توهم صحة حديث “طوبى شجرة في الجنة”
وجها إبطال الشبهة:
1) إن حديث «طوبى شجرة في الجنة» باطل سندا لعلل كثيرة في إسناده؛ إذ في رجال إسناده من عرف بالوضع والكذب مثل: محمد بن زياد اليشكري، وفرات بن أبي الفرات، كما أن الحديث باطل متنا برواياته المتعددة التي تدل على أنه من وضع الشيعة.
2) جمهور المفسرين على أن طوبى تعني: الثواب العظيم الجزيل الذي أعده الله للمؤمنين في الجنة، فهل خفي هذا الحديث – على فرض صحته – على جميع المفسرين، أم أنهم خالفوا تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أما من فسرها بأنها شجرة، فقد اعتمد على هذا الحديث الباطل.
التفصيل:
أولا. بطلان حديث «طوبى شجرة في الجنة» سندا ومتنا:
إن حديث: «طوبى شجرة في الجنة» أخرجه الطبري في تفسيره عند تفسير قوله تعالى: )الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (29)( (الرعد)، قال: «حدثنا الحسن بن شبيب، قال: حدثنا محمد بن زياد الجزري عن فرات بن أبي الفرات عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )طوبى لهم وحسن مآب (29)( (الرعد): شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه، نبتت بالحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء الجنة»[1].
يقول الشيخ أحمد شاكر عند تخريجه لهذا الحديث في حاشية التفسير: “وهذا خبر هالك الإسناد، وحسبه ما فيه من أمر محمد بن زياد، ولم أجده عند غير الطبري، والحسن بن شبيب بن راشد شيخ الطبري، قال ابن عدي: حدث عن الثقات بالبواطيل، ووصل أحاديث هي مرسلة” [2].
لذلك قال الألباني موافقا الشيخ أحمد شاكر عند تخريج هذا الحديث في “ضعيف الجامع “(4/13): أخرجه ابن جرير عن قرة بن إياس، ثم ذكر أنه “موضوع”.
ويظهر هلاك هذا الإسناد بآفته “محمد بن زياد”.
قال البخاري في محمد بن زياد: “صاحب ميمون بن مهران، قال لي عمرو بن زرارة: كان محمد بن زياد يتهم بوضع الحديث”[3].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، فيما كتب إلي، قال: سألت أبي عن محمد بن زياد قال: كان أعور كذابا خبيثا، يضع الأحاديث. حدثنا عبد الرحمن، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا عمرو بن علي أن محمد بن زياد صاحب ميمون بن مهران كان كذابا متروك الحديث”[4].
ويتضح الإجماع على ترك محمد بن زياد من الرجوع إلى “تهذيب التهذيب” لابن حجر؛ حيث يقول: “قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألته – يعني أباه – عن محمد بن زياد كان يحدث عن ميمون ابن مهران، فقال: كذاب خبيث يضع الحديث.
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ما كان أجرأه، يقول: حدثنا ميمون بن مهران في كل شيء.
وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: ليس بشيء، كذاب.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت ابن معين يقول: كان ببغداد قوم كذابون يضعون الحديث، منهم محمد بن زياد كان يضع الحديث… وقال الجوزجاني: كان كذابا، وقال أبو زرعة: كان يكذب… وقال أبو حاتم العجلي: متروك الحديث، وذكره ابن البرقي في طبقة الكذابين.
وقال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات، ولا يحل ذكره في الكتب إلا على وجه القدح فيه”[5].
وذكر الذهبي في “الميزان”، فقال عنه: “قال أحمد: كذاب أعور، يضع الحديث. وروى إبراهيم بن الجنيد وغيره عن ابن معين: كذاب. وقال ابن المديني: رميت بما كتبت عنه، وضعفه جدا، وقال أبو زرعة: كان يكذب. وقال الدارقطني: كذاب”[6].
وقال الخطيب البغدادي: “قال أبو عيسى الترمذي: محمد بن زياد صاحب ميمون بن مهران: ضعيف في الحديث جدا، أخبرنا البرقاني، أخبرنا أحمد بن سعيد بن سعد، حدثنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي، حدثنا أبي قال: محمد بن زياد يروي عن ميمون بن مهران، متروك الحديث”[7].
