنقطة في الدائرة، يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يرى في جميع نواحي السماء على قدر واحد، فيدل ذلك على بعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد، فهذا نقل لإجماع الأمة من إمام جليل في علمي المعقول والمنقول على أن الأرض على شكل الكرة.
ثانيا. تعدد الأشكال لاختلاف زاوية النظر لا لاختلاف الحقيقة:
إذا كان علماء الإسلام يثبتون كروية الأرض، فماذا يقولون في قوله عز وجل: )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20)( (الغاشية)، وجوابهم كجوابهم على قوله عز وجل: )حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة( (الكهف: 86) أي: في نظر العين؛ لأن الشمس تغرب عن أمة، وتستمر في الأفق على أمة أخرى، حتى تأتي مطلعها من الشرق في صبيحة اليوم الثاني، ويكون بسط الأرض وتمهيدها نظرا لكل إقليم وكل جزء منها؛ لسعتها وعظم جرمها، وهذا لا يتنافى مع حقيقة شكلها، فقد نرى الجبل الشاهق إذا تسلقناه ووصلنا قمته، وجدناه سطحا مستويا[4].
الخلاصة:
لا يوجد أي تعارض بين الآيات الدالة على بسط الأرض وامتدادها ودحوها، بل كل هذه الآيات تدل على كروية الأرض، فهذه الأوصاف تدل على معنى واحد، لكنها تختلف تبعا لاختلاف الناظر، فاختلاف النظر يؤدي إلى اختلاف الرؤية، وليس اختلاف الأرض ذاتها، فكروية الأرض حقيقة ثابتة لا جدال فيها، والآيات الواردة تدعم هذه الحقيقة.
(*) الحوار الخفي: الدين الإسلامي في كليات اللاهوت، محمد الحسيني إسماعيل، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2004م.
[1]. الفصل في الملل والنحل، ابن حزم الظاهري، مكتبة الخانجي، القاهرة، ج2، ص78.
[2]. مجلة الإعجاز العلمي، مجلة يصدرها المجمع العالمي للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، العدد 24، جمادى الأولى، 1427هـ، ص36، 37.
[3]. أضواء البيان، الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1992م، ج6، ص675. لا يأتيه الباطل، د. محمد سيعد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1428هـ / 2007م، ص40.
[4]. أضواء البيان، الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1992م، ص33، 34.