توهم تناقض القرآن في إيراده كلام الله – عز وجل – لموسى عليه السلام عند الشجرة
وجه إبطال الشبهة:
تعددت الأقوال؛ لأن الموقف بداخله مشاهد عديدة، فلا يمكن أن يروى أو يعبر عنه في قول واحد وهذه المشاهد كالتالي:
-
-
- الله – عز وجل – يطمئن موسى، ويخبره بأن المتكلم هو الله رب العالمين.
- الله تعالى يؤهل موسى – عليه السلام – لتلقي خبر عظيم.
- إخبار الله – سبحانه وتعالى – لموسى بنبوته، وتكليفه بالعبادة والصلاة.
-
التفصيل:
تعدد السياق في القرآن الكريم يكون لتعدد المقام:
عندما أتى موسى – عليه السلام – النار تحدث إليه ربه تعالى بعدة سياقات مختلفة؛ ذلك لتعدد المقام الذي تركز عليه كل آية من الآيات التي تحدثت عن هذا الموقف، وذلك كالتالي:
- الله – عز وجل – يطمئن موسى – عليه السلام – بأن المتكلم هو الله رب العالمين:
قال المفسرون: إن موسى – عليه السلام – لما أتى إلى النار وجد نورا يتلألأ في شجرة، وهذا النور لا تؤثر عليه خضرة الشجرة فتبهته، ولا النور يطغى على خضرة الشجرة فيضعفها… فشعر بالخوف وهاله منظر النور الذي رآه، فأراد الله – عز وجل – أن يطمئنه فناداه باسمه ثم عرفه أن محدثه هو الله – عز وجل – وحينما سمع موسى – عليه السلام – لم يتعجب مما رأى من النور والخضرة، ولم يتعجب من سماع الكلام دون أن يرى من يكلمه؛ لأن هذا الشيء من عند الله تعالى؛ فلا يقاس بأحداث البشر، فاطمأن على أنه في حضرة ربه – عز وجل – وهذا ما كان في سورة القصص.
- الله – سبحانه وتعالى – يؤهل موسى – عليه السلام – لتلقي خبر عظيم:
في قوله: )أن بورك من في النار ومن حولها( (النمل: 8)، هنا يبارك الله – عز وجل – المكان الذي فيه النار، فيبارك من فيه، ومن حوله من الملائكة وموسى أيضا؛ لأنه ممن حولها، وبعد ذلك ينزه الله نفسه عن الشريك وعن كل شيء لا يليق به سبحانه رب العالمين، ويخبر موسى أنه – عز وجل – هو صاحب العزة جميعا، وهو أحكم الحاكمين. وبهذا كله يهيء موسى – عليه السلام – ويؤهله روحانيا وعقائديا لتلقي أمر عظيم وهذا ما كان في سورة النمل.
- إخبار الله – سبحانه وتعالى – لموسى بنبوته وتكليفه له بالعبادة والصلاة:
خاطب الله – عز وجل – موسى بكلمة: )أنا ربك( (طه: ١٢)، فهي تفيد الإيناس؛ لأن كلمة “الله” مطلوبها عبادة وتكليف؛ لأن الله مطاع فيما يأمر، لكن “الرب” عطاء حتى للكافر، فالله – عز وجل – خاطب موسى بالربوبية والعطاء، فقال: )إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى (12)( (طه)، لم يـقـل: إنني الـرب المـطلـق – كما سبق -، ولكن قال: أنا ربك أنت؛ وذلك لأن الرسل لهم تربية خاصة، تختلف عن باقي الخلق جميعا، فهو سبحانه يعطي من التربية ما يناسب مهمة العبد عنده، وأول أمر وجهه الله – سبحانه وتعالى – لموسى في هذا الموقف أن يخلع نعليه؛ وعلة ذلك أنه بالواد المقدس الذي يسمى “طوى”، وبعد ذلك أخبره باصطفائه له للنبوة، وأمره أن يصغي جيدا إلى ما يوحيه إليه فقال عز وجل: )إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري (14)( (طه)[1].
الخلاصة:
تعددت أقوال الله – عز وجل – في هذا الموقف؛ لأن بداخله مشاهد أخرى عديدة يتألف منها:
- المشهد الأول: يطمئن الله موسى ويخبره بأن المتكلم هو الله رب العالمين.
- والمشهد الثاني: يؤهله لتلقي نبأ عظيم بأن يباركه، ويثبت عقيدته بأن الله منزه عن كل شيء لا يليق بجلاله، ويخبره أن العزة لله جميعا، وهو أحكم الحاكمين.
- ثم المشهد الثالث: يأمره بأن يخلع نعليه؛ لأنه بالوادي المقدس الذي سمي “طوى”؛ ليخبره – سبحانه وتعالى – باصطفائه له للنبوة، وتكليفه له بالعبادة، والصلاة التي هي ذكر الله في أرضه، فهذا تجميع لقصة كبيرة عن طريق مشاهد دالة عليها، وإشارات يفهمها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
(*) موقع دليل الحقائق الرافضة. www.dhi22.com
[1]. قصص الأنبياء، الشيخ محمد متولي الشعراوي، دار القدس، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص267، 268 بتصرف.