وإذا كان محمد بن زياد علة في إسناد الحديث، فإن هناك علة أخري متمثلة في فرات بن أبي الفرات، ترجم له الذهبي في “الميزان “فنقل عن يحيى بن معين أنه قال: “ليس بشيء. وقال ابن عدي: الضعف يتبين على رواياته”[8] وإلي جانب هذه العلة توجد علة ثالثة تتمثل في الحسن بن شبيب، قال ابن عدي: “حدث بالبواطل عن الثقات”، وساق في ترجمته أحاديث من بواطيله[9].
هذا فيما يتعلق بإسناد الحديث، أما إذا عدنا إلى متن الحديث وجدنا أثر الوضع ظاهرا واضحا؛ وذلك إذا تتبعنا الروايات المتعددة للمتن، كما ذكر القرطبي عند تفسير قوله تعالى: )الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (29)( (الرعد) قال أبو جعفر محمد بن علي: «سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله تعالى: )طوبى لهم وحسن مآب(، قال: “طوبي شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة، ثم سئل عنها مرة أخرى، فقال: “شجرة أصلها في دار علي وفروعها في الجنة”، فقيل له يا رسول الله: سئلت عنها فقلت: “أصلها في داري وفروعها في الجنة”، ثم سئلت عنها فقلت: شجرة أصلها في دار علي وفروعها في الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد».
وقد قال عنه الشيخ علي حشيش: “حديث غير صحيح، لم أقف له على أصل… وأثر الوضع ظاهر علي الحديث، ولم يكن هذا إلا من وضع الرافضة، وإلا لماذا لم يكن أصلها في دار أبي بكر أو في دار عمر؟! وكما يقول ابن القيم في كتابه “المنار المنيف”: “وأما ما وضعه الرافضة في فضائل علي فأكثر من أن يعد. قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب “الإرشاد”: وضعت الرافضة في فضائل علي – رضي الله عنه – وأهل البيت ثلاثمائة ألف حديث، ولا تستبعد هذا فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال”[10]. هذا فضلا على أن الحديث بهذا السند مردود بالسقط الظاهر من الإسناد في أوله وآخره، فلم يوجد إلا راو واحد، هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، قال الحافظ ابن حجر في “التقريب”: من “الرابعة”[11]، جل رواياته عن كبار التابعين، وبذلك يصبح الحديث مرسلا، فضلا على أنه معلق”[12].
ثانيا. آراء المفسرين في تفسير كلمة “طوبى”:
إذا عدنا إلي التفاسير فإننا نجد أنها أجمعت على أن كلمة “طوبى” معناها: منزلة ومكانة طيبة، قال القرطبي في تفسيره: “قال ابن عباس: )طوبى لهم(: فرح لهم وقرة عين، وعنه أيضا أن “طوبى” اسم الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن جبير، قال الربيع بن أنس: هو البستان بلغة الهند. قال القشيري: إن صح هذا فهو الوفاق بين اللغتين. وقال قتادة: )طوبى لهم(: حسنى لهم. وقال عكرمة: نعمى لهم. وقال إبراهيم النخعي: خير لهم، وعنه أيضا: كرامة من الله لهم. وقال الضحاك: غبطة لهم. وقال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة؛ لأن طوبى فعلى من الطيب؛ أي العيش الطيب لهم، وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب. وقال الزجاج: طوبى فعلى من الطيب، وهي الحالة المستطابة لهم”[13].
ويقول صاحب الكشاف: “ومعنى طوبى لك: أصبت خيرا وطيبا، وهي مصدر من طاب كبشرى وزلفى، والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها كموقن وموسر”[14].
قال صاحب التحرير والتنوير: “وطوبى: مصدر من طاب طيبا إذا حسن، وهي بوزن البشرى والزلفى، قلبت ياؤها واوا لمناسبة الضمة. أي لهم الخير الكامل؛ لأنهم اطمأنت قلوبهم بالذكر، فهم في طيب حال: في الدنيا بالاطمئنان، وفي الآخرة بالنعيم الدائم، وهو حسن المآب، وهو مرجعهم في آخر أمرهم”[15].
