توهم خطأ قوله تعالى: (إذا الشمس كورت (1))
وجه إبطال الشبهة:
ليس مقصودًا بتكوير الشمس في الآية أنها ستصبح كروية، لكن المقصود هو ذهاب ضوئها، فالتكوير هو مرحلة النهاية في حياة الشمس، وهذا يتطابق مع ما أثبتته الاكتشافات العلمية من أن النجوم تمر بمراحل عدة؛ فهي تخلق ثم تصير إلى مرحلة تسمَّى فيها نجوم النسق الرئيسي، ويستمر النجم على هذا الطور غالبية عمره، وبعد ذلك تتحوَّل إلى مرحلة جديدة، وهكذا حتى يتحول إلى نجم لا ضوء فيه.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
- المقصود بتكوير الشمس: ذهاب ضوئها:
خلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني، الذي نشأ عن انفجار الجرم الأولي للكون (فتق الرتق)، ولا تزال النجوم تتخلق أمام أنظار الفلكيين اليوم في دخان السُّدُم عبر مراحل متتالية، وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسم “دوامات تركيز المادة” (MaterialAccretionwhorlsorvertigos)، وتعمل هذه الدوامات على تكثيف المادة في داخل سحابات الدخان أو السدم بفعل عملية التجاذب التثاقلي (Gravitational Attraction)، فتؤدي إلى إحداث تصادمات متكررة بين جسيمات المادة ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارتها حتى تصبح قادرة على بث الأشعة تحت الحمراء فيولد ما يُسمَّى بـ “النجم الابتدائي” (The pro-or proto-star).
وتستمر جزيئات المادة في هذا النجم الأولي في التجمع والانجذاب أكثر نحو المركز حتى تتجمع الكتلة اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي؛ فتزداد الاصطدامات بينها، ويزداد الضغط إلى الدرجة التي تسمح ببدء التفاعلات النووية الاندماجية بين نوى ذرات الإيدروجين، فيتوهج النجم الأولي وتنطلق منه الطاقة، وينبثق الضوء وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل إلى طور النضج المسمَّى باسم “نجوم النسق الرئيسي” (Themain sequence stars)، ويستمر النجم في هذا الطور غالبية عمره (نحو 90% من عمره)؛ حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحرارة والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم.
وينتج عن استمرار التفاعلات النووية في داخل “نجم النسق الرئيسي” استهلاك كميات كبيرة من غاز الإيدروجين الذي يتحول إلى الهيليوم، وبالتدريج تتخلق العناصر الأثقل من مثل الكربون والنيتروجين والأكسجين والسيليكون، وفي مراحل لاحقة يتحول لب النجم إلى الحديد، فتتوقف عملية الاندماج النووي، ويدخل النجم في مرحلة الاحتضار على هيئة النموذج الأول لانفجار المستعر الأعظم (TypeI Supernova Explosion)، وينتهي به إلى دخان السماء عبر مراحل من العمالقة الحمر (Red Giants)، ثم مرحلة النجوم الزرقاء شديدة الحرارة المحاطة بهالة من الإيدروجين المتأين والمعروفة باسم السدم الكوكبية Planetary Nebulae))، ثم مرحلة الأقزام البيض(Dwarfs White)إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم قليلة نسبيًّا؛ أي في حدود كتلة الشمس تقريبًا.
أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم عدة مرات قدر كتلة الشمس، فإنه يمر بمراحل من العمالقة العظام (Super giants) ثم النموذج الثاني لانفجار المستعر الأعظم (TypeII Supernova Explosion) الذي تتبقى عنه النجوم النيوترونية (NeutronStars) أو الثقوب السوداء (Black Holes)، التي تبتلع كل ما تمر به أو يصل إلى أفق حدثها (EventHorizon) من مختلف صور المادة والطاقة.
رسم تخطيطي يوضح دورة حياة النجوم
وغالبية نجوم السماء من النوع العادي, أو ما يعرف باسم “نجوم النسق الرئيسي” (MainSequenceStars) التي تمثل مرحلة نضج النجم وأوج شبابه, وهي أطول مرحلة في حياة النجوم؛, حيث يمضي النجم 90% من عمره في هذه المرحلة, التي تتميز بتعادل دقيق بين قوى التجاذب إلى مركز النجم -الناتجة عن دوران النجم حول محوره- وقوى دفع مادة النجم إلى الخارج -نتيجة لتمدده بالحرارة الشديدة الناتجة عن عملية الاندماج النووي في لبه- ويبقي النجم في هذا الطور حتى ينفد وقوده من غاز الإيدروجين, أو يكاد ينفد, فيبدأ بالتوهُّج الشديد حتى تصل شدة إضاءته إلى مليون مرة قدر شدة إضاءة الشمس, ثم يبدأ في الانكدار التدريجي حتى يطمس ضوؤه بالكامل, ويختفي كلية عن الأنظار على هيئة النجم الخانس الكانس أو (الثقب الأسود), عبر عدد من مراحل الانكدار.