“فطوبى إذن كلمة عربية وردت عن العرب بمعنى إصابة الخير والطيب؛ فقد جاء في “لسان العرب” عن قتادة، أنها كلمة عربية، وتقول العرب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا، وأنشد:
طوبى لمن يستبدل الطود بالقرى
ورسلا بيقطين العراق وفومها”[16]
يقول الشيخ الشعراوي: “وطوبي من الشيء الطيب؛ أي: سيلاقون شيئا طيبا في كل مظاهره: شكلا ولونا وطعما ومزاجا وشهوة، فكل ما يشتهيه الواحد منهم سيجده طيبا، وكأن الأمر الطيب موجود لهم”[17].
ويقول صاحب التفسير الوسيط: طوبى: مصدر كبشرى وزلفى من الطيب، وأصله طيبى، فقلبت الياء واوا لوقوعها ساكنة إثر ضمة، كما قلبت في موقن وموسر من اليقين واليسر، وهذا بيان للثواب الجزيل الذي أعده سبحانه للمؤمنين الصادقين[18].
وهكذا وجدنا أن هذا الحديث موضوع من حيث السند والمتن، ووجدنا أن جمهور المفسرين على تفسير طوبى بالشيء الطيب الحسن الذي أعده الله – عز وجل – لعباده المؤمنين في الجنة، ومن ثم فلا داعي لترديد هذه الأحاديث الموضوعة، التي نسبت للنبي – صلى الله عليه وسلم – كذبا وبهتانا، ونحن نعلم عقوبة من يقول بالكذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي أن يتبوأ مقعده من النار.
الخلاصة:
- إن حديث “طوبي شجرة في الجنة “حديث باطل، وقد استدل علماء الحديث على وضعه بوجود علة في الإسناد، تتمثل في محمد بن زياد الجزري، الذي عرفه علماء الحديث بأنه كان من الوضاعين في الحديث، وكان من الكذابين، وهذا ما قال به جل علماء الحديث: البخاري، ومسلم، وأحمد بن حنبل، وابن حجر وغيرهم.
- لقد وجدت علة أخرى في الإسناد وتتمثل في فرات بن أبي الفرات، الذي عرف عنه الكذب، وكذا الحسن بن شبيب الذي حدث بالأباطيل عن الثقات، ومن هذا يتضح فساد القول بصحة الحديث.
- إن الناظر إلى متن الحديث برواياته المتعددة يجد أنه موضوع، من وضع الشيعة في فضائل سيدنا علي – رضي الله عنه – وقد عرف عنهم أنهم كانوا أكثر الناس وضعا للحديث، فقد كانوا يبغون من ذلك إظهار فضائل علي – رضي الله عنه – وأهل بيته الكرام، وقد اعترف بعضهم بذلك.
- إذا عدنا إلى التفاسير، فإننا نجد أن جمهور المفسرين على أن كلمة “طوبى” تعني مكانة عظيمة طيبة، أعدها الله – تبارك وتعالى – للمؤمنين في الجنة.
- لا داعي للقول بما ذهب إليه بعض المفسرين من أنها شجرة في الجنة، كما ورد في الحديث الذي ثبت بطلانه؛ إذ لا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه، كما قال ابن كثير، فهل مثل هذا يستدل به؟!
(*) دفاع عن السنة المطهرة، علي إبراهيم حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م.
[1] . موضوع: أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، (16/ 443). وقال الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (3830): موضوع.
[2]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، هامش (16/ 443).
[3]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الرسالة الثقافية، بيروت، د. ت، (1/ 83).
[4]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1372هـ/ 1952م، (7/ 258).
[5]. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (9/ 151).
[6]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (3/ 553،552).
[7]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (5/ 281).
[8]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (3/ 343).
[9]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (1/ 495).
[10] . المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2، 1403هـ/ 1983م، ص116.
[11]. تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، دار العاصمة، السعودية، ط1، 1416هـ، ص 879.
[12]. انظر: دفاع عن السنة المطهرة، علي إبراهيم حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص76،75.
[13]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (9/ 316).
[14]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية، القاهرة، د. ت، (2/ 359).
[15]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (7/ 138).
[16]. محاسن التأويل، جمال الدين القاسمي، دار الحديث، القاهرة، 1424هـ/ 2003م، (6/ 228).
[17]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مطبعة أخبار اليوم، القاهرة، د. ت، (12/ 7329).
[18]. التفسير الوسيط، د. محمد سيد طنطاوي، مطبعة السعادة، القاهرة، ط2، 1407هـ/ 1986م، (12/ 67) بتصرف يسير.