ومن النجوم المنكدرة ما يعرف باسم السدم الكوكبية (Planetary Nebulae),والأقزام البيض (WhiteDwarfs), والنجوم النيوترونية (Neutron Stars), ومنها النابض وغير النابض,وغيرها من صور انكدار النجوم([1]).
- انتهاء الشمس على صورة نجم قزم:
شمسنا عبارة عن نجم في مرحلة نجوم النسق الرئيسي -مرحلة الشباب- ولذلك نلاحظ عليها استقرارًا في خصائصها، فلا تخرج علينا يومًا بيضاء شديدة، ثم تبدو مثل نجم خافت في يوم آخر، يقول العلماء:
- The sun appears appears to have been active for 4. 6 billion years and has enough fuel to go on for another five billion years or so.
- The sun is destined perish as a white dwarf.
وهذا يعني “أن الذي يظهر أن الشمس قد كانت نشطة منذ 4,6 ألف مليون سنة، وأنها تمتلك الطاقة الكافية لتكمل خمسة آلاف مليون سنة أخرى”. “وإنه يقدر للشمس انتهاؤها مثل نجم قزم”.
إن الشمس تفقد ملايين الأطنان من كتلتها لتشع الطاقة في فضاء المجموعة الشمسية، وهو مقدار ضخم، ولكنه جزء تافه من كتلة الشمس البالغة 2 بليون بليون طن، إلى درجة أننا لا نلاحظ النقص في كتلتها من يوم إلى آخر، ولا حتى طول العمر؛ لأنها في خلال المليون سنة الأخيرة فقدت جزءًا من ألف جزء من كتلتها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الشمس تتغير ببطء، فإنها بالتأكيد سوف تموت؛ لأنها بمضي الزمن سوف تستهلك كل مخزونها من الوقود النووي “الإيدروجين” في قلبها، وبهذا يقف هذا المفاعل النووي الاندماجي عن العمل، ولن يستطيع مركز الشمس أن يقاوم وزن المناطق الخارجية لها التي تضغط إلى الداخل، وعندئذٍ يبدأ قلب الشمس في التقلص([2]
).
يؤكد العلماء أن الشمس تحرق من وقودها ملايين الأطنان كل ثانية؛ ومن ثم سوف يأتي يوم تستنفد فيه وقودها وتتكور على نفسها ويذهب ضوؤها
إن ما للشمس من وهج، يتكون من اندماج في داخل باطن الشمس لذرتين من الهيدروجين مما ينتج الهيليوم، ونفاد الهيدروجين من باطن الشمس وتوافر الهيليوم، يحدث اضطرابًا وعدم توازن في جسم الشمس؛ لأن الهيليوم أثقل من الهيدروجين بأربع مرات، وعندما تلجأ الشمس إلى حركة تعيد توازنها فينتفخ الجزء الخارجي من الشمس ويتقلص لبها.
وعندما يكون اللب أضعف من أن يسند الجزء الخارجي من الشمس، ينهار جسم الشمس على بعضه -بسبب جاذبية أجزاء بعضها إلى بعضها الآخر- فتنكمش الشمس انكماشًا سريعًا مفاجئًا، فتتقارب الذرات تقاربًا شديدًا حتى تكاد تتداخل، وهذا هو التكوير.
ولكن قوة التنافر بين الذرات تحافظ على مسافة بينها تمنع الالتحام؛ فتتعادل قوى التنافر الكهربائي مع قوى الجذب الناتج عن التكوير، عندها يحصل شيء من التوازن في الشمس، وتسمَّى تلك المرحلة علميًّا بمرحلة “القزم الأبيض”، فلا يبقى من نورها إلا ضوء خافت واهن.
وقد لاحظ العلماء -الذين يراقبون ولادة النجوم وموتها- أن النجوم التي أكبر من شمسنا بمرة ونصف المرة تصل إلى مرحلة التكوير ثم تتلاشى وتنفجر دون أن تتوازن، فلا تصل إلى حالة “القزم الأبيض”، بينما النجوم التي تقارب حجم شمسنا، فإنها تؤول إلى حالة مستقرة تمامًا مع انخفات ضوئها([3]).
2) التطابق بين الحقيقة العلمية و ما أشارت إليه الآية الكريمة:
يقول المشككون: إن في قوله تعالى:)إذا الشمس كورت (1)((التكوير)، دليل على عدم كروية الشمس؛ لأن الآية تشير إلى أن تكويرها سيتم في زمان آت، وهذا يعني أنها ليست كروية الآن، وهذا غير صحيح؛ ذاك أن كروية الشمس لا تحتاج إلى إثبات كما أن وجودها لا يحتاج إلى إثبات.
ونحن نتفق مع المشككين في ذلك، فكروية الشمس لا تحتاج إلى دليل، ولكن الآية لا تتحدث عن كروية الشمس، ولكنها تتحدث عن مرحلة من حياة الشمس، وهي وقت نهايتها عندما تتكور على نفسها ويذهب ضوؤها، وهذه المرحلة من حياة الشمس أثبتها العلماء حديثًا. وفي بيان المدلول اللغوي للفظة “التكوير” واستعراض أقوال المفسرين في الآية ما يؤكد هذا المعنى ويعززه.
- الدلالة اللغوية للآية الكريمة:
التكوير في اللغة بمعنى اللف والجمع، يقول صاحب مختار الصحاح: “كور: كار العمامة على رأسه؛ أي: لاثها، وكل دور كور، وقوله تعالى:)إذا الشمس كورت (1)((التكوير)، قال ابن عباس: غُوِّرت، وقال قتادة: ذهب ضوؤها، وقال أبو عبيد: كورت مثل تكوير العمامة تلف فتمحى”([4]).
ويقول ابن منظور: “وأصله من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، وكوِّرت اضمحلت وذهبت، ويقال: كرت العمامة على رأسي أكورها وكورتها أكورها إذا لففتها، وقال الأخفش: تلف فتُمْحَى، وقال أبو عبيدة: كورت مثل تكوير العمامة تلف فتمحى، وقال قتادة: كوِّرت ذهب ضوؤها، وهو قول الفراء، وقال عكرمة: نزع ضوؤها، وقال مجاهد: كورت دُهْوِرت، وقال الربيع بن خيثم: كورت رمي بها. وكورته فتكوَّر؛ أي: سقط”([5]).
- من أقوال المفسرين في الآية الكريمة:
قال ابن كثير: “قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:)إذا الشمس كورت (1)((التكوير)، يعني: أظلمت. وقال العوفي عنه: ذهبت. وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت. وكذا قال الضحاك. وقال قتادة: ذهب ضوؤها.
قال ابن جرير: والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض، ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها”([6]).
قال الشيخ الطاهر ابن عاشور: “وتكوير الشمس: فساد جرمها لتداخل ظاهرها في باطنها، بحيث يختل تركيبها فيختل لاختلاله نظام سيرها، ومن قولهم: كور العمامة، إذا أدخل بعضها في بعض ولفها، وقريب من هذا الإطلاق إطلاق الطي في قوله تعالى: )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب(“([7])(الأنبياء:104).
قال صاحب الظلال: “إن تكوير الشمس قد يعني برودتها، وانطفاء شعلتها، وانكماش ألسنتها الملتهبة التي تمتد من جوانبها كلها الآن إلى ألوف الأميال حولها في الفضاء، كما يتبدى هذا من المراصد في وقت الكسوف، واستحالتها من الغازية المنطلقة بتأثير الحرارة الشديدة التي تبلغ 12000 درجة، والتي تحوِّل جميع المواد التي تتكون منها الشمس إلى غازات منطلقة ملتهبة ـ استحالتها من هذه الحالة إلى حالة تجمُّد كقشرة الأرض، وتكور لا ألسنة له ولا امتداد”([8]).
من خلال ما سبق نستطيع أن نقول: لا يوجد بين المعاني اللغوية للفظة “التكوير” أو بين أقوال المفسرين ما يشير إلى أن الشمس ليست كروية، وأنها ستكور مستقبلاً -بالمفهوم الذي قصده المشككون- ولكن أقوال المفسرين جميعها وكذلك المعنى اللغوي للفظة التكوير يؤكدان ما أثبتته الاكتشافات العلمية الحديثة من أن النجوم تولد، ثم تمر بمراحل عدة إلى أن تصل في النهاية إلى نجم لا ضوء فيه.
3) وجه الإعجاز:
تخبرنا القياسات الحديثة لكتلة الشمس وما تفقده كل ثانية من وزنها بسبب التفاعلات الحاصلة في داخلها، التي تسبب خسارة ملايين الأطنان كل ثانية! هذه الخسارة لا نحس بها ولا تكاد تؤثر على ما ينبعث من أشعة ضوئية من الشمس بسبب الحجم الضخم للشمس، ولكن بعد آلاف الملايين من السنين سوف تعاني الشمس من خسارة حادة في وزنها؛ الأمر الذي يسبب نقصان حجمها واختفاء جزء كبير من ضوئها، ويقود إلى انهيارها، وهذا يتطابق مع ما أخبر الله عنه، فقد تحدث الخالق عز وجل عن تلك المرحلة الدقيقة من حياة شمسنا في الآية الأولى من سورة التكوير بقوله تعالى: )إذا الشمس كورت (1)( ([9])(التكوير).
(*) منتدى: الملحدين العرب www.el7ad.com.
[1]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص258-261.
[2]. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، القسم الأول، ص104.
[3]. حول شبهة إدراك الشمس للقمر، د. عبد الرحيم الشريف، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.
[4]. مختار الصحاح، مادة: كور.
[5]. لسان العرب، مادة: كور.
[6]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج4، ص475.
[7]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج15، ج30، ص141.
[8]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج6، ص3838.
[9]. نهاية الشمس، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.